حرب بين (عيال ترامب).. فما عدا مما بدا؟!

بالأمس: القطري شقيق! واليوم: متآمر، وإرهابي!

الرياض تقول انها صبرت على قطر طيلة هذه السنوات، وتحملت تآمرها، وتنطعها للزعامة بدلاً منها! وهي الآن تريد من تميم: الإنبطاح الكامل للقرار السعودي، اياً كان اتجاهه، وإلاّ فهي الحرب التي قد تؤدي الى اسقاط آل ثاني من الحكم!

عبدالحميد قدس

أكثر الأزمات التي صنعتها السعودية افتقرت الى الوضوح في مبررات خلقها لها.

آخر الأزمات: فتح النار على قطر. وكان التساؤل الذي لازال يصكّ الأسماع: ما هي القضية؟ لماذا فعلت الرياض وابو ظبي ما فعلتاه؟ لماذ الآن؟

هذه الأسئلة تكررت، في قضية العدوان على اليمن، وفي قطع العلاقات مع ايران؛ والآن مع فتح النار على قطر.

كل التبريرات السعودية لا تبدو منطقية، او على الأقل لا تشفي الغليل، ولا تفتح افقاً لفهم ما يجري وما تريد الرياض الوصول اليه.

في العدوان على اليمن، لماذا شنّت الرياض حربها، ولماذا هي مستمرة؟

الجواب: نريد اعادة الشرعية اليمنية؛ الحوثي عميل لإيران؛ والمملكة تدافع عن نفسها وتريد اعادة الأمل للشعب اليمني، ووضع الأمور في نصابها!

هل هذ مبرر كاف؟!

وهل هو مبرر معقول لشن حرب لم تبق ولم تذر، دمرت اليمن وقتلت اهله، وجوعته بالحصار، وقتلته بالكولير والأوبئة؟

وماذا عن ايران؟

يبرر محمد بن سلمان عدم التفاهم مع ايران بأن الأخيرة تريد نشر التشيع في العالم السني، وانها تؤمن بعقيدة المهدي، وانها تتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية.

حسنٌ هي تتدخل، ولكن من وكّلك لتتحدث وتفعل بالنيابة عن تلك الدول؟ ثم ألا توجد دول اخرى تتدخل في الشأن العربي بما فيها المملكة نفسها وقطر ومن ورائهم امريكا، والتي احرقت نصف العالم العربي في الطائفية والحروب الاهلية؟ ألا تتدخل اسرائيل في الشؤون الداخلية العربية؛ وكذلك روسيا، ودول اوروبا؟ ثم الا تتدخل السعودية في الشأن الإيراني الداخلي نفسه؟ وتنشر فيه العنف والطائفية وتموّلهما؟

الصراع مع ايران لا يمكن الحصول على مبرر له من الاعلام السعودي ولا من الخطاب السعودي السياسي بشكل عام.

الآن يتكرر الامر مع قطر.

فما عدا مما بدا؟

 
سلمان لصباح: وساطتكم مرفوضة!

مالذي تغيّر حتى قلبت الرياض ظهر المجنّ لقطر؟ وقد كان تميم بالأمس ضيفاً عند الملك سلمان في الرياض؛ وقبلها كان سلمان ضيفاً عند تميم ورقص العرضة؟

الذي تغيّر هو ان الرياض اكتشفت ان قطر تدعم الإرهاب! وأنها عميلة لإيران (وليس لتركيا)؛ وأنها تتدخل في شأن المملكة الداخلي، وكذلك في الشأن المصري والبحريني وغيره؛ بل ان قطر تدعم الارهابيين ـ بزعمها ـ في العوامية بالمال والسلاح، وتدعم الحوثي؛ وقطر فوق هذا هي سبب مصائب الأمة كلها!

أيعقل ان كل هذا تمّ اكتشافه في غضون اسبوعين؟

أيعقل ان الدولة الأولى الداعمة للإرهاب الداعشي الوهابي والتي يتهمها كل العالم بأنها مفرخة الإرهاب، انتفضت على نفسها، وتريد ان تعاقب قطر بتهمة الإرهاب ونشره؟!

بمعنى ان الداعم للإرهاب صار أميناً على محاربته!

بعض الاتهامات السعودية لقطر صحيحة، مثل: تمويل قطر للإرهاب ودعمه في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر. لكن السعودية تفعل الأمر نفسه وبصورة أكثر سلبية؛ وكذلك تفعل تركيا، والامارات. أمريكا ودول الغرب تعلم عن كل هذا وتباركه، فمالذي جعل قطر هي المستهدفة وحدها، بعد أن كانت الرياض متهمة بدعم الارهاب وراعيته حسب قانون جاستا؟

مالذي تغيّر خلال السنوات الماضية في السلوك القطري؟

لا شيء!

