وأخيراً.. سقطت أسوار الوهابية

المرأة تقود سيارتها في السعودية!

خالد شبكشي

إقرار حق قيادة المرأة السعودية للسيارة، حدث كبير، ربما هو حدث تاريخي رغم صغر حجمه، لكنه ينبيء بتغييرات جذرية في أيديولوجيا الدولة ووجهتها، وإن لم يتوقع منه تغييراً في الجانب السياسي.

لقد أحدث الأمر الملكي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، تغييراً دراماتيكياً على الصعيد الاجتماعي، وفي المناخ العام للدولة. أحدث استرخاءً من جهة، وتحفّزاً للمزيد من جهة أخرى. لكن التيارات السلفية تعيش أحلك أيامها، وربما حدث لديها تحفّز لمقاومة مخنوقة، لم تظهر الا على شكل عنف (ربما كان داعشياً) حين قام أحدهم بهجوم على بوابات قصر السلام الملكي في جدة، في محاولة بائسة ويائسة، قد تكون مرتبطة بتحول هوية الدولة والتغييرات الجارية فيها على يد محمد بن سلمان ولي العهد تحديداً.




(1)

الدين في خدمة آل سعود

قرار قيادة المرأة للسيارة لم يكن أمراً دينياً، بل كان سياسياً بامتياز. أي أن آل سعود قرروا أخيراً إقرار حق المرأة في قيادة السيارة، واستخدموا الدين والمشايخ لتبرير ذلك، مثلما استخدموا الدين والمشايخ من قبل، في قمع هذا الحق البسيط، ونقصد حرية المرأة في سواقة السيارة.

 
سليمان الطريفي: السلطان يزعّ مشايخ الوهابية!

آل سعود هم من رفض سواقة المرأة، والمشايخ لم يكونوا سوى أدوات.

القرار السياسي حسم الموضوع هذا صحيح.

لكن دوافعه ليست جيدة.

لم يكن القرار نابعاً من نوايا حسنة، بقدر ما كان اضطراراً ودفعا لضرر ماحق عن الحكم.

القرار السياسي طوّع القرار الديني، كما هي العادة. أو لنقل بأن السياسة طوعت الدين؛ مرة ضد حقوق الناس؛ ومرة لشرعنة ما يرضي النظام.

في المنع والاباحة استخدم الدين لصالح الحكم السعودي؛ وهذا أسوأ ما في الأمر.

وبالتالي، وبناء على شحطة قلم الملك، ثبت للجميع ان المشايخ لا قيمة لهم ولا لفتياهم. وإذن فلا يلومنّ أحدٌ مشايخ الوهابية في المنع سابقاً، وفي القبول لاحقاً، حتى لو قال النظام انه استشارهم وان (أغلبية) هيئة كبار العلماء أيدوا، وأن (سدّ الذرائع) أُسيء استخدامه، في ضربة ملكية تحت الحزام لمشايخ المؤسسة الرسمية.

خالد الدخيل، الاكاديمي والكاتب في صحيفة الحياة، وهو من ضمن حزب الموالاة، قال ان صدور الأمر بقيادة السيارة (يلغي فكرة شاعت، بأن هذا الأمر كان يعود للمجتمع. الأمر تشريعي، ولم يكن ممكنا إلا للدولة مزاولته). والاعلامي صالح الفهيد رأى أن مقولة ( قرار قيادة المرأة بيد المجتمع) والتي كان يرددها سعود الفيصل كثيرا، كانت مجرد تبرير للخارج (وان الهدف هو نزع الصفة الدينية عنها) اي ان القضية ليست دينية، وانما اجتماعية، وبالتالي إبعاد التهمة عن مشايخ السلطة المؤتمرين بأمر ال سعود.

هذا ازعج الموالين الآخرين، لأنه يحمل آل سعود والملك سلمان جريمة حرمان المرأة من حقها في القيادة لعقود طويلة، ولتكون المرأة الوحيدة في العالم التي لا يحق لها ممارسة حق بسيط من حقوقها.

الاعلامية السعودية الموالية أماني العجلاني، وصفت خالد الدخيل بالجهل بآلية العمل الاجتماعي، وهذا الجهل لا يعطيه حقاً أن ينام دهراً وينطق كفراً. في حين يؤكد أحمد الزهراني أن السياسة حسمت النقاش والجدل حول سواقة المرأة، موضحاً أن التغيير يأتي من فوق، اي من العائلة المالكة، ولا دخل للمشايخ او غيرهم به. اعلامي آخر هو ابراهيم البكيري، أكد على حقيقة أن القرار السياسي حسم الأمر، وشكر الملك على ذلك؛ وسلمان الدوسري رئيس تحرير الشرق الأوسط، أكد على (القرار السياسي) وربطه بـ (القائد التاريخي)؛ والأمير الوليد بن طلال ايضاً شكر الملك وابنه على القرار، الذي عبر بالمجتمع الى القرن الواحد والعشرين برأيه.

الداعية سليمان الطريفي كان أكثر وضوحاً. قال: (إن الله يزعُّ بالسلطان ما لا يزعُّ بالقرآن). في اشارة الى القرار السياسي، الذي حول تشدد المتشددين الى مؤيدين متسامحين مع القرار: (بالأمس تشتموننا وتحذرون منا وتتهموننا؟! كيف؟). المسألة واضحة حسب البلوغر خليفة المازم: قال لهم الملك أن قيادة المرأة للسيارة حرام، فقال المشايخ انها حرام، وبعد فترة قال لهم ان القيادة حلال، فقالوا حلال طبعاً ومستحب بل وواجب.

ولأن القرار سياسي، لن يغير صراخ المعترضين في القرار شيئاً. وعبدالرحمن الراشد، مدير العربية السابق، يرى أن (تدخل الملك سلمان أسقط أكبر السدود وأصعبها). اذن ما دخل المشايخ والمفتي وغيرهم؟

قرار الملك بالسماح بقيادة المرأة أشار الى أن اغلبية هيئة كبار العلماء ترى في قيادة المراة للسيارة الإباحة؛ فيرد أحدهم ممتعضاً: (أصلاً ما عاد فيه أعضاء هيئة كبار علماء ولا حتى مشايخ، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر). وكما أن المشايخ لم يكن لهم قرار في اقرار حق قيادة المرأة للسيارة، كذلك مجلس الشورى، حتى أن البعض تساءل: لماذا لم يأمر الملك مجلس الشورى باتخاذ القرار، على الأقل لتفادي السخط الناجم عنه، ولإشعار المجلس والشعب بأن اعضاء الشورى لازال لهم قيمة البصم؟!

 
سليمان الطريفي: السلطان يزعّ مشايخ الوهابية!

كلا.. الملك وابنه يريدان نسبة المنجز لأنفسهما بدون شراكة، وحتى المشايخ وضعوا للتبرير الديني. وبديهي ما كان الملك ليريد ان يصدر القرار من مجلس الشورى، لذات الغاية.

الآن وقد علم الجميع بأن (الفتاوى تغيّرت من أجل الحاكم) من الحرام الى الحلال؛ وأن مشايخ الوهابية على دين ملوكهم، كما كثير من الشعب أيضاً.. هناك مشايخ معترضون صدموا بقرار اباحة قيادة المرأة للسيارة، ليس في أصل القرار، بل في تقبل الشعب له وانطلاق نساء الى الشوارع فور سماعهن الخبر وهنّ يقدن سيارتهن، مع ان القرار الرسمي يقول بأن بداية السواقة ستكون بعد نحو عشرة اشهر.

