الخلافة ما بعد الملك سلمان

سيناريوهات الصراع على العرش

عبد الوهاب فقي

كان الصراع على السلطة سمة عامة في الدولة السعودية عبر أطوارها الثلاثة. وفي أغلب الصراعات التي كانت تندلع بين أجنحة الحكم السعودي، كان العنف الأداة الراجحة للحسم.

ومن الناحية التاريخية، نشب خلاف بين محمد بن سعود، مؤسس السلالة السعودية الحاكمة، وإخوته من أبيه ثنيان ومشاري وفرحان على تقاسم السلطة، ولكن محمداً نجح في تركيز السلطة في بيته بعد تحالفه مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

وبعد موت محمد بن سعود، تفجّر نزاع مسلّح بين أبنائه وأحفاده. وكان له إبنان:

(1) عبد العزيز، وقد تولى الحكم بعد وفاة أبيه ومات عام 1218هـ، وخلفه إبنه سعود المعروف بالكبير حتى وفاته عام 1229هـ، وانقطع نسل هذا الفرع في الحكم، ليتولى..

(2) عبد الله الذي ورث الحكم من ابن أخيه سعود، حتى سقطت الدولة السعودية الأولى عام 1234هـ، ونقل الى تركيا عن طريق مصر بعد سقوط الدرعية، وتمّ إعدامه في الآستانة.

 
الملك عبدالعزيز

بعد عبدالله توارث الحكم إبناه تركي وصنيتان، وقد أقصي الأخير عن الإمارة ومات عقيماً، فانحصرت الإمرة في بيت تركي بن عبد الله الذي أسس الدولة السعودية الثانية، بعد أن قام بقتل مشاري بن معمر سنة 1236هـ، وفرض نفسه حاكماً على نجد حتى عام 1246هـ، حيث قتله ابن اخته مشاري بن عبد الرحمن. وتولى فيصل بن تركي الحكم بعد أبيه، وإليه ينتسب حكم آل سعود من خط عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية الثالثة. أما جلوي المؤسس لعائلة آل جلوي التي شاركت في فتح الرياض سنة 1902، وتسلّمت إمارتي المنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية، فقد أقصيت تماماً عقب وصول الجناح السديري الى السلطة.

وتولى آل فيصل الحكم في الفترة ما بين 1246هـ و1282هـ، وخلف أربعة أبناء هم:

عبد الله بن فيصل، وحكم بعد والده لمدة أربع سنوات، أي في الفترة ما بين 1282 ـ1286، بعد انقلاب أخيه الأصغر، سعود بمساعدة من أخيه عبدالرحمن والد الملك عبدالعزيز، وقد استلم سعود الحكم حتى عام 1291هـ.

وفي عام 1302 عاد عبد الله وانتزع الحكم من أخيه سعود، ولكنه مات عقيماً فانتقلت الإمارة إلى غيره، وحكم سعود بن فيصل في الفترة ما بين 1286 ـ 1291، وترك أربعة أبناء هم عبد العزيز ومحمد وسعد وعبد الله.

أما محمد بن فيصل، فقد كان يدعم أخاه عبدالله، مقابل أخويه الآخرين سعود وعبدالرحمن. وقد حكم لسنة واحدة 1309 ـ 1310هـ، ومات ولم يخلف أحداً.

وأما عبد الرحمن، والد الملك عبد العزيز فخلف من الأبناء: فيصل، عبد العزيز، عبد الله، سعود، سعد، مساعد، محمد، أحمد، سعد الثاني، عبد المحسن وثلاث بنات (نورا، وهيا، ومنيرة).

عمد عبد العزيز في مرحلة مبكرة الى تقويض فرص ظهور منافسين من داخل الأجنحة الأخرى من آل سعود، ورفض مبدأ تقاسم السلطة مع أبناء عمومته، وحين كان يضطر للجوء الى القوة لا يتردد في فعل ذلك.

وفيما خسر الاخ الأكبر فيصل فرصته في احتكار السلطة، نجح عبد العزيز في فرض نفسه بقوة السلاح حاكماً مطلقاً بعد احتلاله الرياض عام 1902، فلم يكن هناك من ينافس عبد العزيز سوى أبناء عمومته المتحدّرين من عبد العزيز بن سعود بن فيصل بن تركي، المعروفين بإسم العرّافة وهم (سعود الكبير ومحمد وفيصل وتركي). وقد لجأ سعود ومحمد الى الشريف حسين في الحجاز، وجمعا قبائل العجمان والحساسنة بهدف قيادة تمرّد ضد عبد العزيز سنة 1908، ولكن عبد العزيز نجح في القضاء على التمرّد، وحين طاف على أسرى التمرّد قام بقطع رؤوس ثمانية عشر قائداً في وقت واحد، وأبقى التاسع عشر على قيد الحياة، كيما يقوم بنقل ما رآه من انتقام ابن سعود الى ابناء عمومته وحلفائهم من القبائل للكف عن التفكير في المشاركة في الحكم.

