الوهابية المتسلسلة.. وحشية تلد أخرى

الوهابية تتناسل.. سلالات التكفير

هل أنجب «داعش» وحشه المُطوَّر؟

القسم الأول

سعدالشريف

ليس صراعاً خارج الحلبة، أو بالأحرى خارج الفضاء العقدي الذي أطلق فيه محمد بن عبد الوهاب تصوّراته الأولى عن الدين، والكون، والإنسان..هي تصوّرات قدّر لها أن تكون المرجعية الفكرية ومصدر الإلهام لأجيال متعاقبة..

أشبه بسلالات بتاريخ صلاحية محدّدة، يولد جيل وهابي متطرّف من رحم جيل آخر أقل تطرّفاً. فالقاعدة ترث تيار (الصحوة)، وداعش ترث القاعدة، وتيار الحازمي يرث داعش، ومن الحازمية خرجت البنعلية والحطابية، وبين هذه الأجيال تفريعات، وانزلاقات، وانسحابات للأمام أو للخلف. إن المرجعية لكل هذه الأجيال هي: الوهابية، التي يزعم كل جيل بأنه الأقرب الى روحها، والأشد إخلاصاً لتعاليمها، والأوفى لأهدافها.

لا ريب أن منسوب العنف لدى «داعش» لا يضاهيه أي تنظيم آخر، فهو يستعيد ما كان عليه «إخوان من طاع الله» في عهد محمد بن عبد الوهاب، ولاحقاً في عهد مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز آل سعود. لقد أخرج «داعش» في عنفيته كل شرور الكون، وفعل كل ما يخطر في بال أشد المجرمين ولعاً بالدم، وجعل من الخيال البشري في عالم العنف حقيقة. وعليه، فإن «داعش» يمثّل أقصى ما يمكن أن يصل اليه جنون العنف. الاختلاف بين «داعش» وبين أي جيل جديد متطوّر يكمن في التصوّرات التيولوجية وما يترتب عليها من أحكام، لا سيما تلك التي تنطوي على تصنيف عقدي (الكفر بدرجاته، الايمان بأطواره، والشرك بمستوياته..).

كان الاعتقاد الشائع بأن داعش تمثل ذروة سنام الوهابية التاريخية، وخاتمة السلالات المتناسلة من جوفها، ولكن بدا واقع الحال غير ذلك، بل يؤكّد أن صراع السلالات هو القابلة التي تجعل من الوهابية مؤهّلة دائماً لإنجاب الأضداد، أي أنسال تزعم كل واحدة منها أنها الأقرب الى روح الوهابية الأولى.

وليس من قبيل المصادفة البته، أن صراع الأنسال يدور حول «من يكفّر أكثر»، ليجعل من ذلك مصدر مشروعية لوجوده، وتوحشّه، وانتشاره.

وفي الوقت الذي يصل فيه نسل وهابي الى ذروة تمدّده المكاني والبشري، تبدأ لحظة انشطاره من الداخل.

 
عمر الحازمي.. منظر داعش حي يرزق وله مواقعه على النت!

من المفارقات الملفتة للإنتباه، أن أوج انتصار «داعش» بإعلان «دولة الخلافة» في حزيران 2014 شكّل بداية بوادر الانشقاق داخل التنظيم.. في تلك الأيام بدأت تيار جديد يتبلور داخل «داعش»، يرى فيه نكوصاً عقدياً. ومن أطرف النعوت التي أسبغت عليه أنه «جامي»، نسبة الى الشيخ الأرتيري الوهابي محمد أمان الجامي، مع أن الجاميّة تمثّل أقصى يمين الوهابية المتماهية مع السلطة السياسية، والمعارضة بكل الأحوال الخروج عليها، حتى مع بلوغها درجة الكفر البواح.

خرج من شرعيي وقضاة «داعش» من حمل راية «تكفيره»، ولكن بقي السؤال الجذور، متى وكيف تبرعمت حالة غلو مطوّرة مشتقة من مجال الغلو الوهابي؟

قيل عن بوادر تكفير قديمة في تنظيم «الدولة الاسلامية» في العراق في أيام مؤسسها أبو مصعب الزرقاوي (قتل 2006)، ولاحقاً مع ابو عمر البغدادي وابو حمزة المهاجر (قتلا 2010)، ولكن لم تحدث تصدعاً لقواعد التنظيم، وكان يتم احتواؤها على وجه السرعة. ولكن في تجربة «داعش» بعد احتلال الموصل في صيف 2014، بات التنظيم أمام ظاهرة انشقاقية حقيقية تعتصم بتصوّرات عقدية متينة ومؤصّلة، وفق الرؤية الوهابية الشاملة.

البداية مع الداعية أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي، مواليد مكة المكرمة، والذي تحوّل الى منظّر لاتجاه متطّرف داخل «داعش»، حمل إسمه فصار يعرف بـ «الحازمية». وبفعل الأفكار المتطرّفه التي روّج لها الحازمي منذ قيامه بجولة في السنة الأولى من الربيع العربي على عدد من الدول العربية والإسلامية، وعلى وجه خاص الى تونس ومصر وتنظيم دورات شرعيّة شبه سريّة حول تكفير الحكام وعدم العذر بالجهل وتكفير العامي، نجح في تشجيع آلاف المؤيدين لتنظيم «داعش» الذين انتظموا في صفوفه وقاتلوا معه وقتل منهم الكثير، ولكنّه قاد لاحقاً انشقاقاً داخل «داعش»، وللأسباب نفسها التي دفعت الى انضمام انصاره الى التنظيم، ومنها عدم العذر بالجهل.

ما يلفت في تيار الحازمي أنّ أفكاره لم تخرج من بريدة الى الخارج، بل مرّت عبر العاصمة التونسية، ومن مسجد الكرامة في حي الخضراء، حيث تردّد الحازمي مع مجموعة من الدعاة بعد سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011، وصار يبشّر بقناعاته المدجّجة بالأحكام التكفيرية، والتي لا تكاد تستثني أحداً من أركان المدرسة السلفية، بمن فيهم إبن تيمية نفسه، وصولاً إلى إبن باز وابن عثيمين، كما سيأتي. تلك القناعات التي ألهمت مجموعة من الكوادر القيادية في تنظيم داعش، دفعت بهم لتشكيل خط جهادي مستقل، فرفضوا الإنصياع لعقيدة التنظيم، ووصموه بما يصم به عادة كل فريق مهادن للسلطة، أو للناس، بالتلكؤ في إصدار حكم مبرم بتكفيره.

تخرّج الحازمي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في تخصص الكتاب والسنّة، ودرس على الشيخ محمد الخضر الشنقيطي، والشيخ سيدي الحبيب الشنقطي، حتى قيل بأنه أخذ علمه من «الشناقطة»، إلى جانب محمد علي آدم الأثيوبي مدة عشرين سنة بدار الحديث بمكة. ودرس المنطق على أحد المتخصصين، ولم يشأ الإفصاح عن هويته كونه ليس، حسب زعمه، من السائرين على المنهج السلفي في العقيدة، وكان يمنع طلاّبه وأهل دعوته من ارتياد مجالس درس من ليس على المنهج السلفي الا من ترسّخت عقيدة التوحيد في قلوبهم. إن دراسته المنطق وهبته قدرة على المحاجّة، وقوة الخطاب، والتأثير في أتباعه.

 
ابو عياض التونسي: احتضان فكر الحازمي

الجدير بالذكر، ثمة من تعمّد الإشارة الى أن الحازمي درس على «غير سعوديين»، من أمثال محمد علي الأثيوبي، والشنقيطيان محمد الخضر الشنقيطي وسيدي الحبيب الشنقيطي، ومحمد أمين الهرري، ووصي الله عباس، وأحمد بن حميد، وآخرين. والغرض من ذلك واضح، لما ينطوي عليه من «تبرئة» لأي دور محلي مذهباً وأشخاصاً في النزعة الراديكالية لدى الحازمي. والحال، أن دراسته كانت مقتصرة على مؤلفات الوهابية، وأن شروحاته كانت في أغلبها لمؤلفات أقطاب المدرسة الوهابية، يضاف الى ذلك أنه سمع دروساً مسجّلة على أشرطة الكاسيت لابن عثيمين في أصول العقيدة، وكان يعدّ هذه الطريقة من تلقي العلم مطلوبة ويحثّ عليها.

