الملك فهد أغرق سوق النفط عام 1986 لأغراض سياسية وكذلك فعل شقيقه سلمان، فكانا من الخاسرين   غروب الاقتصاد السعودي، وخسارة الحرب ضد روسيا وإيران!

إقتصاد سعودي مريض، أم دولة تحتضر؟

محمد شمس

إعتماد الاقتصاد السعودي على النفط كمصدر رئيس للدخل، يترك انخفاض سعره تأثيرات مباشرة على الأداء الاقتصادي العام للدولة. ثمة دروس قاسية من تجارب انخفاض أسعار النفط في سنوات سابقة. في مارس 1986 شهدت السعودية أولى أزمات انخفاض أسعار النفط في تاريخها، إذ بلغ سعر برميل النفط آنذاك 10 دولارات، وهو أدنى سعر له بعد انهيار سعره من 32 دولار في أكتوبر 1985. وفي يناير 2009 وصلت أسعار النفط إلى 40 دولار بعد الرقم التاريخي الذي وصله 147 دولار في الساعات الأخيرة من يوم 11 سبتمبر عام 2008، في كلا الحالتين خسر سعر النفط أكثر من 60% من قيمته في غضون أقل من 6 شهور.

في أواخر 1987، توصّل الملك فهد إلى حقيقة أن معركته مع سعر النفط الرخيص سوف تكون طويلة، فلجأ الى الحل الكلاسيكي بتقليص الخدمات الرعوية، فارتفعت بوتيرة تدرجية أسعار الكهرباء، والماء، والوقود، والتأشيرات، ورسوم الخدمات الحكومية. وفي الوقت نفسه، صدر قرار بإلغاء الدعم الحكومي لعدد من المنتجات الزراعية، وزادت سنوات الإنتظار للحصول على قرض الاسكان الحكومي، فيما انخفض دخل الفرد إلى النصف تقريباً خلال 4 سنوات أي الفترة ما بين 1983 ـ1987 من 11 ألف دولار الى 5.5 ألف دولار.

في عام 1998 واجهت السعودية أزمة جديدة لهبوط أسعار النفط، بفعل الأزمة المالية الآسيوية، فهبط سعر برميل النفط إلى ما دون 10 دولار، فيما كانت السعودية تعاني من وطأة الدين العام الذي بلغ نحو 700 مليار ريال، أي ما يفوق 100% من الناتج المحلي. وخلال جلسة لمجلس الوزراء في ديسمبر 1998 خاطب ولي العهد حينذاك، عبد الله بن عبد العزيز، الملك فيما بعد، المواطنين بأن "زمن الوفرة انتهى..يجب علينا جميعاً التعود على أسلوب حياة لا يعتمد كلياً على الدولة".

إن الحرب النفطية التي أعلنتها السعودية في آواخر عام 2014 بهدف الإضرار بالاقتصادين الروسي والإيراني لم تكن بلا ارتدادات كارثية على الإقتصاد السعودي. وبخلاف التطمينات التي أطلقها وزير البترول السعودي السابق علي النعيمي في مؤتمر أوابك في أبو ظبي في 21 ديسمبر 2014 بأن "هبوط الأسعار لن يكون له تأثير ملموس وكبير على اقتصادات السعودية أو الدول العربية الأخرى"، فإن السعودية كانت الخاسر الأكبر جراء انهيار الأسعار، حيث قدّرت خسائرها السنويّة بأكثر من 216 مليار دولار، وأن عجز الميزانية لعام 2015 بلغ 38 مليار دولار. وبرغم من نفي النعيمي "المؤامرة السعودية" وراء تخفيض أسعار النفط عبر أغراق السوق العالمية، فإن السيناتور الأميركي الناشط جون ماكين أكّد في 22 ديسمبر 2014 بأن المملكة السعودية مسؤولة عن انهيار الاقتصاد الروسي، وقال خلال مقابلة مع شبكة سي إن إن:"علينا تقديم الشكر للسعودية التي سمحت لسعر برميل النفط بالهبوط لدرجة تؤثّر بصورة كبيرة على اقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين". وهذا ما أكّده الرئيس الأميركي باراك أوباما في تصريحات لإذاعة (إن بي آر) في 29 ديسبمبر 2014، إذ اعترف بأن "قرار خفض أسعار النفط بنسبة تزيد عن خمسين بالمائة، هو محض قرار سياسي.."، وأضاف: "قسم من تحليلنا كان يقوم على أن الشيء الوحيد الذي يبقي اقتصاد الروس هو سعر النفط، وأن فرض عقوبات نفطية سيجعل الاقتصاد الروسي هشّاً وغير قادر على مواجهة الصعوبات الضخمة التي ستنتج عن تقلّب أسعار النفط".

