العلاقات العامة وإيقاف دعاة الخارج لمواجهه (جستا)

مملكة (رعاية الإرهاب) السعودية!

عبدالحميد قدس

قانون جستا، او قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب)؛ والمخصص لإدانة السعودية، وتثبيت دورها في تفجيرات سبتمبر ٢٠٠١، رفضه أوباما، واستخدم قرار الفيتو بحقه. لكن لم تمض سوى أيام، حتى اجتمع الكونغرس مرة أخرى ليقره بالإجماع، وليثير النقاش، وحتى الفزع بين فئات من المواطنين، وبالقطع بين المسؤولين السعوديين الذين لا يعلمون ماذا يصنعون: أية قرارات سياسية ومالية وإعلامية يتخذون.

القانون يعطي الحق للمواطنين الأمريكيين برفع دعاوى ضد أي دولة ترعى الإرهاب، وفي هذه الحالة فإن المقصود بالقانون هي السعودية المتهمة بتفجيرات سبتمبر ٢٠٠١.

ومع ان قانون الكونغرس يخالف القانون الدولي، ولكن القانون يسقط أمام القوة والغطرسة الأمريكية.

ومع ان القانون عام، إلا ان الجميع يعلم انه يستهدف دولة محددة وهي السعودية، ولهذا هي وحدها التي تشكو وتتألم وتهدد احياناً بسحب ارصدتها وتحذر امريكا من خسارة حلفائها.

الدكتور الاماراتي عبدالخالق عبدالله يرى إقرار قانون الكونغرس (فشلا للعمل الدبلوماسي السعودي)؛ ومن هنا جاء الحديث عن إمكانية استقالة عادل الجبير، رغم ان الخطأ نابع من سياسات آل سعود انفسهم، خاصة وان المتهمين بتمويل تفجيرات سبتمبر هم امراء وأميرات، وليس عادل الجبير الذي كان حينها مجرد موظف صغير يعمل مع بندر بن سلطان، السفير الاسبق في أمريكا.

بعض الإخواسلفيين وغيرهم من العاملين في الدعاية السعودية تحت مسميات مختلفة، لم يكن أمامهم إزاء القرار، الا الحديث عن معاملة بالمثل. وكأن الرياض مثل واشنطن في القدرة على ليّ الذراع. لكن المدهش ان الرياض بلعت تهديدات بسحب ارصدتها المالية التي يُخشى ان تُنهب كلية، او بعضها على الأقل اذا ما جرى اتفاق بين الرياض وواشنطن، يتم بموجبه اخذ جزء من الاستثمارات المالية السعودية في امريكا، مع تحميل الرياض مسؤولية دعم الإرهاب.

 
الملك يلتقي روس وخليل زاد: حلب أموال

الأكاديمي الكويتي عبدالله الشايجي قال ان قانون جستا يتعدى على سيادة الدول ويستهدف السعودية خاصة؛ والموظف السعودي عبدالعزيز بن صقر يتحدث عن معاملة بالمثل، وكأن امريكا مثل السعودية في القوة. ومثله طالب الشيخ سعد الغنيم بأن تصدر الحكومة السعودية قانونا وتعمل على مقاضاة امريكا. وهذا ذات ما يقوله الصحفي السعودي في جريدة الشرق عبدالرحمن العليان: (أيها العم سام.. أنت الخاسر الأكبر).

ووصف موظف كبير في وزارة الداخلية هو الدكتور فايز الشهري قانون جستا بانه ابتزاز وخيانة وسرقة وتلفيق جرائم للآخرين بغير حق. وهذا الى حد ما صحيح. فالحامي الأمريكي انقلب على المحمية السعودية؛ لكن كل هذا لا يبرئ آل سعود من دعم الإرهاب.

ولأن ايران حاضرة دائماً، نقل احدهم عن آخر: (امريكا تتحالف مع ايران ضد السعودية وقانون جستا ضد السعودية). مع العلم ان الاميركيين صادروا اكثر من عشرة مليارات دولار لإيران بحجة دعم الإرهاب أيضاً ولكنه الإرهاب الموجه لإسرائيل. وبحسب التجربة فإن ايران تستطيع استرجاع اموالها، اما السعودية، فلا.