لم يشغل الحازمي وظيفة حكومية بعد تخرّجه، وإنما تفرّغ للدعوة، وأصبح إماماً وخطيباً لجامع بدر الكائن في حي الزاهر في مكة. وصنّف كثيراً من المؤلفات وأغلبها شروحات لكتب المدرسة الوهابية، التي تحوّلت الى محور خطاباته، ومحاضراته، ودوراته التأصيلية. ومن بينها الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وكتاب التوحيد، والقواعد الأربع، والعقيدة الواسطية وغيرها، وكلّها مسجّلة ومفرّغة ومثبّتة على موقعه الرسمي(1).

يحتوي الموقع ردوداً على شارحي عقيدة التوحيد، ويهتم كثيراً بدروس التوحيد، والشرك والكفر..وفي الموقع أيضاً تنويعة من الفتاوى المتطرّفة، وهي بمثابة «تكفير في التكفير»، مثل فتواه «في عدم العذر بالجهل» و»أن العامي يكفر». وقد سئل: «هل يُحكم على من بدَّل حكم الله بالقوانين الوضعية بالكفر عينًا ؟» فأجاب: «نعم كفره عينًا، ما في بأس، الله كفره ما نحن».

زار الحازمي تونس في سبتمبر 2011، أي بعد مرور عام على الثورة التونسية، ونظّم دورة في مسجد الرحمة بحي الخضراء بقيروان في الفترة ما بين 19 ـ 25 سبتمبر من العام نفسه وكانت تلك بمثابة التأسيس لمشروع دعوي ثابت. وفي 25 أكتوبر من العام نفسه، نظّم الدورة العلمية الأولى بتونس، وقد حضرها الأطفال، وإن غلب على الحضور الشباب اليافعون، مع قلة من الكبار نسبياً، والطابع العام للجمهور يؤكد أنهم من المقرّبين من تيار السلفية الجهادية، وقد وزّعت خلال الدورة كتيبات ونشريات حول أفكار الحازمي المتطرّفة. ويتخلل الدورات مسابقات تشتمل على جوائز عبارة عن مؤلفات الحازمي ومؤلفات علماء الوهابية(2).

وفي الدورة التاصيلية في القيروان في شهر مارس 2012، ألقي دروساً في شرح حاشية كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب للشيخ عبد الرحمن إبن محمد ابن القاسم النجدي، وكان يلقى في معهد ابن أبي زيد القيرواني للعلوم الشرعية، المتخصص في الترويج للعلوم السلفية، وقد افتتح بعد الثورة ويشكل مركز استقطاب للتيار السلفي في تونس(3).

اصبح مسجد الرحمة بحي الخضراء في العاصمة التونسية محوراً لنشاطات دعوية للتيار السلفي، وللدورات التأصيلية التي كان ينظمها الحازمي، وتديرها جمعية الخير الإسلامية في تونس. وفي واحدة من الدورات التتأصيلية، كان الحازمي يشرح الأصول الثلاثة، ونواقض الإسلام.

وفي الفترة ما بين 18 ـ 25 ديسمبر 2011 نظم دورة أخرى لمدة أسبوع، وألقى خلالها دروساً من بعد العصر الى ما بعد العشاء، تجمع بين دروس في العقيدة وأخرى في الفقه والنحو. وفي 15 فبراير من العام 2012، نظّم الحازمي الدورة الثالثة في تونس، وفي الأول من مارس من العام نفسه جاء الحازمي الى تونس لافتتاح معهد ابن أبي زيد القيرواني بصورة رسمية، وفي 23 ديسمبر جاء الى تونس وألقى دروساً في شرح الأصول الثلاثة، وهي الى جانب كشف الشبهات وشروحات التوحيد، تشكل مجتمعة المرجعية التكفيرية لدى تنظيمات السلفية الجهادية عموماً. وقد نالت محاضرات ودورات الحازمي في تونس إقبالاً واسعاً وسط الشباب التونسي من مناصري التيار السلفي.

   
سلمان العودة.. تواجد صحوي مبكّر في تونس  

بصورة إجمالية، يمكن للمراقب أن يلحظ تنامي تيارات سلفية على وجه السرعة في الساحة التونسية فور سقوط نظام زين العابدين بن علي، وبشكل لافت، وفي الغالب كانت معارضة لحركة النهضة، لأنها تنازلت عن مبدأ تطبيق الشريعة، حسب زعمها. وكان واضحاً، أن السلفية الجهادية أفادت من الاستقطاب السياسي كيما تؤكد مزاعمها، مستفيدة من هامش الحرية الواسع نسبياً بعد سقوط النظام السابق، حيث أشرعت الأبواب أمام عدد من الدعاة السعوديين لإلقاء المحاضرات في المساجد، والمراكز الثقافية الدينية في تونس، فوجدوا من يستمع لهم، ويتبنى أقوالهم.

الحازمي الذي لم تعرفه تونس الا بعد الثورة، لم يخطىء طريقه الى البيئة الحاضنة للأفكار السلفية، في حي الخضراء، حيث ينشط التيار السلفي. كان لافتاً الانفجار السلفي في تونس في الشهور الأولى من عمر الثورة، بعد أن بدأت بوادر ظهورهم وسط التسعينيات، ثم تمفصلت السلفية بتشكيلاتها على الساحة التونسية. فهناك تيار السلفية الجهادية، ويتقاسمه تنظيما «القاعدة» و»داعش» ويتحدّر معظم عناصرهما من الأحياء الشعبية في العاصمة، تونس، وولايات سيدي بوزيد، ومدنين، وبنزرت. ويقود تيار السلفية الجهادية سيف الله بن حسين (أبو عيّاض)، يأتي بعده تيار سليم الفندري (أبو أيوب)، وهو منشق من التيار السابق، ومتّهم بارتباطاته الخارجية وبأجهزة استخبارات أجنبية، وكان من الذين أطلقوا الدعوة الى الجهاد في سوريا وشارك في القتال هناك ثم عاد وتمّ ايقافه، وهناك مجموعة أبو أسحاق، وتبنت مقولة (تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد)، وبدت أقرب الى السلفية العلميّة، وهناك تيار سلفي جهادي متطرّف نفّذ عدداً من الأعمال الارهابية من بينها اغتيال المناضل التونسي شكري بلعيد في 6 فبراير 2013.

وهناك الاتجاه السلفي الجامي المهادن سياسياً ويقال لهم المدخليون أيضاً نسبة الى الشيخ ربيع المدخلي (من أصول يمنية)، وهو تيار لا وجود تنظيمي له، وانما هو أقرب الى التيار المدرسي الذي يرى في نفسه الأقرب الى روح السنّة، والمنهج السلفي الصحيح، ويعارض الإنخراط في العمل السياسي رغم مغالاته في طاعة ولي الأمر، ويتواجد أنصاره في العاصمة تونس، والقيروان، والمروج، والمنستير، ورادس.

وهناك اتجاه السلفية العلمية، وينحصر عمله في التركيز على العلوم الشرعية وتعميمها، والتقيّد بما ورد في كتب السلف، ويحظى التيار بشعبية أكبر لدى المجتمع السلفي في تونس، وأخيراً هناك التيار السروري نسبة الى محمد بن سرور زين العابدين، الذي ينسب اليه نشأة تيار الصحوة في المملكة السعودية في التسعينيات من القرن الماضي.

وقد نشط مشايخ الصحوة السعوديين في الشمال الأفريقي، لا سيما في مرحلة ما قبل سقوط زين العابدين بن علي حيث زارها الشيخ الصحوي البارز سلمان العودة، وجمع حوله أنصاراً، وتقرّب بمدح رأس النظام السابق زين العابدين بن علي ما أغضب القوى السياسية التونسية الوطنية والاسلامية. يتواجد أتباع للتيار الصحوي في تونس وخصوصاً في الضاحية الشمالية من العاصمة تونس، وفي مدن صفاقس، وسوسة، وقابس.

وحين زار الحازمي تونس أول مرة كانت الخارطة السلفية ثابتة، ولكن في الزيارة الثانية شرع بتنظيم دورات تأصيلية، وهو ما لم يقم به دعاة السلفية الآخرون التونسيون والسعوديون على حد سواء، وما لبث أن تحوّل منظّراً للسلفية الجهادية المتطرّفة، من خلال تقديم تصوّرات عقدية متطوّرة شقّت طريقها على الفور في التيار السلفي الجهادي، ودمغت تلك التصوّرات باسم الحازمي بعد اختراقها تحصينات «داعش» العقدية.

