لم ينته الدرس يا (داشر)!

إنقلاب القصر لم يكتمل.. والحساب مفتوح

هيثم الخياط

لم يضع قرار تنحية محمد بن نايف في 21 يونيو الماضي من ولاية العهد وتجريده من كل مناصبه نهاية حاسمة لصراع الأجنحة دخل آل سعود. صحيح أن سلمان حاول تهدئة التوتر بتعديل نظام الخلافة الذي نصّ على ألا يكون الملك وولي العهد - بعد الآباء - من ذات الفرع، إلا أن النظام الأساسي يمنح الملك القادم ـ وأي ملك ـ صلاحيات مطلقة، وبالتالي يقدر على إلغاء أي قرار صادر من سلفه، تماماً كما فعل سلمان نفسه بإعفاء ولي العهد الأسبق مقرن بن عبد العزيز برغم من أن الأمر الملكي الصادر عن الملك عبد الله بتعيين مقرن في منصب ولي ولي عهد يشتمل على فقرة تمنع سلمان من الاجتهاد حتى في مجرد تفسير الأمر، ومع ذلك فإنه بعد شهرين من تعيينه ولياً للعهد عاد وأعفاه من منصبه.

 
الهويريني خان سيده ابن نايف!

الشيء ذاته يمكن أن يقوم به محمد بن سلمان، حين يصبح ملكاً، إذ سوف يقوم بإلغاء تعديل سلمان، ليجيز لنفسه استخلاف ابنه. في حقيقة الأمر، أن تعيين سلمان لابن شقيقه محمد بن نايف في منصب ولي العهد هي خطوة مماثلة لخطوة الملك عبد الله بتعيين متعب وليا لولي العهد. فقد أراد كل منهما التمهيد لوصول إبنه، ولكن كان سلمان أشجع ممن سبقه، مدعوماً بمعادلة جديدة يخلو فيها المنافس من أمراء الجيل الثاني. وأما التعديل المقترح من سلمان، بعدم الجمع بين منصبي الملك وولي العهد في بيت واحد، فإنه لا يلزم الملك القادم، وهو مجرد رشوة مؤقتة لمجلس العائلة لتسهيل عبور إبنه الى العرش بسلام، ثم عليه أن يتدّبر أمره لاحقاً في ولي العهد المقترح.

للتاريخ، فإن محمد بن زايد حاول في ديسمبر 2014 إيصال متعب بن عبدالله لولاية العهد بتجريد سلمان من الأهلية بدعوى إصباته بمرض الزهايمر ما يستدعي خلعه، ولكن محمد بن نايف - الخصم اللدود لإبن زايد كرهاً لما نال من أبيه ولما يمقته منه لكبر في شخصيته - وقف الى جانب عمّه سلمان، الذي لم يحفظ له هذا الجميل لاحقاً، ومرّر له رشوة عبارة عن فخ أوقعه فيه بعد أن منّاه بالملك خلفاً لهمبر 2014 إيصال متعب بن عبدالله لولاية العهد بتجريد سلمان من الأهلية بدعوى إصباته بمرض الزهايمر ما يستدعي خلعه، ولكن محمد بن نايف - الخصم اللدود لإبن زايد كرهاً لما نال من أبيه ولما يمقته منه لكبر في شخصيته - وقف الى جانب عمّه سلمان، الذي لم يحفظ له هذا الجميل لاحقاً، ومرّر له رشوة عبارة عن فخ أوقعه فيه بعد أن منّاه بالملك خلفاً له. حينذاك، لم تكن إدارة اوباما لم تحسم خياراتها برغم استماتة محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله للفوز بتأييد البيت الأبيض.

لم تكن الأجهزة الأمنية الأميركية تميل الى متعب، ولم تكن علاقة الملك عبد الله مع اوباما هي الأخرى في مستوى يمكن أن تشجع المقايضة على ترجيح كفة متعب، فمات السباق في وقت مبكّرة. وفتحت طاقة القدر أمام سلمان كيما يفعل ما لم يفعله أسلافه، وهنا أيضاً دخل محمد بن زايد في رهان جديد، مع خصم آخر لابن نايف، وهو محمد بن سلمان، وراح يسوّقه لترامب وفريقه على أنه الشخص الذي سوف يخرج «الزير من البير» كما يقول الشوام، أي أن إبن سلمان هو المنقذ للعلاقة مع واشنطن، وبشروطها أيضاً.

 
صفقة ترامب وابن سلمان: سلِّم الثمن، واستلم الحكم!