من جانبه، فتش الاكاديمي السابق حمزة قبلان، فرأى ان كل مبرر المشايخ في رفض قيادة المرأة للسيارة ـ وكما اوضح الأمر السامي ـ يكمن في استنادهم على مبدأ (سد الذرائع)؛ واعتبر مجرد ذكر هذا: شفافية وانجازاً عظيماً يُحتفى به. فهل اكتشف سلمان وابنه ان حرمان المرأة لعقود من حق قيادة السيارة كان مبنياً على أمر هش ام هو الاستغلال؟ لماذا يتم مهاجمة قاعدة سد الذرائع حين اصبحت لا تلائم مصلحة الأمراء؟ حتى أن أحدهم تفاخر فقال: (سد الذرائع هُدمَ على رؤوس المتطرفين(!.

(الآن اصبح قرار الملك عظيماً وتاريخياً) تستغرب الناشطة هالة الدوسري، وماذا عن قرار المنع الأوّلي؟ وهؤلاء المشايخ الذين أيدوا القرار وبدلوا رأيهم وفتاواهم هل كان عن وعي، أم كانوا يذهبون مذهب الحاكم ورأيه؟ وكما يقول المعارض عماد الحواس، انه استفاد من القرار ان فتاوى المشايخ ضد الحقوق مصيرها مزابل التاريخ على يد الحاكم نفسه!

الحقوقي مالك السعيد استفزّه التلاعب بالدين: (سبحان الله، ما أسرع ما صارت قيادة المرأة حلالاً؟ ألم يحن أن نعي حجم التلاعب باسم الدين؟).

ألم تصدر هيئة كبار العلماء فتوى بعدم جواز قيادة النساء للسيارات، ووجوب معاقبة من تقود سيارتها بمعاقبة مناسبة (يتحقق بها الزجر، ومنع بوادر الشرّ، لما ورد من أدلة شرعية) حسب قولهم؟

ألم يأمر سلمان، أمير الرياض يومها، بقمع الدعوات والمطالبات بحق القيادة في الجامعات السعودية؟ الم يسوّغ النظام عام ١٩٩٠ اتهام النساء المطالبات بسواقة السيارة بأنهن ساقطات داعيات الى الرذيلة والفساد في الأرض، وشهّر بهن؟ هذا الفكر الطالباني وعصر الظلام، من كان يحميه قبل صدور الامر الأخير، غير الأمراء أنفسهم، الذين يريدون ان يظهروا لنا بطولة وعنتريات بعد ان استنفذوا اغراضهم السابقة وتحولوا الى أغراض أخرى؟

ثم أليس أعضاء مجلس الشورى معيّنون جميعاً من آل سعود، وكذلك اعضاء هيئة كبار العلماء، الذين أبلغوا اعضاء الشورى في تقرير قبل ست سنوات، بأن قيادة المرأة للسيارة تسهم في نشر الدعارة وغيرها؟




(2)

‫من هو بطل التغيير؟‬‬

المستفيد من قرار قيادة المرأة معلوم: الحكومة ومحمد بن سلمان تحديدا، اضافة الى المرأة والمجتمع عامة. فوائد قيادة المرأة لا يشك فيها، واستراداد الحقوق في حدها الأدنى، ولو متأخراً، سيستفيد منه الجميع، اقتصادا وانفتاحاً ونفسياً حتى.

لكن المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، انشغلوا في الاجابة على سؤال لم يطرحه سواهم وهو: من هو بطل التغيير؟ لمن يعود الفضل في قرار قيادة المرأة للسيارة؟ هل هو محمد بن سلمان وأبوه، وهما من أصدر قرار الاذن بالسواقة للمرأة؟ أم هنّ مناضلات ٦ نوفمبر ١٩٩٠ اللاتي بدأن اول محاولة للقيادة؟ ام هنّ المناضلات من الأجيال النسوية الجديدة؟

اعلاميو الحكومة ودبابيسها نسبوا المنجز الى الملك وابنه، ليظهرا كبطلي اصلاح، وهما اللذان وضعا النساء في السجون لأنهن قدن سياراتهن، بل وصادرا سياراتهن ايضاً.

 
هالة الدوسري: نصر تحقق بجهود المرأة

هؤلاء انزعجوا من نسبة المنجز الى غير الملك وابنه، لأن ذلك يعني انهما أُجبرا على القرار تحت الضغط الشعبي، ولأن ذلك يعني بأن المزيد من الحراك يعني المزيد من الحقوق والتنازل من قبل الملك وابنه.

لهذا كان هناك جدل وشتم وتهديد من اعلاميي الحكومة لمن يقول ان بطل التغيير هن النساء أنفسهن اللاتي ناضلن لسنوات من اجل هذا الحق ودفعن الثمن.

وبالطبع هناك من حاول الجمع بين قرار الملك، واستجابته للضغوط الشعبية، النسوية بالذات.

في نوفمبر ١٩٩٠ كانت محاولة اولى للاحتجاج، حيث بادرت ٤٧ امرأة في الرياض بسواقة السيارة، فاعتقلن، وفصلن من اعمالهن بأمر آل سعود، وكتب التيار المتطرف منشورات ضدهن تتهمن في أعراضهن.

يبارك عبدالرحمن الخميس للنسوة الأوائل قرار إجازة المرأة بالسياقة (الساقطات سابقاً هن ابطال اليوم. إذا نساكم البعض، فالتاريخ لن ينساكم). والمغرد المشهور لويس غرم الله تذكر الماجدات المتظاهرات في 1990 وقال: (لم تتصور أكثرهن تشاؤما ان الأمر سيستغرق ٢٨ عاماً)، كذلك حيّتهن الكاتبة والناشطة خلود الفهد؛ ورأت الناشطة منال الشريف يوم إقرار حق السواقة بمثابة (رد اعتبار لكل امرأة من نساء ١٩٩٠ حتى اللحظة)، وطالبت بتسمية مدارس تعليم قيادة النساء بأسمائهن. أما عبدالله المقحم فيتألم ويذكر بأن احدى المشاركات في سواقة السيارة في ١٩٩٠ مات والدها وهو لم يكلمها بسبب تأليب المشايخ عليها، واضاف موجها كلامه للمشايخ انفسهم: (حتى وإن سامحن ظلمكم، فالتاريخ لن يسامحكم).

كذلك، وبمناسبة صدور الموافقة بقيادة المرأة للسيارة، تذكرهن الصحفي خلف الحربي الذي وجه تحية لهن، حيث واجهن أشرس وأبشع وأقذر الحملات المتعصبة، حسب قوله. وهنا اعترض عليه مخبر رسمي بكلام وقح، واعتبر ذلك تحريضاً على ولي الأمر، وهدده في معاشه وراتبه، مشيراً الى ان مصيره سيكون مثل جمال خاشقجي الذي ولّى هارباً! ووصف المخبر ـ ابراهيم العيسى ـ النسوة الناشطات بأنهن بلا حياء ولا حشمة، ثم من أنت؟! وهدد مخبر آخر الصحفي خلف الحربي: (لا تصنع يا خلف بطولات وهمية لشريحة خالفت ولاة الأمر).

من جانبه، بارك الصحفي المتميز خالد الوابل لنسوة ٦ نوفمبر ١٩٩٠ بشكل خاص، صدور قرار الموافقة على سواقة المرأة للسيارة. أيضاً رد عليه مخبر متمنياً أن لو كان وزير الداخلية نايف حياً الآن لينتقم منه؛ هنا زاد الوابل: (من زمان وأنا أشكرهن). فرد مخبر ثالث ـ وما أكثر المخبرين: (اذن لكَ سوابق في التحريض على ولي الأمر، والتشجيع عليه، لذا وجبَ الحساب(!.