أفكار الحازمي ليست خافية، فقد بشّر بها وشرحها باسهاب في كتبه، ومحاضراته. على سبيل المثال، يقول في ص 4 من كتابه (شرح مسائل الجاهلية) أن من لوازم صدق الشهادة الأولى (لا إله الا الله): الولاء والبراء، الولاء لأهل التوحيد، والبراء من أهل الشرك. وعليه فإن عقيدة التوحيد قسمت الناس الى طائفتين إلى أن تقوم الساعة إما مسلمون موحدون، وهم من قال: لا إله إلا الله، وأتى بمعناها ولم يأت بناقض من نواقضها، وكافر وهو من أبى أن يقول: لا إله إلا الله. أو قال: لا إله إلا الله. ولكنه جاء بناقض من نواقض الإسلام. إذن لا يكفي أن تؤمن بأن الله لا إله الا هو، فلابد أن توالي فئة من الناس تعتقد في الله سبحانه على نحو خاص، وتكفر بما سواها وإن كانت الفئة تشهد ألا إله الا الله، ولا تعبد رباً سواه، وتصلي وتصوم وتحج وتزكي وتقوم بكل الفرائض، ولكن لا تعتقد بأن من واجبها تفتيش نوايا الناس والحكم عليهم بالكفر أو الإيمان، فيصبح هؤلاء كفّاراً وإن آمنوا، ومشركين وإن أسلموا، وإن تسلفّوا أيضاً(4).

ولذلك، نزع صفة الاسلام عن جمهور الأشاعرة وكفّرهم بدعوى عدم تحقيقهم لشرط العلم بالشهادة، مع أنهم يشكّلون الأغلبية الساحقة من السنّة.

وقد جاء في شرحه وتعليقه على كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب:

 
سليمان العلوان القاعدي يرد على الحازمي الداعشي!

«لن يثبت لك إسلام وتوحيد إلا إذا اعتقدت كفر المشركين وكفر من لم يكفر المشركين، لا بد من ذلك، وهذا التكفير عيني وليس بنوعي، بمعنى أننا لا نحتاج إلى إقامة حجة على من توقف في كفر ماذا؟ المشركين، لأن هذه المسائل ظاهرة واضحة بينة كالشمس..»(5).

ولذلك يقول في (ص 11) بالإقتران بين القول والعمل، وأما مجرد الدعوة «إذ يقول أنه متبع للدليل، وأنه على نهج السلف، وأنه متبرئ من البدع وأهل البدع، حينئذٍ ننظر إلى عمله هل عمله موافق لما ادعاه أو لا؟ إن كان موافقًا حينئذٍ صارت النسبة حقيقية لفظًا ومعنًى علماً وعملاً، وإن كان الفعل مخالفًا لقوله، حينئذٍ هذه النسبة لا تنفعه قال سلفي ثم هو مؤول محرّف للصفات، قال سلفي ثم هو لا يتبع إلا العقل والآراء، قال سلفي في الدليل ثم هو مقلد متعصب، نقول: هذه كلها لا تنفعه ومجرد النسبة هذا كلام فاسد».

إن اتقان الحازمي لدروس العقيدة السلفية على طريقة محمد بن عبد الوهاب ومدرسته، وأسهابه في دراستها وشرح أصولها (التوحيد، كشف الشبهات، نواقض الاسلام...الخ)، جعله مجادلاً شرساً، ويتحصّن خلف النصوص الأولى التأسيسية للعقيدة الوهابية التي يحاكم أهل دعوته عليها قبل غيرهم.

وفيما يجمع علماء الوهابية على عذر الجاهل بالشرك، تفرّد الحازمي بعدم عذر الجاهل، بل وذهب الى تكفير من أعذر الجاهل، عالماً كان أم عاميّاً، وبذلك يكون الشيخ ابن باز وابن عثيمين ومن سبقهما، برغم نزوعهم التكفيري كفّاراً، لأنهم أعذروا الكافر الجاهل(6).

وقد ردّ الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في فتوى مسجّلة على شريط كاسيت على الحازمي، وكان عبارة عن جواب على سؤال حول مسألة العذر بالجهل ورأيه في من يقول أن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر لا يسمى مسلماً؟ فأجاب العلوان: من يقول أن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ليس بمسلم هذا من أهل الجهل والضلال ولا يسمى عالماً بل ولا طالب علم، وهذا القول هو قول الخوارج والمعتزلة، نعم لو قال أن من يعذر فقد غلط فهذا لا شيء فيه، ومازال أهل العلم مختلفون في هذه المسألة ولم يبدع بعضهم بعضاً فضلاً عن التكفير. فهذا القول لا أصل له”.

الحازمي الذي اطلع على جواب العلوان، ردّ عليه بتصنيفه على «الجاميّة» برغم من أن العلوان أمضى سنوات طويلة في السجن، ويحسب على تيار السلفية الجهادية، وعلى «القاعدة». ردّ الحازمي على فتوى العلوان، جاء في أربعة دروس بدأها في 17 سبتمبر 2013 تحت عنوان (الأدلة والبراهين القطعية على بطلان الفتوى التونسية) وقال في الدرس الأول بأن:

«هذه الفتوى فيها شيء من الأباطيل والجهالات التي تدل على جهل قائلها، وأنه لم يضبط أصل التوحيد من أصله ولم يعرف حقيقة الكفر بالطاغوت، وإنما تُرمى كعادة الجهمية ترمى ألفاظ في الطعن فيمن يُكفر المشركين أو يُكفر من لم يكفر المشركين، بكون هذا مذهب الخوارج، أو أنه مذهب المعتزلة، أو أنه مذهب التكفيريين ونحو ذلك، هذا كله من الأباطيل التي يجب ردّها لكن بطريقة علمية تُبين وتكشف عور هؤلاء الذين يتلبّسون بالعلم ويتلبّسون بالسلفية وكذلك التوحيد، ونأتي بنص السؤال والفتوى لتعلم حقيقة ما ذُكر ثم بعد ذلك نشرع في الرد».

بالنسبة للحازمي، فإن من يعذر من وقع في الشرك الأكبر لا يسمى مسلماً، وبذلك يكون كافراً، والنتيجة هناك تكفيران: «تكفير من وقع في الشرك الأكبر وتكفير من لم يكفر هؤلاء المشركين حينئذ كل منهما كافر وكل منهما قام الإجماع على تكفيره»(7).

التساهل في إطلاق أحكام التكفير باتت سمة في خط الحازمي، فمن أقواله التكفيرية أن: الأشاعرة والمعتزلة فروخ للجهمية، وأن الأصل تنزيل الكفر على الأعيان فيما لا يعذر بالجهل فيه.

من الأقول التي انفرد بها: نسبته ابن تيمية للأشعرية في العقيدة، على الأقل في بداية حياته، كما يذكر ذلك في (شرح العقيدة الواسطية، ص 51)، بما نصّه:

 
ربيع المدخلي.. أداة متطرفة في الولاء لآل سعود

«أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم ينشأ على عقيدة السلف إنما كان أشعرياً»، ويستند في ذلك الى الجزء السادس من كتاب الأخير (الفتاوى الكبرى) حيث له كلام في الرد على الرازي وأبي الحسن الآمدي وغيرهما، وهما من كبار الأشاعرة، فالبحث معهم يتعلق بعقيدتهم. يقول في صفحة 247 من الجزء السادس: (فصلٌ وفحول النظار - - وفحول النظار كأبي عبد الله الرازي وأبي الحسن الآمدي وغيرهما ذكروا حجج النفاة لحلول الحوادث، وبينوا فسادها كلها). ويستدرك: لا شك أن حلول الحوادث المراد به ما يتعلق بدليل التغيّر الذي يذكره الأشاعرة في نفي الصفات الاختيارية، صفات الأفعال عندهم ممنوعةٌ لأنها تدل على التغير، فينفون نزول الرب جلّ وعلا لم يكن نازلاً ثم نزل، إذًا هذا تغير، والتغير إنما يكون في الحوادث. ويخلص الحازمي الى أن ابن تيمية وافق آراء الأشاعرة في الصفات الاختيارية، وأن العالم متغيّر، وكل متغيّر حادث، فالعالم حادث(8).

