المحلل الإستراتيجي طراد العمري يتحدث

«من يجرؤ على الكلام» في مملكة سلمان؟

عبد الوهاب فقي

صعب أن تخالف التيار السياسي المسيطر، فتطرح آراءك بحرية.

حتى في الدول الديمقراطية، والتي تتمتع بهامش واسع من حرية التعبير، هناك خشية من المخاطرة في مجابهة التيار الرسمي، خاصة في أجواء التوتر والصراع والحروب.

فما بالك ببلدان مثل السعودية، التي تعيش منذ وصول الملك سلمان الى العرش عنفاً ووحشية ودموية فاقت ما شهدته سنوات الستينيات في عهد الملك فيصل، حين كان فهد ـ الملك فيما بعد وزيراً للداخلية ـ وكان المعارضون يختفون ويدفنون في أقبية السجون.

اليوم ومملكة آل سعود تواجه تياراً عالمياً، وليس إقليمياً أو محلياً فقط.. تياراً من الإنتقادات والمعارضة يكاد يشمل كل شيء، ويعرض الدولة السعودية نفسها وأسسها الى الإنقراض والتلاشي.

اليوم تواجه المملكة مرحلة غير مسبوقة من النقد، حتى يكاد العالم ان يُجمع العالم على أن الرياض ـ التي ظهرت بوجهها الحقيقي ـ تمثّل مشكلة مستعصية، وتولّد العنف في كل مكان امتدت يدها اليه.

فأيديولوجيتها الوهابية تلقى معارضة عالمية، لأنها مرجعية داعش والقاعدة، ولأنها تفرخ العنف داخل السعودية، وتصدر الفائض الكثير منه الى الخارج، مدعوماً بالرجال الإنتحاريين والأموال النفطية.

والسياسة السعودية أصبحت صدامية تجاه كل أحد تقريباً، بمن فيهم الحلفاء والأصدقاء.

وهي سياسة عدوانية لا يوجد في قاموسها محرمات، تعتمد التآمر على الخصم، في حروب غير نظيفة تشنها، وأحيانا في حروب علنية واضحة كما في اليمن.

هذه السياسة مدانة لدى اكثر العرب والمسلمين. وهي سياسة جاءت بالخراب في أكثر من بلد، غير اليمن وسوريا والعراق والبحرين والى حد ما لبنان، فضلاً عن العصف الدموي الذي يصيب الجزائر وتونس وماليزيا واندونيسيا ونيجيريا وعواصم غربية وغير غربية.

 
طراد العمري

لم تظهر السعودية مفضوحة كما هي اليوم.

ولم يظهر آل سعود بسواد الوجه كما هم عليه اليوم.

ولم تتعرض السعودية الى شفا الإفلاس او الخشية منه خلال عامين كما يحدث الآن.

ولم تذهب الرياض بها عريضة في حروبها الطائفية البغيضة ولاتزال، كما يحدث الآن.

السياسة والأيديولوجيا والتآمر والحروب وغيرها؛ كلها محط نقد حاد داخل البلاد وخارجها.

لكن من هو الشجاع الذي يجرؤ على نقد سياسة آل سعود، في ظل العهد السلماني العنفي، في وقت يشهد فيه الجميع آلاف المعارضين، وبينهم حقوقيين، وناشطين سياسيين، وهم يُقتادون الى السجون؟

من الذي يمتلك الجرأة ويقول كلمة الحق، في وقت تكلف المرء تغريدة واحدة السجن لسبع او عشر سنوات؟

بل ان احد قضاة آل سعود هدد بحكم الإعدام بحق المغردين الذين يفسدون في الأرض ولا يُصلحون!

أين هو المثقف الذي يرى الإنحدار الكبير في مؤسسات الدولة، والفساد الضارب فيها، والنهب الممنهج لخزينتها، والفشل التنموي على كل الأصعدة، فيحذر وينتقد؟

من يمتلك من المثقفين الجرأة ليقول أن الوهابية هي أساس البلاء، والعنف، وانها أداة استدعاء العالم ضدنا؟

من الذي يستطيع أن يقول لسلمان وابنه وزير الدفاع: كفى حرباً في اليمن. انها ليست حربنا، وانها حربٌ فاشلة وظالمة، ونهايتها الهزيمة للرياض وجندها؟

من الذي يمتلك الشجاعة فيقول ان (رؤية) محمد بن سلمان الإقتصادية مجرد وهم، وانها وسيلة للنهب، وانها استخدمت مطية لجعله الرجل الثاني في الدولة، وان البلاد لم تخرج من مأزقها الإقتصادي؟

من الذي يمكنه أن يقول لآل سعود إنكم أخطأتم مرة ثانية، فأهدرتم ثروة البلاد حين أغرقتم سوق النفط، وهبطتم بأسعاره، وان الاستمرار في هذه السياسة سيدمر البلاد والعباد، وليس ايران والعراق وروسيا وفنزويلا، وأنه آن الأوان للإتفاق ضمن اوبك للصعود بالأسعار من جديد؟

من هو المثقف المستعد للسجن، الذي يقول لآل سعود: أوقفوا تدخلاتكم وحروبكم في سوريا، فرحيل الأسد أسوأ من أن تتولى المعارضة الداعشية والقاعدية من جبهة النصرة.. الحكم؟

من هو الشجاع بين النخب المسعودة، الذي يحذر من الفتنة الطائفية التي تشعلها الرياض، وهي تعلم ان الوهابية وأتباعها أقلية في المملكة، وان الحرب الطائفية في الخارج لها ارتدادات في الداخل قوية، تفتت المجتمع، فضلا عن ان استخدامها ضمن الحرب أمر غير أخلاقي؟

من هو الباحث عن العدالة الذي يجرؤ أن يقول للقضاة السعوديين أن قضاءكم فاسد، ويذكرهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، لعلهم يرتدعون ولا يوجهون له تهمة (إهانة القضاء)؟

أم هل هناك من يوجه كلمة الى المفتي ناصحاً بتخفيف الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان، وان يكف عن مداهنة السلطات التنفيذية، دون ان يتعرض لأحكام قراقوشية، لأن نقد آل سعود والمفتي ممنوع قانوناً؟

ثم من بقي من الحقوقيين لم يُسجن بعد، ولم يفرّ بجلده الى خارج البلاد، فيقول لوزير الداخلية ولي العهد محمد بن نايف: كفى قمعاً، كفى إعدامات؟ كفى استخدام قضاة يبصمون على اعدام المواطنين لأتفه الأسباب؟

حكام المملكة اليوم لا يتحملون أدنى نقد.

