دولة الفضائح 

في أجواء المفاضحة المتبادلة بين المملكة السعودية والامارات من جهة وقطر من جهة ثانية، جاء الرد القطري على الإمارات بعد قرصنة حساب سفير الامارات في واشنطن يوسف العتيبة، من قبل مجموعة تطلق على نفسها (جلوبال ليكس).

نشير الى أن يوسف العتيبة لعب دوراً ناشطاً ومحورياً في تعزيز قنوات التواصل مع المسؤولين الاميركيين ومع النخبة الاكاديمية والإعلامية في الولايات المتحدة. يستمد العتيبة نفوذه بدرجة كبيرة من «مصاريف الجيب»، إذ كان معروفاً عنه إقامة حفلات العشاء الفاخرة، والمهرجانات، واستضافة الشخصيات النافذة في رحلات فارهة. في عدد من أعياد الميلاد السابقة، كان العتيبة يبعث أجهزة آيباد كهدايا الى الصحافيين واللاعبين المؤثّرين في واشنطن.

في مقابل قرصنة وكالة الأنباء القطرية (قنا) والتي فجّرت الحرب الاعلامية المفتوحة بناء على تصريحات منسوبة لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وقعت قرصنة مضادة على حساب السفير العتيبة. حتى الآن، تبدو الرسائل الالكترونية محدودة الفضائح، ولكنّها تحمل دلالات، خصوصاً حين يتعلّق بشخصيات كبيرة مثل روبرت جيتس، وزير الدفاع الأميركي السابق، الذي يحضر الى الامارات لاجتماعات تشايز مانهاتان بنك، وفي الوقت نفسه يلتقي مع صديقه ولي العهد محمد بن زايد، الذي أوصاه بأن يفتح أبواب جهنم على قطر، شارك في ندوة برعاية إماراتية ضد قطر (والكويت الى حد ما) وحمّلهما مسؤولية تمويل الارهاب والجماعات المتطرّفة.

في ضوء هذه التسريبات، تلطّخت سمعة مؤسسات تبدو محتشمة بأموال الإماراتيين، والسعوديين من ورائهم، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وسقطت مصداقية صحافيين لامعين في كبريات الصحف الأميركية مثل (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز). ولا بد من رد، لأن بقاء هذه الفضائح تكشف عن أن هذه الصحف تحوّلت الى منصّات للإرتزاق.

في مراسلات نائب سابق لمستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني، ومستشار كبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جون حنا، والسفير الاماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، يقترح حنا بدلاً من نقل فندق ماريوت المملوك من قبل الامارات لأن قادة حماس يقطنوا فيه.. هو الضغط عليهم لإخلائه، واختيار مكان آخر، وتذكيرهم بأنهم جماعة إرهابية.

حنا طالب بنقل القاعدة الأميركية في قطر الى الامارات. وردّ عليه السفير الاماراتي مازحاً: «ألا نحاول نقل القاعدة؟» ونبّهه الى أن من غير العدل الإشارة الى ملكية الامارات للفندق!

لا ريب أن المراسلات فضحت حنا الذي بدا مجرد مستشار لدى يوسف العتيبة لقاء الأموال، إذ راح يستدرج عروضاً من الاماراتيين، بما يحيل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مجرّد واجهة ارتزاق سخيفة وتافهة.

في المقترح الذي تقدّم به حنا للسفير الاماراتي يوسف العتيبة بخصوص أجندة زيارة وفد من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الى الامارات وعقد ندوة في الفترة ما بين 11 ـ 14 يونيو 2017 والتي تتمحور، من بين موضوعات أخرى، حول قطر ودورها التخريبي في المنطقة بما يشمل: تمويل الارهاب، ودعم الجماعات المتطرفة مثل الاخوان المسلمين، والقاعدة، والمتطرفين السوريين والليبيين، وحماس، وطالبان)، وزعزعة الإستقرار في مصر، سوريا، ليبيا، والخليج، ودور قناة (الجزيرة) كأداة في زعزعة الإستقرار الاقليمي وتشجيع التطرّف. والأهداف هي: تخفيض الإعتماد الأميركي على قاعدة العديد، تحميل قطر مسؤولية رعاية الارهاب، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية وأمنية.

