إيقاف حسين بافقيه عن الكتابة

أدباء ومفكرو المملكة يجلدون الوزير السروق!

محمدالسباعي

بعد أن سرق وزير الإعلام والثقافة شعر شوقي وألقاه على الملأ صوتاً وصورة، ارتكب جريمة أخرى بمنع أحد أشهر النقاد الأدبيين والمؤرخين الثقافيين في السعودية، حسين بافقيه، من الكتابة الصحفية في جريدة مكة، لأنه أشار وانتقد سرقة الوزير.

لم يحدث في تاريخ المملكة ان تعرّض وزير اعلام وثقافة الى ما تعرض له الطريفي من هجوم على كل المستويات لسرقته اولاً، ولطرده شخصية أدبية مثل بافقيه ثانياً.

الوزير لا تنقصه الرعونة، فهو شاب عمره ٣٧ عاماً؛ وهو من نجد الأقلية الحاكمة، وهو ايضاً من بريدة، معقل التعصب الوهابي ومنبع التكفير والعنف؛ ومنذ ان اصبح وزيراً أثبت استعلاءً وطيشاً، جعل الجميع يكرهونه ويتمنون استقالته او اقالته.

ردود الفعل العنيفة وغير المسبوقة من الكتاب والأكاديميين والروائيين والقصصين والمسرحيين والصحفيين وغيره على الطريفي لها سبب آخر. وهو أن مساحة النقد السياسي والإجتماعي في العهد السلماني انكمشت بسرعة الصاروخ، فلم يبقَ سوى العنف والدم. وحين زحف الطريفي بقمعه الى الفضاء الأدبي، وهو المتنفّس الوحيد للمثقفين، جلدوه كما لم يُجلد وزيرٌ من قبل. ولو كان لدى العائلة المالكة ذرّة حياء، لما أبقوه ساعةً واحدة في منصبه، خاصة وأن محمد بن سلمان قد أقال وزراء كوزير الصحة لجملة واحدة قالها. نعم جملة واحدة وهي قوله: (الوزارة ما هِيْ شمسٍ شارتزةْ ـ أي الوزارة ليست شمساً شارقة) رداً على طلب مواطن معالجة أبيه.

فأين هو الحزم السلماني المزعوم تجاه هذا الوزير الأرعن؟

حسين بافقيه يقول التالي: (سبب إيقافي عن الكتابة في الصحف هو تغريداتي النقدية في قضية عادل الطريفي يسطو على قصيدة شوقي). فماذا قال بافقيه في تلك التغريدات؟ قال: (لو أنزلنا الأبيات التي ألقاها الطريفي على حدود النقد القديم، لما خرجت عن كونها سرقة شعرية مكتملة العناصر)؛ وأشار الى رأي النقاد كالغذامي والسريحي ومحمد العباس، الذين رأوا فيما فعله الوزير تعدياً على شعر شوقي. وواصل: (بحسب مقاييس النقد الأدبي، والأعراف الأدبية، فإن الأبيات التي ألقاها الطريفي ليست معارضة ولا تضمينا ولا تناصّاً، مهما بحث البعض عن مَخْرَجْ).

إذن كان هذا كافٍ لأن يأمر الوزير بمنعه من الكتابة بلا محاكمة أو قانون. والقصة يرويها مرة اخرى بافقيه نفسه، وبشجاعة كما عُهد عنه؛ رغم تحويل الطريفي المسألة الى قضية ثأر شخصي، ولكن ذلك لم يمنعه من قول الحق؛ وموضحاً ان سبب ايقافه ليس لمقال كتبه، وإنما التغريدات النقدية.

يقول بافقيه: (لأول مرة أعرف انه لا يجوز نقد الوزير إذا أعدّ كلاماً وألصقه بالأدب، وأخشى ان تُمنع كتب النقد الأدبي). وقد أبلغه رئيس تحرير صحيفة مكة علي بازيد بصدور قرار المنع من الكتابة من الوزير نفسه وفي كل الصحف السعودية. واعتبر بافقيه القرار ظالماً ودون وجه حق، خاصة انه صدر من وزير ثقافة واعلام. كما وصف القرار بالفردي، وأن أمثال هذه القرارات تحول دون نشوء بيئة ثقافية مبدعة؛ موضحاً ان الوزير الطريفي كان غائباً عن الساحة الثقافية ولم تلقَ منه الرعاية. وتساءل ما اذا كان الطريفي يريد ان يذكره التاريخ بأنه منع هذا الكاتب، وذلك المبدع، وذاك الفنان، محذرا بأن التاريخ لا يرحم.

أيضاً أشار الأستاذ حسين بافقيه الى ان رئيس تحرير مكة طلب منه العودة حين تحين الفرصة ليكتب في الجريدة مجدداً؛ لكنه رفض فالمسألة تتجاوز القضية الشخصية الى قيم الثقافة العليا؛ اضافة الى كرامة الكاتب حين يصدر قرار من الوزير نفسه؛ والذي لا يجب ان تكون قراراته فردية فيُمنع الكاتب في الصباح ثم يُرجَع عن المنع في العشي، حسب قوله. وتساءل بافقيه: أي بيئة للإبداع ترنو اليها ابصارنا، والكاتب لا يدري في أي ساعة يمنعه الوزير، وفي أيّ ساعة يرجع عن قراره؟ الذي هو اساساً قرار غير قانوني.