وعن «الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ»، فيرى فيها مصطلحاً شرعياً، ويمكن أن يزاد عليها مصطلح السلف الصالح، المرادف، بحسب قوله، لمصطلح أهل السنة والجماعة، ويراد بهذا التضييق حصر تطبيق المصطلح على جماعة بعينها، وهي الجماعة السلفية. يرى في خصائص منهج أهل السنة والجماعة وهو منهج حسب قوله «متفق غير مضطرب، وهو متفق على وحدة المصدر ووحدة التلقي، ولذلك اتحدت العقيدة فلم يكن ثَمَّ خلاف بين الأئمة في المعتقد، والخلاف جزئي فرعي لا في الأصول.. ومع ذلك لم يضلل بعضهم بعضاً، ولم يبدع بعضهم بعضاً، ولم يكفر بعضهم بعضًا على خلاف أهل البدع فإنهم إذا اختلفوا حينئذٍ كفر بعضهم بعضًا، وانفرد ذلك بفرقة تخالف الأصل».

ولكن حين يرصد الزهراني خصائص أهل السنة والجماعة نكون أمام جماعة خاصة. فمن أهم خصائص أهل السنة والجماعة: الاول وحدة المصدر (كتاب وسنة)، الثاني: منهجٌ توقيفي يعني: منهج أهل السنة والجماعة منهجٌ توقيفي فهو منهج قائم على التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة، ولا يردون منها شيئًا ولا يعارضونها بشيءٍ البتة، وإنما قولهم سمعنا وأطعنا، ثالثًا: تجنب الجدل والخصومات في الدين. ثم ينقل ما يعتقده ما عليه الجماعة العلماء قديماً وحديثاً وهو عدم الخوض في كلام أهل البدع لا في رأي الجهم ولا في أراء المعتزلة ولا الأشاعرة ولا الكُلابية ولا غيرهم. رابعاً: اتفاق السلف في مسائل العقيدة، فهي محل إجماع لا خلاف بينهم بخلاف أهل البدع الرافضة أصناف وفرق والجهمية أصناف وفرق والمعتزلة والأشاعرة وكل أصحاب البدع يفترقون إذا اختلفوا، وأما أهل السنة والجماعة فعقيدتهم واحدة ولا خلاف بينهم البتة في الأصول(9).

خلاصة ما يصل اليه الحازمي في شرح خصائص أهل السنة والجماعة، أنهم المنتمون للمنهج السلفي الحنبلي الوهابي، وأما عامة المسلمين فهم من أهل البدع.

في (شرح كشف الشبهات، ص7) يؤكد الحازمي تلك النتيجة، بحديثه عن الفارق بين التوحيد عند السلف وعند الخلف من الأشاعرة ونحوهم.

لم يعرف عن الحازمي موقفاً مناقضاً للدولة السعودية، بل على العكس ظهرت منه مواقف ناقدة للمعارضة. وقد أسهب في الدرس السابع عشر من شرحه لكتاب «لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد» للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، في شرح مفهوم ولي الأمر، في سياق الحديث عن إنكار المنكر، وأن من له حق القيام بهذا الأمر، حيث يضع ذلك على عاتق ولي الأمر، وإن كان غيره قد يتولى ذلك في حال ترك المجتمع الفرائض. العلة تدور حول مفسدة الخروج على ولي الأمر، ولذلك يتبنى الحازمي رأياً معتدلاً إزاء الحاكم:

 
محمد عمر بازمول: استاذ وصديق الحازمي!

«نحن لا نقول: الحكام كلهم على الإسلام، وإنما في مثل هذه البلاد يعلن فيها الشرع تحكيم الشرع، نحن لا نحكم هنا إلا الكتاب والسنة، إذا كان هذا المبدأ العام وهذا الذي يعرفه القاصي والداني، إذًا وقوع بعض الشبه في بعض المسائل لا تستلزم أن ننزل الحكم العام، فالتقصير الوارد والتقصير الذي يحصل لا يلزم منه الخروج، ثم ما قد يقع أو يشوش به البعض أنه كفر أو نحو ذلك يقول هذا أصلاً فيه نوع تشويش وفيه خلاف، فإذا كان فيه خلاف حينئذٍ أقل الأحوال أن يكون من الكفر الذي وقع فيه نزاع فلا يترتب عليه الخروج لا يترتب عليه الخروج، ولذلك من السفه ما يفعل الآن..».

اكثر من هذا عارض الحازمي الخروج في المظاهرات والاعتصامات وقال «كل هذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف»، بل أضفى على مملكة آل سعود صبغة مثالية، وقرّر أنه «لا يوجد بلد مثل هذه البلد...والمكائد تدار كل من أجل إحباط الأمن الموجود في هذه الدولة ويتمسكون ببعض المنكرات العامة، نعم ما نرتضي المنكرات ما أحد يرضى، لكن كيف نتعامل مع هذه المنكرات نخرج نسب ونلعن؟ ما بصحيح هذا، وإنما نجاهد في إصلاح الخلق..»(10).

وقع الحازمي في تناقضات لا حصر لها، ومن بينها تكفيره لمن يعذر بالجهل في العقيدة، وفي الوقت نفسه ينصح بالأخذ عن ابن عثيمين، أحد القائلين بالعذر بالجهل. وقد أوقعه أحدهم في تناقضاته بسؤاله سؤالين متعارضين، الأول عن العذر بالجهل في العقيدة، والثاني يطلب فيه التوجيه في قراءة كتب أمور العقيدة وأصل الدين من العلماء، وسماع أشرطتهم، فقال: «كثرت الفتن بكثرة المخالفين من أهل العلم في مسائل الإيمان والكفر..ولا أستطيع أن أحدد لك أحداً من المعاصرين ولا أعني أنه لا يوجد أحد.. وإن أردت من المسموعات فعليك بالشيخين ابن باز وابن عثيمين..».

فجاءه السؤال الثاني: « شيخنا بارك الله فيكم هل نأخذ العقيدة عن من يعذر بالجهل ؟

«السلامة لا يعدلها شيء..فالنصيحة عدم الجلوس معهم مطلقاً» مع أن ابن باز وابن عثيمين ممن يقولان بالعذر بالجهل!(11).

ومن المشهور عن الحازمي أنه يكفّر الذين يعذرون بالجهل، بمن فيهم علماء الوهابية، من غير تفصيل وبلا قيد أو شرط، استناداً الى القاعدة المشهورة: من لم يكفِّر هؤلاء المسلمين الجهلة المتلبسين بالشرك الأكبر فهو كافر مثلهم، ومن شكَّ في كفرهم يلحق بهم.

ويبدو أن تكفير رجال الدين العاذرين باتت ظاهرة في السنوات الأخيرة، فقد حكم بدر الدين مناصرة الجزائري الحمّاماتي على الشيخ ربيع المدخلي بالردّة، بل وتكفير من أثنى عليه من العلماء. وكتب الحمّاماتي في (الصواعق المحرقة على الجهمية المعاصرة):

« لازلنا نرى التنزيل المخالف للتأصيل، حيث علمنا أنّ الشّاك في كفر الكافر هو كافر بالإجماع، بل هذا هو النّاقض الثالث المجمع عليه، الذي ذكره محمّد بن عبد الوهّاب، و مع ذلك نجد الكثير من أهل العلم يؤصّلون وينزلون نظرياً، وعند إسقاط الحكم على العين تتغيّر الفتوى، لهذا لم يكن لكلامهم صدى إلا من رحم الله، وخاصّة إذا كان الحكم يتعلق بعالم قد ظهرت ردّته جلياً لكل صاحب بصر قبل صاحب بصيرة، فمن هؤلاء ربيع المدخلي». وسبب ذلك أنه «يعذر الجاهل ويثبت له الإسلام في الأمور المعلومة من الدّين بالضّرورة، و هذا مخالف للإجماع، لأنّه لم يحقّق الكفر بالطاغوت، بل هو يدّعي أنّ هناك خلافاً موجود بين أهل العلم..».

وقد عارض المدخلي وأتباعه في اعتماد قاعدة «من لم يكفر الكافر أو شك في كفره فهو كافر» على المسلمين، إنما هي في الكفار الأصليين. ويرى بأن إقامة الحجة على الجاهل أو مختل العقيدة لا حجية لها وإن الأصل هو تكفير المشرك ابتداءً(12).

