الترفيه البريء في بلد التوحيد الوهابي الصحيح!

احتفالات غير مسبوقة في الرياض ترحب بترامب

محمد شمس

ترامب سيزور السعودية في أول زيارة له خارج امريكا، ليطير بعدها من الرياض الى تل أبيب. وهو قد أعلن بنفسه خبر زيارته مبيّناً أهمية السعودية، ولقاء قادة العالم الاسلامي، وتشكيل حلف واضح الهدف.

 
ترامب في الرياض: شكراً سلمانكو!

غرض ترامب استحلاب الرياض مالياً، ومماشاتها قدر الإمكان في سياساتها خاصة في اليمن وايران، دون الانخراط في حرب يذهب ضحيتها أمريكيون؛ وكذلك ترقيع علاقاته ـ أي ترامب ـ مع العالم الإسلامي، وتوكيل الرياض لتدعو قادة دول الخليج وبعض الدول العربية والإسلامية ليلتقوا به في الرياض، وتشكيل حلف ناتو اسلامي سنّي يواجه النفوذ الإيراني، ويرمم بعض الشيء النفوذ الأمريكي المتصدع في الشرق الأوسط. لكن القمة الامريكية مع الدول الاسلامية، ستعطي الرياض دوراً بعد انحلال زعامتها، وسيكون عدد القادة الذين سيشاركون مؤشراً على مدى نفوذ الرياض من عدمه.

ومن أهداف ترامب التي يريدها من الرياض، تدعيم علاقات الأخيرة مع اسرائيل، التي سيزورها لاحقاً. والرياض لا تحتاج الى توصية، فعلاقاتها قوية ومستمرة مع الصهاينة؛ لكن ترامب يريد تطبيعاً علنياً، يجرّ معه بقية العرب والمسلمين ولينسوا قضية فلسطين الى الأبد.

ام الرياض فيهمه استمرار الصراع الغربي مع ايران، الأمريكي خاصة، وان تُعطى المساحة الزمنية الكافية في عدوانها على اليمن حتى وان استمرت لسنوات طويلة؛ والتخلّص نهائياً من تبعات تفجيرات سبتمبر القاعدية وازاحتها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، حتى لو اضطرت لشراء ترامب بمعظم ثروتها، ولهذا فهي تواقة لاسترضاء ترامب واثبات انها ضد الإرهاب الوهابي، وانها حليف امريكا الذي لم يتغير منذ عقود.

عبّرت الرياض، من خلال أقلام كتابها في الصحف المحلية، ومن خلال التغطية الاعلامية في قنواتها الفضائية، وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. عبّرت عن الفرحة العظيمة لآل سعود بزيارة ترامب، لتكشف كم هي الآمال الكبيرة المعلقة عليها.

كما في كل القضايا، فإن أهم ما تعنيه زيارة ترامب للرياض انها توجه رسالة قوية الى ايران، كما تقول صحيفة الشرق الأوسط والاعلام السعودي. ولاحظ المراقبون تصعيد اللهجة السعودية ضد ايران، ابتداءً من محمد بن سلمان الذي توعد بنقل الحرب الى داخلها، فيما توقع آخرون ان الملك سلمان يخطط لعاصفة اخرى يشارك فيها حلفاء آخرون، ستُشعل ايران من الداخل.

وتفاخر مسعودون بأن ترامب سيزورهم، ما دعا احدهم الى السؤال: (طيّب وين الفخر بالموضوع؟!). الفخر يكمن كما قال آخر في أن الزيارة أثارت غيرة البعض وحقد آخرين، وان الزيارة تحمل رسالة اخرى وهي ان السعودية تمثل الرقم الصعب في المعادلة.

بالطبع لم يهتم ال سعود واعلامهم بتصريحات ترامب التي سبقت اعلان الزيارة من ان الرياض لم تدفع ما يكفي من تكاليف حمايتها امريكياً؛ ما دفع بأحدهم الى المطالبة بفتح حوار شعبي لتحديد من الذي يخسر الأموال وغيرها، أهي الرياض أم واشنطن؟

 
محمد بن سلمان يرفّه عن ترامب من أجل ان يكون ملكاً!

أيضاً لم يهتم آل سعود واعلامهم بفلسطين وما يجري فيها، خاصة مع الاضراب الشامل للأسرى، كما لم يهتموا بحقيقة أن ترامب وبعد ان يغادر عاصمتهم الى تل أبيب، فإن الأخيرة ستعلن عن بناء ١٥ الف وحدة سكنية استيطانية خلال الزيارة.

الجميع يعلم ان زيارة ترامب سيرافقها مبيعات أسلحة امريكية بمليارات الدولارات، تم تقديرها بما يزيد عن مائة مليار دولار، ما جعل بريطانيا وفرنسا ودولا أخرى، تشعر بالغيرة من أن حصتها من سوق السلاح السعودي آخذة بالتناقص. المهم ان مبيعات السلاح الأمريكي تأتي كجزء من استحلاب ترامب لأموال الرياض. ولكن كل ذلك يهون من اجل نصر زائف غير انساني تريد تحقيقه في اليمن. وعموماً فقد سبق لترامب ان قال بأن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، لا يوجد لديها الا المال، وانه سيأخذه منها.