 
سعود العرافة، زوج نورة، الى يمين الملك سعود

وبصورة إجمالية، لجأ عبد العزيز الى سياسة صارمة لتقويض فرص المنافسة على الحكم تقوم على: المصاهرة لاستمالة القبائل التي قد تنافسه على العرش، وثانياً استخدام القوة العسكرية في حال الضرورة.

كان التحدّي الأكبر الذي واجهه عبد العزيز يأتي من الفرع الرئيسي في العائلة، المتحدّر من سعود الكبير، وسعى الى إحباط تطلعات هذا الفرع بتزويج إحدى اخواته، نورة، بالمطالب الرئيسي بالحكم، سعود بن عبد العزيز بن سعود الكبير، المسمّى بسعود العرّافة الذي تمرّد عليه، وذلك ليستميل أسرة عبد العزيز الكبير وكسب تأييدها كما جعلها تشارك في حكم فرعه في العائلة.

واتبع ابن سعود التكتيك نفسه مع الحليف الديني من أسرة محمد بن عبد الوهاب، إذ سار على خطى سلفه محمد بن سعود بالزواج من إبنة محمد بن عبد الوهاب، فتزوج عبد العزيز من إبنة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، التي أنجبت له ابنه فيصل، الملك فيما بعد.

في واقع الأمر، وفي حين تنازل عبدالرحمن عن الحكم لصالح ابنه عبدالعزيز، فإنه كان على هذا الأخير أن يضاعف جهوده لاحتواء التطلعات السياسية لدى إخوته التسعة، وقد شكّل أخواه محمد وعبد الله تحدّياً جدّياً لمشروع عبد العزيز في تشكيل سلطة عمودية. على أية حال، فإن الحوادث اللاحقة تفيد بأن محمد وعبد الله لعبا دوراً إيجابياً في تسوية النزاع على السلطة بين فيصل وسعود، ودخلا في وساطة إلى جانب الأمير فهد، الملك لاحقاً، لإقناع سعود بالتنازل عن السلطة لصالح أخيه فيصل.

في النتائج، كان انتقال السلطة من جيل الى آخر، يمثّل أكبر تحد واجهته أسرة آل سعود، وكان عليها تسوية نزاعاتها بطريقة تحفظ تماسك السلطة ولا يخسر المراهنون ما لأجله خاضوا معركة العرش.

نتذكر ما حصل بعد موت الملك عبد العزيز والصراع المحتدم بين فيصل وسعود والذي دام لسنوات، والذي هدّد استقرار المملكة السعودية ومصير حكم آل سعود.

في كل الإحوال، فإن انتقال السلطة يشكل دائماً تحديّاً جدّياً للمملكة السعودية. وسوف يزداد التحدي شدّة في المرحلة المقبلة. بكلمة، إن الملك القادم هو العامل الحاسم في مستقبل السعودية.

هوية الملك القادم
 
الملك سعود وأخيه فيصل: صراع انتهى بنفي الأول من البلاد

في ضوء الصراع التاريخي، وبناء على الوقائع الحالية يمكن القول بأن حسم هوية الملك القادم بعد الملك سلمان، لن يتم دون تحديد مسارين:

ـ مسار العلاقة بين المؤسستين السياسية والدينية، في ضوء رؤية السعودية 2030، وبرنامج التحول الوطني، والشرط الاستباقي بضرورة تقليص دور المشايخ والمؤسسة الدينية في المجال العام. ملفت أن يكون هذا المطلب في عهد سلمان الذي عرف عنه انحيازه الى جانب مشايخ الوهابية وتعزيز دور المؤسسة الدينية. في التقدير العام، لن يكون بمقدور الملك الحالي أو القادم تجاوز نفوذ المؤسسة الدينية، وإن انكماش هذا النفوذ سوف يكون على حساب استقرار السلطة السياسية وتماسكها. كبديل، تواجه الملك القادم تحدّيات كبرى تتعلق بالتعويض الذي يمكن أن يقدّمه للمؤسسة الدينية لجهة التنازل طوعياً عن جزء جوهري من نفوذه، ولا سيما في مجال الوعظ والاصلاح الاجتماعي.