لا يستطيعون سماع صوت مختلف من بين آلاف الأصوات المصفّقة.

التحقيق والمنع من الكتابة في الصحف وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وكذل المنع من السفر، والطرد من الوظيفة، هذا غير المحاكمات والسجون، هي ما ينتظر المخالفين.

المملكة اليوم متوترة.

ونخبها النجدية الأقلوية المتحالفة مع آل سعود، سواء كانت نخباً تكنوقراطية او اعلامية او ثقافية او دينية مذهبية وهابية.. هذه النخب التي تسيطر على كامل الدولة وبجميع حمولتها ومؤسساتها ومغانمها، هي أول من يستشعر الخطر على الحكم، وأول من يتوتر تبعاً لتوتر النظام.

ولأن السكين وصلت حدّ العظم، وبات الجميع يدرك حقيقة ان الدولة السعودية من أساسها مهددة بخطر الزوال، وليس فقط مؤسسة الحكم، فإن هذه النخب في أغلبيتها الساحقة، لا تتحمل ايضاً أي صوت ناقد، حتى ولو كان نصيحة تمنع الانزلاق الى مزيد من الأخطار والانهيارات.

كأننا في مرحلة: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

كل الأصوات وكل الجهود يجب ان تجند للمعركة السلمانية، وان تتطابق مع سياسات الدولة.

ان أراد آل سعود حرباً طائفية فكلهم طائفيون.

وإن قال النظام بالصلح مع اسرائيل، وأرسل الورود والوفود.. فكلهم مع هذه السياسة، ولا يقبلون سماع غيرها، وأن لا عدو غير ايران.

واذا كان الحرب على اليمن هو رأي النظام، فالجميع يتحزم لها، ولو كلاماً، او بالفتيا!

واذا اصر النظام على مواصلة تأجيج الحرب في سوريا، فالجميع يجب ان لا يختلف مع، أو يتخلّف عن، هذه السياسة، ومن يفعل كما حدث مع الطبيب المكي بندر قدير، يُزج به في السجن، ويُفصل من وظيفته، وكان كل جرمه: تأييد قصف داعش والنصرة!

لا وقت للمراجعة في مملكة آل سعود.

لا وقت للصوت الآخر المحذر والمنذر من ارتكاب المزيد من الأخطاء والحماقات.

فمن يشذّ في هذا الظرف العصيب؟

 
حسن المالكي: عقوبات وهابيّة

لا تستطيع ان تميّز اليوم بين ما يكتبه مشايخ التطرف الوهابي النجدي من طائفية وعنصرية وغيرها، وبين ما يكتبه الأكاديمي النجدي، او المثقف العلماني منهم، او من يزعم الليبرالية. كلهم ـ تقريباً ـ أخرجوا قيحهم الطائفي، وكلهم مع تسعير الحروب، وكلهم يرون قمع الرأي الآخر، ويتبنون اجندة النظام ومفرداته الاعلامية والدعائية، بدون تردد.

لا ألوان مختلفة، فهذا كلّه ترف. المهم ان يتم المحافظة على أصل بقاء الدولة المهددة، كما يكرر على مسامعنا الدكتور تركي الحمد.

المهم ان يكون الصراع مستعراً بين السنة والشيعة، وبين ايران والسعودية، وان تواصل الرياض حروبها في سوريا واليمن والبحرين وغيرها، كما يدعو الناقد النجدي عبدالله الغذامي، الذي جاءته لوثة السياسة فدخلها مضطرا لحماية الدولة النجدية المهددة بخطر السقوط.

لكن هذا لا يحميها بأي حال.

هذا يزيد في انتكاسها أكثر فأكثر، حين يغيب صوت العقل، ولا نظن أنه بقي عقل لدى آل سعود والنخبة النجدية المحيطة بهم وتدير الدولة معهم.

لكن هناك استثناءات جدُّ محدودة.

فقد ظهر بين الكتاب والصحفيين السعوديين بضعة أفراد لا يزيدون عن العشرة، أبدوا تميّزا حذراً، لا يخلو من شجاعة كبيرة في مواجهة طغيان الرأي الواحدي الأحادي، الذي يسوق البلاد وأهلها الى الهلاك.

في المجال الإقتصادي، ظهر لنا برجس البرجس، ككاتب متميز، في الصحافة، وفي موقعه على تويتر. وعموماً فالنقد في الإقتصاد والخدمات، أهون، وهو مسموح به للبعض حسب قربهم (المناطقي) من دائرة السلطة. ولو قال آخرون ما قاله برجس البرجس من منطقة أخرى، لكان في السجن، وليس فقط المنع من الكتابة.

لكن كتابات البرجس المتميزة الناقدة للهدر والفساد المالي، لم تقطع الخطوط الحمراء. لم تصل الى الأمراء.

وهناك وكيل وزير المالية السابق، الدكتور عبدالعزيز محمد الدخيل، الذي له كتابات عديدة في الصحف المحلية، وقد منع من الكتابة مراراً وتكراراً، كما انه ألف العديد من الكتب بالعربية والإنجليزية. تخصص هذا الكاتب استراتيجي في الجانب الإقتصادي، فهو يعتقد ان البلاد تتجه الى الهاوية مالياً واقتصادياً، بسبب سوء التعليم، والهدر المالي بفعل الفساد، وسوء التخطيط والإدارة، وغيرها. وقد كرر رؤاه في كثير من كتاباته. وحين أطل علينا محمد بن سلمان بـ (رؤية 2030) وضع أمامنا الدخيل عشرات الصفحات التي تبين وجهة نظره، وكيف ان هذه الخطة لن تنجح، وهي مجرد كلام في كلام، وبيّن مواقع الخلل فيها. وقد كان الدخيل سبّاقاً في هذا الأمر، إذ أحجم الكتاب عن نقدها خوفاً من هذا الشاب الذي لم يكمل الثلاثين عاماً وهو يسيطر على اقتصاد البلاد ودفاعها وادارتها بشكل شبه كلي.