 
ابو مهند التونسي.. تلميذ الحازمي واحد منظّري التكفير والعنف

الشيخ ابن باز، والشيخ عبد الله الجربوع، والشيخ ابن عثيمين، قالوا بشرطية إقامة الحجة في العاذر الذي وقع منه شيء من الشرك لجهله. الحازمي حين سئل عن أن القول بتكفير من لم يكفر العاذر بجهله فيه مخالفة لبعض العلماء مثل ابن باز وابن عثيمين، قال: أولاً: المعارضة تكون بدليل من كتاب أو سنة لا بأقوال الرجال!، وهذا المنهج البدعي قد كثر في الآونة الأخيرة، وثانياً: اتفقنا في وقوعه في الأكبر والحمد لله، فالعاذر قد قام به الكفر الأكبر الناقل عن الملة، وهذا اتفاق في جوهر المسألة؛ أنَّ من لم يكفِّر المشركين فهو كافر، وإنما الخلاف معهم في مسألة أخرى: هل يشترط قيام الحجة أم لا؟ والأصل هو عدم التقييد بإقامة الحجة، فالذي يقيد تنزيل الحكم بإقامة الحجة يأتي بالدليل..»(13).

ومن أتباع الحازمي، أبو مريم عبد الرحمن بن طلاع بن مخلف، وله رسالة بعنوان (عدم العذر بالجهل في أصول الدين) وهي تعليقات على رسالة (السيوف القاطعة)، وقال في ص6 بكفر من وقع في الشرك، إذ لا ينفع معه لا جهل ولا تأويل ولا إكراه(14).

غلو الحازمي في التكفير، واجه نقداً من داخل «السلفية الجهادية». وفي قراءة نقدية قدّمها أحد شرعيي (القاعدة) ويدعى أبو عبد الرحمن التونسي بعنوان (تدرجات الحازمي في الغلو في التكفير وأسباب انحرافه) يقدّم له: «فهذا بيان موجز لانحرافات أحمد بن عمر الحازمي التي ترجع إلى غلوه في التبديع وغلوه في التكفير، وما لجذوره الحدّادية المدخلية الجامية من رواسب على أقواله الحاضرة». يعترف له بمهارته في عرض المسائل وتزويقه لها، وقدرته على الاقناع، والتحاق أنصار من الشباب به.

يرجع التونسي جذور الحازمي الى شهادة محمد بن عمر بازمول، عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى، التي تخرّج الحازمي فيها. الشيخ بازمول وكان من لدّات الحازمي وبينهما صحبة مدة عشرين عاماً، يقول عن الحازمي بأنه من أتباع محمود الحدّاد المصري، وكان معروفاً بتطرّفه في تبديع الآخرين، وأن الحازمي كان يكيل الثناء على المحسوبين على الحداد(15).

يقف بازمول على طرفي نقيض مع الحازمي، وله كتاب في ضوابط التكفير، خصّص للموقوفين من قبل وزارة الداخلية السعودية. في ص 14 ومابعدها يشدّد على أن التكفير حق لله تعالى ولرسوله. وكانت الداخلية قد استعانت بمشايخ الصحوة والدعاة الوهابيين عموماً المقرّبين منها للدخول في برنامج المناصحة مع العناصر الذين كانوا اتباعاً لهم في وقت سابق ثم تبنوا «تكفير» الدولة السعودية، فأرادتهم الداخلية مناصحة هؤلاء بعدم تكفيرها.

في سياق الرد على المكفّرين بالذنوب ومن بينهم الحازمي يقول بازمويل «وإن الذي عندنا في هذا الباب كله: أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيماناً، ولا توجب كفراً، وإنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله، واشترطه عليهم في مواضع من كتابه»، وعليه، لا يكفر مسلماً بفعل فعل مخالف للإيمان والاسلام بل يقول عنه إنه مسلم فاسق، أو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن فاسق، ولا يزول عنه صفة الاسلام أو الايمان. يتبنى بازمول الرأي السلفي في موانع التكفير: الجهل، التأويل، الخطأ، الإكراه(16). وله رأي في طاعة ولي الأمر «وإن كان فاسقا ظالما جائراً فإن أراد تحقيق طاعة وخير ساعدناه عليه مع تقديم النصيحة سرا والمشورة في خاصة نفسه»(17).

على أية حال، فإن الحازمي لم يواجه ضغوطاً رسمية أو حتى أهلية في تونس حين كان يعمل على نشر تصوّراته العقدية المتطرّفة، على الأقل خلال عامي 2011 ـ2012. عليه، يمكن أن نفهم زيادة عدد التونسيين في صفوف «داعش»، مقارنة حتى بأعداد السعوديين، الذين احتلوا المرتبة الثانية في قائمة المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم. ويمكن الآن أن نفهم السبب الرئيس في ذلك وهو أن أبواب تونس كانت مشرعة أمام دعاة السلفية الجهادية ومشايخ الصحوة بعد انتصار الثورة التونسية.

دخل في البداية مشايخ المراجعات من أمثال أبو حفص المغربي، أحد مشايخ التيار السلفي الجهادي، والذي تمّ اعتقاله وإدانته وفق قانون الإرهاب سنة 2003 عقب تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003، قبل أن يستفيد من عفو ملكي ويغادر السجن سنة 2012. وقد تراجع عن أفكاره القاعدية المتطرّفة، وراح يحاضر في الاصلاح السياسي، وضرورة إدماج الشباب في الدولة عبر مشروع اصلاحي اقتصادي واجتماعي وسياسي(18).

 
ابو جعفر الحطاب، رئيس جهاز قضاء داعش،
وتلميذ الحازمي، كفر داعش فكفرته وأعدمته!

وجاء معه محمد الفزازي الذي دخل السجن في 2003، وصنّف الكثير من المؤلفات المحسوبة على السلفية الجهادية وكان أحد منظّريها قبل أن يتراجع في مرحلة السجن، وكذلك أبو بصير الطرطوسي وكان يحذر من تيار «القاعدة» المتمثل في أنصار الشريعة..

ثم لحقهم مشايخ الصحوة من أمثال سعد البريك، وعائض القرني، وتشجيع الشباب للمشاركة في الانتخابات، وباءت المحاولة بالفشل، وجاء بعدهم مجموعة من المشايخ المعروفين بالمواقف المتشدّدة من أمثال الشيخ وجدي غنيم، والشيخ نبيل العوضي، والشيخ محمد العريفي، ومحمد حسان وغيرهم. وكانت تقتصر نشاطاتهم على خطب دينية شعبية ليس فيها ما يمكن وصفه بـ «توجيهات حزبية» أو «تحريض» على الانخراط في أعمال عسكرية ضد الدولة أو الاجانب.

كل جولات الدعاة لم تحقق نتيجة عملية، ما عدا الجولات الدعوية التي قام بها الحازمي، والتي بلغت خمس مرات، في كل مرة يبقى اسبوعين ينظّم خلالها الدورات التأصيلية في العاصمة ومدن أخرى، والى جانب دروسه في النحو والمنطق، كان يركّز على مسائل الاعتقاد وفق الفهم الوهابي، وما تنطوي عليه من أحكام الكفر والشرك، الذي تسبب في ارتفاع منسوب الغلو في صفوف تيار السلفية الجهادية، حتى حدث انقسام في داخله بين مغالٍ ومن هو أشد غلواً.

وقد لفت رئيس الرابطة التونسية للعلماء والدعاء بشير بن حسن في 12 مايو 2013 أن «الكثير ممن ينتسبون إلى السلفية ليسوا سلفيين، وإنما هم تكفيريون على منهج التكفير ومنهج القاعدة وفيهم من بدأ الصلاة وإلتحى بعد 14 يناير»، إشارة الى اليوم الذي انتصرت فيه الثورة التونسية(19). ولأتباع الحازمي في تونس موقف عقدي من عموم المسلمين إذ يرون في أكثرهم الكفر(20).

الحازمية وداعش.. التحالف والنهاية الدموية

يمكن القول بأن الشيخ الحازمي هو من ضخ الدماء في جسد «داعش»، منذ أن بدأ في تنظيم الدورات الشرعية في تونس في الربع الأخير من العام 2011. وقد تحوّل تلامذته الى قضاة شرعيين في «داعش»، كما شكّل أنصاره فصائل مسلّحة تقاتل في صفوف التنظيم. وحين ضاقت عليهم الأرض في بلدانهم، كانت أذرع «داعش» ممتدة لهم لاستيعابهم ضمن كتلتها التنظيمية، ومؤسساتها الشرعية والقضائية، وأيضاً بنيتها العسكرية..