القضية ليست دعم قطر للإرهاب، فكلهم ارهابيون يدعمون الإرهاب!

والسؤال المدهش هو: لمَ تعتقد السعودية انه يحق لها معاقبة دول بعينها بحجة دعمها للإرهاب؟!

من وكّلها بذلك؟ ووفق أي قانون؟ ثم كيف يحاسب الإرهابي ارهابياً مثله أو دونه؟!

اما قضية دعم قطر للمعارضة في البحرين والسعودية، فكذبة كبرى؛ ومثلها دعم الحوثي؛ ومثلها العمالة القطرية لإيران.

صحيح ما تقوله السعودية بأن قطر دعمت معارضين سعوديين، وتمنت وعملت على اسقاط حكم آل سعود. وهو ما كشفت عنه تسجيلات القذافي مع شيخ قطر السابق ووزير خارجيته حمد بن جاسم. لكن هذا أمرٌ مضى عليه سنوات طويلة، فلماذا يُعاد نبشه؟ والأهم: ألم يكن السلوك القطري تجاه الحكم السعودي، هو رد فعل على سلوك آل سعود، الذين حاولوا القيام بانقلاب عسكري عام ١٩٩٦ ضد الشيخ حمد في قطر؟

لا نستطيع بأي حال أن نقول بأن مبررات الرياض مقنعة مما يجري.

لكن المؤكد أن كل التبريرات للقضايا الثلاث:اليمن، ايران، قطر، تتعلق بأمر واحد وغاية واحدة: لقد خسرت الرياض نفوذها فأعلنت الحرب على من خصومها.

مشكلة ايران مع السعودية هي نفسها مشكلة الأخيرة مع قطر ومع اليمن.

السعودية التي يتآكل نفوذها بتسارع رهيب، تريد الانتقام لذاتها، وتريد تحصين ما تبقى من نفوذ لها على الأرض.

ايران ابتلعت الجزء الأكبر من النفوذ السعودي، وهي السبب الأساس في انحدار المكانة السعودية الإقليمية وربما الدولية ايضاً.

وقطر خرجت منذ اكثر من عقدين لتنافس الرياض، في معظم القضايا الإقليمية المهمة، وكان لها مواقف مختلفة عن الرياض، تعمدت اظهارها: مثل الموقف من ايران؛ ومن السودان حينها، ومن القذافي، ومن لبنان وحزب الله، ومن حماس والإخوان، وتالياً تركيا.

وحرب اليمن السعودية، هدفه امران: تحصين م تبقى من نفوذ سعودي؛ ومنع ظهور اليمن كقطب سياسي في الجزيرة العربية، وهو مؤهل لأن يلعب هذا الدور لو تُرك لحال سبيله.

باختصار فإن المبرر الوحيد لما تقوم به الرياض تجاه قطر، ل علاقة له بدعم الإرهاب، ول التآمرعلى الحكم السعودي ودعم المعارضة الداخلية؛ ولا ما يقال عن عمالة لإيران ودعم للحوثي وما أشبه. كلا.. كل القضية تنحصر في موضوع واحد، وهو أن السعودية تريد من قطر أن تتراجع عن مشروعه السياسي، أياً كانت مواصفات ذلك المشروع، وأن لا تُزاحم او تنافس النفوذ السعودي سواء في الخليج أو في مناطق التوتر العربي الأخرى.

مشكلة المشروع: أكبر من اختلاف رأي
 
محمد بن زايد أشعل الحرب ضد قطر

هناك بين دول الخليج من لديه مواقف سياسية مختلفة عن السعودية، أو على الأقل لا تستطيع أن تجاري السعودية في بعض مواقفها السياسية، وإن تظاهرت بالإنحناء أمامها، مثلما هو حاصل فعلاً مع الكويت وسلطنة عُمان، اللتان ترفضان ان تجاريا الرياض في حربها المفتوحة مع ايران.

هذا واضح تماماً. ولطالما تعرّضت الدولتان للتحرّش السعودي الاعلامي والسياسي، ولا تزالا حتى الآن.

