هل تبدأ حرب محاور إقليمية من قطر

مشروع إسقاط حكم آل ثاني؟

تفسيرات عدّة لقرار ثنائي ابتداءً سعودي ـ إماراتي ثم إلحاقاً بحريني ـ مصري..الخ. بدت قصة التصريحات المنسوبة للأمير القطري تميم بن حمد مجرد نكته أمام ما كان يحضّر في الغرف المغلقة.

عمرالمالكي

ماوراء الزوبعة الإعلامية التي أحدثّتها، زعماً، التصريحات المنسوبة لأمير قطر تميم بن حمد حول انتقادات دول إقليمية (مصر والإمارات بدرجة أساسية) ودفاعه عن موقف بلاده من حركة حماس، وإشادته بإيران كقوة إقليمية وإسلامية وكذلك حزب الله كحركة مقاومة، أثارت سؤال الساعة في وقتها: هل الزوبعة الإعلامية مجرد رد فعل على حادثة عابرة أم بداية مرحلة؟

بدا الأمر كما لو أنها العاصفة التي تعقب الهدوء، وبدون سابق نذار، إنفجر الخلاف بصورة دراماتيكية بعد يومين من قمّة الرياض (21 مايو 2017)، حين شنّ الإعلام السعودي ومعه الاماراتي (بما في ذلك القنوات الفضائية الأجنبية باللغة العربية العاملة في دولة الإمارات مثل سكاي نيوز) حملة انتقادات وتشهير وتحريض ضد العائلة الحاكمة في قطر. نفي الأخيرة المتكرّر لم يحسم الخلاف، ولم يوقف الحملة، بل إن كثافة الحملة وأنواع الأسلحة المستعملة فيها تفشي ما هو أبعد من مجرد حديث مسرّب لأمير قطر أو حتى قرصنة لوكالة أنباء قطر الرسمية. فقد فُتحت الملفات الخلافية القديمة جميعاً دفعة واحدة، وبات التراشق الإعلامي، ابتداء من الجانب السعودي/الاماراتي ولاحقاً، وفي رد فعل، من الجانب القطري مؤشر على انفضاض الجمع الخليجي، وبداية مرحلة جديدة.

وكان العالم أمام سيناريوهات متقاربة:

الأول: في المعلم، وبصرف النظر عن حقيقة التصريحات، فإن ردود الفعل السعودية والاماراتية كشفت إلى حد كبير عن هشاشة العلاقات الخليجية. الحركة الدبلوماسية الكويتية العاجلة لاحتواء تداعيات الخلاف لم تستطع إخماد الخلاف بصورة نهائية، وفي المعلومات أن السعودية طلبت من الجانب الكويتي عدّم التحرّك على خط الوساطة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية. وتبيّن أن ثمة خفايا مبيّتة كانت تنتظر اللحظة المناسبة لخروجها الى السطح.

معطيات جمّة أكّدت عمق الخلافات الخليجية، من بينها التنابذ الإعلامي على مدى شهور تلميحاً، والخطابات الموتورة في القمة العربية في البحر الميت في مارس 2017، مشهد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وهو يسلّم على ترامب بحضور رؤساء وممثلي الدول المشاركة في قمة الرياض، حيث عمد إبن زايد الى استخدام ما يشبه الكتف القانونية مع أمير قطر لازاحته إلى الخلف، عدم مشاركة تميم في افتتاح مركز مكافحة التطرف في الرياض، اللقاء غير المريح الذي جمع تميم وترامب. إنها بعض مؤشرات على مناخ خصومة بدأ يهيمن على الأجواء الخليجية.

الثاني: أن أمير قطر تميم بن حمد وقع ضحيّة الثنائي محمد بن زايد ـ محمد بن سلمان في سياق حسم الجدل الدائر حول ملفّات خلافية (الاخوان المسلمين، اليمن، إيران)، وكانت سياسة ترامب الجديدة في تصنيف الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب قد سهّلت مهمة محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، وفي الوقت نفسه إخرجت الخلاف الى السطح، بالطريقة التي شهدها العالم منذ 24 مايو2017.

