جنون سعودي بسبب:

مكالمة هاتفية بين ترامب وسلمان!

مفتاح تهدئة ترامب: علاقة سعودية مستعلنة مع اسرائيل، ودفع أثمان الحماية،

 وتعويض مالي مجزي لدعم الرياض للإرهاب الوهابي

عمرالمالكي

كيف سيتصرف ترامب فيما يتعلق بتصريحاته ووعوده بشأن السعودية وإيران؟.

الأمراء السعوديون يتمنّون أن ينفذ ترامب وعوده الإنتخابية بشأن الملف النووي الإيراني، أو يعوّقه، أو يمزّقه حسب تعبيره. كما يتمنى الأمراء، أن تعود المواجهة المفضلة لديهم ولدى اسرائيل، بين الغرب ممثلاً بأمريكا، وإيران. وحبّذا لو وصلت العلاقة الى الصدام العسكري، الذي سيضعف إيران من وجهة نظرهم، ويتيح للسعودية من جديد ان تتمدد بنفوذها على حساب التراجع الإيراني المتوقع.

والإيرانيون من جانبهم، تمنّوا أيضاً ـ أو هكذا يتوقع ـ أن ينفّذ ترامب ما جاء في تصريحاته أثناء الانتخابات، وأن يواجه السعودية بحقيقتها كراعية للإرهاب، وأن يمارس ضغوطاً عليها بشأن قانون جاستا، وأن يلاحق الفكر الإرهابي الوهابي العنفي الذي تدين به القاعدة وداعش، الى حيث منبعه (داخل السعودية). هذا سيؤدي الى إضعاف السعودية، ويدفعها الى واحدٍ من أمرين: إما التفاهم مع ايران، على اعتبار الخطر المشترك، وعلى اساس المصالح المشتركة، وتقاسم النفوذ؛ أو يؤدي الى هزيمة ساحقة للسعودية، التي ستصبح بلا حامي، وسيضعف دورها الإقليمي، لصالح تركيا وربما مصر وحتى إيران نفسها.

حين اتصل ترامب بنتنياهو والسيسي، تساءل المحللون السياسيون والمراقبون بمن فيهم الكتاب المحليون: لماذا لم يتصل ترامب بالملك السعودي؟ وفهم الجميع أن الرئيس الجديد في البيت الأبيض، ربما لازال غاضباً على العائلة المالكة السعودية لأسباب شخصية وغيرها. وقال آخرون بأن السبب يعود الى تراجع أهمية المملكة السعودية لدى الإدارة الأميركية السابقة والحالية حتى. وقال قسم ثالث بأن السبب هو أن ترامب لم يحصل بعد على ثمن (يرضيه).

كان المزاج العام لدى النخبة النجدية الحاكمة سيئاً، ولم يتحسّن إلا بعد أن أجرى ترامب مكالمة مع الملك سلمان، وقبله مع محمد بن زايد، رجل الإمارات الأقوى في غياب أخيه العليل رئيس الدولة، خليفة بن زايد.

المكالمة الهاتفية بين ترامب وسلمان، لم تُغيّر المزاج النفسي لدى النخبة الحاكمة في الرياض فحسب، بل أطلقت طاقة مجنونة، بكل ما في الجملة من معنى، تكاد تؤلّه ترامب، ولتنثني على (العبد أوباما ـ بتعبيرهم) فتزيده شتماً، ولتطلق حملة بعشرات المقالات الطائفية في الصحافة المحلية،  ض? ?????? ??? ?????? ?????? ????? ???????? ??د الشيعة وضد إيران، ولتطلق أيضاً هاشتاقاً من قبلة النخبة الإعلامية السعودية ـ تحديداً تركي الدخيل مدير قناة العربية ـ بعنوان #TrumpWarnsIranianTerrorism يشكر فيه المسعودون ترامب لمواجهته إرهاب إيران وتهديده لها.

