السعودية توقف بالقوة رئيس وزراء لبنان

ديفيد اغناطيوس

واشنطن بوست ـ 10/11/2017

بات رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري معتقلاً من قبل السلطات السعودية، فيما يمكن وصفه تحت إقامة جبرية بمنزله بالرياض حسب وصف مصادر لبنانية، فيما يبدو انه جزء من حملة ضغط سعودية على إيران وحليفها اللبناني حزب الله.

 

تفاصيل مذهلة حول الاحتجاز القسري للحريري توفرت من قبل مصدر مطلع في بيروت، وهي تعطي أدلة جديدة ومهمة للأسلوب الذي يتبعه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتعزيز سلطته بتحريك مشاعر معادية لإيران في الداخل والخارج.

شائعات ما يمكن وصفه (خطف) للحريري والذي استقال كرئيس للوزراء، أثناء وجوده بالسعودية، صدمت العالم العربي. فالمسؤولون اللبنانيون قلقون من أن إبن سلمان، ولي العهد ذي 32 عاما، يريد دفع لبنان نحو مواجهة مع إيران. بعض المحللين هناك يشكون ان السعوديين يعاملون أسرة الحريري الممولين من الرياض منذ عقود، كما لو كانوا ممتلكات هامشية.

حسبما يؤكد مصدر لبناني جيد الاطلاع، فإن القصة بدأت يوم الاثنين 30 أكتوبر، عندما سافر الحريري للسعودية للقاء شخصي مع ابن سلمان، كان مع ولي العهد ثامر السبهان، مستشاره الهام للعلاقات مع الدول العربية.

مضى اللقاء بشكل طيب، كما يقول المصدر اللبناني، وكان الحديث مؤكدا لاستمرار الدعم السعودي للبنان، بالرغم من هيمنة حزب الله على الحكومة التي يرأسها الحريري. عاد الحريري لبيروت في الأول من نوفمبر، واجتمع مع مجلس وزرائه ليطلعهم على مجريات الزيارة. تقول المصادر انه أبلغهم ان السعودية ستدعم خطط لمؤتمر دولي في باريس لدعم اقتصاد لبنان، واجتماع اخر في روما لدعم جيشها، بالإضافة الى مجلس سعودي لبناني مشترك لتشجيع الاستثمارات.

ابلغ الحريري وزراءه بهذه الاخبار، بما في ذلك ممثلي حزب الله في المجلس. وانه بالرغم من كون ابن سلمان سيتخذ موقفا متشددا حيال إيران، الا انه طمئنهم بأن لبنان لن يكون هدفا لذلك. هذه التطمينات تأكد خطؤها الان.

خطط الحريري للعودة للرياض للاجتماع مع الملك سلمان يوم الاثنين، 6 نوفمبر الجاري، ولكن جدول الاعمال تغير عندما تلقى اتصالا عاجلا من برتوكول ابن سلمان يبلغه ان الأمير يريد الاجتماع به يوم الجمعة الثالث من نوفمبر، وان يقضي نهاية الأسبوع معه. لم يتم لقاء الجمعة وظل الحريري منتظرا ببيته الفاخر بطريق التخصصي بالرياض.

ما حصل بعد ذلك هو الجزء المرعب من القصة، فحوالي الثامنة صباح السبت، وهو موعد مبكر للاجتماعات في السعودية، استدعي الحريري على عجل للاجتماع بابن سلمان، البرتوكولات المعتادة اختفت، ومضى الحريري لاجتماعه في سيارتين لا يرافقه غير حراسته الخاصة، اختفى تماما لعدة ساعات، ولم يظهر الا على شاشة التلفزيون حوالي الساعة الثانية بعد الظهر يقرأ بيانا يعلن فيه استقالته من منصب رئيس الوزراء، مبررا ذلك بتهديدات إيرانية على حياته، وان طهران تصدر (الفوضى والدمار). هذه اللهجة العدائية تجاه إيران غير معتادة منه، ولم يشاور فيها أيا من كتاب خطاباته المعتادين.

قبل بث الخطاب بقليل، ذكرت قناة العربية التي تملكها السعودية ان الحريري سوف يعلن استقالته، ما يعني ان خطابه كان مسجلا. اتصل الحريري لاحقا بالرئيس اللبناني ميشيل عون يبلغه انه لا يستطيع الاستمرار في وظيفته، وانه سيعود لبيروت خلال أيام.

لم يعد الحريري لمنزله بالرياض الا يوم الاثنين، ويقال انه اقام يومي السبت والأحد بفيلا بمجمع الريتز كارلتون حيث تعتقل تلك الشخصيات السعودية الهامة التي أوقفت في ليلة السبت (ليلة محاربة الفساد). في يوم الاثنين اجتمع الحريري مع الملك سلمان، ثم سافر الى ابوظبي حيث اجتمع مع ولي العهد هناك الشيخ محمد بن زايد والذي يعتبر (معلم) ابن سلمان.

عاد الثلاثاء الى منزله، والذي اضحى تحت حراسة الامن السعودي، وفي الأيام التالية التقى مع دبلوماسيين وممثلي الولايات المتحدة، وروسيا والدول الاوربية الرئيسية.

مالذي يريده السعوديين بعد ذلك؟ يعتقد المصدر اللبناني ان اخ الحريري، بهاء وهو أكثر تشددا منه، بات مرشح الرياض لمنصب رئاسة الوزارة. عدد من أقرباء الحريري استدعوا للرياض خلال الأسبوع، ولكنهم رفضوا السفر، يتردد ان بهاء موجود هناك في بيروت، يضيف المصدر ان بهاء أرسل صافي كالو، وهو مستشار مقرب له، للاجتماع قبل 10 أيام مع زعيم الدروز وليد جنبلاط لمناقشة استراتيجية لمستقبل لبنان، ولكن يقال ان جنبلاط ترك الاجتماع قبل التوصل الى أي اتفاق.

أخبرني المصدر اللبناني انهم قلقون على تأمين الاستقرار الداخلي، فخلال الأعوام الأخيرة اتحدت الطوائف اللبنانية والتي طالما احتربت سابقا على تأمين البلاد رغم الصراع الجاري بجوارهم في سوريا. هذه الاستقرار الداخلي ثمين لهم، بعد نحو عقدين من حرب أهلية، قد اضحى الان في مهب الريح.

يشعر اللبنانيون مرة أخرى، انهم مثل كرة طاولة على ملعب الشرق الأوسط، ويريدون عودة رئيس وزرائهم الى الوطن.

الصفحة السابقة