أيضاً ما أنقذ الدخيل من العقاب الملكي الصارم، خاصة وانه كرر مقولاته بالفيديو في إحدى الديوانيات، كونه نجدياً ايضاً، وهناك صلة قرابة ولو بعيدة مع آل سعود.

ومن الأصوات التي ظهرت لنا تنتقد الوهابية دون أن تسميها بالوهابية وإنما (السلفية التقليدية) المفكر محمد علي المحمود، الكاتب في صحيفة الرياض، فهذا الرجل فضلاً عن أنه متديّن، فهو علمي ومتخصص، وقد أدرك منذ أحداث سبتمبر 2001 ان الوهابية سبب بلاء البلاد ومصدر العنف الداخلي والخارجي، وانه آن الأوان للتخلي عنها ومواجهتها، وتربية الأجيال الجديدة على نمط ثقافي وفكري غير ما تنتجه.

المحمود، تعرض للمضايقات ولازال، فهو ينتقد أيديولوجية الدولة، وإن كان لا يتعرّض لمسألة (تبنّي) آل سعود لتلك الأيديولوجية، ولا يسميها بشكل صريح، وهو عموماً ينصح المعنيين من بعيد جداً. زيادة على هذا، فالمحمود شخصية شجاعة في النقد، يكتب ضمن المسموح رسمياً للبعض، وهو لم يخرق الخطوط الحمراء الرسمية، وإن خرق محرمات المؤسسة الدينية، التي تكفره وتبغي عليه. وبصورة من الصور، فإن هذا النقد يمكن تصنيفه ضمن الخصومات بين التيارات الداخلية، أكثر من كونه محاولة للإصلاح، مع ان دعوات المحمود لا تبتغي هذا، وهي تحثّ (المعنيين) على وضع حد لهذه الأيديولوجية الوهابية البائسة، وإلا فإن الإضطراب والعنف والدموية واستعداء الخارج على البلاد وأهلها سيستمر.

نموذج آخر، هو حسن فرحان المالكي، لكنه يختلف عن البقية كونه ليس نجدياً، بل من المنطقة الجنوبية التي يكنّ لها التيار الحاكم الإحتقار، رغم انها هي التي تحارب وتدافع عن النظام اليوم في اليمن.

كان المالكي وهابياً، رغم اصوله الشافعية او الزيدية كما يقال. وكان معلماً، وممن يعدّ المناهج الدينية.

امضى نحو ثلاثين عاماً وهو يناقش الأصول الفكرية والدينية التي تعتمد عليها الوهابية، وألف مجموعة كتب تنتقد محمد بن عبدالوهاب او بعض آرائه على الأقل، كما انتقد بتوسع مقالات وفتاوى وأفكار ابن تيمية.

ولأنه غير محصّن مذهبياً او مناطقياً، فصل من عمله، ومنع من السفر، وحُرّمت عليه الكتابة في الصحف والظهور في الإعلام المحلي والخارجي، فلم يبق له إلا مواقع التواصل الاجتماعي. ومع هذا، وبعد أن أعيت مشايخ الوهابية الحيلة، حتى في النقاش، حرضوا السلطة عليه لتعتقله، وقد اعتقل لأشهر عديدة، رغم أنه لا علاقة له بالسياسة والمعارضة، شأنه شأن الآخرين.

ولازال حسن فرحان المالكي، من جيزان، يقارع بالقلم قدر استطاعته، رغم تكفيره والتحريض عليه.

تجدر الإشارة الى أن الكتاب من المناطق الأخرى لا حصانة لهم، فما أن يبادر أحدهم بالنقد بشخصه، أو بالسماح لمقالة تمرّ ولو بالخطأ في الصحيفة، فإنه يُحمّل المسؤولية ويتم طرده. حدث هذا مع قينان الغامدي رئيس تحرير صحيفة الوطن، فطرد منها، ثم تولى رئاسة تحرير الشرق فطرد منها. ومثله جمال خاشقجي، الذي هو سلطوي، ومع هذا لم يشفع له ذلك، ولا متسع له من الحرية كما للكتاب والصحفيين النجديين.

 
د. عبدالعزيز الدخيل: التبشير بالأزمة الإقتصادية

اليوم تظهر لنا شخصية جديدة، غير نجدية أيضاً.

إنه طراد العمري. كاتب ومحلل استراتيجي للأحداث السياسية. وهو ايضاً ليس معارضاً، ولا يعتقد بمعارضة آل سعود. لكنه ـ شأن كثيرين ـ يرى ان البلاد تسير بلا بوصلة، وأنها سفينة تترنّح وستغرق كل من عليها بسبب القيادة النجدية المريضة بالإستعلاء والتعصّب والتكفير والعنف، والإثرة.

طراد كان يكتب في الصحف المحلية، وفي صحيفة الحياة، ويبدو أنه قد تم منعه.

كان مؤيداً لحرب اليمن، وقد حدد خيارين للحكومة السعودية، قبل ان تنطلق الحرب: اما ان تغلق حدودها، وتترك اليمنين وشأنهم، وتدرأ عن نفسها آثار الصراع الداخلي. أو ان تقوم بهجوم على الحوثيين وتغلق المطارات وتحاصر الموانئ، وتنهي المعركة بسرعة. وكان هذا هو رأي طراد قبل أن تقع الحرب بأيام، وكان يتوقع انها ستؤتي ثمارها بسرعة.

الذي حدث غير ذلك، فكانت له مراجعات في السياسة الخارجية السعودية كثيرة.