وحتى في الأزمة القطرية الحالية، هناك ضربٌ تحت الحزام للكويت بالذات، كونها ليس فقط لم تكن ضمن الدول الخليجية الأخرى التي لم تتخذ اجراءات ضد قطر، بل انها فعّلت أدواتها السياسية والدبلوماسية لحل الأزمة، خلافاً لرغبة السعودية، وقد استقبلت الشيخ تميم بداية الأزمة، في وقت قالت فيه الرياض انها لا تقبل اية وساطة!

ولازال الاعلام السعودي يصفع امير الكويت بين الحين والآخر لموقفها الذي لا تتماشى فيه مع السعودية، وكان آخرها مقالة مشاري الذايدي في الشرق الأوسط التي يقول فيها معرضاً بآل صباح بأن الخطر الأكبر ليس من اخوان قطر ولا غيرهم، بل من اخوان الكويت!

اما سلطنة عمان، فطالما فتحت عليها المدافع السعودية، الاعلامية والسياسية، لموقفها الرافض للحرب على اليمن، ولسعيها للوساطة من اجل حلها سلمياً، ولأنها ايضاً على علاقة طيبة مع ايران، ولأنها اغاظت الرياض حين استضافت اجتماعات سرية امريكية ايرانية لأشهر عديدة (مفاوضات الحل النووي)، دون علم الرياض.

عُمان اعتادت على تمرير قرارات مجلس التعاون الخليجي، دون ان تطبقها؛ ودون ان يسألها احد لماذا لم تطبق القرارات اصلاً.

لكن بالنسبة للرياض، فإن سلطنة عمان كما الكويت تختلفان عن قطر.

الاختلاف صحيح وواضح، وهو أن هاتين الدولتين ليس لديهما مشروعاً سياسياً يتخطى حدودهما، ولا هما دولتان تبحثان عن الزعامة، ولا يوجد لديهما المال ولا الوقت للعب أدوار زعامة في ظل فراغ قيادي على مستوى المنطقة العربية بمجملها.

نعم كانت الكويت والى ما قبل احتلال صدام لها في ١٩٩٠، تلعب دوراً سياسياً ريادياً يكاد يكون منافساً للدور السعودي في المنطقة. حتى ان الملك فيصل ـ الذي انتبه للدور الكويتي وتمدده في وقت مبكر ـ سخر ذات مرة فقال بأن الدول العظمى ستّ (السادسة هي الكويت!).

لكن الكويت ـ حسب آل سعود ـ عادت الى حجمها الطبيعي، وتوقفت عن لعب اي دور او تصميم اي مشروع سياسي لها موازٍ للدور والنفوذ السعودي.

وعُمان ايضاً لا دور لها، وكل ما تريده أن تتمتع بالمساحة التي يحق لها كدولة سيدة في تحديد علاقاتها مع العالم، دون إكراه سعودي.

وعلى هذا الأساس اعتادت عمان على نسج علاقاتها باستقلالية، فهي لم تقطع العلاقات مع سوريا، وحتى الكويت اعادت علاقاتها المقطوعة مع الأسد قبل نحو عامين، بعكس الدول الأخرى بمن فيها قطر. لكن الاستقلالية العمانية وإن كانت مزعجة ولقيت تهديدات من السعودية، بل محاولات انقلاب اثنتين واحدة من السعودية واخرى من الإمارات.. الا ان ما تفعله قطر بنظر الرياض أخطر وأكبر. وهذا صحيح.

قطر وان اتفقت مع السعودية في بعض الملفات: في العراق وسوريا واليمن؛ الا انها تختلف معها في مصر وتونس وليبيا، وغيرها.

وما يشغل الرياض التي سبق وأن تشاجرت مع القاهرة واعلامها قبل عدة أشهر: حول من هو زعيم العرب، زاعمة انها هي زعيمة العرب والمسلمين وليس مصر؛ كيف لهذه الدولة ان تقول هذا الزعم في حين انها لا تستطيع ان تتزعم حتى دول مجلس التعاون الخليجي، وتضبط وضع (قطر)؟

المكانة القطرية تتعزز من خلال: اعلام قوي، وعلاقات قوية مع نخب ومراكز ابحاث ومؤسسات اعلامية، ومساعدات اقتصادية، وتربيط علاقات مع دول كبرى وهكذا. وهذا كله مستهدف من قبل السعودية اليوم. إذ لا يمكن تفكيك المشروع القطري المنافس ابتداءً، إلا بتفكيك الفكرة: فكرة أن قطر يمكن أن تصبح زعيمة ما، او تأكل من حصة الزعامة السعودية.

ومع ان اعلام آل سعود لا يريد التركيز على منافسة قطر للزعامة السعودية، إلا أنه طالما كرر كلاماً مملوءً بالإنزعاج والحنق، من أن قطر دولة صغيرة وتريد ان تلعب دوراً اكبر من حجمها، وغير ذلك!

