هل بات عليها سحب ذيول وهابيتها من العالم

الوهابية المنبوذة إسلامياً وعالمياً!

عمرالمالكي

لا مناص من البحث عن حل جذري لإشكالية العلاقة بين الوهابية والدولة السعودية. فالأعباء التي تفرضها العلاقة لم تعد مجهولة، والأثمان التي يجب دفعها تبعاً لها باتت باهظة. الوهابية حقّقت غرضها في إقامة الكيان السعودي، وإضفاء المشروعية الدينية في مواجهة الداخل بدرجة أساسية، ولكنّها اليوم باتت عبئاً حقيقياً على الكيان نفسه.

الوهابية حقّقت أيضاً أهدافاً غير مغفولة في الحرب الباردة، إذ كانت من بين الأدوات الفاعلة التي جرى استخدامها في الحرب بين الرأسمالية والشيوعية، وتمّ توظيفها أميركياً لمواجهة الاتحاد السوفيياتي في محاربة الالحاد عبر ما أسماه سيد قطب الاسلام الاميركي، وفي مواجهة القومية العربية.

ولكن هذه الوهابية لم تعد اليوم قادرة على أن تعطي، فقد استنزفت كل طاقتها، وباتت اليوم عاجزة عن أن تبقى رافعة لمعتنقيها ومستخدميها.

الوهابية تقترب من حد التهمة، بل أكثر من ذلك، فإنها تتحوّل بمرور الوقت الى أيديولوجية محظورة مثل النازية والفاشية بسبب ما تختزنه من أفكار تحرّض على هلاك الجنس البشري.

وقد بات ثابتاً أن كل فعل إرهابي يقع في أي مكان في العالم، تبرز الوهابية بكونها الأيديولوجية المحرّضة عليه. لا تستمع الى حلقة حوارية في أي وسيلة اعلامية أوروبية عقب حدث إرهابي ألا ويكون محورها السعودية وأيديولوجيتها الدينية..

عشرات المقالات والمؤتمرات والندوات التي قاربت المسألة الوهابية ودورها في التحريض على الارهاب. قد يحلو لأتباع الوهابية أن يصفوها بالمؤامرة الصليبية وبالحملة الهادفة لتقويض عقيدتهم، ولكن كمية الدماء التي سفكت في قارات العالم كفيلة بأن تدفع كل الضحايا الفعليين والمحتملين للاستنفار من أجل إعلاء الصوت وإبلاغ العالم رسالة احتجاج جماعية بأن هذه الايديولوجية وراعيها وداعيها والساكت عنها جميعاً في خانة الارهاب.

ونبدأ بالتحرّك القانوني، حيث تقدّم عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري ديف برات بمشروع قرار الى الكونغرس يجعل من غير القانوني قيام مواطنين أجانب من بلد يحد من الحريات الدينية بإنفاق أموال داخل الولايات المتحدة من أجل الترويج لدين معين أو من أجل غايات أخرى. وأكّد برات بأن مشروع القرار يستهدف السعودية حصرياً.

ويقول برات بأن الحكومة الاميركية يمكن أن تحتجز الأموال في حال تمّ تبني مشروع القرار واستمر التمويل من الجهة الأجنبية المعيّنة، ودعى الى تبني مشروع القرار المطروح. وأضاف أن الاميركيين لا يمكن أن يقفوا ويتفرجوا بينما تستفيد الرياض من مالها النفطي من أجل تدمير «المبادىء العلمانية» في الغرب، وشدّد على ضرورة أن «نحمي أنفسنا”.

دانيال بايبس كتب في 25 أغسطس الماضي مقالاً بهذا الخصوص في موقع «ذي هيل» تطرق فيه الى التفاوت بين الولايات المتحدة والسعودية، حيث يمكن لأي شخص بناء أي هيكل ديني في الولايات المتحدة، وهو ما يسمح للسعودية بتمويل بناء «المسجد تلو المسجد» في أميركا. أما السعودية، فلفت إلى أنه لا يسمح سوى ببناء المساجد بينما يمنع بناء الكنائس والهياكل التابعة لأديان أخرى، سواءً كان الدين اليهودي أم الهندوسي أو غيره.

وذكر بايبس بأن العائلة المالكة أنفقت نحو 100 مليار دولار اميركي من أجل نشر الوهابية وهو ما أدى الى العنف السياسي الذي استهدف غير المسلمين. ونبّه بايبس الى أن تقريراً صدر عن معهد “Freedom House” في عام 2005 اعتبر بآأن الكتب التعليمية التي توفّرها المؤسسات المموّلة سعودياً تشكّل «تهديداً خطيراً لغير المسلمين وللمجتمع الاسلامي نفسه».

إعلامياً وبخلفية قانونية أيضاً، نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) في 25 أغسطس الماضي تقريراً مطولاً حول الدور السعودي بنشر التطرف. وجاء في التقرير أن السعودية هي بين الملفّات القليلة التي تشكّل نقطة التقاء بين المرشحين للرئاسة الاميركية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، مشيراً الى أن كلينتون انتقدت الدعم السعودي للمدارس الراديكالية والمساجد حول العالم «التي وضعت الكثير من الشباب على الطريق المؤدي الى التطرف». كما لفت الى ان ترامب قد وصف السعوديين «بأكبر مموّلي الإرهاب في العالم».

واستشهد التقرير بما كتبته العام الفائت المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الاميركية “Farah Pandith” التي كانت الموفدة الاميركية الى الدول الاسلامية والتي زارت ثمانين بلداً حول العالم. وكانت “Pandith” قد اعتبرت أن النفوذ السعودي يؤدّي الى تدمير تقاليد التسامح الاسلامية، وحذّرت من أن استمرار السعودية بنشر الفكر المتطرف سيؤدّي من دون شك الى عواقب دبلوماسية وثقافية واقتصادية.