لهذا قرر حسين بافقيه التفرّغ للقراءة والتأليف.

وهنا تناوب الكتاب والأدباء والاكاديميون والمسرحيون والروائيون في جلد الوزير الطريفي، ولم نضع تعليقاً من عامة المواطنين، وإنما هي تعليقات من كبار المشتغلين بالأدب والثقافة والقلم والصحافة.

وصف عبدالمجيد الزهراني قرار المنع بأنه (وصمة عار في تاريخ الإعلام السعودي)؛ وسعيد السريحي خاطب أبا هاشم فقال بأن قليلين يعرفونه رجلاً شجاعاً، وأنه واحدٌ من تلك القلّة؛ وأضاف: (وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى.. يا أبا هاشم).

طراد الأسمري نشر في موقع أنحاء المقال الذي رفضت نشره بأمر الوزير صحيفة مكة، وقالت جريدة انحاء الالكترونية انها تتشرف بنشر مقالات حسين بافقيه. والدكتور عبدالله بانقيب يتفهم منع كاتب او مغرد ان كتب في شأن سياسي، لكنه لا يتفهم ان يوقف كاتب لأنه كتب في شأن أدبي ونقدي. وتضامن جزّاع الشمّري مع بافقيه (الذي هو أستاذنا في النقد، فقول الحق مؤلم)؛ وصالح الغامدي يقول ان الوزير توّهم ان باستطاعته مصادرة الصوت المختلف؛ ولم يكتف بخيبته في القصيدة المسروقة وبدأ بالتصفية الثقافية؛ وشتيوي الغيثي يقول ان الوزير جاء ليكحّلها فعماها. وزايد الرويس يقول ان الصمت رذيلة، ووقف مع بافقيه؛ وتفاءل بأن احدى الصحف المحلية الكبرى حذفت من موقعها الالكتروني خبر شاعريّة الوزير اللص. ومَذْكَر الشِّلْوِيْ يخاطب ابا هاشم: (خسرتَ زاويةً صحفيةً وربحتَ موقفاً تاريخياً).

الكاتب ثامر شاكر علّق: (الوزير سيرحلْ، لكن المعلّم بافقيه سيسكن الذاكرة طويلاً)؛ وطمح احمد الهلالي (أن يتعاظم ضمير الوزير فيستقيل). واضاف: (سقف طموحاتنا هو: تراجع واعتذار). والسيد سمير بَرْقَةْ يسأل عن اجراءات أخرى لتكميم الأفواه لمن ينتقد تجاوزات مشاهدة رأيَ العين. ويضيف: ثم إن سقف الحرية آخذٌ بالضيق.

الكاتب المتميز خالد الوابل خاطب الوزير الطريفي بالتالي: (لم يعد هناك تبرير. الرحيل أكْرَمْ). يعني ارحل من الوزارة. والكاتب الصحفي أحمد عدنان، لم يضيع وقتاً فكتب مقالة تحت عنوان: (وزارة الثقافة والإعلام بلا وزير) نشرها في صحيفة انحاء الإلكترونية، هشّم فيها الطريفي تهشيما، وقال انه ليس صحفياً، وهو بلا خبرة، ولم يحقق في الشرق الاوسط او المجلة او قناة العربية التي رأسها أي منجز اعلامي، وسخر: (ليته يؤلف كتاباً عن صعوده الصاروخي في خمس سنوات) حتى اصبح وزيراً؛ وليختم: (من يصعد كالصاروخ يسقط كالصاروخ).

عواض العصيمي يسأل ما اذا كانت غضبة المثقفين ستنجح في تنحية الوزير الطريفي، ان حدث ذلك فهو نصرٌ للثقافة؛ واعتبر بندر خليل تلك الغضبة هبّة مشرّفة ضد التسلط والظلم والجهالة؛ وتوفيق السيف رأى تعامل الوزير مع الكتاب بمنطق الثأر معيب. واحمد عطيف رأى ان ايقاف بافقيه أشدّ ضرراً من انتحال قصيدة؛ والدكتور سعد الغامدي يقول ان من لديه القابلية لأن يسرق قصيدة فسيتجرّأ بكسر أقلام الكتاب.

الناقد عبدالله الغذامي يقول ان لا أحد فوق النقد والنقد ليس جريمة؛ واعتبر ايقاف بافقيه عن الكتابة عنواناً لمرحلةٍ (لا تَعِدُ برؤية)؛ وقارن الغذامي بين الطريفي مع وزراء اعلام سابقين كإياد مدني وعبدالعزيز خوجة اللذين تعرضا للنقد ولم يوقفا احداً. ووصف يوم ايقاف حسين بافقيه بانه يوم محزنٌ لثقافتنا فـ (وزير الثقافة يقمع صوت الثقافة ثأراً لشخصه)؛ وتابع بأن هناك محكمة وقضاء ولا يجوز للوزير إيقاف ناقده عن الكتابة.