دخل العامل الإسرائيلي على الخط، فقرّب بين ترامب وآل سعود، وجرت المقابلة الهاتفية على هذا الأساس، وعلى خلفية أن تدفع الرياض ثمناً سياسياً لإسرائيل (استعلان العلاقة معها أكثر مستقبلاً). وحسب رودي جولياني، عمدة نيويورك السابق، واحد أعمدة إدارة ترامب، فإنه لم يجرِ وضع السعودية ضمن الدول السبع التي نالها عقاب ترامب بقوانين هجرة عنصرية.. لأن السعودية أقرب ما تكون اليوم لإسرائيل ولأمريكا ـ على حد قوله. وكان تركي الفيصل قد التقى علناً في منتدى دافوس الشهر الماضي، بوزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني، في مسلسل العلاقات العلنية المستمرة بين الدولتين.

لماذا غيّرت المكالمة الهاتفية المزاج الرسمي النجدي الوهابي الحاكم في السعودية؟ وماذا جرى خلال المكالمة الهاتفية بين سلمان وترامب؟

 
ليفني وتركي الفيصل.. استعلان العلاقة بين البلدين

حسب الخارجية الأميركية، هذا ما جرى:

● (اتفقا على أهمية تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة انتشار الإرهاب)، ومدحا (الجهود المشتركة للقضاء على داعش في سوريا والعراق)، كما اتفاقا على تمويل الرياض لمنطقة آمنة في سوريا واليمن.

● (اتفقا على ضرورة العمل المشترك لتحقيق السلام والأمن إقليمياً، بما في ذلك الصراعات في سوريا واليمن).

● (اتفقا على أهمية التطبيق الصارم لخطة العمل الشاملة والمشتركة مع ايران، والتصدي لأنشطة إيران المزعزعة للإستقرار في المنطقة).

● (عبرا عن الرغبة في استكشاف خطوات اضافية لدعم التعاون الاقتصادي، وأعرب الرئيس عن دعمه لرؤية المملكة ٢٠٣٠).

واضح ان ترامب اخذ من السعودية أمرين وعد ناخبيه بهما: تمويل المنطقة الآمنة في سوريا واليمن، رغم ان الرياض تُعتبر مُدانة كونها هي وحدها التي تقصف بطيرانها في اليمن، وبالرغم أيضاً من ان فكرة المنطقتين الآمنتين قد لا تريان النور. وأخذ أيضاً دعماً ولو كلامياً بمحاربة الإرهاب الداعشي الذي قال ترامب انه يريد استئصاله. مع العلم ان امريكا والسعودية كانا الى وقت قريب أقرب داعمي داعش والقاعدة (جبهة النصرة)، وهذا ما كان ترامب يتحدث عنه علناً أيام الحملة الإنتخابية.

أما ما أخذته الرياض (ومعها اسرائيل) فأمرين: الأول، استكمال عهد بوش في الصراع مع ايران؛ ومديح لا قيمة له لرؤية محمد بن سلمان الاقتصادية ٢٠٣٠).

 
ضرب البارجة مبرر سعودي لاستجلاب الدعم الامريكي

ما خرجت منه الرياض بعد المكالمة مثّل انفراجة لها، وهي ذات شقّين:

الأول ـ أن الرئيس الجديد، قد صفح عن ماضي آل سعود تجاهه شخصياً، وتجاه دعم الإرهاب، وأنه في كل الأحوال قد يقبل بالمقايضة المالية لحل أزمة قانون جاستا.

الثاني ـ أن المكالمة، أوحت للأمراء السعوديين، أن ترامب يمكن أن يتحول الى بطل بالنسبة لهم، فيقوم بما عجز عنه الرؤساء السابقون ـ ديمقراطيون او جمهوريون ـ ويواجه ايران بالسلاح.

ليست هناك معركة تستحوذ على اهتمام آل سعود، وهم على استعداد للمشاركة فيها، ويتمنون قيامها، غير المعركة مع ايران.

