المملكة المظلومة

نزعة شوفينية حادّة طفت على السطح منذ وصول الملك سلمان الى الحكم.

في الداخل يعتبرها الشوفينيون (وهم جمهرة النظام المصفّقة، ومعظمهم من بيئته النجدية الحاضنة) وطنية!

ملامحها: الدفاع عن النظام وسياساتها حدّ التهديد بالعنف والاعتقال، وتحذير الآخرين من مخالفة النظام. ومن شواهدها: اشعال نزعة ضد العمالة الأجنبية، خاصة الوافدين العرب (اليمنيون، السوريون، اللبنانيون، وغيرهم). ومواصلة الهجوم على سكان الحجاز، واعتبارهم (مُجنّسين) يجب اسقاط جنسياتهم. واعتباره المعارضين ـ او المختلفين في الرأي ـ ليس فقط عملاء للأجنبي، بل أنهم غير أصلاء، وجذورهم خارج البلاد. وأفضل مثال على ذلك ما جرى لجمال خاشقجي. وأيضاً ما تم ترويجه بشأن المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية باعتبارهم (إيرانيون) يجب التخلص منهم وطردهم، بل وقتلهم ان أمكن.

الخطاب المستخدم في الترويج لهذه النزعة الشوفينية يعتمد على الترهيب للمواطنين بأن يكونوا في مواقفهم على سواسية في رؤيتهم لسياسات النظام، وضرورة دعمها، اذ لا يكفي ان تصمت دون ان تخوض فيما يخوض فيه الشوفينيون.

من سمات الخطاب الذي يروجه النظام عبر قنواته الإعلامية ومفرداته السياسية، أنه:

١/ خطاب استعلائي ضد الآخر، يُظهر ان المملكة بريئة وطيبة وتنشر الخير في كل مكان، ولكن العرب ـ بالذات ـ ناكرون للجميل، ويتمنون للمملكة الخراب والدمار. ولهذا نشأت معارك سعودية بأوامر النظام ضد الكويتيين والقطريين والعمانيين فضلاً عن اللبنانيين والمصريين والعراقيين والسوريين (عرب الشمال كما يطلقون عليهم)، تفيد بأن هؤلاء لا خير فيهم، والمملكة متفضلة عليهم، ولكنهم لا يستحقون ذلك، لأنهم (حاقدون حسودون). ويؤكد الخطاب هنا على ضرورة معاقبتهم، ومنعهم من العمل، وإيقاف المساعدات الرسمية لدولهم، وهي مساعدات لم تفد في تليين قلوبهم على المملكة وسياساتها.

لا يكون الاستعلاء الشوفيني (ذي النزعة النجدية) فقط على الخارجي، بل على أي مواطن له رأي مخالف للنظام، حيث يقال له زعماً بـ (ان لحم أكتافك من المملكة، او لحم اكتافك بفضل آل سعود)، وكثيراً ما يقال هذا الكلام لمواطنين عرب عاديين لم يمروا يوماً بالمملكة ولم يزوروها ولا علاقة لهم بها، ولم يعملوا فيها. ولكن هناك تعميم بأن كل أفراد الخليقة أكلت وشبعت في المملكة المتفضلة عليهم، ولكنهم يشتمونها الآن، وبالتالي فهم ناكرو جميل.

٢/ خطاب مظلومية، فالنظام السعودي يقتل ويتهم غيره بالقتل. يبدأ الحروب ويُظهر نفسه بأنه مُعتدى عليه. يهاجم الأقربين ثم يقول بأن أولئك كانوا يتآمرون عليه منذ عشرين عاماً (كما هو الحال مع قطر)، او ثلاثين عاماً (كما هو الحال مع الكويت) التي لم تحفظ جميل المملكة حين وقفت معها في التحرير من احتلال صدام.

كلما زاد النقد لتصرفات ال سعود الرعناء، كان التبرير بأن العالم يستهدف المملكة وشعبها، وان البلاد تتعرض للخطر، وانها لو لم تقم بحرب اليمن، وتشن هجوماً سياسيا على قطر، وتصفع الحريري وغيره، لكانت المملكة في مأزق. وتعتقد الرياض انها (مُعتدى عليها ظلما)، مستهدفة بالصواريخ الحوثية، ومن قبل حزب الله وايران وبالتالي يحق لها الدفاع عن نفسها، وأن كل ما تقوم به هو حماية نفسها من الاستهداف.

٣/ الاعتداد بالنفس يتوازى مع خطاب الشعور بالمظلومية في آن واحد، ففي وقت يظهر فيه الخطاب الرسمي (المظلومية) ولعب دور الضحية، الى حد تقديم شكاوى ضد ضحاياها في اليمن لدى مجلس الأمن، يطغى في ذات الوقت خطاب مناقض، يصور المملكة بأنها قوة عظمى، تستطيع ان تسحق الخصوم وتدمرهم وتشوي جلودهم (قيل هذا عن لبنان واليمن)، بل انها تستطيع ان تضرب طهران، وهي قد هددت بذلك ولن يوقفها الا اسوار موسكو!

فكيف تجمع بين خطاب المظلومية والقوة المتغطرسة؟

يجيبك الشوفينيون، بأن المملكة لم تكن في الماضي تستخدم أوراقها، ولا كامل قوتها، فظنّ خصومها ومنافسوها بأنها ضعيفة، الى أن جاء ملك الحزم وأظهر مكنون القوة، وجعل تمظهرها واضحاً في شن حرب اليمن، وتأديب قطر، وتهديد لبنان، وايران ايضاً. اذن المملكة يمكن ان تكون مظلومة ـ بحسب الخطاب الرسمي الذي يتم تغذيته للجمهور ـ وفي نفس الوقت يمكن شحن الجمهور بأن المملكة قوة لا تقهر، خاصة في عهد محمد بن سلمان، البطل الشاب الذي يغير مجرى التاريخ ليس في بلاده، وإنما في المنطقة كلها!

الملخص الذي تريد ان تصل له الدعاية الرسمية (كرسالة الى الشعب) هو التالي: العالم يستهدفنا، ويجب ان نتوحد ضدّه. نحن ـ كدولة لم نخطئ، ولا نخطئ بحق أحد.. الآخر هو المخطيء ويجب مواجهته وإيذاءه ومعاقبته. ولأن الخطر ماحق، فيجب ان نتحد مع النظام، ومع شخص محمد بن سلمان، ونقبل بسياساته، ونؤيده فيها، دفاعاً عن النفس ضد الأشرار في الداخل والخارج!

السياسة السعودية واضحة العدوانية في الخارج.

وسياسة ابن سلمان في الداخل واضحة العدوان على الشعب، كل شرائح الشعب وفئاته، وحتى المقربين منه.

ومع هذا تبقى المملكة مظلومة!

الصفحة السابقة