الصحفي سعد الدوسري، الذي ألف كتابا بعنوان السادس من نوفمبر، ومنع من البيع الى اليوم، تذكر المناضل الراحل والصحفي والمصور المتميز صالح العزّاز، الذي وثّق تظاهرة ١٩٩٠ النسوية وكان له دور في تنظيمها؛ كذلك فعل الناشط والاعلامي عقل الباهلي، الذي عاد وشمل في شكره الملك وولي عهده، خوفاً ربما.

وأثنت الناشطة تماضر اليامي على نساء ٦ نوفمبر وغيرهن، واضافت: (we did it/ لقد نجحنا)، وتمنّت تماضر استرجاع سيارتها التي صادرتها السلطة منها في ٢٠١٣، بعد ان قادتها، والتي تحلّلت الآن او تخلّلت، تقول ذلك ساخراً. ايضاً بارك ثمر المرزوقي لنسوة ١٩٩٠، والنشاطات الجديدات كمنال الشريف وعزيزة اليوسف ولجين الهذلول وغيرهن، وقال ان (الكفاح طويل، أنتم التاريخ). رد عليه مخبر: (الدولة لا يضغط عليها أحد. لم تتخذ الدولة هذه القرارات بناء على ما فعله هؤلاء). اخرى قالت ان نساء ١٩٩٠ هن سبب تأخير قرار السماح للنساء بالقيادة!؛ وأيدت هذا الرأي الكاتبة السلطوية أماني العجلاني، واصفة الناشطات بثلة من الهمج لا فضل لهن.

 
منال الشريف: هددوني بعدم الاقتراب من تويتر!

المعارض في المنفى عماد الحواس نسب فضل قرار قيادة المرأة الى الناشطات: (اخذتوها بدقّ خشوم. استمروا في نضالكن)؛ والناشط الحقوقي عادل السعيد بارك لهن انتزاع حقهن بسبب إصرارهن. لكن الامير عبدالرحمن بن مساعد يقول بأنه لا يصح تجيير القرار لصالح ناشطات، فالقرار مبني على دراسة. ردت تينا الفيّ عليه: (لولا مطالبات نساء شريفات قلن كلمة الحق حين كنتَ انت وغيرك شيطاناً أخرس، لما تحقق الحدث التاريخي اليوم).

(تكسرت قيود استبداد الحكومة تحت أقدام النساء، فالقرار انتزع من السلطة ومشايخها)، يقول المحامي الحقوقي طه الحاجي؛ والكاتب والصحفي وائل قاسم ينسب الفضل الى ولي العهد محمد بن سلمان الذي نقل المجتمع بزعمه من الظلمات الى النور؛ ودعاة حملة ٢٦ اكتوبر يتفاخرن (انتصرنا بجهودكم ونضالكم.. لن ننسَ ولن نسامح مَنْ منعنا لسنين).

هناك متسلقات كنّ يعارضن الناشطات، والآن يردن اكتساب المجد بركوب الموجة، مثل أضوى الدخيل التي علقت حين سمعت قرار السماح للمرأة بالقيادة: (الحمد لله. أبكي؟ أحس أني بحلم)؛ ردت عليها الناشطة همسة الغامدي: (متسلّقة ودموعك زيف، وبكاؤك تمثيل، لم يكن هذا مطلبك يوماً، وما قلت كلمة حق في بنات وطنك، بل كنتِ تعيشين في برجك العاجي، ورقصت على جراح المرأة السعودية). وقالت علياء البوعليان، بأن حبر توقيع القرار كان (أعمار الناشطات والنشطاء وطوفان من الشتائم والتهديدات يومياً في سبيل تحويل قضية سواقة المرأة الى قضية رأي عام).

لذا من حقهن ان يباركن لبعضهن البعض، وان تدمع أعينهن فرحاً بالانتصار؛ فقد كان يوم اقرار حقهن تاريخياً بفضلهن؛ دفعن ثمنه سجناً وتهزيئاً وسخرية ومنعا من السفر والوظيفة. وكل من ينكر دورهن في صناعة القرار جاهل او حسود، يقول ماهر موصلي. وحري بنشر اسماء المناضلات في صدر الصفحة الأولى للصحف كما قال خاشقجي، وليس اسم الملك وابنه؛ سواء انزعج الموالون جهلا او تآمراً او رضوا. بل رأى أحدهم أن من الواجب الاعتذار لكل المناضلات على تضحياتهن والأذى الذي تحملنه.

حقاً كما تقول الناشطة في المنفى موضي الجهني: (قيادة السيارة ليست مكرمة، المنع هو عار ستوصم به مملكة كراهية النساء. لن نصالح وسنواصل المطالب).

يجب ان نذكّر هنا، بأن رجال المباحث اتصلوا على كل الناشطات عشيّة اعلان القرار بسواقة المرأة للسيارة، مطالبين اياهم بالتوقف عن التغريد على مواقع التواصل، تحت طائلة التهديد. اندهشت كثيرات للطلب، وبحثن عن السبب، فوجدن ان الملك وابنه وآلتهما الدعائية، تخسر كثيراً، لأن حضور الناشطات يعني ان الفضل يعود لهن، أو على الأقل مشاركتهن في صناعة القرار، وبالتالي فإن المجد لن يذهب الى سلمان وابنه، او لن يذهب لهما كاملاً، ولذا وجب اخراس الناشطات!




(3)

(القيادة) همّ وانزاح!

قيادة المرأة ضرورة، حق من حقوقها، واجب على الدولة ان لا تعترضه. صدور قرار لا يعطي الملك ولا ابنه فضلاً. لم يقبلا به الا تحت الإضطرار. الاضطرار بسبب الضغط الداخلي، والاضطرار بسبب الفضيحة الخارجية حيث التشنيع على المملكة الداعشية، واضطرار ايضاً لحاجة اقتصادية.

 
مانشيتات الصحافة السعودية: رسالة الى الخارج!

لهذا رأينا تعليقات موالية كثيرة تقول: (هم وانزاح عنا). وليس (حقاً واسترجعناه بجهدنا) أو (حقاً استردّه أصحابه)، او ان القرار يمثل تصحيحاً لمسيرة كانت خطأ.

لم يكن يهم آل سعود وجوقتهم حقوق المرأة ولا معاناتها، وانما درء مفاسد ارغموا على إدراكها متأخرين.

كان واضحاً ان القرار، يهتم بارضاء الخارج اكثر من الداخل من النساء والرجال، وهذا ما فعله ابن الملك، الطفل هو الآخر، وابن الملك، السفير في واشنطن، خالد بن سلمان، والذي قدّم عدّة تصريحات بمجرد اعلان السماح بقيادة المرأة للسيارة.

الخارجية السعودية، من جانبها، غردت بالانجليزي في موقعها على تويتر: (العربية السعودية سمحت للمرأة بقيادة السيارة/ Saudi Arabia allows women to drive)!

الصحف السعودية فعلت ذلك بالانجليزي، كما بالعربي. والصحافة الغربية ايضاً وجدت الأمر منجزاً، وهي كانت تتمنى من الحليف الذي لا يأتي منه الا الأخبار السيئة، خبراً جيداً. لهذا كان الترحيب من اكثر من سبع وعشرين صحيفة.

المعلمي، ممثل السعودية في الأمم المتحدة، بشّر العالم من منبرها بانه قبل دقائق فقط سُمح للمرأة المسعودة أخيراً بقيادة السيارة، وصفّق لنفسه.

 
اصلاح وجه آل سعود: زف خبر قيادة المرأة للسيارة الى العالم!