يكاد يختصر الهم السعودي السياسي والأمني والنفسي والاقتصادي، في مشروع مواجهة ايران، ولو أدى ذلك الى تنازل لإسرائيل، او لدفع مئات المليارات من الدولارات.

وتشاء الأقدار، أن أكبر همٍّ لدى الصهاينة هو أيضاً إيران وقوى المقاومة. وما علينا إلا متابعة الحركة السياسية والتصريحات الاسرائيلية لنكتشف، أين يكمن الوجع الصهيوني، وأين تتجه بوصلتهم العدائية، وأين هو مكمن مخاوفهم المستقبلية والاستراتيجية.

ومن هنا نفهم لماذا انفلتت العاطفة والرغبة السعوديتين من عقالهما، حينما صدرت التهديدات الأمريكية لإيران، على لسان ترامب، وعلى لسان وزير دفاعه، بحجة ضرب البارجة الحربية السعودية قبالة ميناء الحديدة والتي كانت تقصف الميناء والمدنيين، أو بحجة اختبار ايران لصواريخ باليستية، طالما جرّبت أمثالها وأخطر منها أيضاً.

بمجرد أن انطلقت التهديدات الأمريكية، صار ترامب بطلاً قومياً سعودياً لنصرة الإسلام والمسلمين!

وبمجرد أن جرت المكالمة الهاتفية قبل ذلك.. أيّدت الرياض على لسان وزير النفط السعودي خالد الفالح، تأييد المملكة لإجراءات أوباما تجاه المهاجرين المسلمين، ومثله فعل وزير خارجية الإمارات.

لكن السعودية التي تزعم انها قائدة العالم الإسلامي لم تتوقع ردة فعل ضدها على موقفها هذا، الى حد أن جرائد غربية عديدة تحدثت عن العار السعودي.

الآن هناك حملة تحريض سعودية ضد إيران، تقول لترامب: (اضربها وامحها من الخريطة).

هي حملة مصحوبة بأوهام الصراع والإنتقام، والأحقاد الشخصية، والمصالح الضيقة،  والآمال بانتصارات سياسية وطائفية.. ما يجعل الحديث عن حوار سعودي إيراني في الوقت الحالي، في حكم المستحيل.

من جهة أخرى، فإن من المؤكد، أن ترامب، إن أراد نجاحاً لوعوده ببناء أمريكا، فإن طريقها ليس الحروب، التي لا تبني الداخل الأمريكي، بل تعزّز الخسائر الإقتصادية وتستنزف الطاقات في مجالات مختلفة.

 
تركي الدخيل: شجّعوا ترامب ليحارب إيران!

ترامب ـ هكذا بدا من النظرة السعودية ـ يستعيد ذات السياسة القديمة لأسلافه في المواجهة، اعتماداً على قوى الإعتدال العربي مقابل محور الشرّ الذي اختفى من القاموس. وكما فشل الرؤساء السابقون، سيفشل ترامب هو ايضاً. سيفشل داخلياً وخارجياً.

في الداخل، لم ينجح ترامب حتى الآن في مشروع الجدار بتمويل مكسيكي. كل ما حصل عليه هو الغاء زيارة الرئيس المكسيكي.

وحتى الآن، فإن مشروعه المخالف للقانون بشأن الهجرة (العنصري)، قد تمّ إيقافه.

وحتى الآن، فإنه لم يحقق منجزاً محلياً يمكن الإعتداد به.

فهل يتوجه للخارج في حرب ضد ايران؟

لا نعتقد ذلك. مع ان السعوديين يؤملون ان تخوض امريكا حربها إما مباشرة ضد طهران، أو الى جانبهم في اليمن بالتحديد.

كلا الأمرين لن يحدثا، على الأرجح.

فهناك من المحللين من يصرّ على أن الحرب الوحيدة التي قد يخوضها ترامب، ستكون تحديداً ضد منتجات الوهابية: قاعدة اليمن وسوريا والعراق، وداعشهما!