حسنٌ.. دعوها تلعب دوراً اكبر من حجمها، وستفشل، إنْ كان هذا مرادكم!

لماذا التركيز السعودي على ان قطر دولة صغير، وتافهة، ولا قيمة لها، ومتآمرة ايضاً؟!

حملة الرياض على قطر هذه المرّة، تريد الإنتقام ابتداءً من سحق الدور القطري المتميز والمتمايز عن السعودية والذي بدأ منتصف التسعينيات الميلادية الماضية؛ والمدهش انه بدأ إثر محاولة الإنقلاب السعودية على امير قطر الجديد حينها حمد بن خليفة آل ثاني، وبعد فترة من التوترات على الحدود والاشتباكات على المناطق الحدودية المتنازع عليه (معركة الخفوس الحدودية).

ولكي تُزاح الفكرة نهائياً، لا تريد الرياض وعوداً، بل تريد تدمير آليات وأدوات وأعمدة المشروع السياسي القطري: وفي مقدمتها الاعلام/ خاصة الجزيرة، والتحالف مع الإخوان، والمشاريع الاقتصادية الناجحة كالخطوط الجوية القطرية؛ وتخريب استضافة قطر لكأس العالم ٢٠٢٢؛ وقصقصة أجنحتها في علاقاتها السياسية مع مراكز القوى الدولية ومراكز الأبحاث.

أهداف مترابطة أم متناقضة؟
 
ترامب للشيخ تميم: إدفع بالتي هي أخشن!

اذا كان هدف السعودية واضحاً، فماذا تريد أمريكا من قطر، الى الحد الذي أعلنت فيه خوضها المعركة الى جانب السعودية بشكل واضح؟

أمريكا ترامب تريد مالاً، لا تريد شيئاً آخر.

هذا هو المختصر المفيد.

ولأن السعودية دفعت ما عليها وكذلك فعلت الإمارات، فإن قطر وهي الغنية يجب أن تدفع، وإلاّ، يتم تسليط الرياض ـ الشقيقة الكبرى ـ لمعاقبتها.

امريكا هي الأخرى لا يهمها ارهاب قطري من عدمه، وإلا فالأمريكيون يعلمون بدعم قطر للقاعدة منذ ١٤ سنة على الأقل، ولاتزال تدعم جبهة النصرة، وتدعم داعش في العراق.

مالمُكتشف الجديد لدى ترامب؟!

لا شيء!

وكلما تأخرت قطر في الدفع، كلما زاد الضغط الأمريكي، عبر يده السعودية والإماراتية. وقد يصل الامر الى الحرب العسكرية واقتحام الحدود، واسقاط الحكم في قطر.

ويبدو أن لا غنى لقطر عن صفقة مالية مع ترامب، وستدفع عاجلاً أم آجلاً.

ربما حينها، يبحث ترامب عن دولة أخرى جديدة، كالكويت مثلاً، ليتم تلبيسها قانون جاستا، الذي تم وضعه خصيصاً للسعودية، واذا بترامب يُلبسه لأمير قطر، بعد أن تعذّر إلباسه لإيران!

السعودية التي تتمنى ان يحمّل العالم قطر مسؤولية الإرهاب الداعشي والقاعدي بدلاً منها؛ تعلم أن ترامب قد يعود من جديد لابتزازها؛ فقانون جاستا لم ينته بعد؛ وعوائل الضحايا ينتظرون الإذن لاستحلاب السعودية، وسيستمر الحلب لدول العدوان، وستدور عليهم الدوائر الواحدة تلو الأخرى.

اما هدف الإمارات من صراعها مع قطر، فهو أقرب الى الصراع الشخصي، بل قل الحقد الشخصي. وربما الخشية من منافسة قطر للإمارات اقتصاداً ومكانة. وقد كنا نظن بأن سلمان وابنه محمد لديهما أحقاداً لا تجدها عند أحد من المسؤولين الخليجيين. تبين اننا مخطئون: هناك محمد بن زايد أكثر حقداً منهما!

ما هي مشكلة الإمارات مع قطر؟

المشكلة ان قطر تبنّت كل جموع الإخوان ضمن مشروعها السياسي، وبين من تبنّتهم اخوان الخليج: في الإمارات والسعودية والكويت ايضاً، وربما البحرين، فضلاً عن اليمن وغيرها.