من الجدير بالذكر، أن وساطة كويتية انتهت بعد جولات عدّة من المفاوضات الى مصالحة خليجية أنجزت في إبريل 2014. ولكن لم تحسم إتفاقية المصالحة الخلاف بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين من جهة، بقدر ما أوقفت التراشق الإعلامي في العلن. وحتى هذا التراشق لم تقبله قطر دون شروط، فإن مطلب عدم التصويب على النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي لم يلتزم به، إذ واصل الاعلام القطري ولاسيما قناة (الجزيرة) حملة الانتقادات للسياسات المصرية الداخلية.

تعقيب الملك سلمان على كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في (قمة الرياض) والتي حملت إشارات شبه واضحة في انتقاد قطر وتركيا لدعمها الإخوان المسلمين، إذ أشاد سلمان بكلمته بما نصّه: «أشكر فخامتكم ونؤيّدكم فيما ذكرتموه وسندعمكم في المملكة العربية السعودية بكل قوة وعطاء..». في حقيقة الأمر، أن حديث السيسي في قمة الرياض والإنتقادات غير المباشرة لدور قطر في التدخل في شؤون دول عربية أخرى، في إشارة الى مصر، هو نسخة أخرى معدّلة عن خطابه في القمة العربية في البحر الميت في 29 مارس 2017. وعليه، فإن استعادة الخطاب نفسه في قمة الرياض تنظر اليه الدوحة على أنه نتاج تنسيق سعودي ـ مصري.

في المقابل، كان نشر موقع (العربي الجديد) المموّل من قطر، مقالة لوزير الخارجية الايراني، محمد جواد ظريف واضحاً في رسالته، لاسيما قوله:

«لقد عملت بعض الحكومات في منطقتنا خلال السنوات الأخيرة على جرّ المنطقة المحيطة بنا إلى حالة عدم الاستقرار، وذلك من خلال تصعيد سياسات وتصرفات تتلخص في نشر ودعم الأفكار المتطرّفة وتقديم وجه مشوّه عن الإسلام من جهة، وكذلك من خلال التضحية بمصالح شعوب المنطقة، وذلك عن طريق العمل على نشر حالة عدم الاستقرار وإراقة الدماء والتقاتل بين الأشقاء. وهذه السياسات التي تولّد التوتر لن تؤدي، في نهاية المطاف، إلا إلى خدمة ألدّ أعداء الأمة الإسلامية والعربية».

الثالث: أرست قمة الرياض مرحلة جديدة وفارقة في شبكة العلاقات والتحالفات. فإذا كان وصول الملك سلمان الى السلطة قد أرسى معالم مرحلة تتّسم بالخروج عن المألوف في السياسة السعودية، فإن العودة الى الشراكة الاستراتيجية بين ترامب والسعودية سوف يعزّز مسار «اللامألوف» الذي سوف يحكم أدوار المملكة السعودية في جيوسياسية الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموماً.

بصورة إجمالية، فإن الكباش الإعلامي في المجال الخليجي أظهر رأس الجبل في الخلافات العميقة والمتراكمة. وكان قرار السعودية يصدر عن الشعور بالإكتفاء بالتحالف مع الولايات المتحدة، الأمرالذي يجعل أي تحالفات فرعية غير ذات جدوى أو بالأحرى لا تتطلب اهتماماً استثنائياً. فقد اعتنقت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية سياسة خارجية ترتكز على مبدأ «الترضيات» ذات الطبيعة المادية مع تركيا وباكستان ومصر، ولكنّ بعد تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، تشعر القيادة السعودية بأنها تجاوزت مرحلة «الخطر» على الكيان، واستعادت توازنها بعودة الولايات المتحدة الى المنطقة بالثقل ذاته الذي كانت عليه في مرحلة الحرب الباردة.

أن رهان الرياض على الشراكة الاستراتيجية مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض يفسّر عملياً بدء السعودية، وبصورة فوريّة، مراجعة شاملة لعلاقاتها الخارجية، والتي بدأت خليجياً بقطر وقد تشمل سلطنة عمان، وتمتد إقليمياً لتصل الى تركيا.