المحامي والقانوني والناشط عبدالعزيز الحصان، كشف انه منذ اكثر من عشر سنوات، سمحت الحكومة السعودية للأمريكيين الإطلاع على معلومات المواطنين من البنوك، واستغرب هو وآخرون كيف تسمح الحكومة لهم بذلك وبدون حق او الرجوع الى القضاء. ويضيف بأنه أمريكا تستخدم الآن ذات المعلومات التي استخدمتها سابقاً ضد المواطنين، ولكن لإدانة الحكومة السعودية نفسها.

المؤسسة الدينية السعودية وحاشيتها، لا بد أن تقف مع النظام، وتنزّه نفسها عن الإرهاب، فهي والنظام توأمان، متهمان بتفريخ داعش والقاعدة، وكذلك متهمان برعاية الإرهاب الى اليوم.

الشيخ المتطرف الذي أوصى ذات يوم بتكسير جماجم المتظاهرين السعودي، ونقصد سعد البريك، مندهش وخائف من قانون جستا، يقول: (يطالبون بلاد الإسلام ـ يقصد السعودية فقط ـ بأن تغلق المؤسسات الخيرية، وتحجّم الأنشطة الدعوية، وتعدّل المناهج الدراسية، ثم يهاجمونها بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب). كأن البريك يريد ان يقول بأن الامريكيين لم يكفهم ما فعلوه وأخذوه حتى الآن من تنازلات.

اما الداعية احمد القرني، فكان تعليقه انتهازياً لصالح رؤيته السطحية ضد خصوم التيار الوهابي المتطرف: (الكونغرس يجاهد لإقحامنا في احداث سبتمبر، واعلامنا يجاهد لنشر وتغطية أغاني محمد عبده).

لكن السؤال الذي دار بخلد الإعلاميين، مثل بدر الجعفري، هو: (ماذا اعدت السلطة التشريعية لدينا لمواجهة قانون الكونغرس، وماذا اعدت الحكومة من خطوات لمواجهة تطبيقه؟). هل صحيح ما يقوله البعض بأن قانون جستا هو نسخة مُسعودة من قانون محاسبة العراق الذي قاد الى احتلاله أمريكياً.

أما ماذا فعلت السعودية، فهو التالي:

ضجة إعلامية في تويتر، تأخرت في الصحافة، بلا فائدة.

تعليق الآمال على خطوة يقوم بها أوباما، رغم أنه استخدم الفيتو ضد الكونغرس بلا فائدة، او بتنسيق مسبق معه.

التعاقد مع شركات علاقات عامة أكثر، ودفع الملايين من الدولارات للدفاع عن السعودية وسجلها الإرهابي.

واخيراً تحصيل تصريحات باهتة من بعض حلفاء الرياض للدفاع عنها.

رأينا تضامناً كلامياً من دول مجلس التعاون مع الرياض، حيث عبرت عن قلقها من قانون الكونغرس؛ ورابطة العالم الاسلامي السعودية اصدرت بيانا حسب الطلب قالت فيه ان القانون يخالف المواثيق الدولية؛ والأردن ـ كثّر خيره ـ عبّر عن قلقه.

 
مقالة خليل زاد: كيف خرج السعوديون نظيفين من تهمة تمويل التطرف؟

من جهة أخرى، جاء مسؤولون امريكيون سابقون في وفد بدعوة من الرياض لحلبها اكثر، باسم مستشارين ومدافعين، والتقوا بالملك. منهم: دينس روس، مستشار كلينتون سابقاً، وخليل زاد السفير الأمريكي السابق في العراق.

خليل زاد كتب مقالاً في مجلة بوليتكو يدافع فيه عن رؤية محمد بن سلمان، لكنه اكد ان السعودية تدعم التطرف الاسلامي، وانها استخدمته وانها لاتزال تفعل وتدعم جبهة النصرة.

ودينس روس كتب مقالة دفاع عن السعودية بعد أن قبض وقال ان فيها ثورة اصلاحات.

كل هذا لا يصلح البتة.

الدولة السعودية في نهايتها، وهي الى انحلال.

وما قام به آل سعود من جرائم بحق العرب والمسلمين، تدفع ثمنه لحلفائها اليوم.

(وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا).

إيقاف أنشطة الدعاة في الخارج

لأن العالم بمجمله ينظر الى السعودية كمنبع للفكر المتطرف والعنيف.

