القاعة الكبرى.. هكذا كانت   وهكذا أصبحت بعد القصف السعودي

الصواريخ السعودي تقصف القاعة الكبرى بصنعاء

متى تنتهي المجازر السعودية في اليمن؟

يحي مفتي

أخيراً.. اعترفت الرياض بما لا بدّ من الإعتراف به.

اعترفت بأن طائراتها قصفت عمدا القاعة الكبرى في صنعاء حيث كان المعزون مجتمعين بمناسبة وفاة والد وزير الداخلية، واعترفت أنها قتلت وجرحت ما يزيد على سبعمائة شخص، بينهم شخصيات كبرى في إدارة أجهزة الدولة اليمنية.

لو لم تعترف الرياض، فهذا لن يغير من واقع الحال شيئاً.

فالعالم ـ وبينهم حلفاء السعودية ـ تعاطوا مع فاجعة القاعة الكبرى منذ بداية حدوثه على أنه فعلٌ سعودي مدبّر. وأن الرواية السعودية لا يمكن أن تصمد أمام مشهد التفجير والضحايا.

الخبراء الأمنيون قالوا منذ البداية بأن ما جرى لا يظهر أنه تفجير داخلي، وإنما قصف خارجي.

وصور الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي سجّلت لحظات القصف، المرة تلو الأخرى، لتلاحق المسعفين والجرحى ولتقضي عليهم في أربع غارات متتالية.

الولايات المتحدة، كالشيطان، أعلنت براءتها مما فعلته حليفتها السعودية، وقالت بعد ساعات من القصف بأنها لم توقع على بياض بدعم السعودية في كل الأحوال.

بريطانيا وغيرها كما الإعلام الغربي عامة، أدانوا المذبحة التي ارتكبتها السعودية.

وبان كي مون، قرّع في تصريحات بالغة الدلالة السعودية على جرائمها.

ومثله فعل الأمير زيد بن رعد، المفوض السامي لحقوق الإنسان.

وحدها الرياض التي كانت تتحدث عن مؤامرة داخلية وتصفيات بينية، في الإئتلاف الحاكم في اليمن، بين أنصار الله وحزب المؤتمر، أنتجت تفجيراً قضى على الكثيرين.

نفت الرياض في البداية ان تكون أيٍ من طائراتها قد قصفت. وكررت ذلك مراراً، واستمرت تتحدث عن ذلك لأيام.

وإزاء الضغط الدولي من اجل تحقيق دولي في المجزرة، قالت الرياض انها ستحقق في المجزرة بالتعاون مع اميركا، على غرار تحقيقاتها السابقة في افعالها هي، وليس من طرف خارجي. لكن أحداً لم يستمع لمزاعمها ولا لعرض المجرم بالتحقيق في جرائمه هو، وحتى امريكا لم تشاركها التحقيق.

ثم اعلنت السعودية اخيراً بانها هي من قامت بالجريمة.

لكنها لا تريد ان تتحمل المسؤولية في القتل العمد لابرياء مدنيين وفي وضح النهار. بل وجهت اللوم الى من أعطاها المعلومات الخاطئة، وهم مرة أخرى اليمنيون، الذين يعملون معها، من أتباع عبدربه هادي.

وطفقت الصحف السعودية في اليوم التالي لاعتراف الرياض بمجزرتها لتتحدث عن مؤامرة من جديدة. 

مؤامرة تقول فيها أن الحوثيين سربوا معلومات خاطئة ليمنيين يعملون مع السعودية لتقصف القاعة الكبرى ولتقع بالتالي في الخطأ وتحصل على التنديد!

هذه رواية جديدة سعودية. لكنها لا تغير من واقع الأمر شيئاً، ويكاد لا يلتفت اليها أحد.

فالإعتراف بالمجزرة، يحمّل السعودية مسؤوليات.

أولها مسؤولية سياسية؛ وثانية أخلاقية؛ وثالثة مالية كتعويض عن الضحايا، والسعي لعلاج الجرحى.

لكن الرياض الحاقدة على اليمن، والتي تشهد هزيمتها عياناً، رفضت علاج الجرحى خارج اليمن، وأبقت على حصارها لمطاراته وموانئه.

