ماذا قدمت الصحوة؟

الصحوة الوهابية باقية وتتمدّد!

عبد الوهاب فقي

مرة أخرى يعود المواطنون الى موضوع الصحوة السلفية الوهابية التي انطلقت بداية الثمانينيات الميلادية الماضية، ربما من أجل مراجعة تأثيراتها عليهم بعد أربعة عقود من الزمن؛ وربما بغرض تحميلها المسؤولية للوضع البائس الذي يعيشونه اليوم.

بيد أن هناك حقائق عديدة لا يريد البعض الإعتراف بها:

أولها، أن الصحوة الوهابية إنما كانت صحوة متأخرة بالقياس الى الصحوات الدينية في العالم الإسلامية.

وثانيها، إنها صحوة مفتعلة خلقها آل سعود لتخدم أغراضهم محلياً وخارجيا. محلياً بغرض السيطرة على الفضاء العام، ومنع خروج انشقاقات داخل التيار السلفي، كما حدث لجهيمان. وخارجياً بغرض محاربة النموذج الإيراني الجديد بعد الثورة، من جهة. ومن جهة ثانية بغرض تنفيذ مهمات التحالف الأميركي السعودي بمحاربة الشيوعية في افغانستان وغيرها.

وثالثها، ان الصحوة السلفية هي صحوة نجدية، وهي متأخرة حتى عن الصحوات الدينية في المجتمعات التي تشكل سكان المملكة السعودية. ولأنها صحوة نجدية، فهي صحوة حاكمة، وهي صحوة مفروضة رسميا، وهي صحوة مناطقية وهابية. هي باختصار صحوة أقلية. ومع هذا، فإن تأثيراتها تتعدّى حدود الأقلية النجدية الوهابية، لتشمل كل السكان، كون المذهب الأقلوي الوهابي هو المذهب المفروض رسمياً؛ ولأن الوهابيين النجديين هم من يسيطر على الدولة واجهزتها الدينية والمدنية.

وعليه يمكن القول بأن مراجعة الصحوة الوهابية اليوم، وتحميلها مسؤولية التخلف والعنف والإرهاب والتشدد.. ينبغي معه مراجعة السياسة الرسمية السعودية.

فهل انتهت الصحوة الوهابية أساساً أم لازالت مفاعيلها ومخرجاتها ودعم النظام لها قائماً؟

نظن ان الصحوة لم تنته، وان النظام لا يستغني عنها وعن رجالها الى الآن. وبالتالي فإن تأثيراتها تعتمد في الأساس على سياسة الدولة السعودية نفسها. إن شاءت قتلتها، وإن شاءت منحتها الحياة وأطلقت لها العنان.

ولأن النظام في حالة هلع وخوف، فإنه بحاجه الى محيطه النجدي بمجمله الوهابي، ورجال الصحوة هم في المقدمة.

الصحوة السلفية الوهابية منتج نجدي، منتج رسمي، منتج لم تنته أغراضه السياسية.

ونقده اليوم ومراجعته، يفترض مراجعة سياسة آل سعود، ولماذا قادوا البلد الى الدعشنة والارهاب والتخلف، ولماذا يصرون الى اليوم على ذات الفكر وترويجه؟ ثم لماذا يُنتقد رموز الصحوة، ولا يُنتقد رموز النظام العائلي الحاكم، باعتبارهم مسؤولين أساس عما جرى ويجري؟

إذن ماذا قدّمت الصحوة؟

لعل صيغة السؤال خاطئة. والأجدر ماذا أخذت الصحوة السلفية الوهابية؟

علي بن تميم يقول أنها قدّمت للمجتمع (الغفوة).

وفضيلة الجفّال تقول ان الصحوة (قدّمت طبقاً مسموماً نتعافى من آثاره المميتة. انها معركة طويلة، أتلفت أرواحنا).

وقالت كاتبة أن الصحوة الوهابية (غرّرت بالشباب، وقتلتهم، وشجّعت الثورات، وخرّبت بلاد المسلمين باسم الحرية، وموّلت الإرهاب كداعش وجبهة النصرة مادياً ومعنوياً).

بمعنى آخر، فإن أثر الصحوة الوهابية ليس مقصوراً على الداخل السعودي، وإنما على العالم العربي والإسلامي، بل والعالم كلّه، حيث زرعت فيه الخراب والدمار والتطرف والعنف وشوّهت الإسلام الى أبعد الحدود.

تركي الحمد يقول أن الصحوة (سلبت منّا الحياة). والصحفي الذبياني يرى أن الصحوة انتجت مجتمعاً فكرته المركزية تتمحور حول الموت، ينتظره أو يبحث عنه.

يبحث عنه؟

مؤكد أنه يبحث كيفية الإنضمام الى القاعدة وداعش، بعد مرحلة الجهاد في أفغانستان.

حقاً فإن الصحوة الوهابية هبطت بقيمة الإنسان والمرأة والأوطان، ورفعت قيمة الموت والتطرف والجمود؛ وخلقت تطرفاً، ونفاقاً دينياً واجتماعياً، وأنتجت النقائض: (دواعش وملاحدة)، كما شجعت على النفاق الديني، وسطحت فكر المجتمع. بكلمة الصحوة الوهابية هدمت الإسلام من الداخل، ودمرت المجتمع السعودي نفسه من الداخل ومزقته شرّ تمزيق.

على المستوى الفكري، خلقت الصحوة خطاباً عدائياً وتياراً دينياً لا يقبل التعايش مع الأطياف الفكرية الأخرى. وإضافة الى الموت والإرهاب كمنتج للصحوة، فإنها خلقت جيلاً حاقداً وناقماً. هذا الجيل بحسب الصحفي الكاتب احمد عبدالمتعالي (لا يؤمن بالتسامح كخلق انساني) كما لا يؤمن بالمواطنة.

الأديب سعد السريحي يرفض ان يسميها صحوة، بل هي غفوة (كانت السبب في تخلّفنا عن ركب الأمم).

وفيما يلفت ابراهيم المكرمي الى الخَلْطَةْ القبلية الدينية التي أنتجت النظام السياسي السعودي في الأساس، فيقول بأن الصحوة خلَطت القبلية والدين في وعاء واحد وقدّمته كنظام اجتماعي سلطوي.. لاحظ ماهر منصور بأن أبناء الصحوة بالأمس هم الساخطون عليها اليوم، ويبرر ذلك (لأنهم تجرّعوا مرارة فكرها، ودخلوا في دهاليزها المظلمة والان أدركوا الحقيقة).

ليس كل الساخطين الصحويين سابقا هكذا. فسخطهم عليها اليوم كون رموزها أضحوا عضد السلطان السعودي؛ ولأنهم لم يعودوا يمثلون الوهابية بصدق، بمثل ما تمثله القاعدة وداعش، ولهذا فإن الكثير من الساخطين توجّهوا الى القتال كقاعديين وداعشيين.

لكن بالطبع هناك من يدافع عن الصحوة، فهو يظنّ أنه يدافع عن الإسلام مقابل مواطنين على غير سويّة الإسلام.

مهما يكن من أمر، فالصحوة الوهابية قائمة، وقد تم تصدير منتجاتها الفكرية والبشرية والعنفية والمالية الى كل اصقاع الأرض، فلقحت عنفاً وإرهاباً وغضباً على المسلمين أينما حلّوا. وأنتجت قتلة وسفاحين، ولم تتخلّ الحكومة السعودية عن نشر فكر الصحوية الوهابية، فهي أداتها في سياستها الخارجية، ومعتمدها في قمع خصومها السياسيين داخلياً.

الصفحة السابقة