ونقل التقرير عن الباحث الاميركي المختص بالفكر المتطرف “William McCants” أن السعوديين يلعبون دور «مشعلي الحريق ورجل الإطفاء» في آن واحد ضمن إطار الاسلام المتطرف. كما نقل عن “Thomas Hegghammer” وهو خبير نرويجي بملف الإرهاب عمل مستشاراً للحكومة الاميركية، بأن من أهم تأثيرات «التبشير السعودي» هو إبطاء عملية تطور الاسلام ومنعها من أن تندمج بعالم متعدد ومعولم.

كذلك تحدّث التقرير عن مدى امتداد السعوديين، لافتاً إلى أن السعودية بنت المساجد في مختلف الدول مثل السويد وتشاد والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وأضاف إن الدعم لهذه المساجد يأتي من الحكومة وأعضاء العائلة المالكة وكذلك «المنظمات الخيرية» السعودية.

ولفت التقرير الى وجود إجماع واسع بأن الفكر الوهابي قد غيّر التقاليد الاسلامية في عشرات الدول، وذلك نتيجة الإنفاق على نشر هذا الفكر والذي تقدر قيمته بعشرات مليارات الدولارات. ونبّه أيضاً الى أن وجود الكثير من العمال الأجانب في السعودية، خاصة من دول آسيا الجنوبية، قد أدّى الى تفاقم المشكلة حيث يعود هؤلاء الى أوطانهم حاملين الفكر الوهابي.

وذكر التقرير أيضاً أن السعودية «لم تنتج أسامة بن لادن فحسب» بل أنتجت 15 من أصل 19 شخصاً نفّذوا هجمات الحادي عشر من أيلول، مضيفاً أن عدد الانتحاريين الذين «ارسلتهم السعودية الى العراق بعد الاجتياح الاميركي عام 2003» هو اكبر من اي بلد آخر. وأشار إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثانية خلف تونس من حيث عدد المقاتلين الأجانب الذين انضمّوا الى داعش (عدد المقاتلين السعوديين بصفوف داعش هو 2500 مقاتل).

ولفت التقرير الى أن داعش استخدمت كتب التدريس الرسمية السعودية في المدارس التي تديرها، الى أن استطاعت نشر كتبها في عام 2015. ونقل عن الباحث المتخصص بالحركات التكفيرية “Jacob Olidort” بأن من بين الكتب الاثني عشر التي أعادت داعش نشرها، هناك سبعة كتب هي لمؤسس الحركة الوهابية محمد عبدالوهاب.

وأشار التقرير الى أن العديد من المسؤولين الاميركيين ينظرون بسلبية الى الدور السعودي، إلا ان التمويل السعودي لمراكز الأبحاث في الجامعات الاميركية منع الناس من رفع صوتهم ضد نشر الفكر الوهابي، بحسب ما نقل التقرير عن الباحث “McCants”- والذي يعمل حالياً على إعداد كتاب حول تأثير السعودية على الاسلام.

وعاد التقرير ليتطرق الى ما كتبته العام الفائت فرح بانديث (التي شغلت منصب ممثلة وزارة الخارجية الاميركية الى الدول الاسلامية)، بأن النفوذ الوهابي في العالم الاسلامي ينمو تدريجياً. وأضاف أن “Prandith” كانت قد دعت الولايات المتحدة الى «تعطيل تدريب رجال الدين المتطرفين» ورفض كتب التدريس «السعودية المجانية و الترجمات المليئة بالكراهية»، إضافة الى منع السعوديين من تدمير الاماكن الدينية والثقافية الاسلامية التي تدلّ على التعددية في الاسلام.

التقرير تطرق أيضاً إلى حقبة الثمانينات عندما تعاونت السعودية والولايات المتحدة من أجل تمويل «المجاهدين» في الحرب الافغانية، وذكر بأن الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغن قد استقبل في البيت الابيض وفداً من «المجاهدين» الافغان الذين كانوا يتبنون فكراً شبه متطابق للفكر الذي تبنته فيما بعد حركة طالبان.

كما أشار التقرير الى أن الولايات المتحدة أنفقت 50 مليون دولار بين عامي 1986 و 1992 على ما اسمته «محو الامية الجهادية»، وطبعت للأفغانيين مؤلفات تشجع على العنف ضد غير المسلمين والكفار مثل القوات السوفييتية.

ولفت الى ان الفكر المتطرف هذا قد اجتاح المناطق التي سبق وأن كانت مناطق تعايش بين مختلف الطوائف الاسلامية. ونقل الصحفي الباكستاني سيد شاه الذي تحدث عن تأثير المعاهد التي تمولها السعودية في باكستان.

ونقل التقرير عن “Sidney Jones”مديرة معهد التحليل السياسي للنزاعات ومقرّه العاصمة الاندونيسية جاكرتا، بأن السعوديين يرسلون المال من أجل بناء المساجد ونشر الكتب منذ عقود. وتابعت جونز بحسب التقرير أن النفوذ السعودي جعل من المجتمع الاندونيسي مجتمع أكثر «محافظاً وتعصباً»، وأعربت عن اعتقادها بأن المال الذي ترسله الجهات السعودية يقف خلف الحملات التي تستهدف الشيعة والاحمديين في أندونيسيا، منبهة إلى أن التعاليم الوهابية تعتبر أتباع هذه الطوائف بالكفار والى أن العديد من «المتدينين الأندونيسيين» تعلّموا في السعودية.

الصفحة السابقة