فهو قد كتب أكثر من مرة بأن لا فائدة من الصراع مع ايران، بالطريقة التي تدار بها اليوم، وهو ضد التجييش الطائفي. كما أنه ضد الإنخراط في الصراع في سوريا، ومن رأيه ان الأسد أقل سوءً من المعارضة الحالية الداعشية والقاعدية وغيرها. وهو وإن أمل خيراً من (رؤية ٢٠٣٠)، إلا انه سرعان ما شعر بأنها مجرد كلام في الهواء. وزاد وطلب من الحكومة السعودية ان تنسحب من اليمن، وهو أمرٌ لا يقوله إلا من هو مستعدّ لصفعات من النظام وانتقامه.

فضلاً عن هذا، امتدح طراد في أحد مقالاته سلطنة عُمان وسياستها الخارجية والداخلية، وطالب الدول الخليجية الاخرى بأن تقتفي أثرها، وهذا أكبر من أن تتحمّله معدة الطائفيين، النجديين، فاتهمه عبدالعزيز عثمان التويجري رئيس المنظمة العربية للثقافة والعلوم، بأنه يخدم الأعداء.

وعموماً، فإن طراد لازال يوصل رسائله في مقالات متتالية في الصحافة الالكترونية العربية وعبر موقعه في تويتر، حيث لا يجرؤ احد أن ينشر له مقالاته، محلياً. وزاد على ذلك بأن قام بتقديم فقرات على اليوتيوب مصورة له بالصوت والصورة تبث آراءه.

فيما يلي استعراض لبعض مواقف طراد العمري، التي تعبر عن شجاعة في مواجهة تغول الموقف الرسمي واستمرائه الأخطاء الفادحة:

ضرورة الإنسحاب من اليمن

على حدّ علمنا، لم يجرؤ كاتب واحد، ان يعترض على الحرب العدوانية السعودية على اليمن.

نعم قبل ان تقع الحرب، تمنّى البعض ان لا تقع الحرب.

وكان هذا البعض يبين انها خاسرة.

لكن ما أن أعلنتها العائلة السعودية الحاكمة، فقد أمسك البعض عن الكلام، واكثريتهم أيدوها مادامت الحكومة السعودية قد أعلنتها، وكأن شعارهم هو: (وهل أنا إلا من غُزيّة إن غَوَت/ غويتُ وإن ترشدْ غزيّة أرشدِ).

ما كتبه ودعا اليه طراد العمري بشأن الإنسحاب من اليمن، هو رأي شجاع وغير مسبوق، لم يقله صحفي من قبل او يكتبه حتى على شكل تغريدة في مواقع التواصل الاجتماعي.

فبعد فشل مفاوضات الكويت، واعلان تشكيل المجلس السياسي في صنعاء من قبل أنصار الله وحزب المؤتمر العام، اقترح طراد العمري على الرياض، إستغلال القرار الأحادي من الفصائل اليمنية، بإعلان السعودية الإنسحاب وترك اليمن وشأنه. وأضاف: (يستحسن بالسعودية أن تعلن بشكل عاجل للعالم إنسحابها، وأنها عملت ما بوسعها لإنقاذ اليمن، وأنها قررت ترك اليمن وشأنه للشعب اليمني ليقرر حاضره ومستقبله السياسي، ويتحمل الطرف المتمرد والمنشق كل التبعات والعواقب).

جاء ذلك في مقالة تحت عنوان: (إنسحاب السعودية من أزمة اليمن). وبرر طراد الأمر بأن بعض مكونات الشعب اليمني استطابت السلطة، واستغلت المتغيرات الإقليمية والدولية لإطالة أمد الحرب، وإظهار السعودية بمظهر المعتدي؛ وإذن: (حسناً، فليكن لهم ذلك).

ومع اعترافه بصعوبة اتخاذ قرار كهذا، فهو (لكثير من الساسة بأنه فشل، ويعني لكثير من العسكر بأنه إخفاق). ولكن هذا الإخفاق ـ الهزيمة في الواقع ـ متحمَّلة حسب رأيه، (فالشجاعة السياسية، والنجاح العسكري، يتجلى في إتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، سواء كان ذلك في الحرب أو السلم. ونجادل بأن ليس أنسب من هذا التوقيت لإعلان إنسحاب السعودية ودول التحالف العربي من أزمة اليمن وتركه وشأنه).

وفي التفصيل اقترح (أن تدعو السعودية لمؤتمر قمة لدول التحالف بشكل عاجل، يتم الإعلان فيه، أنه بسبب القرار الأحادي من قوى المعارضة، وجهودهم في تعطيل أي حل سياسي، فإن جهود السعودية ودول التحالف الرامية لإنقاذ اليمن، قد وصلت إلى طريق مسدود، ولذا تعلن السعودية ودول التحالف إنسحابها من أزمة اليمن، ووقف كل تدخل في شؤونه الداخلية، مع أي طرف من الأطراف، وتطالب المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتحمل مسئوليته. هذا الإعلان من السعودية قائدة التحالف، هو تأكيد على أن السعودية ودول التحالف يملكون الشجاعة السياسية لكي يكونوا صقوراً في الحرب والسلام أيضاً).

ويحذر طراد العمري المسؤولين السعوديين من (العناد السياسي والعسكري) فهو (يعني الدخول في مستنقع عميق وطويل لا يمكن ان تظهر له أي نتائج ايجابية، تتفق مع الحد الأدنى الذي تؤمله السعودية). وأوضح ان الدول الكبرى تجر الرياض الى مستنقع سيء، وذلك باللعب على العنصر السيكولوجي السياسي في إدارة الحرب، المتمثل في الخوف من إعلان الفشل، مما يزيد من جرعة العناد والغوض اكثر في مستنقع الحرب، حسب تعبيره.

ويلفت طراد العمري النظر الى أن تكلفة الحرب بلغت (٢٠٠) مليون دولار يومياً (ستة مليارات دولار شهرياً). ثم إن (عدد الشهداء في قوات التحالف وصل إلى المئات وآلاف الجرحى، عدد كبير من الجرحى تتطلب حالاتهم علاج طويل الأمد).

