التحالف السعودي ـ الإسرائيلي.. إلى العلن قريباً

إعداد سامي فطاني

أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» في 27 أغسطس الماضي إلى وجود أدلة متزايدة تفيد بأن العلاقات بين السعودية و»اسرائيل» لا تتحسن فحسب، وإنما قد تتحول إلى تحالف «أكثر وضوحاً» نتيجة «انعدام الثقة المشترك حيال ايران»، على حد تعبيرها.

وتوقفت الصحيفة الأميركية عند زيارة اللواء المتقاعد أنور عشقي الى القدس المحتلة مع وفد سعودي مرافق، ورأت أن ما يميز هذه الزيارة هو الاعتراف السعودي العلني بها، وقرأت في ذلك إشارات عن «استعداد سعودي جديد» لاختبار ردة فعل الشارعين السعودي والصهيوني حول الاتصالات العلنية. وكشفت أن السعودية بدأت حملة إعلامية داخل المملكة «تهدف إلى تهيئة مواطنيها لعلاقات أفضل مع إسرائيل».

ولفتت الصحيفة إلى مساعي رئيس وزراء كيان الاحتلال «الاسرائيلي» بنيامين نتنياهو للانخراط مع «أعدائه السابقين»، في وقت يجازف الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد بن سلمان على صعيد السياسة الخارجية (ما يعني أنها تجازف بتعزيز علاقاتها بـ»إسرائيل»).

وتحدّثت الصحيفة عن الأسباب التي تدفع الصهاينة للتعاون مع السعوديين، مشيرة الى أن ما يجمعهما هو «الكراهية» المشتركة لإيران. كما قالت إن «الكيان المحتل والسعودية مستاءتان من الولايات المتحدة، لعقدها إتفاقاً مع إيران حول الملف النووي، فضلاً عن كيفية تعاطي إدارة أوباما مع الملف السوري. وأضافت أن «المسؤولين الإسرائيليين والسعوديين يتعاونون سراً منذ فترة في الملفات الامنية والاستخباراتية».

وتابعت الصحيفة إن نتنياهو عازم على زيادة عدد الدول المعترفة بكيانه المحتل، والاستفادة من إمكانية التبادل التجاري بين الجانبين، لافتة الى أن ذلك يتزامن مع حركة مقاطعة دولية لعزل «إسرائيل» بسبب ما ترتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين.

وقالت إن العدو الصهيوني أنشأ قنوات تواصل رسمية مع السعودية ودولة الامارات، مستشهدة بما قاله “دانيال ليفي” رئيس مؤسسة (يو إس ميدل ايسبت بروجكت» الذي اعتبر أن قنوات التواصل هذه «حقيقية».

وأشارت الصحيفة إلى أن مصر تسعى كذلك إلى بناء علاقات أفضل مع «إسرائيل»، مضيفة أن وزير الخارجية المصري سامح شكري زار الأراضي المحتلة والتقى مسؤولين «اسرائيليين» قبل أسبوع واحد من زيارة عشقي.

إنطلاقا من قاعدة أن عدو العدو صديق، ترى الدول الخليجية علاقتها بإسرائيل، بحسب ما أكد الباحث شانشك جوشي.

http://www.telegraph.co.uk/news/2016/08/29/the-growing-arab-israeli-thaw-is-an-opportunity-for-the-west/

وفي مقال له نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” في 29 أغسطس الماضي تحدث الكاتب عن الغموض الذي يلف التحالفات حاليا في منطقة الشرق الأوسط. وأشار المقال إلى اللقاءات الخليجية الإسرائيلية المستمرة ومنها تفاخر السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن بلقاءاته مع السفراء العرب، ومدحهم واصفا إياهم بأنهم أناس استثنائيون.

الكاتب كشف أن الجواسيس من كلا الطرفين تعاونوا على التخطيط سرا، وأوضح أن هناك طرف يرغب بأن يعلن عن العلاقة على أمل شرعنة وضعه الاجتماعي، وطرف آخر يريد أن تظل العلاقة سرا؛ خوفا من التداعيات المحلية.

وأشار إلى أن معظم الدول العربية تخشى من اندلاع المشاعر الشعبية لو قامت بتطبيع العلاقة مع إسرائيل، في غياب حل شامل للقضية الفلسطينية.

المقال تحدث عن وثائق أميركية أكدت أن دول الخليج العربية تعتقد أنها تستطيع الاعتماد على إسرائيل ضد إيران.

في السياق، أكدت وسائل إعلامية إسرائيلية أن الوسائل الإعلامية الرسمية السعودية تلين تقاريرها حول تل أبيب.