في الإمارات هناك جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي جمعية اخوانية لها فرع في البحرين وآخر في الكويت. ومع ان الجمعية ضعيفة القوة والعدد في الامارات، وهي تعمل منذ بداية الثمانينيات الميلادية، الا ان النظام اتهم اركانها بأنهم اخوان، واعتقلهم واسقط جنسيات بعضهم، واتهم قطر بأنها وراء محاولة انقلاب في الامارات.

قد يكون هذا صحيحاً، وهو غير مستبعد من قطر. لكن من الواضح ان ردة الفعل الاماراتية كانت مغالية سواء تجاه قطر او تجاه اخوان جميعة الاصلاح. وكأن ابن زايد يريد الانتقام من حركة الإخوان في كل مكان، ومن النظامين الراعيين لها في تركيا وقطر.

وفعلاً.. فقد اعلن بشكل شبه رسمي بأن أبو ظبي موّلت الانقلاب على اردوغان بثلاثة مليارات؛ وقبلها شاركت الامارات في الثورة المضادة التي أطاحت بمرسي وأتت بالسيسي؛ ولعبت الامارات دوراً في تغليب كفة الشارع السياسي التونسي في غير صالح حركة النهضة (بالمال طبعاً)؛ كما تلعب دوراً اليوم في ليبيا ضد اخوان قطر هناك، وتدعم حفتر. وهكذا.

وعليه، فإن القرارات الاماراتية، بل تزعم الامارات الحملة على قطر، يحمل انتقاماً شخصياً في جزء منه، وهو سيتواصل ضدها.

لكن لكي تنجح المؤامرة المعدّة لقطر منذ أشهر، لا بد من إشراك السيسي، الذي يريد ادانة الإخوان بمصر، دولياً واعتبارهم حركة ارهابية، وهو ما لم يقل به احد سوى ترامب والسعودية وبضع دول تافهة. السيسي اقنع ترامب بأن الاخوان حركة ارهابية؛ واسرائيل تراها كذلك، لأن حماس اخوانية، والسعودية لم يكن لديها مانع من ان تقلّ الصهاينة معها على المركب! وهكذا اصبحت قطر ارهابية ولكن لكل منهم هدفه: السيسي يريد اضعاف الإخوان الذي تدعمهم قطر اعلاميا ومالياً؛ والصهاينة يريدون اضعاف حماس الاخوانية؛ وترامب يريد ارضاء السيسي واسرائيل؛ وآل سعود لا يمانعون من استثمار الاخوان في اليمن، وفي سوريا، وضربهم في مصر، ووصمهم بالإرهاب ضد اسرائيل (حماس).

القرار بيد مَن؟

بدا ان الرياض فجّرت المعركة مع قطر، وان الامارات تضامنت معها، ثم لحقت بهم البحرين ومصر، وغيرها.

لكن هناك من توقع أن الذي جرّ السعودية الى فخ الحرب على قطر هي احقاد محمد بن زايد، وأنه بالتحديد هو الذي هيّأ الوضع في الولايات المتحدة والاتصال بمراكز القرار لكي يُقنع ترامب بالحرب وبفوائدها لبلاده، بعد ان عجز عن اقناع اوباما بذلك من قبل.

بيد أن تصريحات ترامب نفسه تبين شيئاً آخر. انها تبين بأنه هو الذي أخذ الخطوة في اتجاه التصعيد مع قطر، وهو الذي يدعو لمواصلة الحرب عليها. عشرات التصريحات للإدارة الأمريكية، تأتي في مقدمتها تصريحات كثيرة لترامب لتؤكد على أن امريكا ليست خارج المشهد او تديره من الخلف. كلاّ، فهي تدير اللعبة علناً، وتصرح بذلك ـ على لسان ترامب نفسه ـ بلا حياء المرة تلو الأخرى.

هي ـ إذن ـ حرب امريكية على عضو في الحزب الامريكي!

أو هي ـ حسب تعبير أحدهم ـ حرب (بين عيال ترامب)!

ترى كيف يمكن توقع مواقف ترامب في المستقبل؟

هل يشعلها حرباً عسكرية؟

هل يكتفي بسقف ادنى من التنازلات المالية القطرية؟

هل ترفض الرياض وابو ظبي ايقاف الحرب اذا ما طلب منها ترامب ذلك، ومالذي سيحدث حينها؟

اذا كان ترامب وادارته لم يستقرا على رأي واحد في أي موضوع له صلة بالسياسة الخارجية، فهل لنا ان نتوقع ان يستقر رأيهما سريعاً على حل بشأن قطر؟

نشك في ذلك!

الصفحة السابقة