ـ مسار العلاقة السلطة والمجتمع: فهناك قرار لدى الأسرة المالكة بتعويض المحكومين مادياً في مقابل المطالبة بحقوق سياسية ثابتة: المشاركة في صنع القرار، التمثيل العادل في المؤسسات الدستورية، الحصول على حصة عادلة في الثروة الوطنية، التمتّع بحرية تعبير وتجمع منصوصة في الدستور.

في العهود السابقة، كانت المعادلة تقوم على الاسترضاء مقابل الشراكة، أي اعتماد سياسة التقديمات الاجتماعية في مقابل الحرمان السياسي. ولكن ثمة مشكلة كبيرة للغاية تواجه النظام السعودي في المرحلة الراهنة، وهي أن الاسترضاء الاجتماعي بلا موارد كافية، بل إن المؤشرات تفيد بأن السعودية مقبلة على أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة، وسوف يكون على السلطات السعودية التعامل مع مرحلة جديدة ليس فيها ما تقدّمه للمواطنين من أجل بقائهم في حال الصمت لأجل غير مسمى.

مشكلة الاسترضاء اليوم أنه بلا موارد كافية. وفي المقابل، لا مؤشرات من أي نوع على نيّة الإصلاح رغم ضرورته القصوى.

ميزان القوى داخل الأسرة
 
فهد: رأس السديريين السبعة

مع وصول الملك سلمان الى السلطة في 23 يناير 2015 حدث أول تبدّل جوهري في ميزان القوى القائم منذ ثلاثة عقود (الجناح السديري ـ جناح عبد الله). وفي غضون شهرين، قام سلمان بإجراء تعديلات انقلابية أفضت الى رسم مسار جديد للسلطة لا يقوم على الثنائية التقليدية (السديري ـ عبد الله)، وإنما أخذ شكلاً آخر، حيث تمّ تركيز السلطة في فرع من فروع الجناح السديري.

في المشهد العام، تبرز أجنحة ثلاثة تمسك بقوى عسكرية:

ـ بيت سلمان: ويمسك، الى جانب منصب الملك وولي ولي العهد، وزارة الدفاع، وهي إحدى الوزارات السيادية التي عادة تكون ممراً طبيعياً الى العرش. تقليدياً، كانت وزارة الدفاع من نصيب بيت سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد الأسبق والشقيق الأكبر للملك الحالي، في الفترة ما بين 1962 ـ 2011. وبعد موته خسر آل سلطان هذا الامتياز، إذ أصدر الملك عبد الله في 5 تشرين الثاني 2011 أمراً ملكياً بتعيين سلمان وزيراً للدفاع خلفاً لأخيه، وكانت تلك فاتحة عهد جديد لجناح سلمان الذي عيّن إبنه محمد خلفاً له فور توليه العرش. ويوفّر المنصب، بحسب تجارب سابقة، إحدى الضمانات القوية في حفظ التوازنات الداخلية بين أجنحة الحكم.

ـ بيت نايف: منذ تولي الأمير نايف وزارة الداخلية في الفترة ما بين 1975 ـ 2011، تنامت قوته على نحو جعله أحد أركان الحكم السعودي، لاسيما عقب الحوادث الأمنية التي شهدتها المملكة خلال تلك الفترة (اعتصام جماعة جهيمان العتيبي داخل الحرم المكي في نوفمبر 1979، انتفاضة المنطقة الشرقية في ديسمبر 1979، مجزرة الحجاج الإيرانيين في موسم الحج 1987، حركة الاحتجاجات المصاحبة لأزمة الخليج الثانية في 1991، تفجيرات العليا بالرياض في نوفمبر 1995، وتفجير الخبر في يوليو 1996، مواجهات مسلّحة مع تنظيم القاعدة 2003 ـ 2004، وقمع التيار الاصلاحي بعد نشره عريضة (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) في يناير 2003، وتالياً اعتقال رموزه..). ونجح الأمير نايف في تعزيز نفوذه داخل الأسرة من خلال الامساك بملف الأمن بصورة كاملة.