فهد العرابي الحارثي، رئيس مركز اسبار السعودي، علّق: (همّ وانزاح)؛ وليس حقاً استرددناه، او رجعنا الى جادة الصواب. واضاف: (هذا الموضوع الأكثر صعوبة في تبريره، وكان عبئا ثقيلا). والاعلامي عثمان العمير، صاحب موقع ايلاف يقول: (انزاح عن صدورنا واقع بغيض، وسؤال غاية الحرج مع سخرية سوداء تواجهنا كل يوم)؛ والصحفي محمد العوين حمد الله (على اغلاق هذا الملف المزمن المزعج.. ملف استخدمه اعداؤنا للنيل منا). وعبدالعزيز القاسم كان أذكى، فقد تنفّس الصعداء باغلاق ملف (مُحرج شرعياً وقانونياً وعالمياً.. وقبل ذلك حق مشروع ردّ لأهله).

الاعلامي والمسؤول السعودي السابق في اليونسكو، ادريس الدريس ارتاح بأن برامج التوك شو لن تجد فقرة تسخر فيها على ال سعود: (سامحونا قفلنا عليكم)؛ وخالد المطرفي ـ العامل في العربية ـ يحمد الله (خرجنا من قائمة منع قيادة المرأة للسيارة). والاعلامية هيلة المشوح ارتاحت لاغلاق ملف أحرج الدولة كثيرا.

فعلتموها إذن؟ (أهلاً بكم في كوكب الأرض)، تسخر الاعلامية اليمنية منى صفوان.

او أهلا بكم في القرن الواحد والعشرين، كما علق مذيع فوكس نيوز.




(4)

رجال الدين وتأييد الملك

فجأة أيّد الجميع قرار قيادة السيارة.

 
إيمان الحمود: المشايخ لحومهم غير مسمومة، ثم من سيستمع لفتاواهم؟

المشايخ والدعاة والأمراء والمسؤولون والأفراد العاديون. والأهم المفتي وهيئة كبار العلماء.

من كان يعارض الأمر طيلة السنين الماضية إذن؟

قرار السواقة زاد من اسقاط المشايخ والمؤسسة الدينية على الصعيد الشعبي، فضلاً عن تضاؤل موقعيتهم في النظام السياسي.

اولاً لأن الملك تجاهلهم تقريباً، وثانياً لأن القرار حرض المجتمع عليهم، وثالثاً أبان جهالتهم وتناقضهم وأنهم أداة بيد السلطة يمينا او شمالا، فالحلال ما حللته، والحرام ما حرمته، ولكل موقف تبريرات.

المواطنون (طقطقوا) على المشايخ الوهابيين وسخروا منهم، ومن فتاواهم المتحجرة التي يبيعونها للنظام كلما احتاج، ويغيرونها كلما أمر وأراد.

‫ ولا ننسى هنا، فقد ‬استُغل الدين في تبرير القمع للشعب وللمرأة بالذات، والآن يستخدم الأمراء الشعب لضرب المشايخ وتطويعهم.‬

فرق كبير بين ان يحذر المفتي من قيادة المرأة للسيارة قبل أسابيع، وبين أن يبيحها بعد ذلك بفترة وجيزة ويفسح المجال للملك ان يقرر ما هي المصلحة. وفرق كبير بين فتوى هيئة كبار العلماء تقول ان قيادة المرأة تتنافى مع السلوك الاسلامي القويم والغيرة وعدم جوازها ومعاقبة فاعلها؛ وبين قولهم الجديد: (قيادة المرأة من حيث الأصل مباحة!).

هل نسينا خطابات الشيخ سعيد بن مسفر ضد سواقة المرأة واتهاماته، حتى يبرر الآن الأمر؟

عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق يقول ان قيادة السيارة من الأمور المباحة. والشيخ المصلح يقول ان رأي المشايخ متطابق مع رأي الملك ؛ وعائض القرني يتحدث عن الاباحة، وأن سواقة المرأة افضل من الاختلاء بأجنبي؛ والشيخ المغامسي يتحدث عن الاباحة والحاجة؛ وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ المنيع يكرر: الأصل هو الإباحة؛ والشيخ المسعود يقول ان قيادة المراة تتواءم مع الضوابط الشرعية؛ وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ ابن حميد رأى قيادة المرأة امر شرعي؛ والشيخ العريفي ليس لديه تحفظ في التأييد؛ كذلك عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله التركي لا يرى تعارضاً بين قيادة المرأة مع القرآن والسنة؛ والشيخ الصحوي سعد الدريهم المعارض اصبح مؤيداً؛ ورئيس ديوان المظالم ليس لديه مانع ويقول ان القرار جاء في وقته؛ ومثلهم عبداللطيف آل الشيخ، رئيس هيئات المنكر السابق، يقول ان قيادة المرأة للسيارة ليس فيها اي مخالفة شرعية.

 
كانت سيارة مفخخة، والآن سيارة محجّبة!

وهكذا اصبح الجميع مؤيدين لقيادة المرأة: (يعني معقول المعارض الوحيد كان جاري أبو سعد فقط ـ سبحان الله) يقول فاضل العجمي! وسخر قطري: الشعب كله مؤيد (أنا أشهد أن سلمانكو سنَّعْكُمْ). لهذا بدأ المواطن (يطقطق) على المشايخ، وعذرهم كساب العتيبي المعارض سابقاً والموالي حالياً، فقال: (ما ينلامون: أمس حرام، واليوم حلال. خلهم يفضفضون).

اذن ليطقطق غانم الدوسري: (المفتي بيستغني عن السائق، وبيشتري لأهله سيارة محجبة)! والاعلامية ايمان الحمود ترى أن (صورة شيوخ السلفية الى الهاوية.. من سيصدق فتاويهم بعد الآن)؛ واضافت: لم تكن لحومهم مسمومة يوماً!

والاديب عبده خال يسأل: (اين كان دين بعض المشايخ حينما وقفوا ضد قرار قيادة المرأة واتهموا كل من نادى به بأنه فاسق، فهل موافقتهم الآن تعتبر فسوقاً؟). وحين اراد الشيخ سعود الشريم ان يستخدم الدين وتطويع الآيات لتأييد قرار الملك؛ وقال: (سخر الله لعباده وسائل التنقل تكريماً لهم: "وحملناهم في البر والبحر". والعبد بوازعه وحسن قصده، سيُعان عليها فيما سُخرت له، شكراً لمسخّرها دون تجاوز). رد الشيخ عبدالعزيز الموسى: (الآن يابن شريم صارت قيادة المرأة مما سخره الله لعبادة؟ نسيت قصيدتك في هجاء الاعلاميين والمطالبين بقيادة المرأة).

المحامي والاعلامي السلطوي عبدالرحمن اللاحم، وهو يرى زخم التأييد لقيادة المرأة قال ساخراً: (ما شاء الله. وِشْ هالتسامح وهالفتاوى السّمْحَةْ اللي طلعت اليوم؟! وينهم عنّا من زمان؟). واضاف بأنه سيصاب بجلطة بعد تأييد العريفي والشنار لقرار الملك ولهول ما سمع من تأييد.




(5)

ما بعد انهيار السدّ

بعد اكثر من شهر ونصف، لازال قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، يمثل الحدث الأبرز والأهم في النقاشات العامة والخاصة، في الصحافة والإعلام الرسميين، وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

 
كم هي مملكة بائسة.. شحطة قلم من (الداشر) تقلب عاليها سافلها!

كان القرار بمثابة انهيار للسدّ، له تبعاته، التشريعية والنفسية والقانونية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية.

قرار تلو الآخر يصدر، والحكومة غير قادرة على ضبط ايقاع السرعة اللازمة لحلحة مشاكل مضى عليها عقود من الزمن، بل منذ قيام الدولة السعودية نفسها.