صحيفة “جيروزاليم بوست” نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن التحول في لهجة الصحف السعودية تشير إلى أن عملية الاتصال السري، تحت الطاولة، تمتدَ لسنوات.

وأوضحت الصحيفة أن حركة وسائل الإعلام تمثل مرحلة جديدة في هذه العملية الدبلوماسية، كما أنها دلائل على وجود جهد ملكي في تهيئة المجتمع السعودي للنقاش الذي كان سابقا خارج الحدود المسموح بها حول تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال.

بيد أن المؤشر الخطير في نقاش العلاقة بين الرياض وتل أبيب ما جاء في مقالة جمال خاشقجي (هل تحتاج السعودية إلى علاقات مع إسرائيل؟) والمنشور في (الحياة) في 3 سبتمبر الجاري. المقال بدا في ظاهره نقدياً للداعين الى التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وهذا ما عكسه في بداية مقاله «بالطبع لا تحتاج السعودية إلى علاقات ولا إلى تطبيع مع إسرائيل..» ولكن السؤال الذي ينطلق منه خاشقجي لمقاربة الموضوع كان مثيراً على أساس ترجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتبعاً له تراجع الاهتمام بسؤال العلاقة مع اسرائيل، وبروز أولويتين سعوديتين على المستوى الرسمي وهما: الاصلاح الاقتصادي والتهديد الأمني. ولكن خاشقجي بدأ يناقش مدى حاجة السعودية لإسرائيل لجهة إنجاح هاتين الأولويتين.

يعترف خاشقجي بأن ثمة في السعودية من كتب مقالات (سهام القحطاني في صحيفة الجزيرة مثالاً) حول فوائد التطبيع مع اسرائيل عقب زيارة أنور عشقي للأراضي المحتلة ولقائه بمسؤولين صهاينة.

خاشقجي استبعد أن تكون السعودية بحاجة الى اسرائيل في مجالي الاصلاح الاقتصادي، أما في التهديد الأمني فلم ينف حاجة السعودية اليه واستدرك قائلاً :»لا كثير تستطيع أن تفعله إسرائيل لنا..». لا ريب أن خاشقجي يستحضر صورة السعودية المشوّهة في حال ظهرت بمظهر المتحالف مع الكيان الصهيوني ضد ايران «بل ستكون هذه الهدية التي ينتظرونها في طهران..»، ولذلك ينصح زملاءه من الكتّاب السعوديين بالكف عن هذا النوع من الكتابات والتوقّف «عن تصويب الرصاص إلى أقدامهم وأقدامنا، فما فينا يكفينا».

يهب خاشقجي ميزة للإسرائيلي في جانب التهديد الأمني وتتصل بالبعد الاستخباري «هناك معلومات استخبارية، وهذه للحق ميزة يتمتع بها الإسرائيليون»، لكن يستدرك ليقلل من شأنها على أساس أن كل ما يملكه الاسرائيلي لا يعقل أن لا يعرف عنه السعودي بما يحول دون الذهاب مع خيار التطبيع، وأن وجود معلومات استخبارية لدى الكيان الاسرائيلي بالتأكيد سوف تكون في متناول يد أجهزة استخبارية أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا.

لقد بنى خاشقجي مقالته على ما كتبه دانيال ليفي، الاسرائيلي من أصول بريطانية، في صحيفة (هآرتس) في 3 أغسطس الماضي عن (رؤية نتنياهو لسلام جديد بدون الفلسطينيين)، نقل عن نتنياهو قبل اجتماع مجلس مراقبة الدولة بالكنيست، أن علاقات إسرائيل الدولية فى تقدم وصعود مستمر، وهو مالا يجب أن يترك ليمر هكذا دون الوقوف عليه وتحليله.

سرد ليفي انجازات نتنياهو في السياسة الخارجية الاسرائيلية بدءاً من زيارته لأفريقيا، ومروراً بزيارة وزير الخارجية المصري شكري للقدس، واستعادة العلاقة مع تركيا، وأخيراً زيارة أنور عشقي الى الأرض المحتلة. ويعلّق ليفي على زيارة عشقي بالقول: «ورغم أن قائد الوفد «أنور عشقى» شخصية هامشية فى المملكة ولكن قنوات الاتصال التى تم فتحها وتطويرها مع السعودية وأيضا الإمارات العربية المتحدة تعد كبيرة وجيدة». وفي الخلاصات، فإن نتنياهو «يعمل بالفعل على تطوير وتوسيع علاقات إسرائيل الإقليمية».