الرياض الحاقدة على اليمن، تعمدت قصف القاعة الكبرى، باحثة عن نصر سريع بقتل قيادات سياسية وعسكرية وأمنية تجمّعوا للعزاء!

على الأقل حين تقتل قيادات كبرى كانت تتوقع حضورها، فإن ذلك سيفتّ في عضد القيادة اليمنية، وسيؤثر ذلك على الأداء في الجبهات العسكرية التي تفشل فيها الرياض المرة تلو الأخرى.

ماذا جنت الرياض من مجزرتها في اليمن؟

لقد أكّدت الرياض للعالم بأن لا حدود لانتقامها واجرامها. ولو كان لديها قنبلة نووية لألقتها على رؤوس اليمنيين.

نذكر هنا فقط بأن الرياض لا تزال تقصف المدنيين اليمنيين بقنابل عنقودية. تلقيها على منازلهم ومزارعهم واسواقهم، وهو أمرٌ لا يفعله مجرم سوى اسرائيل. بل حتى اسرائيل لم تلق القنابل العنقودية على الأحياء السكنية في حرب تموز 2006.

ثم ان الرياض لم ترتكب مجزرة واحدة في اليمن، بل هناك سلسلة مجازر تقوم بها، حيث دمرت الأسواق والمدارس والمستشفيات وقتلت الآلاف باعترافات الأمم المتحدة، ومؤسسات الإغاثة الدولية.

اعتراف الرياض بمجزرة القاعة الكبرى، اضطراراً، لا يعني ان اليمنيين قد غفروا لها مجازرها الكثيرة الأخرى التي لم تعترف بها. فليس هناك سوى مجرم وقاتل واحد، هو النظام السعودي.

وماذا بعد؟

لقد وحّد اجرام آل سعود اليمنيين ضد حكام آل سعود، وخلق بينهم وبين آل سعود ثارات لن تنطفيء إلا بعد عقود، هذا إن بقي النظام السعودي حياً حينها.

لقد خلق آل سعود فاجعة في كل قبيلة، وفي كل محافظة، وفي كل مديرية، ولم يفرق اجرامهم، بين زيدي وشافعي، ولا بين مؤتمري وحوثي، ولا بين مدني وعسكري.

وبقدر ما يكون هذا مؤلماً للنفس البشرية، إلا أن ما قامت به الرياض غباء استراتيجي حين تستعدي الجميع ضدها، وقد كان معظم اليمنيين أنصارها في يوم ما، وقد قلبتهم الجرائم السعودية الى قنابل موقوته بوجهها، وستحرمها من أي نفوذ مستقبلي، وستكون اليمن أكثر حرصاً على استقلالها من ذي قبل.

الخسارة تأتي أيضاً، للمذهب الوهابي، الذي وجد له مظلة سياسية سعودية تدعمه وتحميه وتنشره في الاراضي اليمنية لعقود.

هذا المذهب صار ممقوتاً في اليمن كآل سعود.

وكما يعود كل شيء الى أصله. عاد الزيود الى زيديتهم، والشوافع الى شافعيتهم، وفقدت الوهابية العنفية الدموية المبررة للقتل والإجرام السعودي ما تبقى لها من مكانة واحترام.

سؤالان ملحّان آخران:

متى توقف السعودية عدوانها على اليمن؟

وهذا يتضمن سؤال: هل مجزرة القاعة الكبرى بصنعاء ستكون آخر المجازر السعودية في اليمن؟

الثابت ان لا نيّة لدى الرياض الآن لإيقاف الحرب. فسلوكها اليومي على الجبهات، يحمل إصراراً على تحقيق منجز ما، ولو كان محدوداً، يمكن توظيفه لاحقاً في المفاوضات.

والثابت أيضاً، ان الدول الغربية لاتزال تصرّ على دعم النظام السعودي بالسلاح، وبيعه ما يريد من الذخيرة، حتى وان تحدثت تلك الدول عن السلم. وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وبالرغم من هياج الرأي العام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان ضد المجازر السعودية في اليمن، إلا ان صفقتين كبيرتين اعلن عنهما للسعودية، الأولى امريكية بنحو ملياري دولار؛ والثانية قيد الدراسة مع بريطانيا يتوقع ان تصل قيمتها الى نحو اربعين مليار جنيه استرليني، اي ما يقرب من ستين مليار دولار امريكي.