وحتى لو حدثت حرب بين ايران وامريكا، محدودة او شاملة، وهو امرٌ مستبعد، فإن الرياض لن تكون رابحة. بل قد تكون مستهدفة بالأساس ـ خاصة المنشآت النفطية ـ بالصورايخ الإيرانية. إذ لا يمكن ان تكون هناك حرب أمريكية تُخاض في المنطقة دون مشاركة السعودية المباشرة وتمويلها، وقد سبق للرياض أن وافقت على المشاركة فيها، حسب وثائق ويكيليكس (الأمريكية)، وكتبت للرئيس بوش الإبن بذلك، تحفيزاً له، وتشجيعا.

ترى هل قطعت الرياض شعرة معاوية مع ايران، واعلنت انتصارها حتى قبل ان تتأكد من عزم ترامب، وتوجهاته القادمة؟

ربما هذا هو الأقرب.

ولكن تأجيل الحوار مع ايران الى ما لا نهاية، مع استمرار الصراع، وكما كان في العهود الأمريكية السابقة، فإنه ـ وحسب التجربة ـ لن يؤدي الا الى خسارة الرياض لنفوذها الإقليمي، ولصالح ايران وتركيا تحديداً. وستخسر الرياض فوق هذا الأموال التي تموّل بها الحروب.

الوقت عامل مهم، والرياض اختارت طريق الحرب، بمجرد تصريحات عنترية لترامب، فماذا لو لم يقم ترامب بما يزعم أنه سيقوم به؟

ماذا سيكون حال ال سعود، لو أن ترامب عرف حدود اللعبة السياسية، وأن كل ما يستطيعه هو فرض حصار اقتصادي احادي على ايران؟ على اعتبار ان احداً لن يشاركه أية حرب يخوضها سواء من اوروبا او الصين او روسيا؟

كان اللوبيان الاسرائيلي والسعودي في أمريكا، قد حاولا جهدهما لجر أوباما ـ الرئيس السابق ـ الى الحرب مع ايران، والى مستنقع الحرب في سوريا، فلم يجازف، وهو الذي وعد بسحب القوات الأمريكية من العراق.

الآن يعمل اللوبيان لجرّ ترامب الى مواجهة مع ايران، مستغلين ضحالته السياسية، ورعونته الشخصية، وقد كانت محصلة جهدهما حتى الآن: تصريحات عنترية، مثل: (امريكا لا تستبعد الخيار العسكري) و(كل شيء على الطاولة). وهذه تصريحات سمعناها، من قبل، من رؤساء أمريكيين آخرين.

كل ما يأمله الإسرائيليون وال سعود، هو ان تدخل امريكا الحرب بالنيابة عنهما ضد إيران، فيما يدعمان الحرب بالمال والإعلام من الخلف!

لا يرجح أحد قيام الحرب، وليست نتيجتها لو وقعت ستكون في صالح أمريكا بالضرورة.

حينها تبقى الحقائق على الأرض، ايران والسعودية، والعراق ودول الخليج الأخرى. كلها تعيش على ضفاف الخليج، لا أحد يستطيع تغيير الجغرافيا، ولا أحد يستطيع أن ينجو حتى ولو كان باستجلاب الخصم (الكافر بنظر كثير من السعوديين) لحرب إقليمية تدور رحاها على كل الأراضي الخليجية.

ما يمكن التأكيد عليه هنا، هو ان رهانات الرياض، وفرحها المبكر بهزيمة ايران في معركة كلامية، او سياسية، وكذلك المقامرة بكل ما تملكه الرياض من أجل الحرب المقدسة الموعودة في التوراة الوهابية، كل هذا سيرتد في النهاية الى خسارة فظيعة للرياض.

وسنرى ما إذا كان هذا التحليل واقعياً من عدمه، في المستقبل المنظور.

الصفحة السابقة