ولأن الوهابية تكاد تقترب من التجريم في أكثر من بلد عربي وإسلامي وأجنبي، بسبب ممارسات العنف التي يقوم بها أتباعها، وهو ما حدث في فرنسا وغيرها، من اغلاق مساجد وطرد دعاة وهابيين.

ولأنّ أكثر من داعية سعودي مُنع من دخول العواصم العربية والإسلامية والأوروبية، باعتباره ينتمي الى المدرسة الوهابية أولاً، ولأن وجوده يقوّي حركات العنف والراديكالية، كما حصل للشيوخ العريفي والقرني والعودة واضرابهم.

ولأن هؤلاء الدعاة يحملون أجندات سياسية، تلتمس في جوهرها منطق التكفير والعنف والدم، حتى وإن قالوا بأنهم سلميون وأنهم لا يؤمنون بالعنف..

وأيضاً لأن أمثال هؤلاء الدعاة الذين تبعث بهم الرياض للتبشير بالمذهب الوهابي الى كل عواصم العالم ومدنه الكبيرة تقريباً، قد أثبتوا بالتجربة أنهم يزيدون الحساسية والصراع بين المسلمين، وأن خطابهم الديني في أماكن الوعظ الخارجية غير مسؤول، ومتطرف، وعنفي في بعض الأحيان، ما يرتدّ على الحكومة السعودية نفسها التي بعثتهم، وبحيث يشكك في نية ال سعود، وتقصدهم نشر الإرهاب.

لهذا كلّه.. اضافة الى حساسية المسلمين المتزايدة من الوهابيين، كأتباع أو كمشايخ، أو كفكر، او كدعاة يُبتعثون من الرياض..

قررت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وقف كل إجراءات ودعوات ممارسة الأنشطة الدعوية في الخارج من قبل الأئمة والدعاة التابعين لها، حسب تعميم أصدره توفيق السديري نائب وزير الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة. والسديري موظف في الأساس في وزارة الداخلية، وينفذ توصياتها.

 

وجاءت الخطوة السعودية في سياق الدفاع عن النفس، في وقت كانت هناك إدانة من الكونغرس الأمريكي لسياسة الأمراء الداعمة للإرهاب، ولأيديولوجيتهم الوهابية التي تبيّن أنها مصدر الشرور للمسلمين قبل غيرهم.

وكالعادة انقسمت ردود الفعل في السعودية بين مؤيد ومعارض. وحتى المعارضين من التيار السلفي الوهابي الرسمي، تفهّم التكتيكات الحكومية التي غرضها ليس منع نشر الوهابية بقدر ما تستهدف حماية الأيديولوجية الوهابية والنظام السياسي السعودي الذي يحميها ويزكّيها ويفرضها في الداخل ـ رغم أقلية الوهابيين في السعودية ـ كما في الخارج.

الصحفي عبدالله بن بخيت علق بالتالي: (لم ينتشر الإسلام بموظفين اسمهم دعاة، بل بأخلاق المسلمين الشرفاء كالحضارم)، في اشارة الى دور اليمنيين في نشر الإسلام في منطقة جنوب شرق آسيا: (ماليزيا وأندونيسيا). والإعلامية إيمان الحمود رأته قراراً قد تأخّر. وأضافت: (لا ينبغي أن يُستقبل القرار بحساسية. فصورتنا على المحكّ بسبب العشوائية). أكثر من هذا فإن أحمد العواجي توقع أن (يتم حظر السلفية في الخارج بسبب خطاب دعاتها المليء بالكراهية والتكفير والتحريض على العنف)؛ والمحامي الكاتب عبدالرحمن اللاحم اعتبر قرار إيقاف ارسال الدعاة الى الخارج (خطوة مباركة) وبررها: (العالم يضغط علينا بسبب بعض الحمقى المنتسبين لبعض المؤسسات التي ندعمها)؛ ورأى أن يهتم السعوديون بأنفسهم (عليكم أنفسكم). 

اللاحم نفسه تمنّى (أن يلحق هذا القرار، قرار آخر بإيقاف أنشطة دعاة الداخل)، فكيف يكون هناك دعاة في مهبط الوحي يدعون المواطنين للإسلام. هدرٌ في الأموال، من اجل لا شيء؛ حسب تعبيره. كذلك توقف الإعلامي أحمد الفراج عند القرار، وخاطب مسؤولي وزارة الشؤون الإسلامية: (ليتكم تلحقون به تنظيم الوعظ بالداخل، وتنظّفون الوعظ من المدمنين والمُفَحِّطين السابقين، الذين شوّهوا صورة الدين بلغتهم المنحطّة). وأما الناشطة سعاد الشمّري فخاطبت المغردين: (اسمعوا صياحهم) وتقصد حركيي السلفية. وتضيف: (كل مسلم هو داعية بأخلاقه. بسْ ذول يَبُونْ دعوات، وناس تبوسْ أيديهم، واحتفالات وعزايم وحريم مِسْفار).