بعد قرار السماح للمرأة بالقيادة، وجدت السلطة انها بحاجة الى اقرار قانون مكافحة التحرّش، وهو القانون الذي كانت ترفضه هي ومشايخها، وقد طلب الملك سلمان بوضع قانون بالتحرش خلال شهرين.

قانون السماح لفتيات الجامعات باستخدام الهاتف الجوال داخل الجامعة تم اقراره، رغم سخف المنع من الأساس. وكذلك قرار السماح لهن مغادرة الجامعة دون الحاجة الى حضور ولي امرها!

السينما بدأ تدشينها والاستعدادات قائمة لفتح صالات سينما اخرى تغطي خارطة المهلكة المسعودة.

المطالبات الشعبية تتصاعد بإلغاء ولاية الرجل على المرأة، على الأقل فيما يتعلق بحق السفر الذي يجب ان لا يقيد بقرار من (الذكور(!.

استخراج وثائق السفر وغيرها للمرأة دون موافقة مسبقة من الزوج، في طريقها الى التغيير.

بنوك عديدة ألغت الأقسام النسائية لديها، وصار بالإمكان اجراء النساء والرجال معاملاتهن البنكية معاً.

وهكذا، فإننا المملكة السعودية تتغير دراماتيكياً وبصورة متسارعة جداً، أذهلت المؤيد والمعارض معاً، مع ان المعارضين اصبحوا مكتومي الأنفاس، غير قادرين حتى بالتصريح عن امتعاضهم وغضبهم، وجلّهم من مشايخ التيار السلفي ومحيط السلطة الاجتماعي.

عبثاً حاول التيار السلفي الوهابي استنهاض قواعده في هاشتاق بعنوان (الشعب يرفض قيادة المرأة)، فكان كل المشاركين فيه بأسماء مستعارة خشية الاعتقال!

تساءل المفكر محمد علي المحمود: هل الشعب المقصود هو مجموعة من المتطرفين الذين لا يتجاوز عددهم ٢ بالمائة من مجموع الشعب؟ واضاف بأن (المرأة قادمة) وان من يراها بعقل كامل سيفرح بحضورها، ومن يعتقد بأنها بربع عقل، سيموت كمداً، في اشارة الى الشيخ الحجري. واعتبر المحمود قيادة السيارة اكبر من حاجة وأعمق، هي تحرير للمرأة من قيد أشعرها بالإعاقة. ولتقريب الصورة خاطب الرجال بقوله: تخيّل قراراً صدر بمنع الرجال من قيادة السيارة لسنة واحدة، كيف ستكون حياتك؟

الشيخ الطريفي يعلم ان قرار الدفاع عن حرمان المرأة من قيادة السيارة لا علاقة له بدين ولا بعقل ولا بمنطق ولا بمصلحة، لذا يخاطب متطرفاً بقوله: (ماذا تستفيد اذا قدّمت الاسلام كعدو للحياة، ويتسبب في الضيق والحرج. يا من يحرم المباح، ويضيّق على الناس في خياراتهم: أتريد أن ينفر الناس عنه ـ اي عن الاسلام؟).

وعاد المفكر المحمود فقال ان التطرف هو الذي سبب موجة الإلحاد في البلاد، وتعجب من ان المتطرفين انفسهم يبحثون عن الأسباب وهم السبب! وقال انه ما فتيء يحذر المتشددين بأنهم سيحدثون ردة فعل تجاه الدين، خاصة بعد ان يكتشف الجميع ان ثوابتهم مجرد أقوال!

الاعلامي عبدالله العَلَمي يخاطب معارضي قيادة السيارة بأن اطلاق سراح المرأة من (صندوق مجوهراتكم حقٌ مشروع. هي لا تريد ان تكون جوهرة مكنونة من ممتلكاتهم، بل كائن حي تتنفس وتعيش بحرية مثلكم). وبخيت الزهراني، يرد على هاشتاق (الشعب يرفض قيادة المرأة) بأن (الشعب يرفض المتحجّرين ومن والاهم. اخرجوا من حياتنا ومسيرتنا).

ومادام الاعلام الرسمي حظر نشر اي معارضة او رأي مختلف لقرار الملك بقيادة السيارة، اذن لم يبق سوى الفضاء الالكتروني، فظهر هاشتاق ثان وايضاً بلا أسماء خشية الاعتقال، عنوانه: (حريم بيتي لن يقودوا). ترد احداهن: (هذاك أوّل تقرر عنها. الحين تروح وتصدر الرخصة وتشتري السيارة بدون حتى موافقتك. انتهى زمن معاملة المرأة كالممتلكات الشخصية). وسخر آخر، فقال أن تطوراً حدث في عقلية المتطرفين، فهم ينشغلون بحريمهم وبيوتهم عن الآخرين. والاعلامي ابراهيم البُعَيْز يقول بأن قيادة السيارة حق، ولكن أحداً لن يجبر من لا يريد على فعل ذلك. والصحفية أسماء الراجح لم ترَ شجاعاً يكتب باسمه في الهاشتاق؛ وزادت مخاطبة اياهم ساخرة: (صكْ على حريمك، ولا نشوفهن يوطْوِطون حولنا، واحنا نسوق، نِبِيْ نركّز في السواقة). واخرى مؤيدة لسواقة السيارة ترد: (حُرْمَتْ عيشتِكْ أنت ويّاه. بحياتي ما شفت أغبى من هالمعارضين. يرضى أخته تختلي بسوّاق، ولا يرضى أنها تختلي بنفسها. فيهْ أدْلَخْ من كِذا؟!). وخاطب ثالث معترضاً: (ان القرار ليس لحريم بيتك فقط. هذا قرار دولة فيها ثلاثين مليون).

مؤيدة سواقة اخرى سخرت بالقول: (يتوقع الجاهل بأن الناس سوف يحاسبونه اذا حريم بيته لم يقدن السيارة. عزيزي الجاهل: مَحَّدْ درى عنك وعن حريمك). ومثلها تقول: هؤلاء يعاملون المرأة كشيء من ممتلكاتهم: يوافق باسمها، ويرفض باسمها وهي ليست لها كلمة.

لم يكتف المعترضون على قرار الملك بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، فأظهروا هاشتاقاً مشابهاً عنوانه (هل ستسمح لحرمتك تسوق؟)، أجاب مؤيد: (اذا صارت زوجتي او اختي او ابنتي، البالغات، ملكاً لي.. ذاك الوقت اسألني. الى متى معاملة النساء كقاصرات عديمات الأهلية؟). وانشأ المتشددون السلفيون هاشتاقاً بعنوان: (نحن بنات سلمان لا نريد القيادة)؛ فردت مغردة بأن الطيور التي تُولدُ في القفص تعتقد بأن الحرية جريمة. وردت اخرى ساخرة وهي تخاطب الملك: (يَبون يشترون لي سيارة عشان أسوقها غصب. إلحقني يا بابا سلمان(!.

من المفارقات ان شاعر الصحوة عبدالرحمن العشماوي، كان قد أنشأ قصيدة ضد سواقة المرأة عنوانها (رسالة الى فتاة الجزيرة)؛ وتشاء الأقدار أن ابنه أسامة العشماوي، هو من قرأ أمر الملك الذي يسمح بقيادة السيارة، ولكن بعد نحو ربع قرن.

موضوع قيادة المرأة للسيارة كان سياسياً بامتياز، وإن تلطّى خلف الدين تارة، وخلف المجتمع تارة أخرى. وحين وجد آل سعود ان حرمان المرأة من قيادة السيارة لا يخدمهم، او يضرّهم بأكثر مما ينفعهم، تراجعوا مرغمين.