 
صراع المحمدين الى أين؟

كان الملك عبد الله مدركاً لطبيعة النفوذ الذي يتمتع به الأمير نايف، ولذلك تردّد في تعيينه نائباً ثانياً بعد الأمير سلطان، ولي العهد الأسبق، وكلاهما من الجناح السديري. حينذاك، أنشأ الملك عبد الله «هيئة البيعة» في 10 يناير سنة 2007 برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز، من خارج الجناح السديري، وكان الغرض هو تفادي تعيين الأمير نايف في منصب نائب ثان وتفويض الهيئة لاختيار ولي العهد بعد موت الملك عبد الله. ولكن دخل الأخير في تسوية ثنائية لتوريث الأبناء، وعلى ضوئها أصدر أمر ملكي في 27 مارس 2009 بتعيين الأمير نايف نائباً ثانياً ما جعله مرشحاً ثابتاً في وراثة العرش. وبالفعل، ورث ولاية العهد من شقيقه سلطان، بعد موته في 2011.

الموت المفاجىء للأمير نايف في جنيف في يونيو 2012، كاد أن يضع خاتمة غير سعيدة لبيت نايف، بعد تعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز خلفاً له. ولكنّ أمراً ملكياً صدر بصورة مفاجئة بعد خمسة أشهر على تولي الأمير أحمد المنصب بإعفائه من منصبه “بناء على طلبه” وتعيين محمد بن نايف بدلاً عنه أعاد جناح نايف الى الواجهة السياسية مرة أخرى.

كأمير من الجيل الثاني يصعد الى منصب سيادي، يعد تولي محمد بن نايف منصب وزير الداخلية أبرز تطوّر في معادلة السلطة على مستوى المملكة منذ أربعة عقود، أي منذ تولي سعود الفيصل منصب وزير الخارجية منذ العام 1975. وصول محمد بن نايف الى ولاية العهد يجعله في موقع بالغ الحساسية في ظل تجاذب حاد بينه وبين ابن عمه محمد بن سلمان. وفي النتائج، إما أن يعبر محمد بن نايف الى العرش ضمن التراتبية التقليدية في نظام الوراثة، أو الخروج غير الآمن من سباق العرش.

ـ بيت عبد الله: وضع غياب الملك عبد الله نهاية لجناح كان يتصدّر المشهد لعقود ثلاثة. وقد خسر آل عبد الله نفوذاً واسعاً في الدولة، باستثناء مصدر القوة الوحيد (الحرس الوطني)، الذي لا يزال يحفظ لهذا البيت فرصة للعودة الى الواجهة في حال موت الملك سلمان أو اختلال موازين القوى مجدّداً.

 
وزير الحرس متعب بن عبدالله

ولذلك، فإن فرصة متعب في الوصول الى العرش لا تزال قائمة رغم الصعوبات المحدقة بها، خصوصاً بعد إعفاء الأمير مقرن من منصبه كولي للعهد بعد شهرين من إمساك سلمان بالسلطة.

ـ الأمراء المهمّشون: لم يتبلوّر حتى اللحظة جناح أو اتجاه من داخل الأسرة يمكن الرهان عليه بوصفه منافساً، رغم الأصوات الغاضبة التي ترتفع بين فترة وأخرى (الأمير طلال بن عبد العزيز، الامير سعود بن سيف النصر، الأميرة بسمة بنت سعود، الأمير خالد بن فرحان..)، ولكن من الصعوبة بمكان تصنيف هؤلاء في خانة «اتجاه» أو «تيار» منافس. يستثنى من ذلك ما يشاع عن تطلّع مكتوم لدى الأمير أحمد بن عبد العزيز، وهو أصغر الأشقاء السديريين السبعة.

ـ الآخرون: تركيبة الدولة السعودية بنظامها الملكي الشمولي والمطلق تحول دون صعود قوى منافسة من خارج الأسرة. ولكن يمكن الإشارة الى دور مساعد لبعض القبائل النجدية التي حاربت الى جانب الملك عبد العزيز وتتقاسم جزئياً على الأقل السلطة مع آل سعود، مثل التويجري، الزامل، عتيبة، سبيع، الدواسر، الثنيان، مطير، قحطان، حرب.. وبرغم من أن أكثر القبائل فقدت قدراً كبيراً من زخمها الاجتماعي والسياسي نتيجة تنامي نفوذ آل سعود في الدولة وتغلغلهم في مؤسساتها وسيطرتهم على مصادر الثروة والقوة العسكرية. ولكن، قد تلعب بعض القبائل على التناقضات داخل الأسرة المالكة أو الاصطفاف لصالح هذا الجناح أو ذاك، كما جرت العادة في تاريخ الصراع داخل منطقة نجد في الدولة السعودية الأولى والثانية.

