تأجيل قمة الكويت الخليجية

تجميد عضوية قطر، أو انهيار المجلس

محمد شمس

مجلس التعاون على حافة النهاية كمنظمة اقليمية. فتحدّي الأزمة مع قطر، والتصعيد السعودي الإماراتي يمثل نقضاً للغَزْل بعد قوةٍ أنكاثاً.

يفترض ان يكون ديسمبر القادم موعد القمة الخليجية السنوية في الكويت. الشيخ صباح طار الى الرياض ليحل المشكلة قبل حلول الموعد، فاستقبل بدرجة سياحية، حيث لم يستقبله الملك ولا ولي عهده، وهكذا فشلت المحاولة؛ وحين عاد حذر من انهيار المجلس.

 
استقبال سعودي درجة سياحية لأمير الكويت

الرياض رأت إمكانية عقد القمة الخليجية بدون قطر، اي بتجميد عضويتها. لكن الكويت رفضت ذلك، وكذلك عُمان؛ فشنّت الرياض حملة فضائية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الكويت.

ثم أمرت وزير الخارجية البحريني (المسمى بوزير الريتويت) بأن يفتح معركة ضد القمة الخليجية وحضور قطر، وقال بأن (البحرين لن تحضر قمة تجلس فيها مع قطر، وهي التي تتقرب من ايران، وتحضر القوات الأجنبية)؛ واضاف بأن (عدم تجاوب قطر مع مطالبنا العادلة بوقف تآمرها المستمر على دولنا، يثبت أنها لن تحترم مجلس التعاون وميثاقه ومعاهداته التي وقعت عليها)، ليصل الى نتيجة سعودية: (الخطوة الصحيحة للحفاظ على مجلس التعاون هي تجميد عضوية قطر في المجلس حتى تحكّم عقلها، وتتجاوب مع مطالب دولنا، وإلا فنحن بخير بخروجها من المجلس. دولة لا تحترم شعبها لا تستحق شرف الإنتماء الى مجلس التعاون).

وبنفس الأوامر السعودية، جاء ملك البحرين بنفسه ليعلن رفضه حضور القمة واضعاً نفسه في صراع مع الكويت التي تدعمه مالياً، حيث قال: (لن نحضر أي قمة تحضرها قطر ما لم ترجع الى رشدها)، وزاد معلناً فرض تأشيرات دخول على المواطنين القطريين الراغبين بدخول البحرين!، زاعماً بأن ذلك لحماية دول مجلس التعاون من الإرهاب؛ وعموما هذه ليست المرة الأولى التي تعلن البحرين منع مواطني قطر من دخول اراضيها.

تأجيل القمة في الكويت

لكن لا تستطيع الرياض تجميد عضوية قطر في المجلس، فذلك يحتاج اجماعاً غير متحقق بسبب رفض عمان والكويت. اذن لا يوجد الا خيار تفكيك والغاء مجلس التعاون وتشكيل بناء آخر من ثلاث دول، او كونفدرالية، كما اقترح من قبل تركي الحمد، الذي اقترح لذوي الشأن والقرار السعودي: (لم لا يُلغى مجلس التعاون، ويحلّ محله كونفدرالية بين دول المقاطعة الثلاث، في الاقتصاد والخارجية والدفاع؟).

أمير قطر الشيخ تميم، اعترف مؤخراً بأن (دول الحصار) مصرّة على مواصلة سياستها التصعيدية ضد قطر، وأن الأزمة ستطول لأن تلك الدول لا تريد حلاً للأزمة، واضاف بان قطر لن تتراجع عن مواقفها. وسبق لتميم ان قال لمحطة تلفزة امريكية في مقابلة له في اكتوبر الماضي، بأن بلاده مستعدة للحوار، لكن سيادة قطر خط أحمر، وأنها لن تغلق قناة الجزيرة، وأن دول الحصار اذا ما اقتربت من الدوحة متراً (فإننا سنقترب منها ألف ميل).

لكن الرياض العاجزة عن احداث تغيير في مسار المعركة مع قطر، تستنجد بعامل التمطيط والوقت. تماماً مثل الحرب على اليمن. فحتى لو لم يكن هنالك أفقٌ لنجاح السياسة السعودية في تركيع قطر، فإنها تمنّي النفس بأن الوضع الاقتصادي سيتدهور فيها، وانها لن تستطيع تحمّل الحصار، وكأن دول الخليج الأخرى لا تعاني شيئاً بسبب الأزمة!