الدكتورة مضاوي الرشيد تقول بأن قيادة المرأة للسيارة لن تصرف الانتباه عن الحقوق المسلوبة للرجل والمرأة، وتضيف: (بدون حكومة منتخبة وتمثيل سياسي لن نستفيد). ورأت الناشطة هالة الدوسري توقيت قرار قيادة السيارة سياسيٌ بامتياز، حيث الاعتقالات وكأن القرار جاء كمقايضة سياسية لتجاوز حق الناس في التعبير.

البعد السياسي في جوهر قرار قيادة المرأة، او في توقيته، اشار اليه الاعلامي جمال خاشقجي بشيء من السخرية: (‬الحمدُ لله، لقد أزاحت الدولة كل معطّلي التنمية، الصحوة، الهيئة.. إذن لتسمح بقيادة المرأة والسينما، وتجريم العنصرية وتسمح بالتعددية فكراً وفقهاً). ورأى خاشقجي ضرورة الانتباه للأهم: (حرية التعبير، المشاركة السياسية، المراقبة والمحاسبة.. وحينها ننهض).

 
ام كلثوم وسميرة توفيق تعودان للشاشة السعودية بعد 40 عاماً من (الصحوة)!

الاعلامي القطري عبدالعزيز آل اسحق، قرّر أن اعتقالات الصحويين جاءت لتمهيد الطريق أمام قرار سواقة المرأة؛ فردت الاعلامية ايمان الحمود بأن ذلك غير صحيح، وطالبت بعدم خلط الأوراق. لكن الأوراق كلها مخلوطة يا إيمان: حرب اليمن اختلطت مع الحرب على قطر، وقبلها الصراع مع ايران، مع خلع ولي العهد ابن نايف، مع تقليص دور هيئة المنكر، مع الرؤية العمياء، مع تدمير العوامية، مع اعتقالات الصحويين وقبلها حملة الاعدامات، وهكذا! كل قضية مرتبطة بأختها، وجميعها تعود الى محمد بن سلمان وتتويجه ملكاً!

الآن وقد انهار السدّ الأول، تبقى السدود الأخرى سهلة يسيرة.

الكاتب السلطوي محمد آل الشيخ يطالب ابن سلمان الذي وصفه بأنه (رمز الحداثة والتنمية والتحضر والاصلاح) بـ (تقنين الشريعة) وهو كلام حق يراد به باطل؛ والصحفي قينان الغامدي يطالب بقرار حاسم بالغاء هيئة المنكر، وليس ضمها الى وزارة الشؤون الاسلامية، وقد كتب مقالاً في هذا. رد عليه أحدهم بأن ادعياء الليبرالية يريدون (تبديل معتقد ودين).

المطالب لا تتوقف. هناك (الغاء ولاية السفر)، حيث قالت احداهن: (نطالب بالغاء الولاية عند استخراج الجواز، وتصريح السفر وتحديد سن الرشد للأنثى والذكر)؛ والعنود التميمي ترى (للمرأة حق السفر للدراسة والعمل والسياحة بلا قيد ولا شرط ولا وصاية)؛ كما يجب تمكينها من ذلك باستخراج وثائق سفر لها ولأطفالها كما الرجل. اعترضت احداهن فقالت كذباً بأن المراة في الغرب تتمنى ان يكون لها ولياً يحرسها، وفي بلد الاسلام تتمنى المرأة المسلمة اسقاط ذلك الولي. ردّت امرأة عليها: (أحملُ وأولدُ وأُربّي واصرفُ، ثم يأتي ولدي البِزِرْ ليصرح أو لا يصرّح لي بالسفر؟!). وسألت: (ليه مو أنا اللي اصرّح له بالسفر؟ وَجَعْ!).

صحيح ما قاله المحامي ابراهيم المديميغ بأن حق قيادة السيارة متواضع لكنه يمثل منعطفاً تاريخياً.

ولأنه منعطف، لا بد أن تتبعه قرارات؛ لذا فور اقرار حق القيادة للمرأة، قفزت الناشطة عزيزة اليوسف مطالبة بتمكين المرأة كاملاً واسقاط الولاية. واحمد العواجي طالب مباشرة ـ هو وغيره ـ بوضع قانون عاجل حازم وصارم لمكافحة التحرّش. وبالفعل صدر أمر من الملك بوضع قانون لمكافحة التحرش خلال شهرين. لكن المحامي نايف آل منسي طالب ايضاً بقانون تجريم الطائفية، لأن قانون التحرش سيجرّم أفعالاً هي مجرّمةٌ أساساً، اما قانون تجريم الطائفية، فسيجرّم أفعالاً لازالت في عرفنا الاجتماعي والديني مُباحة. ودعا المحامي آل منسي الى قمع السعار الطائفي ونَتَنْ التراشق القبلي.

وظهر دعوات بعنوان (حاكموا دعاة الكراهية) حيث دعا احدهم الى مراجعة الوهابية التي يتفنن دعاتها وعلماؤهما في التكفير والتحريم؛ مضيفاً بأن لدى هؤلاء هوس وجنون في التكفير والتحريم. والكاتب وائل قاسم الذي عبر عن فرحته بأن (الوطن يُولدُ من جديد).. طالب بسرعة السماح بفتح دور للسينما (عَجلوا علينا بالذي بعده وفقكم الله)؛ واضاف بأن هيئة المنكر ستُلغى وسيتقلص المتطرفون؛ المسألة مجرد وقت.

وكان من ثمرة قيادة المرأة للسيارة أن تمّ السماح للفتيات الجامعيات باستخدام او بالأصح بإدخال الهاتف الجوال في حرم الجامعة. وظهر هاشتاق بهذا المعنى اعتبره القاسم فضيحة (يعني جامعيات وكنّا نمنعهن من استخدام الجوال؟! وسُمح لهن الآن وفرحنا بالخبر؟). هل نقول مبروك؟ أم هات الحق المتأخر اللي بعده؟ يقول آخر. ومثل ذلك هاشتاق (أم كلثوم تعود للقناة السعودية) بعد غياب نحو اربعين سنة. فهذه فضيحة ثانية يقول القاسم. في حين اكتفى المعارضون بوضع فتاوى المشايخ بشأن الموسيقى والمعازِف. وسخر مواطن فقال أن (أم كلثوم بيجيها عذاب القبر من جديد)؛ واخرى تعترض: (أسأل نفسي أقول من هي ام كلثوم؟ وِشْ سالفتها واصلة الترند؟ أحسبها مبتعثة وجايّة للبلد.. أثرها هذي، الله لا يبتلينا). وسخر احدهم: (القناة الأولى كانت تسمى غصب واحد، الحين دلع واحد).

وكانت الحكومة قد بشرتنا في كل اعلامها وصحافتها بخبر عودة ام كلثوم لشاشة التلفزيون؛ وعلق الدكتور اسعد ابو خليل بأن الحكومة السعودية سمحت ببث أغاني ام كلثوم باستثناء اغنيتها (أصبح عندي الآن بندقيّة/ الى فلسطينَ خذوني معكم). ولم تتمالك جريدة الوطن من وضع الخبر في خانة (عاجل)؛ ما أدهش المتابعين العرب، ودفع باحدهم الى النصح بعدم نشر الأمور الصغيرة لأن الشعوب الأخرى (أخذونا طقطقة) اي سخروا منا. مصري سخر فقال: (كويّس انهم مبدأوش من: طلع البدرُ علينا)؛ وآخر: (طيّب متاخدوا الموضوع من الاول كدة، وصالح عبدالحي والست منيرة المهدية).