لا ريب أن ابن زايد الذي كشفت وثائق ويكليكس بأنه لم يجد في آل سعود من يعوّل عليه أو يتعامل معه، ينظر الى إبن سلمان على أنه مجرد دمية يحاول توجيهها الى حيث يريد، ولكن هذه «الدمية» كما راعيها، أي سلمان، قد يضربان صفحاً عن بعض ما يخفيه ابن زايد تجاههما.

في التقديرات، أن محمد بن سلمان لن يغفر لابن زايد فعلته ضد أبيه، ولا انطباعاته عن آل سعود، وأن التحالف الحيوي بينهما قد لا يستمر طويلاً، ولكن حاجة ابن سلمان لابن زايد لاستكمال خطة الوصول الى العرش تفرض استكمال التحالف.. وحينئذ يصبح الكلام غير الكلام بين الرجلين.

لا شك، أن إطاحة ابن نايف ما كان لها ان تتم بدون التنسيق مع ترامب شخصياً، برغم من الشكوك الكبيرة حول أي دور إيجابي لأجهزة الأمن الأميركية في العملية، وهي التي لطالما كالت المديح لرجلها في الرياض، أي محمد بن نايف، وفي فبراير من هذا العام سلم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) الجديد مايك بومبيو إبن نايف ميدالية تمنحها الوكالة تقديراً «للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب». وقد جاءت هذه المكافأة بعد أكثر من عام (وتحديداً في مارس 2016)، على حصوله على وسام شرف الجوقة في فرنسا (بناء على طلبه)، يضاف اليها وسام من أردوغان خلال زيارة ابن نايف لتركيا في أكتوبر 2016، وكان نكاية بابن سلمان. في كل الأحوال، فإن اهتمام محمد بن نايف بالأوسمة يأتي ضمن التدابير الحمائية التي أراد الحصول عليها لمنع ما كان يحذر منه.

لا شك أن قرار تنحية إبن نايف من منصبه غير مرحب به في دوائر أمنية كثيرة، حتى في أوروبا لم يكن الانطباع إيجابياً عن ابن سلمان ولا سيما وسط الدوائر الاستخبارية الأوروبية. نستدعي هنا ما ورد في تقرير الإستخبارات الألمانية في ديسمبر 2015 تحدثت فيه عن سياسة التهوّر لدى القيادة الجديدة في السعودية في مقابل «سياسة الدبلوماسية الحذرة لأعضاء العائلة الحاكمة القدماء..». وركّز التقرير بشكل خاص على دور محمد بن سلمان وتركيز سلطات السياسة الخارجية والاقتصادية بيده والذي «يحمل بين طيّاته الكثير من المخاطر..»، وأشار التقرير إلى أن سياسة إبن سلمان قد ترهق العلاقات السعودية مع حلفائها وأصدقائها في المنطقة عبر تحميلهم عبئا أكثر من طاقتهم.

 
متعب بن عبدالله وزير الحرس.. الاطاحة به قريبة

هو، بالتأكيد، ليس تقريراً منفرداً، ولا يعكس وجهة نظر ألمانية، وفي ظل الشراكة الآوروبية الشاملة، فإن ما صدر عن الاستخبارات الألمانية يعكس وجهة نظر المجتمع الاستخباري الاوروبي، لا سيما وأنه هذا المجتمع تعامل لسنوات طويلة مع محمد بن نايف، وزير الداخلية السابق، في ملفات أمنية كثيرة، وأولته ثقتها، ومن غير المنطقي أن تتنازل عنه بهذه السهولة. ولكن ترامب يفعل، لأنه قادم من خارج المؤسسة، ومن عالم آخر، البزنس، الذي يعنيه أولاً وأخيراً، ولا يهم إن كان من يحكم البلاد إبن نايف أم إبن سلمان.. هو كان حاضراً لمن يدفع أكثر.

على أية حال، فإن معركة ابن سلمان كانت هي الأخرى تدار بالمال والجاه. رشوات ابن سلمان كثيرة وكبيرة. فمن لم تصطده شباك المال أصابه الجاه بسهم، الا من رحم ربك. ينقل بأن سعد الجبري، ذراع إبن نايف، الذي أقيل من منصبه بعد مرور 8 أشهر على تولي سلمان العرش، هرب من البلاد وهو من يقف وراء تسريبات كثيرة حول الخلافات داخل العائلة المالكة. ولكن إبنه نفى في تغريدات له على «تويتر» خبر الهروب، وأنه سافر للعلاج على نفقة محمد بن سلمان وبموافقته، وأن «ولاؤه لوطنه وولاة أمره فهو خارج إطار الشك». وفي أحسن الأحوال، أنه سقط في اختبار المال والجاه، وصار ضمن «جوقة» ابن سلمان.