واضح ان الأزمة السياسية في الخليج ضارة بالجميع اقتصاديا، وفي مقدمتها الامارات، وهي أصابت السعودية أيضاً ببعض شررها.. لكن الرياض تأمل ايضاً بإدامة المعركة، الانتظار فلربما حدث شيءٌ ما داخلياً في قطر يمكن البناء عليه في قلب نظام الحكم هناك.

واعتماداً على سياسة التمطيط، فإن محمد بن سلمان في مقابلة له مع بلومبيرغ قال بأن (مشكلة قطر صغيرة جداً جداً جداً). وبالتالي يجوز ان تحوز الركن الثالث او الرابع في سلم الاهتمامات السياسية السعودية الخارجية، بعد الحرب مع ايران، وعلى قطر، وربما مع لبنان!

وجاء عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، ليؤكد كلام سيده فقال ان قطر لا تمثل قضية كبرى بالنسبة للمملكة بل تمثل قضية صغيرة، واضاف: (لدينا مواضيع أخرى للتركيز عليها). فهل يعبّر هذا القول عن يأس سعودي من فرض ما تريده على قطر؟ 

وحتى تجد الرياض فرصة استثمار سياسي جديدة ضد قطر، فإن سياسات السعودية العدائية لها ستستمر، خاصة في الميدان الإعلامي، وقد ذهبت قناة العربية مؤخراً الى انتاج فيلم وثائقي عن (الحمدين: الامير السابق، وحمد بن جاسم بن جبر)؛ فيما لاتزال المعارك على تويتر ملتهبة لم تتوقف، كما الإنتصارات السعودية المزعومة.

لكن المشكلة بالنسبة للسعودية يتعلق بمصير مجلس التعاون الخليجي. فحتى الآن لم تحسم الرياض أمرها، وتتخلص من المجلس، وهي مترددة في الضغط اكثر على سلطنة عمان والكويت من اجل عزل وتجميد عضوية قطر. الفكرة الأساس لدى آل سعود هي أن ما أسمته (تأديب قطر)، يستهدف فيما يستهدف، توجيه رسالة تحذير الى الدولتين (عمان والكويت) بأن لا تتفلّتا عن المدار السعودي، وإلا أصابهما ما أصاب قطر. لكن الذي جرى هو عكس ذلك، حيث تزداد القناعة بأن التعايش مع (سعودية عدوانية) بات أمراً صعباً، وإن القبول بما تقوم به تجاه قطر، لن يجعلها سالمة من الرياض، وستزداد تدخلات الأخيرة في شؤونها الداخلية وسلب ارادتها وقرارها السياسي.

ولذا، حين أبدت الدولتان معارضة ضمنية ـ ولكن واضحة ـ تجاه عزل قطر وتجميد عضويتها، بدا وكأن الرياض تميل الى التأمل اكثر في خطواتها القادمة، مع تصعيد إعلامي ضد الكويت بين الفينة والأخرى لأي سبب كان.

التسرع لدى صانع القرار السعودي، قد يفضي الى انفراط المجلس بأسرع وقت. وتبدو الرياض ـ ظاهرياً ـ زاهدة فيه، وهي مخطئة في ذلك حتماً.

وإذن، لا بدّ من حلّ معضلة اجتماع ديسمبر القادم. فليكن التأجيل اذن، بما يعني الغاء قمة الكويت، التي حذرت مراراً من انفراط المجلس، فهذا بالنسبة للرياض وحلفائها، أفضل من حضور قمة يجلس فيها الشيخ تميم الى جانب الآخرين. هذا ما قالته الرياض، ولكن على لسان ملك البحرين ووزير خارجيته!

 
استمرار المعركة الاعلامية

جوقة الحملة السعودية الاعلامية على منابر التواصل الاجتماعي وفي الصحافة السعودية، انساقوا أكثر في دعم الموقف الرسمي. فمنذر آل الشيخ مبارك، يكتب مستغرباً: (تشكّل ـ قطر ـ مجلس تعاون فارسي مع ايران، ثم تغضب إن عُلّقتْ عضويتها بمجلس تعاون عربي؟!)؛ واقترحت الاعلامية البحرينية المتطرفة سوسن الشاعر طريقة لاحراج الكويت: ان تدعو المملكة للقمة الخليجية ان رفضت الكويت الدعوة لها ان لم تحضر قطر، وان تكون القمة في الرياض بدلا عن الكويت، وان لا تدعو الاخيرة قطر، وحينها: هل سترفض عمان والكويت الدعوة السعودية؟ أما المتطرفة الأخرى الصحفية السعودية نورة شنار فتجزم: (لم تعد قطر اليوم دولة عربية خليجية. العجم والفرس استعمروا اراضيهم. هل ستندثر قطر ام يسقط تميم؟! الخيار أمام القطريين)؛ ويقسم سلطان العتيبي موتوراً (أقسم بجلال الله، لو أن السعودية تسمح لأطفال منطقة الرياض فقط يدخلون قطر في سويعات، لحرروها من نظام الحمدين وسلّموها للشرفاء). آخرون رأوا أن لا أمل في موقف عماني مؤيد لتجميد عضوية قطر. 