في شرح إسلوب نتنياهو في التعامل مع المسألة الفلسطينية، يقول دانيال ليفي بأن جهود السلام السابقة بما فيها مبادرات الولايات المتحدة فى عهد كيري والمبعوث السابق جورج ميتشيل «لم تفلح كثيرا فى تعميق العلاقات مع الحكومات العربية المتعاقبة بسبب عدم تقديرها لعمق الرفض للوجود الإسرائيلى». وبالتالى «قرر نتنياهو وليبرمان أن يغيروا تلك المعادلة فيقلبوها رأساً على عقب، بحيث تقوم على أن قدرة إسرائيل على تحقيق السلام مع الفلسطينيين تتأتى بالعلاقات والروابط الجيدة مع الدول العربية الكبرى».

ولكن يقر دانيال بأن هذه المعادلة التي يعتمدها نتنياهو تقوم على الخداع ببساطة «لأن نتنياهو ليس لديه أى نية لإنهاء الاحتلال أو حتى اعتاق الفلسطينيين، ولكنه يحاول بدلا من ذلك إثبات واختبار مدى قدرته على تحسين وتوسيع العلاقات الاقليمية مع استمرار ممارسة واتباع السياسات العنيفة وغير المقبولة مع الفلسطينيين».

مع ذلك يجد ليفي مساحة مشتركة بين الكيان الاسرائيلي والدول العربية بما يؤسس لتعاون وتنسيق بين الطرفين «كتهديد الجماعات الجهادية والسلفية وضرورة تعاون الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتعظيم الجهود من خلال التعاون مع الولايات المتحدة وغيرها».

ما يكشف عنه ليفي، وتبعاً له خاشقجي، أن ثمة مشتركاً خطيراً بين نتنياهو والدول العربية هو التعاون المشترك بعيداً عن القضية الفلسطينية، وحسب قوله «فكما يحاول نتنياهو أن يختبر مدى قدرته على استبدال القليل بالكثير، فإن الدول العربية أيضا تحاول أن تتخطى هذا، حيث تريد بعض الدول العربية التعاون مع إسرائيل ولا تريد أن تكون القضية الفلسطينية عبئاً على هذا التعاون».

خلاصة مقالة ليفي أن إمكانية اللقاء والتعاون وحتى التحالف بين الدول العربية والكيان الاسرائيلي قائمة بعيداً عن الفلسطينيين كونهم «فى مرحلة ضعف شديد الآن وقيادتهم منقسمة وغير قادرة على حشد جمهورها». والأخطر الذي يلفت اليه هو علامات تغيّر وانتقال في العالم العربي «وعدم اهتمام بالقضية الفلسطينية. وهذا ما سيعتمد عليه نتنياهو فى دفعه لتحسين العلاقات فى المنطقة لأنه سيواجه مقاومة أقل».

ذات الأمر أكده زلماي خليل زاد، السفير الاميركي السابق في العراق، والذي هو صديق السعوديين، وينتمي الى المحافظين الجدد، حيث كتب مقالا في 14 سبتمبر الجاري في صحيفة نيويورك تايمر، اكد فيه على ان السعودية لا تنظر الى اسرائيل كعدو، وأنه لا تتخذ أية خطط طوارئ عسكرية على اراضيها بهذا الشأن. وأضاف بأن مسؤولين كبار أبلغوه بأن العدوين الرئيسيين للسعودية هما: القاعدة ومتفرعاتها المتطرفة، اضافة الى ايران. ولكن زالماي خليل زاد تساءل فيما اذا كانت الرياض لا تزال توفر الدعم المالي والوجستي لجبهة النصرة التي غيّرت للتو اسمها. واضاف بأن مسؤولين سعوديين كبار اكدوا له بأنهم أخفوا عن الأمريكيين حقيقة دعمهم للتطرف الإسلامي الذي استخدموه ابتداء ضد عبدالناصر، ثم ضد السوفيات في افغانستان والآن ضد الشيعة عامة وايران، موضحاً ان العنف انقلب على الحلفاء الغربيين كما على المملكة نفسها.

وكان جمال خاشقجي الصحفي العامل في الاستخبارات السعودية، قد اقترح في مقالة له مؤخراً في صحيفة الحياة على الحكومة السعودية بان تحويل العلاقات مع اسرائيل الى العلنية امرٌ ضار بالمملكة، وقدّم تنظيراً لعلاقة سرية مع اسرائيل تفي بالغرض لمواجهة خصوم الطرفين في المنطقة.

الصفحة السابقة