ثمة مؤشرات في الجانب القطري عزّزت الإعتقاد بأن مراجعة ما تجري في الدوحة ووسط الطبقة النافذة، الممثلة في أمير قطر السابق، والد الأمير الحالي، الشيخ حمد بن خليفة، ورئيس الوزراء السابق الشيخ حمد بن جاسم بهدف إعادة تفعيل الدور القطري الاقليمي والدولي بعيداً عن الهيمنة السعودية. إتصال تميم ـ روحاني، زيارة وزير الخارجية القطري الى بغداد، اتصال تميم ـ أردوغان، لقاء وزير الخارجية القطري بنظيره الأميركي، وقائع جرت فور اندلاع الأزمة، ولا يمكن التعامل معها بصورة معزولة، وإنما تؤشّر الى تحوّل ما في السياسة القطرية.

في حقيقة الأمر، أن التحالف السعودي الاماراتي حرّك المكبوت القطري الذي يتغذى على الاحساس بالغبن نتيجة تعمّد تهميش دور قطر وربطه بالمحور السعودي. يرجح هنا، ونتيجة الخلاف المتجدّد في المجال الخليجي، إحتمال عودة الاصطفافات القديمة، ما يفسح في المجال أمام استقطابات على أسس مختلفة، وقد تكون سلطنة عمان طرفاً راجحاً لدى الجانب القطري في بناء تحالف داخل المجال الخليجي.

بالنسبة للثنائي السعودي الإماراتي، وبرغم من التباين الحاد على تقاسم النفوذ في اليمن، إلا أن ثمة مشتركات بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان تجعل الطرفين قادرين على تنظيم الخلاف وعزله إن تطلب الأمر لناحية تحشيد كل القوة المطلوبة في مواجهة الخصوم المشتركين.

بدا واضحاً أن التصريحات المنسوبة لأمير قطر غير حقيقية، وإن سردية القرصنة أقرب الى الصحّة، ولكن ما يلفت الانتباه هي طبيعة ردود الفعل وتفاصيل الحملة الاعلامية المفاجئة والشرسة من الجانبين السعودي والاماراتي على قطر.

المستور في رواية الكباش الخليجي

فرضيات عدّة تبرز أمامنا لناحية فهم ما جرى على وجه الدقّة حتى أدّى الى هذا الانفجار الكبير في العلاقات الخليجية، والذي لا يمكن النظر اليه كرد فعل على مجرد تصريحات منسوبة للأمير القطري تميم بن حمد، والتي يمكن احتواؤها بوساطة خاطفة من الكويت. الفرضيات هي على النحو التالي:

الأولى: هل الانقسام الخليجي وحده المسؤول عن انفجار الخلاف، هل يعكس أيضاً انقساماً داخل المؤسّسة الأميركية، أي بين مسؤولين في الأجهزة الأمنية، والبنتاغون، والبيت الأبيض..في تسريبات إيميلات السفير الإماراتي يوسف العتيبه في واشنطن ما ينبىء عن انزعاج داخل بعض هذه الأجهزة من تباعد المحور التركي ـ القطري عن المحور السعودي ـ الإماراتي، والتنسيق التركي مع الروسي والانفتاح القطري على ايران ما دفع اللوبيات السعودية والاماراتية للعمل على تغيير السلوك الاميركي إزاء قطر.

الثانية: التشدّد الأميركي إزاء إيران، خصوصاً مع تطعيم الإدارة بشخصيات محسوبة على الجناح المعادي لإيران وآخرهم مايكال دانديرا مدير عمليات إيران في وكالة الاستخبارات المركزية.

موقع (ديبكا) الاسرائيلي نشر تقريراً خاصاً في 5 يونيو الجاري حول خلفية قرار قطع العلاقات مع قطر، وأنه بسبب اصطفافها مع إيران. ذهب الموقع الى أن قطر أجهضت مشروع «التحالف السنّي» الذي جاء ترامب للاتفاق عليه مع السعودية والامارات ومصر وأطراف أخرى. ونقل الموقع بأن الأمير تميم أوفد وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى طهران لإجهاض خطط الأميركيين في سوريا والعراق.