الصحفي السلطوي محمد آل الشيخ يكتب: (اذا كان القطريون يأملون ان ثمة قوة على وجه الأرض يمكن ان تعيدهم لسابق وضعهم فهم واهمون. لا حل إلا الإذعان، وكل مفاتيح الأزمة بأيدينا فقط). ويضيف بغرور: (عادانا عبدالناصر وسقط وبقينا، وكذلك صدام والقذافي سقطا وبقينا، وسيسقط الحمدان وأذنابهما).

الكويتي فيصل المرزوقي رأى ان دعوة تجميد عضوية قطر هدفها الضغط على عمان والكويت لتؤيدا السعودية، ورأى ان تجميد عضوية قطر، يعني تجميد مجلس التعاون برمته، إذ لن يحدث اي اجتماع خليجي بدون قطر. 

وجاءت سخرية قطرية عبر اقتراح انشاء (خليجي واحد) يضم قطر وعمان والكويت؛ و(خليجي اثنان) يضم حلف الفُجّار. فرد اماراتي: (تدمير قطر قادمٌ لا محالة)؛ فيما أكدت امينة الكواري بأن دول الحصار متورطة جداً في مواقفها تجاه قطر، وان تصريح البحرين بتجميد عضوية قطر كان نيابة عن السعودية.

الاعلامي القطري عبدالرحمن القحطاني يقول أن (جزيرة الريتويت ـ يقصد البحرين ـ تبحث عن دور متميز في الأزمة، وستعود الى دورها الرئيس في اعادة التغريد). وفي موضوع فرض تأشيرات على القطريين الذين يرغبون بزيارة البحرين؛ تسخر القطرية حصة المهندي: (إنْزَيْنْ؛ إذا نِبِي انْسَوِّيْ فيزا حَقْ قارّة البحرين، أي سفارة انروح؟ مالَت عليكم، وعلى قراراتكم). 

ودعا الاعلامي القطري حسن حمود طالب ان تتعامل قطر مع البحرين بالمثل وتفرض تأشيرات؛ فرد الاعلامي البحريني عادل مرزوق مطالباً بمعاملة عكسية: (قابلْ السيئة بالحسنة.. شعوب الخليج لا ناقة لها في هذا الخلاف ولا جمل).

محمد الطيار مدير تحرير صحيفة عكاظ، ذكرنا بأن مشكلة قطر صغيرة (جداً)، بل (جداً جداً جداً) حسب الامير محمد بن سلمان، واضاف: (هم ـ حكام قطر ـ مجرد عصابة سيُقضى عليهم)؛ والصحفي في عكاظ احمد الشمراني يؤكد ان قطر صغيرة (ولم ننظر لها إلا كذلك)، واللاعب المتقاعد حمزة ادريس دخل على جوقة التطبيل فقال: (الكبار لا يلتفتون الى خربشة الصغار)، والصحفي متعب العبدالهادي قال بعنترية: (دويلة تواجه مملكة)، والشرطي ضاحي خلفان زاد الجرعة بأن تصغير قطر (دليل على ان سموه كبير جداً جداً جداً). 

السعودي يوسف الشوشان تساءل: (مشكلة صغيرة؟ ومستشارك ـ سعود القحطاني ـ ترك قضايانا وانشغل بقطر هو وذبابه؟ صغيرة؟ واعتقلتم حتى الصامتين عن سب قطر؟). ونصحت كاتبة قطرية: (مشكلتنا صغيرة، لكن وطنك يعاني من مشاكل كبيرة.. انشغل فيهم جزاك الله خيرا). واستدعى صالح الدوسري تجربة الرياض مع الحوثي في اليمن وتصغيره لهم وختم بأن قطر ستُجْلِس السعودية على خط الفقر ان استمرت في عنجهيتها المتخلفة.

الدكتور عبدالله الشمري يسأل ولي العهد عن افعاله بقطر واشعال المشكلة الصغيرة جداً، واصفاً اياه بـ (صغير العقل؟)؛ والاعلامية ريم الحرمي تسأل: ان كان كذلك.. لم حاولتم غزو قطر عسكرياً، واستخدمتم الدين والفن وتعرّضتم للأعراض؟).

الصفحة السابقة