وبالطبع، لم يرق قرار وقف أنشطة دعاة الخارج للتيار السلفي ورموزه. لكن بعضهم صمت تماشيا مع طبيعة الموالاة للنظام. واتجه بعض الحركيين السلفيين الوهابيين التكفيريين الى منابرهم الاعلامية يشتمون ويطعنون. ما دفع مصدراً مسؤولاً في وزارة الشؤون الإسلامية الى التراجع. وشرح الأمر هكذا: (لإيضاح الصورة، وإيقاف الشائعات، فالتعميم الصادر ليس إيقافاً للأنشطة الدعوية في الخارج، بل ضبط وترتيب، حتى لا يتم استغلال الأئمة من قبل منظمات او جهات غير نظامية. وعلى هذا فإن الوزارة تُلزم كل داعية يستقبل دعوات للمشاركة في الخارج بالرفع لها ثم الرد بالموافقة او الرفض).

وأضاف المصدر المسؤول: (التعميم يقضي بأن أي داعية داخل او خارج الوزارة، لا يستقبل أو يوافق على أي دعوات تأتي من الخارج للمشاكة في برامج وأنشطة دعوة، إلا بعد الرفع للوزارة).

التعليقات المؤيدة لنشر الدعوة الوهابية في الخارج، ركّزت على أن الدعوة في الخارج تأتي في سياق الحرب على التشيع أو المنافسة معه، وكذلك في سياق نشر الدعوة الصحيحة السلفية الوهابية، مقابل التصوف، ومقابل ضلال الماتريدية والأشعرية، وهم الأغلبية الساحقة من (اهل السنة والجماعة). أي أن المؤيدين لنشر الوهابية عبر دعاتها، لا ينظرون الى الظرف الموضوعي، وما إذا كان هذا النشر يفيد الحكم السعودي واستقراره أم لا، وانعكاسات ذلك على الأيديولوجيا الوهابية المتهمة في الخارج. فالمهم هو ان نشر الوهابية جزء من الحرب السعودية على الخصوم العقديين بنظرهم.

الصحفي الإخواسلفي عبدالله الملحم اعترض على قرار ايقاف انشطة الدعاة السعوديين في الخارج وقال ان ذلك (سيكون خبراً سعيداً لدعاة تشييع السنّة في طول العالم الإسلامي وعرضه). وعموماً كل الإخواسلفيين السعوديين عبروا عن هذا الرأي بمن فيهم سعد الفقيه والمواقع التابعة له.

والشيخ محمد الوشلي الحسني، اعترض هو الآخر على القرار و تألم، وقال ضمناً ان من يتخلّى عن الإسلام (يقصد الدعوة الوهابية) هو الخاسر، وان الدعوة منتصرة.

ووصف فهد اللحياني القرار بالكارثة، وأنه سيصب في مصلحة الصوفية والشيعة والعقائد الفاسدة التي تنتسب لأهل السنة؛ وأضاف بأن نشر الدعوة جزء من الحرب: (نحن في حرب ونحتاج الى نشر عقيدتنا، وليس الى الهرب بأعذار واهية). وبصريح العبارة وكما قال احدهم: (الدور السعودي الدعوي، هو القوة الناعمة التي ظلت عقبة أمام مشاريع الصوفية والروافض، واليوم نحن نحاصر دورنا بأنفسنا). 

فالوهابية بهذا المعنى مجرد أداة سياسية، او أداة حرب، وأداة اختراق لتحقيق نفوذ سياسي لآل سعود في البلدان التي تنتشر فيها الوهابية.

وفي كل الأحوال، لن يمضي الوقت طويلا، حتى نرى الوهابية مدانة اسلامياً ومدانة عالمياً، لنشر الإرهاب والتكفير والعنف وخلخلة المجتمعات. ولأن الوهابية لصيقة بآل سعود، فإن الوهابية وآل سعود سيدانان معاً.

الصفحة السابقة