تنبهت السلطة التونسية الى أن وحشاً يكبر على أرأضيها، وقد ينقضّ في لحظة ما على الثورة والدولة معاً، وكان لابد من إجراء عاجل. حادث اقتحام السفارة الأميركية في 14 سبتمبر 2012، والذي ادى الى اعتقال عشرين شخصاً ينتمون الى التيار السلفي، كان بداية فصل جديد في التعامل مع هذا التيار الذي بدأ يتحوّل الى حاضنة لتنظيمات السلفية الجهادية (القاعدة وداعش..). وبرغم من الأحكام المخفّفة التي صدرت بحق المعتقلين، الذي أزعج الجانب الأميركي، فإن رموز التيار السلفي خضعوا لعمليات مراقبة مشدّدة من السلطات التونسية، ولا سيما أمير تنظيم أنصار الشريعة أبو عياض المقرّب من الحازمي، مع مساعديه.

وفي 17 مايو 2013، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن قرارها بمنع تنظيم أنصار الشريعة من عقد مؤتمره الثالث بمدينة القيروان في 19 مايو من العام نفسه. وقال بيان الوزارة:»تقرر منع انعقاد هذا الملتقى وذلك لما يمثله من خرق للقوانين وتهديد للسلامة والنظام العام، وإنّ كل من يتعمد التطاول على الدولة وأجهزتها أو يسعى إلى بث الفوضى وزعزعة الاستقرار أو يعمد إلى التحريض على العنف والكراهية سيتحمل مسؤوليته كاملة». وقال قيادي في التنظيم: «إن قوات الأمن تقوم بمنع منتسبي التيار السلفي الجهادي وأنصاره في تونس العاصمة ومدينة سوسة على الساحل الشرقي من الدخول إلى مدينة القيروان..»(21).

 
شرعي داعشي.. البحريني تركي بن علي، وتنسب اليه فرقة (البنعلية)!

زعيم التنظيم سيف الله بن حسين، المعروف بإسم «أبو عياض»، وجه رسالة قبل أيام من موعد الملتقى نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وصف فيها حكّام تونس بـ «الطواغيت المتسربلين بسربال الإسلام والإسلام منهم براء»، في إشارة واضحة إلى حركة النهضة التي كانت تقود الإئتلاف الحاكم. وأنذر أبو عياش في خطابه لحكام تونس «أنكم تستعجلون المعركة». وقال «أذكركم أن شبابنا الذي أظهر من البطولات في الذود على الإسلام في أفغان والشيشان والبوسنة والعراق والصومال والشام لن يتوانى أبدا في التضحية من أجل دينه في أرض القيروان»(22).

نقل أنصار الحازمي معتقداتهم المتطرّفة معهم الى «داعش» فزادوا في طنبور التطرف نغمة أخرى. وقد تزامن قرار السلطات التونسية فرض قيود صارمة على نشاطات تنظيم «أنصار الشريعة» السلفي مع الإعلان عن «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، والتي وجد فيها أنصار الحازمي في تونس والسعودية متنفساً وفرجاً لهم، فقرروا الالتحاق بالتنظيم، وأن يكونوا العمود الفقري لجيش «الخلافة»، وهذا ما جعل من العنصرين التونسي والسعودي الأكثر تفوقاً بين الجنسيات الأجنبية في تنظيم «داعش».

بعد سيطرة «داعش» على الموصل في صيف 2014، بدأ التمايز بين تيارين داخل تنظيم «الدولة» يطفو على السطح. وبدأ تيار الحازمي يرسم لنفسه خطاً مستقلاً، إذ أخذت الفكرة المركزية الفارقة بينه وبين ما سواه تنفر الى الواجهة ولا سيما تكفير العاذر، والتي تسلّلت الى صفوف مقاتلي التنظيم، وشرعييهم.

وكان من أبرز تلامذة الحازمي أبو المهند التونسي، عضو اللجنة الشرعية في تنظيم «أنصار الشريعة» في تونس، وقد سار على خطى الحازمي في تنظيم الدورات التأصيلية، من بينها دورة في شرح الأصول الثلاثة بحلق الوادي في مايو 2012، وصار إمام مسجد وخطيباً في مسجد التقوى بالحي الأولمبي، وله خطب في تحريم الانتخابات، وتأثيم الآلية الديمقراطية، التي يرى فيها بكونها فاسدة في مقابل ربانيّة الشورى(23).

ابو المهند التونسي لم يكفّر دعاة الديمقراطية من الإسلاميين فحسب، بل طال تكفيره قادة القاعدة مثل أبو قتاة الفلسطيني، والليبيان عطية الله وأبا يحيى، وهما من قادة القاعدة، وسليمن العلوان، وزعيم القاعدة أيمن الظواهري وعمر بن مسعود الحدوشي.

ومن أتباع الحازمي، الشيخ أبو جعفر الحطّاب، عضو اللجنة الشرعية لأنصار الشريعة، والذي أصبح رئيس ديوان القضاء في «داعش»، وله رد على عمر الحدوّشي وحسن الكتاني. وكان الحدوشي قد اتهم الحطاب وأهل دعوته بالتعصب والجهل، فردّ عليه الحطاب بمحاضرة موسّعة مؤسسة على قناعة بأن أحكام الشريعة لا تطبق في بلاد المسلمين. ثم أسهب في مبحث الكفر والايمان، انطلاقاً من مفهوم السلفية للإيمان بكونه قولاً وعمل(24).

وللحطّاب رد أيضاً على الشيخ أبي عبد الرحمن القاسمي يرد فيها عليه لقوله بأن أكثر الكتب المتداولة بين المسلمين في العقائد والتفاسير والاصول وغيرها هي من مصنفات غير أهل السنة والجماعة، أي السائرين على غير منهج السلف، وأنها كتبت من أتباع الاشاعرة واالمعتزلة وغيرهم من أهل البدع، حسب قوله(25).

وكان الحطاب أول من رفع الراية نيابة عن ملهمه أحمد الحازمي، وبشّر بفكرة تكفير العاذر بالجهل، وجهر بذلك علانية وسط التنظيم، وأحدث هزّة عنيفة في الأسس العقدية لدى القواعد، وكان على قيادة «داعش» التصرّف على نحو عاجل. وبرغم من نزوعه العقدي الراديكالي، فإن «داعش» قرر إخماد فورة الحازمي داخل المناطق التي يسيطر عليها، لأن نار التكفير حين تشتعل لن تستثني أحداً، بمن فيهم قادة التنظيم نفسه، وقد شهدوا موجة تكفير قادة «القاعدة» من داخل «داعش».

وعليه قرّرت قيادة «الدولة» عقد مجالس محاجّة بين أصحاب نظرية «تكفير العاذر»، وخصومهم. اللافت، أن الحطّاب تمكّن من تحقيق اختراقات سريعة داخل اللجان الشرعية والقضائية، والعسكرية للتنظيم، ولحقه بعض التونسيين والسعوديين الذين خرجوا على أبي بكر البغدادي ونعتوه بالجهمي، لعزوفه عن تكفير الظواهري والملا عمر، وابن لادن وغيرهم.

وعلى الضد من الآلية الكلاسيكية المتفق عليها في «المناصحة بين المؤمنين»، والتي يفضّل أن تكون سريّة، فإن المناظرات بين «داعش» وخصومهم في حلبة التكفير أخذت طريقها الى العلن، والى مواقع التواصل الإجتماعي، وتحوّلت الى ما يشبه مفاضحة هابطة.

 
ابو بكر شيكاو، زعيم بوكو حرام يعلن ولاءه لداعش

في الرد على فرقة البنعلية، نسبة الى الشرعي البحريني تركي بنعلي (مفتي عام داعش وقتل في غارة في جوية أميركية في يومي 25 ـ 25 مايو 2017)، كتب أحد أنصار الحازمي باسم (طالب علم) رسالة بعنوان (إعلان النكير على فرقة البنعلي الجهمية الحمير)، يرد فيها على مقالة لأحد أتباع بنعلي، ويدعى أبو ميسرة الشامي، بعنوان (الحازمي بين كبيرة القعود وضلال الجاميّة). ونقطة الخلاف الجوهرية بينهما هي «العذر بالجهل». ومن بين ما يستدل به هو موقف محمد بن عبد الوهاب من أهل زمانه، الذين كفّرهم لا لأنهم لم يصلّوا، أو يصوموا، أو يزكّوا، وإنما كانت حول «مسألة العذر بالجهل وتكفير المشركين أو من شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، وهي الناقض الثالث من نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب»، كما ذكر ذلك في رسالته :كشف الشبهات». وقد وصف صاحب الرسالة أتباع «الدولة» بالقول: «وأنتم عندنا أخبث من الجهمية الزنادقة الملاعين ..»، ووصف البنعلي بـ «الجهمي الخبيث».