القمة الإسلامية الأمريكية

بمناسبة وجود ترامب في الرياض، ستكون هناك ـ حسب المصادر السعودية ـ ثلاث قمم: قمة خليجية؛ وقمة عربية؛ وقمة اسلامية تلتقي بترامب، وتعلن الطاعة له. وقد افردت الرياض مساحة واسعة في اعلامها للتطبيل الى هذه القمم، وكيف أنها تعبر عن زعامتها للعالم الاسلامي والعربي والخليجي. وكما قلنا فإن هذه الزعامة المتوهمة، سيكشف عن حقيقتها من عدمه، مدى استجابة قادة العالم الاسلامي وتمثيلهم في المؤتمر. فهل يحضروا اجتماع القمة، ام يرسلوا وزراء خارجيتهم او ما دون ذلك لحضورها؟!

ولاحظ المعلقون ان الرياض تولي اهمية لما أسمته بالقمة العربية الاسلامية الامريكية، وسخروا من أن (مولانا) ترامب ابو (الأخت ايفانكا)، سيلقي الكلمة الأساسية في اللقاء؛ فيما لاحظ آخرون بأن الرياض تولت امر تدبير القمة لترامب لتنال رضاه، وهو ما عنى أنها تريد أن تستعيد مكانتها كوكيل لامريكا في المنطقة بعد طول فراغ قيادي.

عن القمة العربية الاسلامية الامريكية، علق احد الكتاب بأنها (عروبة امريكية، واسلام امريكي)؛ وسخر الناشط الحقوقي السعودي حسن العمري من خلطة القمم في الرياض، ووصفها بأنه (لبن، سمك، تمر هندي)، فيما استنتج ثالث بأن المملكة السعودية سيتغير اسمها الى مملكة ترامب الاسلامية السعودية؛ مبرراً أنه مذ اصبح آل سعود كهنة، مهمتهم تقبيل ومسح احذية امريكا، تغير اسم القمم العربية وصارت امريكية اسلامية؛ وهي قمّة صهيونية من صنف جديد، وكان الجدير تسميتها بالقمة الامريكية.

الاعلام السعودي انتفخ بأن الرياض ستحتضن ثلاث قمم بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي: (قمة خليجية، وقمة عربية، وقمة اسلامية امريكية). وأطلق الاعلام إياه على القمة وصف (قمة الرياض العالمية)؛ وتفاخرت الصحف السعودية بأن الملك سلمان دعا كافة الدول العربية والاسلامية والخليجية لحضور القمة، عدا ايران وسوريا التي ستجد نفسها في عزلة هي وأذنابها، كما يقول!

الدكتور فؤاد ابراهيم لاحظ ان (عادل الجبير ـ وزير الخارجية ـ تحول الى مراسل اميركي لإيصال دعوات القمة العربية الأمريكية). واضاف: (يا مهزلة التاريخ يا مملكة العار). وفعلاً وزّع الجبير ووزير الاعلام السعودي الجديد، دعوات القمم المتهالكة في الرياض، كما لملك المغرب، ولرئيس تركيا أردوغان؛ وللجزائر والنيجر؛ وللبحرين والإمارات وبقية دول الخليج؛ فضلاً عن دعوة ملك الأردن؛ ولرئيس وزراء باكستان نواز شريف؛ اضافة الى العراق وتونس حيث اجتمع الداعون مع السبسي، وباقي الدول.

احتفالات في الرياض
 
المغني الأمريكي توبي كيث، سيغني في الرياض

الاحتفاء السعودي بترامب والاستعدادات لذلك غير مسبوقة تاريخياً. وقد تكفّل المعارض غانم الدوسري بأن أوضح من خلال الوثائق: الأنشطة التي ستصاحب زيارة ترامب. وكان ترامب قبل وصوله للرئاسة قد امتعض من عدم استقبال الرياض لاوباما باحترام، ولذلك فإن الرياض تريد ان تسترضيه هذه المرة.

في مواقع التواصل الاجتماعي، استعاد المغردون السعوديون، تصريحات ترامب النارية ضد العائلة المالكة، وذلك اثناء الحملة الانتخابية، وقال أنه لو حدث له نفس الشيء، ولم يكن الملك وعلية القوم في استقباله، لعاد بطائرته في نفس الوقت. حتى أن احدهم سخر وهو يذكّر ولاة أمره (حفظتهم الآلهة بتهديد ترامب اذا زار السعودية ولم يستقبله الملك).

وحسب وثيقة تم تسريبها، والتعليق عليها اعلاميا وفي مواقع التواصل الاجتماعي، فإن بعض أكلاف زيارة ترامب، والفعاليات المصاحبة لها، والقمة الاسلامية الامريكية، بلغت نحو ٢٥٧ مليون ريال. هذه مصاريف جزئية وبالتالي فهي ليست رقماً نهائياً. وهنا قارن الكثيرون بين كلفة استقبال ترامب وامريكا لمحمد بن سلمان مؤخراً في واشنطن، وكلفة استقبال ترامب في الرياض وصرف الأموال بوقاحة ـ حسب تعبيرهم ـ بإسم القمة العربية الإسلامية الأمريكية.

