الدكتور سلمان آل سعود!

محمد شمس

 

وأخيراً.. أول ملك سعودي في موسكو!

عامان والملك سلمان يتجاهل دعوة بوتين لزيارتها، رغم أن الأخير زار الرياض.

كالعادة جاءت الرياض متأخرة، وتحت ضغط الهزيمة السياسية على الصعيد الإقليمي، وهي تواجه لاعبين جدد في منطقة الشرق الأوسط، منتصرين في سوريا والعراق ولبنان، قد يغيرون خريطة المنطقة قريباً.

لم تكن الرياض تعير موسكو أهمية، الى أن صحت على حضور روسي مكثّف، ورأت بأم عينها كيف ان الدول الاقليمية ـ وأكثرها ضمن الحلف الأمريكي ـ تتسابق للتنسيق مع بوتين: الأردن، مصر، وحتى الكيان الصهيوني نفسه.

روسيا ليست خياراً سعودياً. هذا أمرٌ مفروغ منه.

والأمراء السعوديون كانوا على الدوام ينظرون باستعلائية الى روسيا، ويشعرون بالإكتفاء والإمتلاء من أنهم يتحالفون مع (الغرب) القوي والمتطور. وطالما تفاخر الأمراء بأنهم كانوا أداة قوية في تفكيك الإتحاد السوفياتي، وقد جرّبوا مراراً التعاطي عملياً مع روسيا كدولة ضعيفة وفقيرة يمكن ابتزازها، بل يمكن شراء مواقفها. جرّبوا هذا في عهد غورباتشيف بشأن الحرب على العراق لتحرير الكويت، ووعدوه بأربعة مليارات لم يعطوه سنتاً واحداً منها. وجرّبوا ذلك مرة أخرى مع بوتين في عهد الملك عبدالله، وفي عهد سلمان، محاولين تغيير موقف الروس من ايران ومن سوريا، عبر عروض مالية وصفقات قدمها بندر بن سلطان وغيره، ولكن ذلك لم يحدث.

لكن الرياض، متأثرة سلباً بتصاعد دور روسيا الإقليمي، صارت بحاجة اليها، وبات عليها تغيير موقفها وطريقة تعاملها لفائدة ترجوها أو ضرر تدفعه. على الأقل من زاوية: الحضور السعودي المتآكل حدّ النهاية في سوريا، ومن زاوية: وثاقَةْ العلاقة الروسية الإيرانية حدّ التحالف؛ ومن زاوية الحاجة الى التنسيق مع موسكو بشأن (إقلاع) أسعار النفط التي آذت الرياض أكثر مما آذت غيرها.

زيارة سلمان الى موسكو إذن، حاجة واضطرار، ومن هنا نفهم لماذا جاءت متأخرة أصلاً، كونها جاءت على غير قناعة وبدون تخطيط استراتيجي.

وتبقى الزيارة اختباراً للعلاقات السعودية الروسية. فحتى الآن لا يمكن القطع مطلقاً بإقلاع العلاقات الى آفاق بعيدة؛ وقد تكون مجرد تكتيك سعودي، كما هي زيارات سابقة لمسؤولين ذوي مستوى رفيع. ومن المؤكد إن لم تحدث زيارة الملك سلمان فرقاً هذه المرة، فإن خيبة الأمل الروسية ستتعاظم الى حدّ فقدان الثقة في الحكم السعودي برمته.

منذ اللحظات الأولى لزيارة سلمان، طغى حدث توقف المصعد الذهبي لطائرته الموشحة بالذهب هي أيضاً، فاضطر الملك العجوز للنزول على قدميه؛ فأضحى خبر تعطّل المصعد الخبر اللافت الذي لاحق الزيارة؛ ما اضطر موسكو للتوضيح بأن المصعد جيء به من الرياض! وبالتالي فهي لا تتحمل المسؤولية.

الحدث الآخر، أن من استقبل سلمان في المطار هو نائب رئيس الحكومة، السفير السابق، ديمتري روزغين، واعتبر البعض ذلك انتقاصاً لسلمان، وهو ليس كذلك، فالبروتوكول الروسي يفرض استقبال الرئيس لضيوفه في الكرملين. وقد حاول معلقون قطريون السخرية بحفل الاستقبال في المطار وبتوقف المصعد وإظهار أن هيبة السعودية الدولية انحدرت الى أبعد الحدود. وقد استفزّ هذا بعض المعلقين السعوديين الى حد أن أحدهم قال: (الزّبّال بوتين، يِبِيْ له عاصفة حزم، على استقباله الفاشل لابو فهد. تالله لو أعلنها ابو فهد حرباً على الروس، أننا نصلّي الفجر بُكْرَةْ في قلب موسكو)!