سوريـا والسعـودية: كـابوس الرحيل

العنوان أعلاه، هو عنوان مقالة أخرى لطراد سعيد العمري. وتشرح أول جملة من المقالة الأمر بالتالي: (ليس هناك أسوأ من سيناريو رحيل الرئيس بشار الأسد عن الحكم في سوريا، سواء كان ذلك الرحيل «طوعاً أو كرهاً»، وبالحل السياسي أو العسكري).

هذا الكلام غير مسبوق ان يقوله كاتب صاحب رأي في السعودية. ونجزم ان الأفراد العاديين لا يجرؤون على قول ذلك إلا في مواقع التواصل الاجتماعي، وبإسم مستعار حتى لا يتم كشفهم.

وفلسفة طراد تقول، ان رحيل الأسد يعني تولي الدول التي تسقطه وبينها السعودية مسؤولية ادارة سوريا، و(تنظيفها من أكثر من ١٠٠ تنظيم مسلح، وإعادة المشردين والنازحين إلى ديارهم، وغربلة أو حل حزب البعث، وإعادة تأهيل الجيش، وهيكلة المؤسسات، وإعادة صياغة الدستور، وإجراء إنتخابات، وفوق ذلك كله إعمار المدن السورية).

 
عبدالعزيز التويجري:
العودة لجذور التعصب الوهابي النجدي

ومن رأي طراد بأن الأزمة في سوريا وصلت الى حد معقد فاق قدرة القوى العظمى على ادارتها، ما دفعها الى التخلي عن فكرة رحيل الأسد، بل أصبح بقاؤه هو الحل الوحيد، لمنع (تفكك البلاد السورية، ونشوب حرب أهلية بين تنظيمات ومجموعات غير معروفة الأهداف والتوجهات، ومنع احتمالية إعادة السيناريو العراقي، لكن بشكل مضاعف عشرات المرات، مما يعني إلتهاب كل ما حول سوريا).

وكأن طراد العمري يرد على وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي بمناسبة او بدون، يدعو الى رحيل الاسد بالقوة او بالتفاوض. ويحذر طراد من أن تبعات الإعمار ستقع على دول الخليج وبالذات السعودية. يقول: (يتبقى إعمار سوريا. من سيتحمل كلفة فاتورة الإعمار، وإعادة اللاجئين والمشردين والنازحين في الداخل والخارج السوري؟ إذ تقدر فاتورة الإعمار بمبلغ تريليوني دولار. لا تستطيع أوروبا أو الولايات المتحدة، أو ما سمي بأصدقاء الشعب السوري دفع أكثر من ١٠٪‏ من مبلغ إعادة الإعمار على مدى عقد من الزمان. هنا ستقع دول الخليج في مأزق كبير لسببين:

١/ أنه ينظر إليها من العالم أجمع على أنها «صندوق الصناديق» لتمويل كافة حروب وأزمات العالم؛

٢/ لأن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، الأعلى صوتاً في المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد. هنا سيقف حمار شيوخ الخليج والنفط في العقبة).

وخلاصة المقالة تقول التالي، وهي رسالة موجهة الى الحكومة السعودية:

(رحيل الرئيس بشار الأسد، أمر ليس في مصلحة الجميع، سواء للذين هم معه أو ضده. ولذا يتوجب على دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، أن تحسب حساب مآلات رحيل الأسد، وما سينتج عنه من تعقيدات، لأنها - أي السعودية - ستكون المتضرر الأكبر سياسياً وإقتصادياً وأمنياً. إذ أن السعودية هي الدولة المرشحة التالية للفوضى الخلاقة، بعد العراق ومصر وسوريا).

إيـران والسعوديـة.. بين الشيطان والرحمن

لم تكن المرة الأولى التي يغرد فيها طراد العمري خارج السرب.

ففي حمّى الصراع السعودي الإيراني، الذي أضحى هاجساً للمسؤولين السعوديين واعلامهم، بحيث لا يوجد في ذهنهم قضية في هذا الكون ليست مرتبطة بإيران، ولا توجد وسيلة لإيذاء خصمهم السياسي لم يقوموا بها.

في هذه الحمّى المَرَضيّة، كتب طراد العمري من قبل عن ضرورة التفاهم بين ايران والسعودية، بشكل مقارب لما قاله أوباما نفسه، فيما يتعلق بتهدئة اوضاع المنطقة وتقاسم النفوذ.

مثل هذه الدعوة مقلقة، بل خطرة لدى الأمراء السعوديين، الذين يريدون حرباً واسعة تغطي مساحتها العالم الإسلامي، بل العالم الغربي أيضاً، ولكن على أسس عنصرية وطائفية، يُجنّد فيها كل شيء للفوز بها. حتى ان جمال خاشقجي لم يؤلمه من مقابلة اوباما التي استعرض فيها آراءه، سوى دعوته للتفاهم السعودي الإيراني.

هذه المرة يعود العمري فيكتب تحت عنوان مقالته (ايران والسعودية.. بين الشيطان والرحمن) عن (الخصومة السياسية بين البلدين التي وصلت درجة تتطلب مراجعة وإعادة نظر، لكي تحقق السعودية الغاية المنشودة من هذه الخصومة، وأفضل المنافع أو الخروج بالحد الأدنى من الخسائر).

فهي دعوة للمراجعة، فلعل هذه الطريق خاطئة، او الإستمرار فيها خاطئ، ويضر بمصالح السعودية من حيث لا تشعر. لكنها ايضاً تحمل اتهاماً مبطناً بأن السياسة القائمة في التعاطي مع ايران خاطئة.

ابتداء يقول العمري بان اتهام ايران بكل صغيرة وكبيرة ـ وهو ما تقوم به السعودية واعلامها ـ أمر غير ايجابي. فـ (ـوضع إيران كسبب خلف كل مشاكل المنطقة: في اليمن، والبحرين، والكويت، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومصر، وأفريقيا، هو إرهاق للسياسة، وتبديد للجهد من غير نتائج إيجابية. كما أنه دليل على سذاجة الخطاب السياسي والدبلوماسي والإعلامي).