في تفاصيل الاستقبال الباذخ المُعدّ لترامب، هناك استجلاب لمغني امريكي سبق له وأن أطلق أغنية ضد الإسلام والمسلمين، وسيغني معه المغني السعودي رابح صقر، وذلك في المتحف الوطني، وسيحضر ترامب حفل الغناء هذا مدّة عشرين دقيقة، وسيكون عنوان الأغنيتين: (اوبريت التعايش)، على اعتبار ان وهابية آل سعود تتعايش مع كل الثقافات؛ وهي غير قادرة على ان تتعايش مع معظم المذاهب الاسلامية، بل ان آل سعود لم يستطيعوا حتى التعايش مع شعبهم! ولكنها وسيلة لابعاد ال سعود التهمة عن انفسهم وعن أيديولوجيتهم الوهابية المتطرفة.

ايضاً ستقام حفلة غنائية اخرى لعامة الشعب، ترحب بترامب، وذلك في جامعة الأميرة نورة تستمر نحو ساعتين. اذ من الواجب على الشعب المسعود أن يفرح لفرح ولاة أمره، سواء الملك سلمان، او ولي أمر سلمان نفسه: ونقصد ترامب!

ومن الفعاليات التي ستقام بمناسبة زيارة ترامب، اقامة معرض ثقافي وفني في الديوان الملكي يحضره ترامب؛ وسيُطلق ٦٤ بالوناً من فندق الريتز بالرياض والديوان الملكي، تحية لترامب وترحيباً بمقدمه للمهلكة المُسعودة.

 
هؤلاء سيأتون للتفحيط في الرياض!

وهناك عرض مباراة كرة سلة يشارك فيها فريق امريكي يقام في الصالة الخضراء؛ وكذلك مباراة كرة قدم بين نادي كوزموس الامريكي وفريق سعودي (كان مفترضاً ان يكون نادي الاتحاد، ثم تغيّر الأمر الى نادي الهلال).

وستكون هناك دراجات نارية تجوب شوارع الرياض حاملة شعار: (لا للإرهاب)؛ يشارك فيها السعوديون بمائتي موتورسيكل، واستجلب معهم ستة امريكين من نادي ذي فيجويس (المؤيد لترامب) حتى (يفحّطوا) في شوارع الرياض، ويعلنوا رفضهم للإرهاب.

هذا مثال قوي على أن حال آل سعود: يكاد المريب ان يقول خذوني. فهم ليدفعوا عن انفسهم تمويل الإرهاب، فكراً ومالاً ورجالاً، وليصرفوا ذهن العالم عن حقيقة ان (كل) الارهابيين التفجيريين المنتمين الى العالم الاسلامي يتبعون مدرسة واحدة، هي المدرسة الوهابية.

ومن الفعاليات المصاحبة لزيارة ترامب، جلب مبتعثين ومبتعثات لامريكا، ليتحدثوا مع الضيوف الامريكان عن تجربتهم الايجابية في امريكا؛ وكيف أنهم تشرّبوا الثقافة الأمريكية، وكيف أنهم نتاج لزرع (خادم الحرمين) في تغيير المناخ الثقافي المحلي لصالح أمريكا ومصالحها وثقافتها.

أيضاً سيقام على شرف ترامب، سباق سيارات في جامعة الأميرة نورة (شقيقة الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة)، يشارك فيه امريكيون وسعوديون؛ كما سيقام معرض سيارات كلاسيكية في (الدرعية) عاصمة التوحيد الوهابي، وستبث صورة العلمين الامريكي والسعودي على شاشتين كبيرتين في المدخل؛ كما ستقام عروض مرئية ثلاثية الأبعاد على واجهة فندق ريتز، ترحب بترامب وعلاقته القوية بالمملكة.

وفوق هذا، سينتج برنامج (مسامير) ثلاث حلقات موجهة للشعب الأمريكي تلمّع آل سعود؛ وسيكون لإم بي سي دوراً في جلب العاب السيرك الأمريكي الى الرياض، وكذلك جلب ممثلين امريكيين من المشاهير يتحدثون عن الثقافة المشتركة بين السعودية وامريكا.

وزيادة على ذلك، سيكون هناك معرض للحرف اليدوية في بهو فندق الريتز، وهنا يسخر الاعلامي المعارض غانم الدوسري فيقول بان الغرض من المعرض هو: التوضيح للأمريكيين بأن آل سعود سادة في إنتاج روث الإبل!

وهناك عشرات الفعاليات الأخرى التي تستهدف تحويل زيارة ترامب الى حدث تاريخي، لا تحتفي به العائلة المالكة وحدها، بل الشعب كله، ومعه كل الخليج والعالمين العربي والإسلامي!

بقي ان نقول بان كل الفعاليات والصرف جاء بأوامر وتحت اشراف محمد بن سلمان، وغرضه الشخصي ان يكون الملك القادم، برضا أمريكي.

الصفحة السابقة