‫وهكذا بدأ الأمر بقرار صغير، او لنقل بـ (شحطة قلم) من ابن سلمان، لكن الأمور لم تقف ولن تقف عند هذا الحد. فقد ظهر تطرف مخفي بسبب تطرف الوهابية، يدعو الى الانفتاح حدّ التحلل، ما دفع بالمحامي المعارض في المنفى اسحاق الجيزاني ليقول: (الصحراوي اذا تديّن تطرّف؛ وإذا تحرّرَ تفسّخ. لا يعرف الاعتدال كالصحراء المتطرفة).‬

لم يهدأ التيار السلفي في مناكفاته، فطالب بوضع قانون للتبرّج، مقابل قانون التحرّش الذي يرفضه لأنه بنظرهم يشرعن التبرّج.

علق احدهم ساخراً في محضر التحقيق مع نساء مخالفات: (وش قضيتك؟ كاشفة وجهي. وأنتِ؟ مْطَلْعَةْ عيوني من النقاب). اي ان موضوع التبرج مغالى فيه.

لكن هناك توقع ان المعارضة للتغيرات الاجتماعية قد تؤدي الى تقوية داعش الأصلية المحلية، وبالتالي قد تكون السعودية على موعد مع موجة عنف جديدة تضربها، لن يكون مهاجمة قصر السلام الملكي في جدة آخرها. هناك قدر من الإحباط لدى التيار السلفي، وهو يشعر بالاختناق، فبعد ان كان ملء السمع والبصر يصول ويجول بقوة الدولة وسلطان آل سعود، صار منبوذا مُحتقراً.

هدد احدهم بشكل جاد في فيديو منشور من انه سيحرق أي سيارة تسوقها امرأة اذا تعطلت او بالتعبير الشعبي (بَنْشَرَتْ). فظهر هاشتاق ضده، فتراجع معتذرا قائلاً انه مجرد (طقطقة)، يعني مزح وكلام فارغ ما يقصده. ولم يكن ليتراجع لولا ان الكثيرين طالبوا باعتقاله وتأديبه. فيما أوصت ناشطة بـ (التربية ثم التربية ثم التربية. علموهم يحترموا اخواتهم، ومستقبلا زوجاتهم وبناتهم، حتى تنقرض هالعيّنات من المجتمع).




(6)

إقفال المحلات وقت الصلاة

من تداعيات التغيير في هوية الدولة السعودية، تخفيض المنسوب الديني في حياة المجتمع، وزيادة جرعات الترفيه، واستعادة بعض من حقوق المرأة التي قُمعت باسم الاسلام والدين وسدّ الذرائع.

 
محاجّة على الطريقة السلفية!

انهيار السدّ بدأ بقيادة المرأة للسيارة، والمطالبات بالتغيير تكاثرت بأكثر مما يريد النظام نفسه ربما.

اقفال المحلات التجارية وقت الصلاة كان سمة بارزة في هوية الدولة السعودية، رغم انه لم يبدأ رسمياً إلا عام ١٤٠٧ هجرية اي عام ١٩٨٦، رغم ان المطالبات به قديمة، بل ان مفتي السعودية الأسبق محمد ابن ابراهيم آل الشيخ طالب أيضاً في عام ١٩٦١ بإيقاف السيارات عن الحركة وقت الصلاة. وسرعان ما شكّل ايقاف محلات التجارة عن العمل جزءً من الهوية الدينية للدولة والمجتمع، رغم ان اقفال المحلات وقت الصلاة لم يكن ـ كما يحب السلفيون المقارنة ـ موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الصحابة، وليس مسنداً من الناحية الفقهية والعقدية.

وقد اتجهت النقاشات الشعبية وفي وسائل الاعلام المحلية والصحافة الى الجوانب الاقتصادية والحياتية والفقهية للموضوع، ونادراً ما تطرق الى أهم قضية تتعلق به وهي (هوية الدولة والمجتمع). اذ لو لم يكن كذلك، ما أثار هذه المشكلة الكبيرة، بنظرنا.

المحامي عبدالرحمن اللاحم يقول ان اغلاق المحلات وقت الصلاة لا سند شرعي له، وانما هو مجرد عادة اكتسبت شرعية. والصحافي وحيد الغامدي، يرى لو أن الملك سعود وافق على طلب ابن ابراهيم بايقاف السيارات لأصبح اليوم من الثوابت؛ وتحدّى آخرون من يأتيهم بدليل من القرآن والسنة يأمر صراحة باقفال محلات التجارة والبيع وقت الصلاة عدا صلاة الجمعة فقط؛ والمحامي نايف آل منسي طالب بإعادة النظر في الإقفال، وكذلك في مبدأ (الهداية القسرية) للمجتمع.

المؤيدون لإقفال المحلات التجارية وقت الصلاة، حولّوا الموضوع الى مواجهة للخصوم. قال الهزاني راكان (مناظر التديّن تغيض أدعياء الليبرالية. المسألة ليست اقتصادية او اجتماعية وانما وصيّة ابليس)؛ واختصر الجدل على هذا النحو: (هل نعين المصلي على أداء مناسكه، أم نفتح وقت الصلاة لنعين تارك الصلاة على شراء بضائعه؟).

بعضهم اعتبر دعاة السماح بفتح المحلات التجارية وقت الصلاة تاركون للصلاة، وهذا ما رفضه الاعلامي سراج الغامدي، فالناس يعرفون دينهم جيداً. وخالد الشمري يقول: (اقفال المحلات وقت الصلاة ليس تركاً للصلاة وليس كفراً، فلماذا خلط المفاهيم والتضييق على البشر؟).

 
نوال الهوساوي: مع قانون يثبت حق العامل في الراحة وأداء الصلاة

قال معارضو فتح المحلات وقت الصلاة مناكفة مع خصومهم في الرأي أن (الصلاة ثقيلة على المنافقين)؛ وسأل محمد الأنصاري: (خايفين على أرزاقكم لا تطير وهي بيد الله؟ كيف وأنتم لا تستجيبون لصوت الحق). ومازن الهذلي يستنكر: (لم تسقط صلاة الجماعة عن المسلمين وهم تحت قعقعة السيوف، فشُرعت لهم صلاة الخوف، ثم يريد البعض إسقاطها لأجل ريالات)؛ وذو الميول الاخوانية ماجد الرويلي يشتم من أسماهم أدعياء الليبرالية الذين تحولوا الى رجال دين ومفتين: متى كان يهمهم قال الله وقال الرسول؟! وخاطب احدههم إبليس الرجيم: (الأمور هنا تسير على النحو الذي تريد، حيث أصبح الناس أكثر سوءً منك) أي لأنهم لا يريدون اقفال المحلات وقت الصلاة.

وانتقد كثيرون عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان لقوله بوجوب اقفال محلات التجارة وقت الصلاة، واستشهاده بالآية الكريمة في غير محلها او بغير مؤدياتها: (رجالٌ لا تُلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقامِ الصلاة)، وقالوا انه ليس بعالم أصلاً. لكن آخرين لفتوا الانتباه الى حقيقة أن اغلاق المحلات او فتحها امرٌ بسيط، مقارنة بالربا والظلم وأكل حقوق الشعب، وضياع الدين، وتمييع العقيدةً؛ فيما حاول آخرون استثناء محطات الوقود على الطرق الخارجية السريعة وكذلك الصيدليات، دون الحاجة الى اقرار هذا الحق للجميع.

الاعلامي محمد المعارك لاحظ موضوع هوية الدولة والمجتمع، وافتخر بأن السعودية هي الدولة الوحيدة التي تقفل المحلات عند سماع الأذان. ومثله آخرون رأوا ان اقفال المحلات تشعر المرء بأنه في بلد محافظ؛ وانها سنّة حميدة وليست بدعة؛ بل ان اقفال محلات التجارة وقت الصلاة هي ـ حسب أحدهم ـ أجمل حاجة في السعودية.