ويضيف: (يمكن لنا في السعودية أن نشتم إيران ونلعنها ثلاث أو خمس مرات يومياً، لكن يتحتم علينا سؤال أنفسنا: ما هي الفائدة؟ رب قائل يقول: أن لدى إيران مشروعاً له صبغة خارجية توسعية للهيمنة: فارسي أو صفوي أو مجوسي أو طائفي شيعي. حسناً فليكن. وهل هناك دولة في العالم ليس لها مشروع خارجي، بصرف النظر عن اسبابه ودوافعه وأيديولوجيته وأهدافه، سلبية كانت أو إيجابية؟).

ويناقش طراد الفرضية ويطرح مثل هذه الأسئلة:

هل تستطيع إيران مد نفوذها أو تنفيذ مشروعها ما لم تجد لها حاضنات شعبية في داخل الدول التي يقال أن إيران تريد الهيمنة عليها؟

هل إنجذاب المكونات الشعبية إلى إيران، حباً في إيران، أم كرهاً في نهج وأسلوب الحكومات العربية عقائدياً، أو سياسياً، أو إقتصادياً، أو تنموياً؟

هل إستعداء الدول المُستفزة لإيران، يوقف التمدد الإيراني في الخارج، أم يُقوِّي العلاقة بين الشعب الايراني وحكومته في الداخل؟

ويرى العمري بأن ترد السعودية على تصاعد النفوذ الإيراني من خلال إنجاح رؤية ٢٠٣٠ كمشروع وطني (يتفوق على أي مشاريع خارجية وهمية). ويضيف بأن إنجاح الرؤية كفيل بلجم إيران وغير إيران، لأنها تنهض بالداخل وتبرز مكامن القوة والإستفادة منها، ولأنها تقدم السعودية الجديدة للخارج بشكل حضاري، ولأن طريق التنمية يمنع ايران من استثمار ما يفيدها لصرف النظر عن مشاكلها وتناقضاتها، حسب قوله.

لهذا يدعو طراد العمري الحكومة السعودية الى (إعادة صياغة خطابها السياسي والدبلوماسي والإعلامي)؛ ويضيف في حال رفضت الحكومة هذا الرأي: (إذا كانت السعودية لا تريد التفوق على ذاتها، وإجراء مصالحة مع إيران، وأصرت على ترقية إيران إلى مستوى العدو، فلا بأس، ولتتخذ السعودية إذن من الآية الكريمة «إدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» منهجاً وأسلوباً في السياسة الخارجية). هذا سيؤدي الى انتصار سعودي على ايران في ظل عدم وجود استعداء خارجي، حسب طراد العمري.

ويفند العمري المبالغات في الإعلام السعودي وتصوير ايران كبعبع يهدد السعودية، فيقول: (لا يوجد منطق سياسي أو إستراتيجي، حول نظرية إستهداف إيران للسعودية، حتى ولو أصبحت إيران تدير عواصم اليمن، والبحرين، والكويت، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومصر، وكل أفريقيا. إيران تعرف ذلك حق المعرفة، والعالم يدرك ذلك، والسعودية أيضاً).

زد على هذا فإن (تصوير الشيطان أو إيران على أنهما السبب خلف كل مصائب الفرد والمجتمع والدولة في السعودية، ولعنهما وشتمهما صباح مساء، لن يؤدي إلى نتيجة، وفيه هدر للجهد والوقت والمال، ووهم كبير، وسذاجة أكبر، ويعظّم بالزور والبهتان من كيد الشيطان وقوة إيران. لنتفكر كثيراً في مقولة طالما رددناها: «أن توقد شمعة أفضل ألف مرة من أن تلعن الظلام»..).

استنفار النخبة النجدية

المواقف الشجاعة لطراد العمري والتي عبّر عنها ونشرت في موقع الكتروني (بوابة مصر) وليس في الصحف السعودية المحلية او الخارجية، هو اقسى مما تتحمّله المعدة الرسمية النجدية.

لا يحتاج النظام الى أن يرد على طراد العمري.

فمادام غير نجدي، فإن النخبة النجدية في مجملها ستتصدى له ولغيره، كما عودتنا مراراً.

هذه النخبة تنظر الى نفسها كنخبة حاكمة، نخبة متميزة، نخبة مدافعة عن مصالحها بإبقاء الوضع القائم. وهي تتمتع بذات الصفات التي يتمتع بها أمراء آل سعود، من جهة الإستعلاء على المواطنين، وتوزيع صكوك الوطنية على من يريدون، وحجبها عمّن يريدون.

النخبة النجدية في مجملها تعتبر نفسها مسؤولة عن أي كلمة يتلفظ بها العامة من غير ذوي الدم النجدي الأزرق. ومسؤولة عن جذب الجميع الى جادّة السبيل السعودي النجدي الوهابي.

لا يحتاج النظام الى ان يرد رسمياً، إن لم تعجبه كتابات طراد العمري او غيره.

فالنخبة النجدية هي حرفياً تمثل النظام، هي أياديه، وهي مخالبه، وهي عقله وحصنه الذي يلجأ اليه.

هذا النخبة لا تحتاج بالضرورة الى اشارة من النظام لها كي تتحرك. فهي لديها القبّان الذي تزن به الأمور، وبيضة القبّان هي الموقف الرسمي الذي باتوا يحفظونه عنه ظهر قلب.

وحين ترد النخبة النجدية بكل تلاوينها، فهي تتحدث بلغة النظام، وبمفرداته، وبعقله، وتستحضر مصالحها وخشيتها في آن على المغانم التي تقبض عليها.

 
تركي الحمد: الخوف من تذرّر الدولة النجدية

النخبة النجدية هي حزب آل سعود.

لذا، وكما هي العادة، ردّ بعض عتاتها على طراد العمري.