محمد الهويريني، الذي رافق آل نايف لعقود، وكان الرجل الثاني في وزارة الداخلية، وكان قريباً من عقل وقلب نايف وإبنه، سقط هو الآخر أمام إغراء المنصب، والتحق بركب إبن سلمان. وعلى الأخير أن يدرك بأن من يشترى لا يؤتمن، فمن باع صاحبه قد يبيع من اشتراه، مع أول عرض جديد.

كان تعيين إبن أخ محمد بن نايف، أي عبد العزيز بن سعود بن نايف خلفاً له، بمثابة اللغم الذي زرعه لآل نايف، فإما إن يبقوا أقدامهم عليهم الى الأبد، أو رفعها والانفجار فيهم جميعاً. هي رشوة قدّمها ابن سلمان الى عبد العزيز بن سعود بن نايف مقابل خيانة عمه، وإلزام أبيه، سعود بن نايف بالصمت، برغم من أن رأسه هو الآخر قد أينع، ولا يعلم متى يحين أوان قطافه. وهناك رأس آخر قد أينع منذ قطف رأس ابن نايف، وهو رأس متعب بن عبد الله، الذي بات متيقناً من أن قرار إعفائه قد صدر، وأنها مسألة وقت قبل أن يعلن الأمر الملكي بضم الحرس الوطني الى وزارة الدفاع، وإعفائه من منصبه وتعيين أحد أبنائه على رأس الحرس، المؤسسة وليس الوزارة.

 
الشقيّان: ابن زايد يعبث بالمهلكة!

قطف الرؤوس بات أمراً حتمياً، وتندرج في سياق سياسة إبعاد المنافسين المباشرين والمحتملين. سياسة تقوم على فعل مزدوج: تنحية واستيعاب. تنحية الآباء وإدماج الأبناء أو من في مقامهم، بالتالي إيهام الآباء بأن حصصهم في العرش مصانة، كما فعل مع بندر بن سلطان، وخالد بن سلطان، والفيصليان خالد وتركي.

التطوّر الخطير في الأمر هو ما تحدّث عنه مقرّبون من محمد بن نايف في 29 أغسطس الماضي والذي ورد في حساب (فارس بن سعود آل سعود) بأنه تمت تصفية عدد من الأمراء المعتقلين في سجن الحاير بالرياض وهم سعود بن سيف النصر، وتركي بن بندر، وسلطان بن تركي، ووعدد من المشايخ..نشير الى أن الأمراء الثلاثة كانوا في الخارج ووجهوا انتقادات لسياسات بلادهم، واحتكار السلطة من قبل سلمان ونجله. وسواء صحّ خبر مقتل الأمراء الثلاثة أم لم يصح، فإن معطيات كثيرة تتحدث عن سخط كثير من الأمراء إزاء النزوع الاحتكاري المجنون للسلطة لدى إبن سلمان في سابقة لم تشهدها المملكة السعودية منذ تأسيسها عام 1932.

يدرك ابن سلمان أن حربه داخل العائلة المالكة لم تضع أوزارها، ولذلك يمتنع عن السفر الى الخارج، ويفرض تدابير أمنية صارمة على حركته، كما شدّد الرقابة على كل من يرتاب في كونهم ينافسونه على العرش. الرقابة لا تفارق بيت عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز، بعد أن وجد معارضة في فرض الإقامة الجبرية عليه كما فعل مع محمد بن نايف. هواجس ابن سلمان من داخل العائلة اكثر منها من الخارج، لأن المصادرة الواسعة النطاق للسلطة بكامل حمولتها لن تقبل بسهولة، ففي ذلك ضياع لمن يعتقدونه حقاً لهم من الأمراء.

لاريب أن تنحية متعب بن عبد الله من منصبه وإلحاق الحرس، بعد نفي صفة الوزارة عنها، بالدفاع، سوف تكون خطوة راديكالية أخرى، وهي في الوقت نفسه اختبار آخر لطبيعة ردود الفعل المتوقعة من جانب الأمراء الذين يتساقطون في حلبة المنافسة السياسية بأوامر ملكية. نظرياً، متعب بن عبد الله في الحرس الوطني ليس مكافئاً لقوة محمد بن نايف في الداخلية، برغم من ولاء الحرس تاريخياً لبيت عبد الله. ولكن ضعف شخصية متعب قد تجعله أسهل من إبن نايف حين القطاف. على أية حال، فإن الأجواء حول العرش غير مستقرة، وإن عواصفاً غير متوقّعة قد تضرب جدران العرش في أي لحظة، وإن موت سلمان سوف يكون حاسماً في مصير السلطة بل الدولة التي تجاوزت زوابع كثيرة منذ خمس وثمانين عاماً، ولكنها اليوم هي في مخاض عسير، إما أن تنجو بشق الأنفس أو تواجه خطر التفكّك.

الصفحة السابقة