وفيما ركز الاعلام السعودي على الصور الدعائية للملك سلمان وزيارته في شوارع موسكو، والتي هي اعلانات مدفوعة الثمن سعودياً؛ وكذلك على صور تظهر احترام بوتين لسلمان، وكيف انه كان يصب له الشاي.. لا مانع من مشاجرة ومناكفة قطر كما قال أحدهم: (الملك سلمان نعمة. رجل يرفع الرأس. تخيّل لو يحكمك واحد اذا عارضته بكلمة سحب جنسيتك) في اشارة الى امير قطر. رد قطري: (إذا عارضته ـ أي الملك سلمان ـ بتنسحب روحك في السجن) وليس فقط الجنسية.

من جهة أخرى، اهتمت الصحف الأجنبية الغربية والعربية، كما المعلقون على مواقع التواصل الاجتماعي، بحاشية الملك، فقد اصطحب معه الفاً وخمسمائة شخص، ومائةً وخمسين طبّاخاً، وقرابة طنّ من الطعام حتى لا يجوع، هذا غير السيارات والأثاث والهدايا التقشفية الأخرى! والغريب انه رغم وجود الطباخين، فإن وجبات أخرى كانت تُنقل يومياً من الرياض لموسكو بالطائرات!

أما تعليقات المواطنين حول محتوى الزيارة فكان قليلاً؛ فقد كان يهم الكثير منهم الشكل، وكأنهم يعلمون النتائج: ادفع مالاً او اشتر سلاحاً. سلمان الدوسري، رئيس تحرير الشرق الأوسط، رأى ان الرياض خرجت من زاوية التحالفات الضيقة، ويقصد التحالفات الحصرية مع الغرب، وكأن زيارة أولى انتجت تحالفاً استراتيجياً! ولتبرير شراء السلاح، تكررت جملة (توطين الانفاق العسكري)؛ او توطين التقنية العسكرية؛ في حين ان ما يجري مجرد بائع (ذكي) ومشتري (غَشِيْمْ).

العسكري المتقاعد إبراهيم آل مرعي، زعم ان روسيا تريد مالاً سعودياً فهذا هو غايتها من الزيارة، وهو مخطئ قطعاً؛ وفي المقابل فإن ما تريده الرياض هو حفظ أمنها الاقليمي. واستبشر آل مرعي بصفقة التسليح التي جرى التفاهم عليها (صواريخ اس ٤٠٠) وكذلك صفقة ثاد الأمريكية، وعاد فنقَّ على موضوع (توطين التقنية).

الحدث الذي حاز اهتمام الاعلام الرسمي كما المهتمين على مواقع التواصل الاجتماعي، هو منح الملك سلمان شهادة دكتوراة فخرية من جامعة موسكوبية؛ وتعليق الملك سلمان على ذلك بقوله: (أنا الآن الدكتور سلمان)!

الملك الذي حاز نحو ١٤ شهادة دكتوراة فخرية، عددها الجمهور الموالي مبتهجاً، مع ان ملكهم لم ينه دراسة الإبتدائية. وبدأت جوقة الطبالين تشهد للقائد العظيم وتثني على ألقابه. أربعة هاشتاقات كانت بمناسبة الدكتوراة، تقول ان لقب الدكتور لم يضف شيئاً لسلمان، بل العكس؛ وان الملك يستحق جائزة نوبل، لأنه غير مجرى التاريخ. والطريف هو هاشتاق (الدكاتر، او الدكاترة سلمان)؛ فالطبّال لا يفهم قيمة الدكتوراة، والملك يختزل مجموعة من العلوم والفنون ودكتوراة واحدة لا تكفيه. وانشد فواز اللعبون، مادحاً:

تباهى بحرف الدالِ مُفتخرٌ

يوماً فأنتَ بكَ الدالاتُ تفتخرُ

الدكتوراة الفخرية تشبه قصائد المديح التي يلقيها الشعراء وهي لا تكلف شيئاً غير قيمة (الإطار) الذي توضع فيه. وقبل ايام من حصول سلمان على الدكتوراة في موسكو، كان ابنه محمد بن سلمان قد حصل على شهادة فخرية مماثلة من جامعة الامام في الرياض والتي تخرج وعّاظ ومتطرفي الوهابية؛ وهكذا صار الداشر دكتوراً ابن دكتور، كما سخر احدهم.

الصفحة السابقة