أمل سعودي بنصر في اليمن يتبخّر

مقتل «صالح» وسقوط رهان السعودية الأخير

عبد الوهاب فقي

انسداد في الجهد العسكري السعودي وفشل ذريع في احداث اختراق ذي معنى، يوصل الرياض الى جزء من مبتغاها في تقويض الوضع الداخلي اليمني والانتصار في العدوان على اليمن.

 
ابتهاج سعودي بـ (فتنة) علي صالح لتحقيق نصر رخيص الثمن!

هذا الإنسداد، بل الفشل، في ظل وضع إقليمي ودولي بدأ يرفع الصوت عاليا ضد سياسات الحصار والقتل البطيء السعودي بحق اليمنيين، جعل الآمال السعودية معلّقة على حدث ما قد يأتي ينقذها من المستنقع اليمني. ومن هنا كانت سياسة إطالة أمد الحرب طالما ان هناك عجزاً سعوديا في حسمها.

ومن هنا أيضاً، كانت أهمية الرهان السعودي على صراع داخلي يمني بين جناحي السلطة (انصار الله الحوثيين، وعلي صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام). فهذا الرهان ـ صدقاً ـ كان الورقة الوحيدة المتبقية لآل سعود؛ وهو ما حدث في نهاية الأمر، ولكن لم تأت النتيجة وفق ما كان متوقعاً.. فقد انقلب علي صالح على حلفائه في حكومة الشراكة، وأمر أتباعه بحمل السلاح، فكان ان قتل بالسلاح نفسه.

حجم الرهان السعودي على الرئيس السابق علي صالح، الشخصية التي اعتادت الرياض على وصفها في الأعوام الأخيرة بالخيانة والتقلب والحقد وغيرها، توضحه التعليقات السعودية المقربة من النظام، ويوضحه الانحياز الإعلامي الكامل منذ اللحظات الأولى لاعلان ما أسماه بـ (انتفاضة الشرفاء) واستثمار السعودية للوضع السياسي المرتبك في اليمن لشن هجمات عسكرية لاحداث اختراق عسكري على الجبهات، ومهاجمة صنعاء بالطيران جنباً الى جنب مع مسلحي علي عبدالله صالح.

تصدر الاعلام السعودي في الصحافة المشهد المبتهج المعبر عن مكنون الاحباط العسكري السعودي، فـ (صنعاء «العرب» تزأر) كما تقول صحيفة عكاظ؛ وكذلك تصدرت هاشتاقات السعودية عن اليمن غيرها في مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك (لا حوثي بعد اليوم)، و(صنعاء العروبة تنتفض).

 
صنعاء غير عربية إلا اذا سيطر عليها آل سعود!

سعود القحطاني مسؤول الاعلام في مكتب محمد بن سلمان برتبة وزير، والذي يطلق عليه لقب (وزير الذباب الالكتروني) يكتب بأمل: (النصر قريب. نشهد الآن نهاية الوجود الإيراني في اليمن). والصحفي محمد آل الشيخ اعتبر النصر قد تحقق في صنعاء، والدور جاء على حكام الدوحة (فما نحتاج ـ يقول آل الشيخ ـ الا جيمس يدخل الدوحة العصر وفيه ثلاثة من أخويا امارة الشرقية، يربطون التّفخْ حمد وجروه تميم وثالثهم حمد كراع آل ثاني، ونجيبهم عقب المغرب للحسا ونخلَصْ). والصحفي سلمان الدوسري، الرئيس السابق للشرق الأوسط، متفائل بزوال (المليشيات) التي لا يمكن ان تحكم دولاً.

أما الأمير خالد آل سعود يقول لا بدّ من صنعاء وإنْ طال السفر؛ وسام الغباري، الصحفي اليمني ومستشار رئيس الوزراء في المنفى، فكان مصنعاً للأكاذيب، وكان يحرض اليمنيين في صنعاء وبالتفصيل على اصطياد (العلوج) لتطهير العاصمة منهم، مقوّياً العزم بأن قوات السعودية تقصف صنعاء، وان العلوج لا خبرة عسكرية لديهم، وان نهايتهم قريبة على يد قوات الشعب ذات الخبرة، حسب زعمه.

الاخواسلفي، المعارض السابق، كساب العتيبي كان فرحاً: (صباحٌ جميل يتنفسه اليمنيون بدون عملاء ايران)؛ ويضيف بأنه لن تسقط صواريخ باليستية على الرياض، انها ـ بنظره ـ لحظة تاريخية تُعلن سحق عملاء ايران، بزعمه. وزير الاعلام السعودي عواد العواد يبيّن حكمة سيده ابن سلمان وكيف انه كان يعلم بأن علي صالح سيتمرد على الشراكة، وليؤكد بأن صنعاء العروبة تنتصر، لصالح آل سعود.

 
انتكاسة حلم سعودي عمره أربع ساعات نصر!