والثابت ثالثاً، ان الدول الغربية تبتز الرياض مالياً وسياسياً بحجة حرب اليمن وعدوانها عليه.

فحتى بريطانيا، ولكي تسهل عملية الصفقة الضخمة من السلاح للسعودية، اعلنت عن مشروع لإيقاف اطلاق النار في اليمن تقدمت به للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وهذا لا يتقصد بالضرورة ايجاد حل سلمي للقضية اليمنية، بقدر ما تستهدف منه بريطانيا إمضاء صفقة السلاح التي تريدها، بالضغط والإكراه.

ومن جانب السعودية نفسها، فإن حلفاءها اليمنيين (عبدربه هادي) يريدون استمرار الحرب، اذ لا مستقبل سياسي لديهم بدونها، او بالأصح بدون الإنتصار فيها.

ولما أعيتها الحيلة على الجبهات، والقصف بالطيران للمدنيين، وحصلت على حصة من النقد اللاذع دولياً بسبب عدوانها وجرائمها بحق المدنيين.. دعمت اطرافاً مرتبطة بالقاعدة وداعش لتورط الولايات المتحدة مباشرة في الحرب اليمنية.

ولما أعيتها الحيلة على الجبهات، والقصف بالطيران للمدنيين، وحصلت على حصة من النقد اللاذع دولياً بسبب عدوانها وجرائمها بحق المدنيين.. دعمت اطرافاً مرتبطة بالقاعدة وداعش لتورط الولايات المتحدة مباشرة في الحرب اليمنية.

وهناك انباء، ولنقل تسريبات، تقول بأن السعودية اوعزت الى جماعات يمنية تدعمها بتوفير صواريخ للقاعدة وداعش وتحميلهما مسؤولية الهجوم، في حال انكشف الأمر.

هذا الأمر كله يعني ان طبخة الحل السياسي لم تنضج بعد لدى الرياض، وهي ترخي رأسها امام النقد، وتتجاوب ظاهريا مع مشاريع السلم. لكنها في الواقع مستمرة في حربها: فإما نصر، وإما هزيمة شاملة. لا مكان لأنصاف الحلول.

حتى الحديث اليوم عن حل سلمي قد طبخه وزيرا خارجية بريطانيا وامريكا بحضور ممثل الامم المتحدة، ووزير الخارجية السعودي، لا يعني سوى التغطية على مجزرة صنعاء.

إيقاف العدوان السعودي على اليمن لن يتم إلا بواحد من أمرين، او اثنيهما معاً:

ان تضغط واشنطن على السعودية بشكل جاد، بحيث لا يمكن للأخيرة إلا أن ترضخ. وهذا لم يتم حتى الآن، فالنقد الأمريكي لازال ناعماً، وأمريكا وبريطانيا متورطتان في حرب اليمن والتغطية على عدوان السعودية. وهذا الضغط الناعم، ليس هدفه ايقاف الحرب، بل:

١/ محاولة تبرئة الذات الأمريكية والبريطانية من جرائم آل سعود أمام الرأي العام المحلي والعالمي.

٢/ ابتزاز السعودية سياسياً ومالياً.

أن يحسم اليمنيون الحرب بتوغل في العمق السعودي، وإسقاط مدنٍ كبيرة، مثل نجران وغيرها. في هذه الحالة، يُرجح ان تخضع الرياض مرغمة، ولكنها لن تفعل هذا، قبل ان تصرخ بأن (الروافض اليمنيين يريدون احتلال الحرمين الشريفين)، وقبل ان تحاول تجنيد قوات من باكستان وغيرها للمشاركة في الحرب واستعادة المدن الساقطة.

والى أن يحدث واحدٌ من الأمرين، لا يتوقع ان تكون نهاية الحرب قريبة، إذ ان المشكلة بين السعودية والشعب اليمني، وليست بين يمنيين يتقاتلون على السلطة.

وحتى لو كانت جميع الأطراف اليمنية تقبل بالحل السلمي، فإن الرياض لن تقبل بذلك، فهذا يعني انتهاء دورها في اليمن الى الأبد.

الصفحة السابقة