على أية حال، فإن قرار السعودية بخفض أسعار النفط قد ألحق أضراراً فادحة بالإقتصاد الوطني، إذ لم تكن قادرة على أن تبقي على أسعار البترول منخفضة لفترة طويلة جداً، وإن الظروف التي كانت تحيط بقرار التخفيض في مراحل سابقة لم تعد هي ذاتها..

لقد نبّه مجموعة من الاقتصاديين في المملكة السعودية من مخاطر التقلبات الناتجة عن المتغيرات السياسية والاقتصادية. فقد سجّلت موازنة العام 2015 عجزاً قياسياً بلغ 145 مليار ريال، أي ما يعادل 38.6 مليار دولار، وهو الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009.

لغز ماكنزي
 
إقالة وزيرا النفط والمالية، مؤشر على تدهور الأوضاع الإقتصادية

كان المتداول على المستويين الرسمي والشعبي على مدى نحو عام من الإعلان عن برنامج التحوّل الوطني، البديل عن الخطط الخمسية التي بدأ العمل بها منذ عام 1970، وتمّ التخلي عنها في 2015، بأن شركة ماكينزي هي التي اضطلعت بمهمة إعداد خطة شاملة للتحوّل الوطني، إستناداً على طلب رسمي وبناء على شروط وخصوصية المملكة إقتصادياً ومالياً واستراتيجياً.

وقد أسهب الاقتصاديون السعوديون في شرح أبعاد خطّة التحوّل الوطني، والآفاق المأمولة من الخطة، وكذلك الفرص والتحديّات التي سوف تخلقها. وحقيقة الأمر، أن المجموعة بالفعل أعدّت تقريراً عن الاقتصاد السعودي وعن التحوّل المطلوب، مستندة على أداء الاقتصاد السعودي في الفترة ما بين 2003 ـ 2013 تكون تمهيداً لاستشراف الفترة ما ما بين 2015 ـ 2030، استناداً على الممكنات الاقتصادية بحسب ما يتوافر لدى المملكة من إمكانيات استثمارية وما يتطلبه من بنية تحتية تشريعية وبيروقراطية تنسجم مع الفرص الاستثمارية المتاحة، من خلال توسعة نطاق مشاركة القطاع الخاص وتقليل دور القطاع الحكومي، ولكن التقرير كان من ضمن مايربو عن دزينة تقارير أعدتها المجموعة وشملت عدداً من بلدان العالم.

من بين المعطيات التي يستند إليها تقرير ماكينزي حول الاقتصاد السعودي هو ارتفاع متوسط دخل العائلة بنسبة 75 في المائة خلال الفترة ما بين 2003 ـ 2013، وخلق 1.7 مليون فرصة عمل، وإجمالي مبالغ مرصودة للبنية التحتية والخدمات ولاسيما التعليم والصحة ناهزت 750 مليار دولار حتى نهاية عام 2014. ولكن التقرير يلفت الى أن من غير الممكن السير بالنمو في الطريق ذاته، أي بالإعتماد على العوائد النفطية والنفقات العامة. وطالب برفع نسبة مشاركة السكّان المحليين في سوق العمل، وخفض الانفاق، برغم من عدم الكفاية لمواجهة مشكلة البطالة المتصاعدة بوتيرة متسارعة ما لم تعضدها حلول أخرى مثل مضاعفة فرص الاستثمار، وتخصيص ما يقرب من 4 تريليون دولار في قطاعات التعدين، والبتروكيماويات، والصناعة، وقطاع التجارة، والسياحة بما يشمل السياحة الدينية، والرعاية الصحية، والخدمات المالية. وفيما يخص التحوّل المجتمعي، يؤكد التقرير على دور المرأة لزيادة مستوى المشاركة السكانية في الدورة الاستثمارية الشاملة وزيادة دخل العائلة.