أهم من ردّ هو مدير عام منظمة الاسيسكو ( المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) عبدالعزيز عثمان التويجري، الذي هو في منصبه منذ واحد وثلاثين عاماً فقط. وكل كفاءته انه سعودي، والأهم أنه نجدي، ومن عائلة موالية لآل سعود.

عبدالعزيز عثمان التويجري، شخصية غير ملتزمة دينياً. وبدا ـ بحكم منصبة في فترة من الفترات ـ أنه منفتح على الثقافات وعلى التنوع الفكري والمذهبي والديني والطائفي والإثني في العالمين العربي والإسلامي. لكن الأزمات التي وقع في نظام الحكم السعودي، جعلته كغيره من النخب النجدية غير المتدينة تعود الى أصولها الوهابية التي هي مكوّن أساس للهوية النجدية، والى عصبيتها النجدية بأشدّ مما كانت عليه، خاصة وهي تشهد أمام ناظريها كيف ان النظام السعودي الذي ينتفعون منه ويسيطرون باسمه على البلاد والعباد، يذوي ويتهاوى.

لا يختلف عبدالعزيز بن عثمان التويجري عن أخيه الإخواني احمد عثمان التويجري، عضو مجلس الشورى السابق، الذي روج بوصول سلمان الى الحكم الى (الدولة السعودية الرابعة)، وكيف ان سلمان يتصل به بين الفينة والأخرى هاتفياً. كما لا يختلف عن الناقد الأدبي الشهير عبدالله الغذامي، الذي انقلب هو الآخر طائفياً، موظفاً كل ملكاته الأكاديمية في خدمة نظام يعتبر بحق (نظام حكم نجدي).

ردّ عبدالعزيز عثمان التويجري على طراد بصورة ملتوية، مشككاً في وطنيته. كيف لا؟ فكل من ينتقد يفقد الوطنية، ولا وطني في هذه الدولة إلا من تقرره النجدية الوهابية، ويستلم صكوكها. وكل مثقف نجدي يحق له ان يمنح او يمنع الوطنية عن غيره، اما أكثرية الشعب، فعليهم ان يبقوا مدافعين عن وطنيتهم، التي هي غير وطنية آل سعود ونخبة نجد. فهذه الأخيرة ترى ان الوطنية مساو للولاء لنظام الحكم. وحتى هذا لا يكفي لكي تكون مواطناً من الدرجة الأولى. فلكي تكون وطنياً لا بد ان تكون نجدياً، ولا بد أكثر ان تكون وهابياً، فوق انك مع آل سعود في كل ما يقولونه ويفعلونه.

هذا التعريف الضيق، تحرص نخبة نجد على استخدامه كمقياس في تعاطيها مع الآخر. لهذا لا توجد في السعودية هوية وطنية، ولا وطن بالمعنى الحقيقي الحديث، ولا ثقافة وطنية. كل ما هو موجود يخدم السيادة النجدية الوهابية السعودية وسيطرتها على الحكم والاستفراد بمنافعه.

كتب عبدالعزيز بن عثمان التويجري مغرداً ضد طراد الحارثي فقال: (مرة أخرى يردد طراد العمري مقولات ظاهرها الرحمة، وباطنها من قبلها العذاب. إنه بكل بساطة لا يريد أن يعترف بخطر إستراتيجية إيران على بلاده). وأضاف: (ليس هناك أدنى شك في كونه منحازاً الى أعداء بلاده، فمقالاته دليل على ذلك). وهنا رد طراد العمري عليه فقال: (هل تعلم أنني أستطيع محاكمتك بهذه التغريدة، لكن لن أفعل الآن، أرجو أن تعتذر علناً).

لكن عبدالعزيز عثمان التويجري لم يعتذر، وزاد في الكتابة ضد العمري. بل وقام بحجب متابعته على حسابه في تويتر (بلوك).

الصحفي محمد الرطيان كتب: (النقد ليس خيانة. الخيانة أن تزيّن القبح، وتصفق للأخطاء، وتتعامل مع وطنك كأنه راتب آخر الشهر).

من يطلع على تغريدات عبدالعزيز بن عثمان التويجري، سيدهشه حين يجد شخصاً آخر لا علاقة له بالثقافة ولا بالعلوم، ولا هو بالرجل الذي كان قبل سنوات. فكل ما لديه توتر عكسه على شكل تحريض طائفي، وكل الحلول لديه تبدأ بالعنف والمواجهة والسلاح، سواء في اليمن او غيرها، الى حد انه يدعو الى مواجهة روسيا ومقاطعتها وطرد سفرائها. لم يوفر احداً في المشرق العربي ولا مغربه، ولم يوفر احداً في الشرق او الغرب، وزاد على ذلك دفاعه عن اردوغان، واتهم ايران بأنها وراء الإنقلاب، وشتم العبادي الذي هو قراقوش، ودعا الى تسعير الحرب في سوريا، وغير ذلك.

الأيديولوجية الوهابية بين الأخونة والتخوين (التويجري أنموذجاً)

حين رفض التويجري الإعتذار، وبعد إمهال لبضعة أيام، كتب طراد العمري مقالة عنوانها: (الأيديولوجية الوهابية بين الأخونة والتخوين ـ التويجري أنموذجاً)، شرح فيها ما جرى من اتهامات له، وقال ان هذه الإتهامات خطيرة وتعتبر ضمن قانون جرائم المعلوماتية. وكتب خلاصة المقالة في بدايتها فقال: (المزايدة في الدين والوطنية، ظاهرة وثقافة يعتنقها أصحاب الأيديولوجية الوهابية في السعودية، تتعاظم لحد التخوين). وشرح بأن الذين يحملون ثقافة (الأيديولوجيا الوهابية في السعودية، يشتركون مع جماعة الإخوان في اتهام الآخرين بـ: خيانة الدين، وخيانة الأمة، وخيانة الجماعة. لكنهم في السعودية ـ أي اخوان السعودية ـ يضيفون درجة رابعة، وهي خيانة الوطن لكل من هو ليس على شاكلتهم).