الصحفي الاقتصادي برجس البرجس يطالب اليمنيين باستغلال الفرصة ليعيدوا صنعاء لعروبتها (المُسعوَدة). والأكاديمي الموتور بطائفيته ومناطقيته النجدية خالد الدخيل، يعطي التوجيهات بأن لا يُسمح للحوثيين باستعادة السيطرة على صنعاء، ولا أن تُهزم قوات صالح، بل يجب فتح خط مع جماعة صالح، وتوجيه ضربات موجعة عسكرية لمواقع الحوثيين في صنعاء وشمالها حتى صعدة، لجعلهم في كماشة تشتت جهدهم العسكري؛ وهو ما كانت تفعله السعودية على ارض الواقع. فالتحالف السعودي اعلن انحيازه لصالح ووضع امكانياته في خدمته؛ وكان الجميع يتحدث عن تناغم في الجهد العسكري والإعلامي بين صالح وآل سعود؛ ولم تكن الفضائيات السعودية تستحي من القول بأن السعودية تقصف مواقع انصار الله في صنعاء؛ وانها تدعم كل جهد ضدهم؛ وانها ترحب بصالح ليتصدر المشهد اليمني.

بشرنا محمد قباطي، وزير سياحة عبدربه هادي في الرياض، بأن طائرات العدوان السعودي تقصف صنعاء، كما اكدت رويترز، وكما تفاخرت بذلك كل المواقع السعودية.

من جانبه تحزّمَ الشيخ عايض القرني على وقع الفتنة في اليمن، فرقص هاتفاً بعنصرية:

أصل العروبة ثارت بعدما خمدت

والآن تقذف من بركانها اللّهب

تبّت يد الفرس والتاريخ يلعنهمْ

وسُنّة الله دوماً ينصر العرب

شيخ وهابي آخر، هو محمد المسند، يهتف شعراً ايضاً وبعنصرية كالعادة رغم انهم مشايخ دين:

صنعاء قومي وانهضي

ومن المجوس تطهّري

انت العروبة أصله

عودي لأصلكِ وافخري

لا تصبح صنعاء عربية الا اذا خدمت المشروع السعودي واعانت الاحتلال السعودي لها!

الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، الرئيس السابق لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعبر عن فرحه بأن شعب اليمن انتفض على انصار الله، ولاحظ بعين عمياء انه (يضرب أروع المثل في الشجاعة والغيرة في الدفاع عن ارضه وكرامته ضد ايران والعميل الحوثي). الصحيح انه ضرب المثل في مقاومة العدوان السعودي المحتل.

لكن هانت.. فالنصر السعودي صبر ساعة، يقول وليد الفراج، الإعلامي الرياضي. لا.. أبداً، فالنصر قد تحقق، ولا حاجة للإنتظار، فـ (عاصفة الشرف، ويمن العروبة يلفظ لصوص إيران) كما تقول صحيفة الاقتصادية. الإعلامي مالك نجر، يصرخ محرضا: (طهروها يا شرفاء اليمن من أذناب ايران).

 
علي صالح يعلن فضّه الشراكة مع انصار الله ويعلن الثورة عليهم

وحسب الصحفي هاني الظاهري، فإن علي صالح اصبح مرضياً عنه، فما قام به بتوصيفه كان (صحوة عروبية تستحق الاحترام)؛ وعثمان العمير، صاحب ايلاف، ينتشي فيقول: (آخر الدواء هو علي عبدالله صالح)، وقد كان فعلاً آخر الرهانات السعودية، وليس الدواء. والإعلامي السعودي فالح بن حجري يصف صالح بالشاويش، وأنه (خيار جيد) وأنه (قوي، غير أيديولوجي، خبير بالتركيبة اليمنية). يعني باختصار هو خيار سعودي. لكن صالح بنظر الاخواني جمال خاشقجي (ليس اختياراً صالحا.. ولكنه يبقى براغماتي مستعد ان يتعامل مع الشيطان، بينما الحوثي عقائدي متخلف.. والاختيار اذن واضح بين اسوأين). أي انه مع صالح وان كان يحقد عليه ويبرر خاشقجي: (القول ان صالح غدّار ولا يؤتمن جانبه عبث. هذه سياسة وليس زواج. يجب اغتنام اللحظة).

الإعلامية ايمان الحمود، وهي تشهد الانتصارات الأولى لجماعة صالح قالت بأن الأخير (مدرسة سياسية من نوع خاص، تجربته لا تقوم على أساس البقاء للأقوى، بل على أساس البقاء للأكثر مكراً ودهاءً). لا بد أن ايمان راجعت تقييمها بعد نهايته المؤلمة وبعد اقل من ٢٤ ساعة من تعليقها هذا.

 
صالح أصبح بعد مقتله أثيراً لدى الإعلام السعودي الذي كان يشتمه صباح مساء!

ايضاً وصف الصحفي صالح الفهيد علي صالح بأنه كطائر الفينيق الذي ينبعث من وسط الرماد محلّقا، وأضاف: (شئنا أم أبينا هو رقم صعب لا يمكن تجاهله او تجاوزه).