وعلى خلاف الخبراء الاقتصاديين من التيار الاصلاحي، فإن ماكينزي ركّزت في مقترح التحوّل الاقتصادي على ثلاثة ركائز: القوى العاملة المنتجة، ومنظومة إصلاحات إقتصادية، وإدارة مالية عامة ثابتة. في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي عبد العزيز الدخيل بأن لا إصلاحات إقتصادية قابلة للنجاح دون إصلاحات سياسية وإجتماعية، وإن التركيز على تنمية الموارد البشرية أولى من الانفاق على المشاريع.

ما يلفت أن ماكنزي التي جرى تداول إسمها كصانع لرؤية السعودية 2030 عادت ونفت أن تكون صاغت الرؤية، في ظل انتقادات متصاعدة حول تدابير التقشف الصارمة التي اعتمدتها الحكومة السعودية بصورة متعاقبة منذ الإعلان عن موازنة العام 2016 في كانون الأول 2015 والتي كشفت عن عجز غير مسبوق بواقع 87 مليار دولار. وقالت المجموعة بأن "ما أشيع في الإعلام حول هذا الأمر غير صحيح". النفي جاء للرد على الانتقادات للشركة من قبل الكثير من الجهات في المملكة السعودية، بحسب بيان صحافي صادر عن الشركة. وقالت الأخيرة بأن التقرير الصادر عن الاقتصاد السعودي في عام 2015 قدّمه مركز أبحاث ماكنزي العالمي هو تقرير مستقل ولم تطلب الحكومة السعودية، وهو واحد من 14 تقريراً نشره المركز في 2015.

مهما يكن، فإن ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية، والمسؤول المباشر عن خطة التحوّل الوطني ورؤية السعودية 2030 كرّس مجهوداً استثنائياً لناحية البدء بتنفيذ الخطة، وشملت تغييرات هيكلية في الدولة ومؤسساتها. بل إن الأمير أزاح عن الواجهة شخصيات عريقة في مجالي النفط والمال، فصدر أمر ملكي بإعفاء وزير النفط علي النعيمي، واستبداله بخالد الفالح الذي أصبح وزير الطاقة، كما أعفي وزير المالية ابراهيم العساف وتعيين محمد الجدعان بدلاً منه.

وقد جرى ما يشبه تهشيم لصورة وزير المالية ابراهيم العسّاف الذي أوكلت إليه مهما إطلاق مواقف متناقضة في قضايا بالغة الحساسية في حياة المواطنين. فقد أطلق في 8 يونيو 2016 تصريحاً ينفي فيه نية فرض أي ضريبة على السعوديين، ولكنه في 27 أكتوبر من العام نفسه، عاد وأطلق خلال مؤتمر صحفي مشترك مع كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي إنه "يتم وضع اللمسات النهائية على مشروع القيمة المضافة.."، ووضع ذلك في إطار أوسع، وبناء على توافق بين وزراء المالية في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي..

ولابد من إلفات الإنتباه الى أن تحميل العسّاف مسؤولية فرض الضريبة يتعارض مع حقيقة صنع القرار في السعودية، كما يتعارض مع حقيقة أخرى وردت في مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع مجلة (الايكونوميست) في 6 يناير 2016 حين سئل الأمير عن موعد فرض القيمة المضافة (VAT) أجاب: "مع نهاية 2016 أو 2017 وسوف نسعى للإسراع في فرضها".