وفي ختام رسالته طالب قيادة «داعش» بتوضيح عقيدتها في «التوحيد»، ووضع وسماً بعنوان: (# نطالب دولة البغدادي بالبراءة من التجهّم)؛ ليبنى على الشيء مقتضاه «حتى نعلم هل نناصرها أم نعاديها ونكفرها، فلا مجاملة عندنا ..»(26).

في رسالة أخرى كتبها أبو جعفر الشامي بعنوان: (القول الندي في كفر دولة البغدادي) يسرد فيها ما أسماها «كفريات الدولة البغدادية»، مؤكّداً منذ البداية على أن أتباع «داعش» «هم كفار مارقون لا يعلمون من الإسلام إلا اسمه..».

ينطلق صاحب الرسالة من «العذر بالشرك» ويثبّت ذلك بالقول: «من المعلوم بديننا دين الإسلام أنه لا يوجد عذر لأحد بالشرك الأكبر لا جهل، ولا خطأ، ولا تأويل، إلا الإكراه الملجأ مع طمأنينة القلب بالإيمان، ومن المعلوم أيضاً أنه من يعذر مشركاً بغير الإكراه فإنه مشرك كافر، مثل الذي لم يكره ولكن أطلّت علينا دولة البغدادي بأمر ألا وهو أن العاذر بالجهل ليس كافراً إنما هو مسلم، ليس عليه شيء ولا يثبت له شيء من أحكام الكفار، إنما هو مسلم مثلنا له ما لنا وعليه ما علينا، فأسلموا المشرك الذي لم يكفر المشركين ولم يشك في كفرهم».

وعاب الشامي على «داعش» عدم تكفيره القاعدة للسبب ذاته، «ولا يكفرون أيمن الظواهري ولا عطية الله الليبي، ولا أبو يحيى الليبي، ولا أسامة بن لادن بل يثنون عليهم». ويكفّر الشامي الظواهري لأنه لم يكفّر قادة «حماس»، ولا فرق لديه بين حماس وفتح، بل ولا فرق بين «طواغيت الإخوان في غزة وطواغيت الإخوان في مصر، فكلاهما مطبق لقوانين الكفر محارب لمن سعى لتحكيم الشرع»، حسب قوله.

وحمّل الشامي، أسامة بن لادن مسؤولية الصد عن مسائل التكفير في القاعدة، ونقل عنه قوله «اما الاخرون - أي عوام الناس - فإن ارتكبوا نواقض الاسلام فالمسألة حساسة ودقيقة.. فاتقوا الله وأمسكوا عن هذا الأمر واشغلوا أنفسكم بكثرة الذكر والدعاء). وحمل على تنظيم «داعش» لأنه أسبغى على ابن لادن مسمّى «الإمام المجدد» بينما «يصد الناس عن التكفير» ويعلّق :»الله يأمرنا بالتكفير، ويأتي مجدّدكم ويقول لا تكفّروا الناس وأمسكوا عن تكفيرهم، واشتغلوا بما لكم، فإن التكفير ليس من عملكم».

ويقول الشامي عنهم: «هؤلاء شرعيو الدولة سجنوا، لإنّهم يكفّرون العاذر، ويكفّرون القاعدة وطالبان، وقد أخرجت الدولة بيانات تنفي بها تكفير القاعدة، وتكفير الطالبان، وقالت بأنها ستعاقب كل من كفرهم..»، ونقل نص بيان «داعش» في هذا الشأن المؤرخ 1 مارس 2014 بعنوان «بيان موقف الدّولة الإسلامية من مقالة المفترين»، نفى فيه ما نقل عنه أنه يقول «بكفر الطالبان أو أمراء الجماعات الجهادية كالدّكتور الظواهري والشيخ أسامة بن لادن..». وحذّر البيان من ظهور هذه المواقف التكفيرية في أوساط مقاتله: «ولئن ثبت أنّ مجاهداً في الدّولة الإسلامية قال بها فوالله لنأخذنّ على يديه أخذاً يكون فيها عبرة لغيره ..»..

 
أبو عمر الكويتي.. داعشي منشق على الطريقة الحازمية،
وقد تم اعدامه لتكفيره ابو بكر البغدادي!

ويختم الشامي بعد سرد ما يعتقده «كفريات» داعش: «وعلى هذا وجب تكفيرها والتبرؤ منها ومفارقتها ولا يصح الإنضمام لها، ولا القتال تحت رايتها، ووجب التبرؤ منها..»(27).

وكما يظهر، فإن السجال العقدي بين الحازمي وأتباعه من جهة وبقية الأطراف داخل المجال السلفي بشقيه الجهادي والتقليدي حول «تكفير العاذر». وقد صنّف أبو جعفر الحطاب رسالة بعنوان (الكواشف الجلية على أن العذر بالجهل عقيدة الأشاعرة والجهمية).

وهناك رسائل وردود تدور حول «العذر بالجهل»، والتي تشكّل الأساس الأصيل للفصل بين الإيمان والكفر. والخلاصة التي تجمع عليها الرسائل كما تلخّصها إحدى الرسائل: «ثم صِرنا اليوم بين من يدّعي التوحيد ويعذر المشركين بالجهل والتأويل وعدم قيام الحجة وفهمها فجعل هذا العاذر الاسلام هو عبادة الله وعبادة غيره معه فجهل هذا العاذر ما علمه المشركين من أن الاسلام هو ترك عبادة غير الله و عبادة الله وحده»(28).

وقد نقم أنصار الحازمي على أبو بكر شيكاو زعيم جماعة «بوكو حرام» لمبايعته أبو بكر البغدادي وعلّلوا ذلك لقول الأخير العذر بالجهل، وحذّروه من الإنحراف عن منهج التوحيد الخالص.

حدا تنامي تيار الحازمي التكفيري داخل «الدولة» بقيادتها الى تقويض جذوره. وقد وردت أسماء «كنى» عدد من الشرعيين في «داعش» والمحسوبين على تيار الحازمي والذين تمّ اعتقالهم على خلفية تكفير قيادة التنظيم، ولأنهم يكفّرون العاذر بالجهل، وقد انشقوا عن التنظيم لهذا السبب، وهم:

1 ـ أبوجعفر الحطاب

2 ـ أبوعمر الكويتي

3 ـ أبوالبراء المدني

4 ـ أبوأمامة التونسي

5 ـ أبومقداد الليبي

6 ـ أبوقسورة التونسي

7 ـ أبوخالد الشرقي

8 ـ أبونعيم التونسي

9 ـ أبو حوراء الجزائري

10 ـ أبو مصعب التونسي

11 ـ أبو أسيد المغربي

12 ـ أبو عبد الله المغربي

 
ابو البراء التونسي انتقل من القاعدة الى داعش ثم كفرها،
وقبل ان يعتقل فجر نفسه في قيادتها!

وكان الجهاز الأمني في «داعش» اعتقل في ديسمبر 2014 خلية من المقاتلين الشيشانيين لقيامهم بالتخطيط لإنقلاب على قيادة التنظيم، واعتبارهم كفاراً بسبب أخذهم الزكاة من الشعب السوري «المشرك».

بعد مرور ستة أشهر على اعتقال مجموعة من أنصار «الحازمي» من العرب، تخللها جلسات مناظرة لثنيهم عن تبني أفكار تنطوي على الخروج على «داعش» ونقض البيعة للبغدادي، صدرت الأوامر بتنفيذ حكم الإعدام بعدد منهم.

وفي 8 مارس 2015، قال ناشطون مؤيّدون لتنظيم «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي « تويتر» إن التنظيم أعدم أحد قضاته الشرعيين، وهو أبو جعفر الحطاب» التونسي بسبب ما اعتبره التنظيم «غلواً في التكفير» عنده، وعدم عذره بالجهل. وأن قيادة التنظيم وبأوامر من أبي بكر البغدادي بدأت منذ سبتمبر 2014 مرحلة تصفية العناصر والشرعيين الذين لا يعذُرون بالجهل(29).

إعدام الحطاب جاء بعد حملة اعتقالات قام بها التنظيم شملت الحطاب وعدداً من الشرعيين التوانسة المحسوبين على أحمد بن عمر الحازمي. وكان «داعش» قد أعدم أحد شرعييه وهو «أبو عمر الكويتي» بعد تكفيره للبغدادي، لعدم تكفيره لزعيم القاعدة «أيمن الظواهري».