نقد حسين بافقيه للوزير الطريفي لم يخرج عن اطار الأدب، وهو قامة ثقافية، تقول هداية سلمان؛ وخالد الغامدي يقول ان الوزير أثبت سرقته، وأثبت ان وزارته ضد المثقفين والثقافة؛ فيما طالب احمد المخيدش الوزير بأن يعتذر عما فعل؛ والدكتور زيد الفضيل يقول اننا نخسر بقرار منع بافقيه من الكتابة؛ ورأى الدكتور سلطان الطّس تكريم بافقيه لا النيل منه وإيقافه؛ ووصفت آمون الفارسي بافقيه بأنه ناقد حر لا يجامل؛ والبروفيسور عبدالرحمن السلمي يقول أن بافقيه سيبقى الرمز المعاصر الأكثر حضوراً في الأدب السعودي؛ في حين وصفه سعود الصاعدي بالقامة الثقافية المشرفة للوطن، والباحث الجاد في الشأن الثقافي، والنموذج للمثقف التنويري.

وانتقد الدكتور احمد الزهراني مكابرة الوزير واستعلائه وغروره، وقال انها تودي بصاحبها الى أسوأ المواقف وتولد الظلم؛ وبالنسبة للإقتصادي الدكتور احسان بوحليقة فإن قرار الطريفي اصاب رشاقة اللغة بالنصب والإنهاك، وان غياب بافقيه أنضب مخزون الجمال. وعبدالله الحصين يرى في قرار الوزير، مصادمة للشرع وللنظام الأساسي؛ في حين يتألم فراس عالم فيقول: (رضينا بسقف منخفض من الحريات في القضايا السياسية والإجتماعية، لكن ان يصل القمع الى الأدب والنقد، فتلك مصيبة). ويضيف: (أي امل يُرتجى من هكذا وزارة وهكذا وزير).

الأكاديمية منيرة الغدير الأستاذة في هارفرد تقول انها عادت للوطن فوجدت سرقة أدبية من الوزير، ثم قرار منع من الكتابة لناقد ومؤرخ أدبي؛ واستغرب عواض العصيمي ان الوزير بدل ان يعتذر عن سرقته الأدبية استغل سلطته لإسكات من انتقده. القمع حيلة العاجز. ولكن سيذهب الوزير غير مأسوف عليه، وسيبقى الأستاذ في المشهد الثقافي وتبقى مؤلفاته.

الشيخ عبدالوهاب الطريري يخاطب أبا هاشم: (تاريخ الأدب يكتب اليوم تاريخك)؛ وسخر محسن السهيمي فقال انه من الآن فصاعداً ينبغي ان يقرأ النقاد مصطلح النقد الأدبي على أنه المديح الأدبي، كي يضمنوا حرية الكلمة. وحوّر عبدالوهاب ابو زيد أبيات شعرٍ فقال:

إذا أنتَ لمْ تمدَحْ ولمْ تكُ ساكتاً

على سطوهِ، فانعمْ بسخطِ معاليهِ

ومِنْ نَكدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى

وزيراً له من دون ذنْبٍ يعاديهِ

أما إقبال السريحي فعلقت على عهد الطريفي بأنه عهد سرقة وكذب واساءة استخدام سلطة: (اعتقد كافية لأن تصف حقبة معاليه بالأكثر سوءً). وحين لم تنشر صحيفة مكة مقالة حسين بافقيه بعد المنع مباشرة، قال سعود اليوسف: (نجومُ سماءٍ خرَّ من بينها البدرُ). وابراهيم الحقيل يقول: (خسرنا حريتنا النقدية)؛ هذا في الأدب طبعاً، وقبله في السياسة والإجتماع وغيره. انه العهد السلماني المجيد.

عقيل الزماي يقول: (عيب ياوزارة الثقافة والإعلام؛ هذا خبر مسيء جداً). وعموما حسب حسن النعمي، فإن هذا الزمان ليس زمن الحجب والمراقبة، فالفضاء مفتوح امام حسين بافقيه. والدكتور الصقير يقول: (اما تكون من الشِّلّةْ وتطبّل، وإلاّ مع السلامة. عاشت الثقافة). وختاماً يكتب عبدالله الطياري هذه التغريدة: (أقول للطريفي: إنْ استطعتَ ان تؤذي حسين بافقيه، الموظف، فإنك لن تستطيع ان تصل لمكانة حسين بافقيه المثقف التنويري الذي يشرّف سمعة الوطن).

يا حسينُ لقد بلغتَ قلوباً

حين عزَّ الصدوقُ في النُّقّادِ

أوقفوكَ عن الكتابةِ ظنّاً

أنْ تُقادَ ولستَ بالمُنقادِ

الصفحة السابقة