وتشمل الأجندة طبعاً تركيا الاردوغانية ومناقشة الدور الاقليمي لأردوغان وطموحاته، ودور الاسلاموية في سياسات وأهداف أردوغان، والمسألة الكردية، والسياسة التركية تجاه مصر وسوريا والعراق وايران وليبيا والخليج واسرائيل..ودور الولايات المتحدة والامارات في تصويب وجهة تركيا سياسياً واقتصادياً وأمنياً. من نافلة القول، جون حنا اعترف في ايميل الى العتيبة بأن له الشرف بأن تكون مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى جانب الامارات وآخرين متهّمة بالمشاركة في الانقلاب في تركيا في منتصف يوليو 2016.

وهناك السعودية على الأجندة، ورؤيتها لعام 2030، وسياسات مكافة الارهاب والسياسة الخارجية والدفاعية في المملكة، والتحديات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والدينية، والعلاقات السعودية مع امريكا وروسيا والصين واللاعبين الاقليميين، والدور السعودي في نزع الشرعية عن الجهاد العالمي. وهنا أيضاً يأتي دور الامارات والولايات المتحدة في توفير الدعم المطلق لاستقرار السعودية ونجاح أدواتها السياسية والاقتصادية والامنية..وهناك ملفات أخرى مثل ايران والبحرين وغيرها..وتختتم زيارة الوفد بلقاء شيوخ الامارات.. لمباركة المهمة واستلام «المقسوم».

هذه جميعاً من مهمات المستشار في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية جون حنا وفريقه المؤلف من جوناثان سكانزر ومارك دوبويتز، المدير التنفيذي في المؤسسة. فريق ديمقراطي بامتياز حقاً!!

المدير دوبويتز تكفّل برصد الشركات الاميركية التي تتعامل مع إيران، ووضعها بتصّرف السفير الاماراتي في واشنطن. بل قام بجمع معطيات عن كل الشركات غير الامريكية أيضاً التي تنوي الاستثمار في إيران.. ولا ندري ما علاقة ذلك بالدفاع عن الديمقراطية. مكمن الفضيحة هو مطالبة دوبويتز السعودية والامارات الضغط على هذه الشركات للكف عن فكرة الاستثمار في إيران.

هل ثمة علاقة ما لإسرائيل في الأمر؟

نعم. فمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation For Defense of Democracies) والتي تتعاون معها حكومة الامارات عبر سفيرها العتيبة في واشنطن، هي مموّلة من قبل المليونير اليهودي والمؤّيد لإسرائيل شيلدون أديلسون، الحليف لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

في رسالة أخرى، كتب يوسف العتيبه الى الصحافي الأميركي في (واشنطن بوست) ديفيد اغناتيوس بتاريخ 21 إبريل 2017، يثني فيها على زيارته الى المملكة ولقائه بالأمير محمد بن سلمان. يخبره بأن مقالته التي كتبها عن الزيارة تؤكّد الرؤية الإماراتية للمنطقة في السنتين الماضيتين. أي التغيير في السلوك، وفي الهيئة، وفي المقاربة.

العتيبة قال بأننا جميعاً نتّفق على أن هذه التغييرات في السعودية ضرورية للغاية. وأنه مرتاح لأن اغناتيوس لحظ ما كان الإماراتيون لحظوه مبكّراً ويحاولون نقله للعالم. ويؤكّد العتيبة للصحافي اغناتيوس بأن صوته ومصداقيته سوف تكون عاملاً كبيراً في إفهام كثيرين وإيمانهم بما يحدث!!

إنها فضائح يشارك فيها الثنائي ابن زايد وابن سلمان.. ومنهما تولد دولة الفضائح.

الصفحة السابقة