لكن كل هذا الجدل لا يفيد. فالقرار النهائي بيد الملك وابنه محمد ولي العهد، وهما سيحسمان القضايا مثار الجدل بالطريقة التي يريدونها، ويجدون فيها منفعة لحكم العائلة المالكة.

وفي حال تم اقرار قانون يسمح بفتح المحلات وقت الصلاة، تلفت الناشطة الحجازية نوال الهوساوي النظر الى أن اغلب العمالة في المحلات أجنبية، وملايين منها غير مسلمة، وهي تحتاج الى راحة وقت الصلاة والغذاء، وطالبت بقانون يحمي حق العامل في أداء الصلاة.




(7)

تحولات وتغييرات قادمة

 
الاعلامي محمد العثيم: المملكة تنفلت من العالم (النائم)!

تواصلاً مع التحولات الاجتماعية وتغيير هوية الدولة، وضع المعارضون لما سمي بالصحوة السلفية هاشتاقاً يؤذن بنهايتها بعد اعتقال رموزها: (المملكة تنفض غبار الماضي)، قال فيه الاعلامي عبدالله المقحم: (آن الأوان ان يرى العالم الوجه الجميل للمملكة الذي شوهته الصحوة الكاذبة) مع ان اب الصحوة هو الملك فهد، فهو الذي دفع بها ومكن رجالها لغايات سياسية. والاعلامي محمد العثيم يرى ان المملكة بدأت تنفلت من العالم النامي او النائم وأخذت بمسيرة التقدم؛ فيما أوضح الصحفي وحيد الغامدي بأن غبار الماضي لا يعني القيم والهوية والتدين، بل حقبة مزايدات عشوائية. ودعا تركي الحمد الى احداث تغيير في هيئة كبار العلماء؛ والكاتب علي الشعيبي هاجم الصحويين الذين يتحدثون عن المودة والحرمة كأنهم حملٌ وديع، وفي ابسط اختلاف يكشرون عن انيابهم يهددون ويكفرون؛ ولاحظ انهم وخطباء الجمعة لازالوا يدعون للمجاهدين في العراق وسوريا بالنصر، وسأل: ترى من يقصدون؟!

فارس بن سعود يرد: (لا رفعة الا بالإسلام وليس بالتحرر. الإلتزام بالشريعة لا يعتبره غباراً إلا خنزيرٌ نجس)؛ ورد آخر، معرضاً بأعداء الصحوة، بأن المنحلين هم من يرون ان التطور يكمن في قيادة المرأة وحفلات الاختلاط. اما الاعلامي عبدالله العلمي فسخر من الصحويين والتيار السلفي عموما فقال: (الطفلة في العاشرة من عمرها امرأة ناضجة وجاهزة للزواج، وعندما تبلغ الأربعين تصبح قاصراً وتحتاج لإذن من ولي أمرها لسفرها وعملها وعلاجها). وحذرت السلطوية نهلة العنبر من الصف الإخواسلفي الصحوي الثاني، الذي يحرك التنظيم وقد يتلبّس بلباس الوطنية.

 
الكاتبة السلطوية نهلة العنبر

وتواصل الهجوم على مشايخ الوهابية ودعاتها بمختلف توجهاتهم في هاشتاق (مواقفك من الصحوة)، قالت فيه احداهن: (هذا التاق يعطي إيحاءً بأن الصحوة كانت حقبة ورحلت، مع انه لدى دخولك أقرب مدرسة ستكتشف أنها اختطفت التعليم ولازالت تتنفس فيه). وتقول الصحفية هيلة المشوح ان الصحوة جلبت الفكر التجسسي ومارسته ضد الناس في البيوت والمدارس والجامعات والاستراحات والأعمال. تجاوبت مع الحملة اخرى فقالت ان الصحوي يحرّم الزنا ويحلل المسيار، ويحرم الأغاني ويحلل الأناشيد، ويحذّر من الإبتعاث ويرسل عياله يدرسون في الخارج. وزاد آخر: (الصحوي يحرم جميع اعمال الدولة الا التدريس، ويحرم جميع البنوك الا بنك الراجحي)!

وفي وقت أعلن وزير الخارجية عادل الجبير ان الحكومة فصلت آلافاً من أئمة المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرف؛ دافع جمال خاشقجي عن زميله المعتقل مالك الأحمد الذي كان يشاركه في غروب في الواتس أب؛ فسخر منه احدهم متحدثا على لسانه: (انا اسمي مكتوب؟)، ورد الخاشقجي: (اسمك غير مكتوب.. الجميع خايفين، كثُرٌ صامتون، الغروبات باهتة، مديرها يحذر ويذكّر بالتعليمات، البعض ينسحب بهدوء، هل هذا ما تريدون؟). وذكر موالٍ للسلطة بأن مالك الأحمد كان رئيس اللجنة التي تضع مناهج الفقه والتوحيد للمدارس. اي يجوز اعتقاله!

السلفيون الموالون قالوا ان الدولة ضد الليبراليين وضد الإخوانيين، وأن أصفى أناسٍ هم أتباع السلفية! كما يرى الامير عبدالعزيز فهد آل سعود. وظهر هاشتاق ضد الليبراليين بعنوان (شعب المملكة ينبذ الليبرالية)، حيث طالب احدهم بملاحقة رموزهم ومحاربة فكرهم وتطهير مفاصل الدولة منهم. هذا تحريض مقابل التحريض!




خلاصة
  • إقرار حق المرأة بقيادة السيارة مثل سقوطاً لـ (أسوار برلين) حسب تعبير الكاتب توفيق السيف، له تداعياته السياسية والاجتماعية والنفسية والإقتصادية وحتى الأمنية.
  • هذا الحق، مجرد خطوة في مسيرة طويلة لا يستطيع النظام إيقافها، او حتى ضبط إيقاعاتها، ما يشي بتغييرات في صلب هوية الدولة السعودية، وتحولها بشكل سريع عن أيديولوجيتها الحافظة للنظام السياسي، ونقصد بها الأيديولوجية الوهابية.
  • هذه التحولات التي وقعت والتي يتوقع ان تقع في المستقبل، قضت على ثنائية السلطة (العلماء والأمراء) فأصبحت الدولة برأس سياسي دون الديني الوهابي الذي تم اخضاعه. ولهذا الفعل آثاره السلبية على شرعية النظام، وإحداث شروخ في قاعدته الاجتماعية النجدية الوهابية.
  • من الصعب توقع أن تمضي تغييرات محمد بن سلمان على صعيد المرأة، دون أن يحدث ذلك قلاقل أمنية، وهناك من توقع حدوث موجة عنف داعشي بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا ولبنان، فكيف وهذه التحولات قد هيّأت المناخ المحلي لنمو داعش ونشاطها؟
  • تأتي هذه التحولات في وقت يعاني فيه النظام من صعوبات عديدة، وهزائم منكرة على الصعيد الخارجي، فالعائلة المالكة منشقة على نفسها، والمجتمع مذهول من التحول الاقتصادي للدولة من دولة ريعية الى دولة ضرائبية، فضلاً عن سياسة التقشف التي فاقمت المصاعب المعيشية للمواطنين، وهذا الانحباس يتطلب اصلاحات سياسية تنفيسية لا يرغب الملك وابنه بها.
  • التحولات التي نتحدث عنها ستقوي القائد الشخص (محمد بن سلمان)، لكنها تفتت المؤسسة وتكسر الأعمدة التي تشكل النواة الصلبة الرافعة والحامية للنظام (العائلة المالكة، المؤسسة الدينية، وغيرهما).
  • لن يكون مستقبل السعودية في المدى المنظور مريحاً، رغم ان هناك الكثير من التفاؤل غير المسنود الى حقائق الاجتماع والسياسة.
الصفحة السابقة