على أية حال، فإن العسّاف الذي أمضى أكثر من عقدين في منصبه، كان يترقب قرار إعفائه لسببين: حساسية المنصب الذي يشغله وعلاقته بخطة التحوّل الوطني التي يقودها محمد بن سلمان، وميل الأخير نحو تغيير الطاقم القديم واستبداله بوجوه شابّة، ولذلك جاء برئيس هيئة السوق المالية المقرّب منه، محمد الجدعان ليكون وزيراً للمالية بدلاً من العسّاف.

بطبيعة الحال، فقد أسيء استغلال تصريحات العسّاف فيما يخص قرارات تخفيض الرواتب والعلاوات برغم من صدورها عن مجلس الوزراء، ولكن باتت ظاهرة في عهد الملك سلمان إعفاء الوزراء بناء على تصريحات غير موفقة قد تصدر عنهم وتكون سبباً لإعفائهم، وإن لم تكن التصريحات هي السبب الحقيقي وراء قرارات الاعفاء، كما حصل في قصة إعفاء وزير الاسكان شويش الضويحي الذي أرجع الى عدم اقتناع الحكومة بخطة اصلاح أزمة الإسكان، ولحقه ماجد الحقيل الذي عزا أزمة الأسكان الى "الفكر"، ما أثار تهكم الناس وأدى في نهاية المطاف إلى إقالته، وإعفاء وزير التعليم عزّام الدخيل، المقرّب من التيار الصحوي، وتعيين أحمد العيسى مكانه، وقبلهما إعفاء أحمد الخطيب من وزارة الصحة بسبب ما قيل عن تلفظّه على مجموعة من العسكريين المشاركين في الحرب على اليمن..

معوقات بنيوية.. وفساد

أظهرت المشكلات الناشئة عن الأزمة الاقتصادية المحلية عوارض أزمة بنيوية خطيرة، إذ لا يكفي فيها مجرّد استبدال الوجوه، بل يتطلب "غربلة" شاملة لنظام أصيب بالشلل، وإن بقاءه يفرز المزيد من الأزمات المعقّدة.

على سبيل المثال، فإن غياب الرقابة والمحاسبة بصورة فاعلة يشكّل عائقاً رئيساً أمام إجراء إصلاحات اقتصادية جوهرية وناجحة، فضلاً عن تطبيق خطة تحوّل وطني شاملة، تستوجب إجراء تغييرات هيكلية في الاقتصاد السعودي. فقد ذكر تقرير ديوان المراقبة العامة صادر في نوفمبر 2016 معوقات مالية وإدارية تحول دون قيامه بمهماته الرقابية. وبيّن التقرير أن الديوان لم يُمكَّن من فحص مستندات الحساب الختامي للدولة ميدانياً في وزارة المالية، وأن الوزير رفض الرد على برقية عاجلة من الديوان لتمكين فريقه المختص من مراجعة مكونات الحساب الختامي للدولة ولم يتلق رداً على برقيته حتى تاريخ إعداد التقرير.

وكشف الديوان عن فروقات كبيرة في مبالغ المصروفات والإيرادات وأرصدة الحسابات المركزية الرئيسة تجاوزت مبالغها مئات المليارات من الريالات، خلال سنوات مالية سابقة، وتمّ إبلاغ الملك عبد الله وسلفه سلمان بالأمر ولكن لم يصدر ما يفيد بتوجيهات جديّة لإصلاح الخلل. ولكون الديوان تابع مالياً لوزارة المالية ووظيفياً لوزارة الخدمة المدنية، فإنه مهمته تبقى قاصرة عن إلزام الوزارة بالانصياع لطلب التحقيق في الكشوفات المالية التابعة للوزارة.

 
رؤية الجهل.. رؤية ماكنزي!

يعد ملف الفساد المالي والإداري في المملكة السعودية بمثابة صندوق باندورا الذي يخفي في داخله ليس الشرور فحسب، بل ومعه كثير من الأسرار الخطيرة. تتراوح مظاهر الفساد بين: الغش في المشاريع العامة (كوارث السيول في جدة والرياض ومكة..)، وسرقة المال العام عبر التلاعب بأرقام الموازنات الفرعية والمخصصات المالية.