ويميّز طراد العمري بين (الوهابية) كمذهب عقدي، والأيديولوجية الوهابية، التي يشرحها بأنها (ثقافة تمزج بين ثالوث: الديني والسياسي والمجتمعي، وهي خاصة بالسعودية، ويعتنقها بعض أفراد من عوائل في حاضرة نجد فقط. بمعنى آخر، الحامل لهذه الأيديولوجية يقول: «إنّا/ نحن» على المنهج الديني الحق؛ «إِنّا/ نحن» الأقرب للسلطة السياسية؛ «إِنّا/ نحن» الأكثر إنتماء للوطن، والأكثر مالا).

وبناء على هذا الإنتماء العقدي والأيديولوجي للوهابية، اضافة الى المناطقية النجدية، يضيف طراد: (لذلك حصل كثير من أولئك على المناصب الأكثر تأثيراً في صنع السياسات، واتخاذ القرار في السعودية، ويعتبرون أنفسهم الأحق بالترشح والترشيح لكل منصب هام). ولاحظ العمري ان أصحاب الإيديولوجية الوهابية يصنّفون المجتمع الى دوائر (ويموضعون أنفسهم دائماً في بؤرة المركز، كما أن لهم أراء تشكيكية في الجميع، تزداد وتنقص بحسب القرب أو البعد عن مركز الدائرة).

أيضاً لاحظ طراد ان كثيراً من المؤدلجين وهابياً من النجديين يؤيدون الإخوان، وهم بنظره (ليسوا طلاب سلطة او حكم، بقدر رغبتهم في التحكّم). يقصد بأنهم لا ينازعون آل سعود الحكم، بقدر ما يهمهم تسيير دفّة الحكم النجدي لخدمة الأيديولوجيا والمنطقة ورجالها، تحت رعاية آل سعود الذين يشاركونهم ذات الخلفية الاجتماعية والثقافية الوهابية النجدية.

ومع ان طراد يركز على (الإخواسلفيين)، الا ان كلامه ينطبق على كل النخب النجدية إلا من رحم ربي، فهم بنظره: (القوة الخفيّة وراء تعطيل تقدم السعودية في كثير من المجالات، بسبب تغلغلهم في القطاع الحكومي والخاص؛ هم أشبه ما يكونوا بـ «المؤسسة» The Establishment، التي نسمع عنها في الولايات المتحدة، وتقبع خلف الكواليس، لإدارة الدين والسياسة والمجتمع في التعليم والقضاء والمال والثقافة والإعلام).

وبيّن طراد هدفه من طلبه اعتذار عبدالعزيز بن عثمان التويجري، وهو أن يثبت بأنه (يستحق أن يكون مديراً لـ «منظمة»، وليس لـ «تنظيم»؛ وأنه يتحلى بالأخلاق الإسلامية؛ وأنه يفهم أصول التربية؛ وأنه صاحب علم ينفع، وأنه يملك ثقافة عالمية لا تؤمن بالإقصاء وتستمريء التخوين).

وأضاف بأن هذه هي مهام الإيسيسكو، المنظمة التي يديرها منذ ثلاثة عقود، طاعناً في أسباب استمراره حين يتساءل عما اذا كان وجوده في المنصب تم بالواسطة وبالتقادم، فهو (مجرد سعودي من حواضر نجد يرأس منظمة تتفرع من منظمة التعاون الإسلامي التي مقرها السعودية).

وقال طراد بأن التويجري لا يناقش الأفكار ويدحضها، بل ينتهج سبيل التخوين، في حين أن من صميم عمله، مسؤول عن سوء فهم الدين، وسوء التربية، وسوء التعليم، وسوء الثقافة، والذي انتج كله إرهاباً، فماذا حقق التويجري لمنع التطرف والإرهاب؟ ثم (ألا تعتبر «إيسيسكو» مسئولة بشكل أو بآخر عن ثقافة الإرهاب المتلبس بالدِين الإسلامي؟ ألا يجدر بمدير عام منظمة إيسيسكو من الناحية الأخلاقية أن يتقدم بإستقالته فور تنامي وإنتشار الإرهاب بإسم الإسلام، كتعبير شجاع، أم أنه التنصل من المسئولية، وإستمرار حالة الإنكار؟).

كل مقالة طراد تفيد بأن التويجري وهابي ايديولوجيا، اخواني انتماءً، نجدي عنصراً، فاشل في ادارته للإيسيسكو ولا يستحق الإستمرار، سلوكه يشبه سلوك المتطرفين الذين أنتجوا الإرهاب.

ويختم العمري جازماً أن الثقافة البالية للأيديولوجية الوهابية ستذوب وتتلاشى، ونصح التويجري بالإعتذار ومناقشة الفكر دون تخوين، وان يستقيل من منصبه.

أما التويجري نفسه فرد بسطرين: (حمدت الله كثيرا أن الرد على تغريدتي بعد التهديد والإنذار، جاء في مقال أقل ما يقال عنه، إنه خبط عشواء، ودليل على جهل مركب وعنصرية مقيتة).

في كل الأحوال، لا نعتقد بأن طراد العمري بشجاعته محمي بما فيه الكفاية من بطش النظام.

ولا نظن انه مغطّى أمنياً مثلما يحدث مع نظرائه النجديين.

ومهما كان ولاؤه للحكم، فإن أقل ما سيعمد النظام اليه، ليس فقط منعه من الكتابة في الصحف، كما هو واضح الآن، بل ومنعه حتى من الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي. هذا إنْ نجا من الإعتقال والمنع من السفر، وخسران الوظيفة.

ومع ان طراد العمري يوقع مقالاته دائماً بجملة (حفظ الله الوطن)؛ فإن النخبة النجدية ترى في مجملها ان حفظ الوطن يكون بحفظ الحاكم ومكانته وعرشه، وحفظ الإثرة النجدية، وأن يكون حفظه عبر قمع طراد وأمثاله!

الصفحة السابقة