في هذا السياق، كتبت الباحثة لوري بلوتكين بوغارت مقالة في الأول من يونيو الجاري نشرت على موقع (معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى) بعنوان (ترامب، قطر، والرمال المتحرّكة في الخليج) قالت فيها ان الموقف الذي تدعمه السعودية اقليمياً بات أقوى، معتبرة ان مشاركة الرئيس الاميركي دونالد ترامب بقمم الرياض وكذلك تصريحاته الرسمية انما وضعت الادارة الاميركية داخل المعسكر السعودي في الصراعات الاقليمية.

كما لفتت الكاتبة الى ان البعض في واشنطن لديه «نفس هواجس» السعودية والامارات حيال قطر، والى أن هذا «البعض» منزعج من دعم قطر لتيارات الاسلام السياسي في المنطقة. وتحدّثت عن تعرّض إدارة ترامب لضغوط متزايدة من قبل العديد من الاطراف من اجل النظر بتخفيض او سحب التواجد العسكري الاميركي من قطر.

و بحسب الكاتبة، فقد جرى الكثير من النقاشات في الفترة الاخيرة حول مدى التقدم الذي احرزته الدوحة في محاربة النشاط الارهابي «داخل حدودها»،و ان موضوع تمويل الارهاب طرح تكراراً في المحادثات التي جرت بين المسؤولين الاميركيين الكبار ونظرائهم القطريين.

الثالث: هل ثمة دور ما غير معلن لعاملي النفط والغاز في الخلاف الخليجي؟ في المعلومات المتداولة، إن السعودية تحفر الصخر من أجل تعويض خسائرها في السوق النفطية، وتسعى لرفع الأسعار من خلال خفض سقف الانتاج، ولن تكف، إن استطاعت، عن إخراج قطر من سوق الغاز الذي تتميّز به، وليس بعيداً أن تكون زيارة محمد بن سلمان الى موسكو لها صلة بصفقة غاز. ولايمكن فصل تلك الزيارة عن اعلان وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح في 3 يونيو الجاري عن مشاريع استثمارية في الغاز على مستوى العالم.

في هذا الصدد، تبدو روسيا رابحاً صافياً، بفعل التوازن الذي حقّقته في علاقاتها مع كل المحاور الإقليمية (التركي ـ القطري، السعودي ـ الإماراتي ـ المصري، وبالتأكيد مع الإيراني ـ العراقي ـ السوري)، وبهذا يمكنها أن تفرض شروطها في أي لعبة سياسية كانت أم اقتصادية.

التشققات في جدران التحالفات عموماً، تنذر بمتغيرات مفاجئة، ومن بين تلك المفاجئات التقاء تركيا وإيران والعراق في بغداد في 5 يونيو الجاري لمناقشة المسألة القطرية في اليوم الأول لقرارات قطع العلاقات مع قطر.

ذكر موقع (ديبكا) سالف الذكر بأن سلمان والسيسي ومحمد بن زايد سلّموا الشيخ تميم إنذاراً حازماً ما لم يلتزم بالقرارات التالية:

1. قطع كل العلاقات العسكرية والإستخبارية مع طهران.

2. إلغاء جميع الإتفاقيات التي توصّل اليها مع طهران، ليس فقط فيما يتعلق بسورية والعراق، وحتى الدول العربية الأخرى وبخاصة ليبيا.

3. إلغاء جميع التقديمات وترتيبات اللجوء التي قدّمتها قطر لنشطاء الإخوان المسلمين وترحيلهم فوراً.

4. قطع العلاقات مع حركة حماس الفلسطينية وعدم منح قادتها وأسرهم إذن الإقامة في الدوحة.

وقبل إسبوع (التقرير نشر في 5 يونيو)، طلب سلمان من السيسي رفض مرور رئيس المكتب السياسي الجديد لحماس إسماعيل هنية عبر القاهرة، حيث كان يخطط للخروج من غزة والاقامة في الدوحة مع عائلته.

 الإنذار لم يحدد العقوبات التي سوف تفرض على قطر. ولكن الحصار الظاهري المعلن عنه في 5 يونيو كان الفصل الأول..وفي اليوم نفسه، جرى الحديث عن  عملية عسكرية محدودة، تمهّد لتغيير نظام الحكم في الدوحة. ولم يستبعد قيام جهات خاصة عميلة لمصر والمملكة السعودية والإمارات بهندسة انقلاب لخلع عشيرة آل ثاني من الحكم في قطر.

الصفحة السابقة