ويقدّم مقالا الخبير الاقتصادي حمزة السالم في 1 و5 نوفمبر الماضي معطيات هائلة ومفزعة حول المال العام وحقيقة التناقص في الاحتياطات النقدية، وفضيحة اختفاء تريليون ومائة مليار ريال سعودي. في مقالة بعنوان (الحقيقة في تناقص الاحتياطيات الأجنبية)، يبني السالم على ماقاله محمد آل الشيخ وزير الدولة وعضو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لمجلة (بلومبرغ) في 21 إبريل 2016. وكان آل الشيخ قد قدّم استعراضاً عن الاقتصاد السعودي وعن المستقبل القريب، حيث قال بأن السعودية كانت على حافة الإفلاس بنهاية عام 2017، لولا تدبيره الانقاذي، لتفادي وقوع الكارثة، وإن الأمير، محد بن سلمان، خفّض الموازنة بنسبة 25 في المائة، بفرض ضوابط صارمة على الانفاق، مستفيداً من أسواق الدين، والبدء بفرض ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى مماثلة، وإن معدل استنزاف الاحتياطي النقدي السعودي ـ البالغ 30 مليار دولاراً شهرياً خلال النصف الأول من العام 2015 ـ بدأ بالتراجع. وصف آل الشيخ نفسه بأنه "من القيادات الفاعلة" في عمليات "إنقاذ" الاقتصاد السعودي لا إصلاحه فقط"، وهو وصف يكفي للدلالة عن مستوى الخطر الذي بلغه الاقتصاد السعودي، الأمر الذي يتطلب "منقذين" وليس مجرد "مصلحين".

رواية آل الشيخ في الفعل الإنقاذي لم ترق للخبير الاقتصادي السالم الذي قدّم معطيات تتناقض مع ما أورده آل الشيخ لجهة تخفيض تآكل الاحتياطي النقدي. ويؤكّد السالم بأن استدراك الهدر المالي والفساد كما يزعم آل الشيخ غير صحيح بناء على الأرقام الرسمية، بل إن الهدر المالي زاد، وأصبح غامضاً، ولا يعرف أحد أين ذهبت الأموال، وحسب قوله "فالأرقام الرسمية تظهر اختفاء مئات المليارات ولكن لا ندري أين اختفت".

يقدّم السالم معطيات مخالفة بل ومتناقضة مع معطيات آل الشيخ. ومنها أن الاحتياطي الذي كان يشكل 70% من صافي الاستثمارات الأجنبية السعودية تناقص الى 60% مع الربع الثاني 2016. وإن معدل استنزاف الإحتياطي النقدي قد ارتفع ولم ينخفض، بحسب آل الشيخ، وأن الأشهر الثلاثة التي سبقت تصريحاته، قد جاوز معدل الاستنزاف فيها الخمسة عشر مليار دولار، حسب السالم.

في الجزء الثاني من مقالته التحقيقية، سلّط السالم الضوء على قصة اختفاء تريليون ريال (267 مليار دولار). واعتمد في ذلك على مقدار النقد الأجنبي من ريع النفط ومن السحب من الاحتياطات والإستدانة الأجنبية، إذ بلغ ما دخل في خزانة الدولة في عام 2015 وتسعة أشهر من عام 2016 "هو أعظم مقدار دخل على البلاد في تاريخها" حسب قوله، أي قرابة 1.9 ترليون ريال سعودي (مايقرب من 507 مليار دولار). في عملية حسابية قام بها السالم توصّل الى أن انفاق ثمانية عشر شهراً بناء على مستويات الإنفاق في السنوات الذهبية يبقي ما مقدراه تريليون ومائة مليار ريال..ويتساءل حينئذ: أين ذهبت؟

في تسييل هذا المبلغ يظهر التالي: خمسة عشر عاماً من قيمة إلغاء البدلات جميعها دون استثناء. أي مدة دخول الطفل السعودي الابتدائية الى تخرجه من الجامعة. الترليون يشتري أكثر من 36 ألف طائرة حربية من طراز إف 15 ويبني عشر سدود كسد جورج ثلاثة في الصين، أعظم سد انتاج طاقة في العالم. الترليون المفقود يبني مليونا منزل للسعوديين 2 مليون.