عارض الحطاب تساهل البغدادي في عدم تكفير جبهة النصرة، والجبهة الاسلامية، وكان من الذين كفروا كل الفصائل التي خاضت قتالاً ضد تنظيم الدولة في مطلع العام 201.

وفي 19 مايو 2015 ذكرت صفحات تابعة لتنظيم «داعش» أنه أعدم أحد قضاته أبو مصعب التونسي الذي كان معتقلاً على خلفية تكفيره حركة طالبان وأسامة بن لادن، الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة»، ولاحقاً قام بتكفير البغدادي نفسه، فأمر بإعدامه بتهمة التمرد والتشدد(30).

وفي 8 فبراير 2017 أعلن عن تنفيد أحد أنصار الحازمي المدعو ابو البراء التونسي وكان يعمل في قسم تصنيع المتفجرات بتفجير نفسه بحزام نفسه وسط مجموعة من القادة الأمنيين في تنظيم «داعش» في الرقة. وبحسب تغريدة لحساب «منشق عن داعش» في 8 فبراير: «ابو البراء التونسي كان في التصنيع وبعد أن تبين له ان داعش جماعة خارجية مارقة حاول الفرار ولكن الامنيين طاردوه وحينها نفذ بحزامه الناسف».

وفي حساب آخر لـ (وثيمة الحفي)، جاء: أبو البراء التونسي (الحجازي ) تقبله الله نفد في قطعان الامنين لدولة البغدادي في ولاية الرقة أثناء اقتحام عل بيته تقبل الله اخونا في علين .

وجاء في حساب (البتار السخني): «قام ابو البراء التونسي الحجازي بتنفيذ عملية استشهادية بامنيي البغدادي في شارع القطار بالرقة وقتل ثلاثة وجرح آخرين».

لم يصمت تيار الحازمي على مقتل رموزه داخل «داعش»، فأصدر بياناً شديد اللهجة بعنوان «دولة الغادرين بالموحدين»، كشف فيها أسراراً عن ابو بكر البغدادي ومحاولاته المبكّرة في استدراج بيعة لدولته، وذكر من بينها محاولة طلب البيعة من أغلب فصائل الجيش الحر، ولكنها رفضت، الا القلة، عطفاً على المرجعية الدينية الغائبة لدى هذه الفصائل، وحضورها الكثيف لدى «الدولة»، وهو ما جعل بناءها يشمخ في وقت قياسي «ثم ما لبثت البيعات تتوالى وليس على مستوى الافراد بل كتائب ولكنها بغالبها مهاجرين»، الذين شكّلوا العمود الفقري في «الدولة»، حيث تبوأ مهاجرون مناصب قيادية من بينهم أبو جعفر الحطاب، وأبو مصعب التونسي، وأبو خالد الشرقي، وأبو الحوراء، ابو حسام التونسي وغيرهم الكثير.

ولفت البيان الى سبب الخلاف بين «الدولة» وبين هؤلاء، المحسوبين على «تيار الحازمي» وهو مسالة العذر بالجهل «فاصطف الفريقان وحزم كلٌ «أمره إما مع السلطة أو ضدها». إذاً، فإن مصدر الشقاق بين الفريقين هو «تكفير» الجاهل، وتكفير من يعذره. نعت تيار الحازمي تيار «داعش» بالمرجئة، وعليه انقسم الفريقان عقدياً بين أهل الجنة وأهل النار. وسخر البيان من شعار «داعش» بعد إعلان الخلافة «على منهاج النبوة»، على أساس الأوامر الصادرة «باعتقال كل من لا يعذر بالجهل في الشرك الاكبر «.

البيان ذكر خلفية إعدام عدد من أتباع «الحازمي»، بما نصّه «والله ما قتلوا الاخوة إلا لعدم عذرهم بالجهل..»، فيما اتهم «داعش» حطاب بأنه كان يطلب البيعة لنفسه والخروج عن طاعة «البغدادي» ونقض بيعته. فقتل المجموعة، بحسب البيان، كان «بدافع السياسة والحاضنة الشركية «(31).


المصادر

1 ـ أنظر:

http://www.alhazme.net

2 ـ أنظر:

https://www.youtube.com/watch?v=2Mff8Q68CRQ

3 ـ https://www.youtube.com/watch?v=VcPoZuhehjo

4 ـ http://shamela.ws/browse.php/book-36113#page-87

5 ـ رابط الكتاب على برنامج وورد:

www.alhazme.net/upload/attach_files/مفيد%20المستفيد%2046.doc

6 ـ نظر فتوى ابن عثيمين في عذر الجاهل:

https://islamqa.info/ar/111362

7 ـ الشيخ أحمد بن عمر الحازمي، الأدلة والبراهين القطعية على بطلان الفتوى التونسية، 12

/11/1434هـ ـ 17/9/2013

http://www.alhazme.net/articles.aspx?article_no=2031

8 ـ أنظر:

http://shamela.ws/browse.php/book-37630#page-51

9ـ أنظر:

http://shamela.ws/browse.php/book-37630#page-77

10 ـ منتديات الآفاق السلفية، 26 يونيو 2013، أنظر:

http://www.al-afak.com/showthread.php?t=10469

11 ـ أنظر:

https://vb.tafsir.net/tafsir37916/#.WalhniSkoms

12 ـ الصواعق المحرقة على الجهمية المعاصرة، أنظر الرابط:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1096821473736925&id=1096799327072473&substory_index=0

13 ـ أحمد الحازمي يكفِّر العلماء الذين يعذرون بالجهل ... ويوسف الزاكوري يستشكل ويتحفَّظ!، شبكة سحاب السلفية

https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topic&id=146323

14 ـ أنظر:

http://www.twhed.com/showbook-1964.html

15: حال أحمد الحازمي - الشيخان بازمول وربيع المدخلي، أنظر:

https://www.youtube.com/watch?v=UmqMummVuVE

16 محمد بن عمر بازمول، مذكرة التكفير وضوابطه، ص 19، 23، 25 أنظر الرابط:

goo.gl/E6hXW7

17: أنظر:

goo.gl/11xXk4

18 ـ ابو حفص : البؤس في المغرب وراء الالتحاق بداعش، موقع صحيفة السوسنة، 9 إبريل 2015، أنظر:

https://www.assawsana.com/portal/pages.php?newsid=212113

19ـ أنظر:

https://www.babnet.net/rttdetail-65486.asp

20 ـ رسالة في التحذير من التسلسل في التكفير

http://www.al-afak.com/showthread.php?t=11034

21 ـ تونس تمنع «أنصار الشريعة» من عقد مؤتمرها بالقيروان، موقع العربية، 17 مايو 2013، أنظر:

goo.gl/YP4k8m

22 ـ تونس: «أنصار الشريعة» يلوحون بقرب المواجهة مع «طواغيت» الحكم في البلاد، صحيفة (القدس العربي)، 14 مايو 2013، أنظر:

http://www.alquds.co.uk/?p=43713

23 ـ أنظر:

http://masejed.weebly.com/158215911576-16081583158516081587.html

24ـ الثمرالداني بالردّعلى الحدّوشي والكتّاني - للشيخ أبي جعفر الحطّاب

https://www.youtube.com/watch?v=bI25V121YF8

25 ـ الفرقان نقض تعليقات أبي عبد الرحمان - للشيخ أبي جعفر الحطّاب

https://www.youtube.com/watch?v=oua-cLXUHak

26ـ إعلان النكير على فرقة البنعلي الجهمية الحمير، أنظر الرابط:

https://justpaste.it/gku1

27 ـ أبو جعفر الشامي، القول الندي في كفر دولة البغدادي، أنظر:

https://justpaste.it/ktcc

28 ـ يمكن مراجعة بعض الرسائل على الرابط التالي:

http://mesbeh.blogspot.co.uk/2016/08/blog-post_64.html

29 ـ مؤيد باجس، تنظيم الدولة يعدم أحد قضاته الشرعيين لـ(غلوه في التكفير)، عربي21، 08 مارس 2015، أنظر:

goo.gl/UrziFn

30 ـ بعد أن كفّر البغدادي :داعش يعدم أحد عناصره «ابو مصعب التونسي» بتهمة التشدّد والتكفير!!، موقع (الحصاد.. تونس الآن)، 19 مايو 2015، أنظر:

goo.gl/yri6Ws

31 ـ دولة الغادرين بالموحدين، أنظر:

https://justpaste.it/12ei8

الصفحة السابقة