يبقى الكلام عن دور القوى السياسية (الاصلاحية على وجه الخصوص)، وقد تعرّضت لقمع شديد منذ سنة 2004، فيما تقدّم العمر برموزها ولم تنجح حتى الآن في بلور إتجاه وطني عام يستقطب مناصرين من مختلف المناطق والإتجاهات السياسية، وزاد في صعوبة الأمر تصاعد النبرة المذهبية التي تركت تأثيراتها على القوى السياسية الوطنية والليبرالية.

أما فيما يخص دور الخارج، فليس هناك من قوى خارجية إقليمية أو دولية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في معادلة السلطة سوى الولايات المتحدة. وقد سعى الملوك السعوديون، على الأقل منذ الملك فهد وحتى الملك سلمان، الى الاستعانة بالدعم الأميركي لتعزيز فرص ترشيح أحد أبنائهم في تولي الحكم.

 
الوليد بن طلال، والأمراء المهمّشون

وغالباً ما كانت تثير الصحف الأميركية سؤال الخلافة، وهوية الأوفر حظاً في تولي العرش. في تسعينيات القرن الماضي، كان إسم سلمان مطروحاً بوصفه الشخصية الأكثر قبولاً لدى الدوائر الأميركية، في وقت كان الاتفاق منعقداً على أن الملك فهد أكثر الملوك السعوديين قرباً من واشنطن، فيما كان الملك عبد الله يصنّف، في الظاهر على الأقل، بأنه ذو نزعة عروبية معادية للولايات المتحدة. وفي حقيقة الأمر، تبقي تلك التصنيفات مساحة التكهّن مفتوحة، فالأمير نايف، على سبيل المثال، والذي كان يصنّف هو الآخر في جبهة الشخصيات غير الودودة للولايات المتحدة لعبت دوراً محورياً في العام 2008 بتوقيع أربع اتفاقيات استراتيجية مع واشنطن.

في كل الأحوال، فإن البراغماتية السياسية لها منطق يختلف عن منطق العلاقات الشخصية، وأن الرهان الأميركي على بن نايف قد لا يكون مفتوحاً، في حال بروز شخصية جديدة يمكن أن تكسب الرهان.

سيناريوهات نقل السلطة

1 ـ استمرار الوضع على ما هو عليه:

وأول ما يبرز هنا: مستقبل بن سلمان. والأسئلة المطروحة في هذا الصدد هي: هل سوف يقبل الملك القادم ببقاء محمد بن سلمان في موقعه؟ هل يعزل؟ أم تتقلص صلاحياته الى أدنى مستوى؟ هل سوف تبقى السلطة كما هي عليه أم سوف يعاد تشكيلها، وفي حال بقائها وفق ثنائية: لجنة الشؤون السياسية والامنية ولجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية من سوف يتولى اللجنة الأولى التي يرأسها محمد بن نايف حالياً، هل سوف يسمح الأخير بصعود طرف جديد الى معادلة العرش، وبنفس الصلاحيات؟


 
خالد بن سلطان: المطرودون!

2ـ السيناريو القطري:

تنازل الملك عن السلطة لصالح إبنه محمد، على أن يرعى هو عملية الانتقال وتقسيم السلطة لمرحلة مقبلة. ولا يزال هذا السيناريو مطروحاً وبقوة، ويكتسب أهمية في حال تضاءلت فرص صعود بن سلمان الى العرش بطريقة تقليدية.


3ـ السيناريو الكويتي

احتكار بيت سلمان موقع «الملك» واحتكار بيت نايف موقع «ولي العهد» وإلغاء منصب ولي ولي العهد.


4ـ الفصل بين رئاسة الوزراء وولاية العهد

بما يتسنى للأمير محمد بن سلمان من ضمان فرصته في الوصول الى العرش.


5ـ بناء تحالف قبلي من خارج العائلة

تنصيب محمد بن سلمان ملكاً واستبعاد محمد بن نايف من ولاية العهد وتعيين شخص ما قريب من الملك.


6ـ تعيين الأمير أحمد ولياً للعهد وإعفاء محمد بن نايف على أن يبقى محمد بن سلمان في موقعه

في كل الأحوال، فإن سيناريوهات الحكم في عهد سلمان رغم صعوبة ترجيح أي منها في ظل التبدّلات السريعة التي قام بها في بداية عهده والتي طالت بنية السلطة السعودية، تبدو غير ثابتة. ولكن يبقى مصدر القلق الرئيس هو في مستقبل محمد بن سلمان، الذي لابد أن الملك سلمان قد أولاه اهتماماً خاصاً كما تكشف بوضوح ترتيبات السلطة منذ لحظة استلامه مقاليد الحكم.

الصفحة السابقة