وفي مقارنة أزمة 2009 بأزمة 2015 يرى السالم بأن الأخيرة أشد خطورة فإنها أفضت الى تراجع الاحتياطات النقدية بمعدل الربع، بينما في الأولى لم تترك أثراً لافتاً على حياة المواطنين ولم تستنزف الاحتياطي النقدي.

يرجع السالم الهدر المالي الى توغّل طبقة القيادات الفاسدة، والتي حصدت ما يقرب من نصف الأموال خلال الثمانية عشر شهراً الذهبية، وليس ربعها كما قال آل الشيخ، وبلغت أكثر من تريليون ريال، أي بما يعادل ثلاثة أضعاف ريع النفط لعام 2015، وأكثر من نصف مجموع ما دخل الخزينة من ريع النفط ومن سحب للاحتياطيات ومن الاستدانة.

يضاف الى ذلك، إن ترجيح قطاعات معينة في مجال الانفاق الحكومي يترك آثاراً سلبية على الأوضاع المعيشية للمواطنين وله مفعول عكسي على الدورة الانتاجية في البلاد عموماً. ففي قراءة للموازات العامة، تشكّل المخصصات الدفاعية النسبة الأعلى من قائمة النفقات، إذ تكشف جداول توزيع اعتمادات الميزانية العامة التقديرية للدولة لعامي 2015 و2016، أن ميزانية الدفاع والأمن الوطني لعام 2015 بلغت نحو 307 مليار ريال سعودي (81.8 مليار دولار)، بينما في العام 2016 بلغت 213 مليار ريال (56.8 مليار دولار)، أي ما يعادل ربع الموازنة.

وبصورة عامة، فقد بلغ إجمالي الانفاق العسكري في الفترة ما بين 1990 ـ 2013 ما مقداره 3.2 تريليون ريال سعودي، أي ما يعادل 810 مليار دولار أميركي. بينما لم تنل قطاعات تنمية الموارد الاقتصادية، والصحة، والتنمية الاجتماعية، وتجهيزات البنية الأساسية، والخدمات البلدية مجتمعة سوى 15.5 بالمئة.

ويمثّل تصاعد الدين العام مؤشراً على تراجع الأداء الاقتصادي الوطني، وعجز الدولة عن الإيفاء بمتطلبات الإنفاق على احتياجاتها المباشرة وغير المباشرة. وتقدّر شركة جدوى للإستثمار، ومقرها الرياض، إجمالي الدين الحكومي القائم حتى شهر تشرين الأول 2016 بـ 359 مليار ريال (96 مليار دولار)، 71% منه هي ديون محلية. ويتوقع ارتفاع الدين المحلي بنحو 85% هذا العام، 2016، ويستمر في الارتفاع ليصل إلى أعلى مستوياته منذ 2008 نتيجة سياسة الاقتراض والسحب من الاصول الخارجية لتمويل عجز الميزانية. وحسب تقديرات شركة جدوى للاستثمار، فإن الدين يتوقع أن يواصل ارتفاعه ليصل إلى 433 مليار ريال بنهاية عام 2017 على أساس بقاء العجز في الميزانية السعودية بسبب ضعف أسعار النفط وارتفاع الإنفاق الفعلي.

وبحسب مؤشرات الميزانية العامة بالمقارنة بين عامي 2016 و2017، فإن العجز المتوقّع لعام 2017 هو 151 مليار ريال سعودي (40 مليار دولار)، نتيجة تراجع الانفاق الحكومي وتدابير التقشف والسياسة الضريبية القاسية التي اتبعتها الحكومة السعودية، في ظل تحذيرات من أن يكون عام 2017 هو عام الافلاس التام للدولة السعودية.

الصفحة السابقة