وهكذا، فإن الآمال السعودية عريضة بأن نهاية الحرب العدوانية قد قاربت على الانتهاء لصالح السعودية وعلى يد علي صالح، الذي أصبح رئيساً عبر السعودية، بعد قتله بالتآمر معها كلا من الرئيسين إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي.

ثلاث مراحل مرت بها الاحداث والمواقف السعودية: الأولى هي الاستبشار خيراً من انتفاضة صالح المسلحة؛ والثانية، هي اعلان النصر السعودي المبكر قبل حسم الأوضاع على الأرض؛ والثالثة هي مرحلة الصدمة والهزيمة. القنوات السعودية بالغت في النصر الذي تحقق في الساعات الأولى لجماعة علي صالح، بل صنعت انتصارات وبطولات كاذبة؛ ظنّاً منها ان ذلك يخدمها. عبثاً حاول الكثيرون لفت نظر المغردين بأن انتصارات تويتر لا تغير من الواقع شيئاً.

الدكتور العماني حيدر اللواتي، لاحظ ما أسماه بـ (الفتوحات التلفزيونية، والانتصارات التويترية، التي لازالت تدغدغ أوهام البعض)، وتوقع: (عمّا قريب سيرتفع الحجاب وتصدم الحقيقة). وكرر الناشط السياسي السعودي الدكتور حمزة الحسن نصائحه للمغردين: (يجب التمييز بين نصر على قناة العربية وتويتر، وآخر على أرض الواقع. تستطيعون الانتظار حتى لا يُصاب بعضكم بالإحباط). ورأى ان الانتصارات السعودية العجولة عادت من صنعاء بسبب طول وكثرة الهزائم السعودية المتنقّلة، وقال بأن (مشكلة آل سعود وإعلامهم انهم ينتصرون دائماً وفي أول ربع ساعة). وزاد موضحاً: (أيها المصفقون. أتريدون ان تحتفلوا بنصر علي صالح؟ افعلوا ذلك. لكنكم أحرقتموه مرة أخرى بنصر كاذب، واعلامكم قتل ما تسمونه انتفاضة الشرفاء وهي في المهد. لن يطول فرحكم، لأنه ببساطة قائم على معلومات كاذبة).

 
عكاظ تحرّض على النار والثأر، انتصاراً لآل سعود وليس لصالح!

هنا غضب الاخواسلفي كساب العتيبي فقال: (نعم هو انتصار سعودي يثلج الصدر. انتهى حلم ولي الفقيه في اليمن. الحوثيون الى مزبلة التاريخ. ارفع راسك انت سعودي). لكن كما كان متوقعاً فقد ثبت ان (عمر النصر السعودي في صنعاء نحو اربع ساعات، لكن الأفراح ستمتد الى ان يتعب المحتفلون او حتى يفيقوا بصاروخ)، كما يقول حمزة الحسن. وفعلاً اطلق صاروخ على أبو ظبي، سخر منه القوم كعادتهم، رغم تجربة صاروخ الرياض!

التفت الإعلامي جمال خاشقجي ان رياح المعارك في صنعاء تجري بما لا تشتهي السفن السعودية، وذلك قبل نهاية علي صالح الأليمة. قال: (المعارك لا تحسم في ساحات السوشال ميديا ولا ما نشيتات الصحف وإنما على الأرض)، وزاد وهو محبط: (يبدو ان حفلة عشاء الحوثي الأخير، وعودة الإبن الضال كانت مستعجلة). أيضا لاحظ المعارض بدر بن طلال الرشيد مبكراً خذلان القبائل والجيش لعلي صالح، وتدهور شعبيته بسبب حماقته السياسية وتملقه للعدو الغازي، حسب قوله، ورأى ان ما فعله كان بمثابة انتحار سياسي.

لم يهنأ الاعلام السعودي وآل سعود وعسكريوهم بنصرهم الزائف ورهانهم الخاسر. المواقع التي استولى عليها انصار صالح في العاصمة بدأت بالتساقط الواحد تلو الآخر، وكذلك المعسكرات خارج العاصمة؛ والقبائل لم تتحرك لنصرته؛ وحتى حزبه لم ينصره، والجمهور رأى بعينه كيف يقصف الطيران السعودي مواقع انصار الله في صنعاء انتصارا لصالح، فكان ذلك اكثر من كاف للإنحياز ضده، وخسارته المعركة.

قال الإعلامي اليمني حميد رزق: (انتصارات قناة العربية في الصباح تبخرت)؛ وسخر محمد عبدالسلام المتحدث باسم انصار الله: (احتفلوا إعلاميا بسقوط العاصمة وخمس محافظات، ومساء يقصف طيران عدوانهم صنعاء والخمس محافظات وغيرها، فما بالهم يقصفون مناطق قد أسقطوها؟)؛ وأضاف: (قوى العدوان بحاجة لبعض الوقت حتى تستوعب احتراق ورقتها الأخيرة على نحو سريع، يكشف حجم الأوهام المعشعشة في قصورهم النتنة بالمؤامرات على شعوب المنطقة).

نهاية حلم سعودي.. مقتل علي صالح
 
مذيعات العربية والحدث يندبن حظهن ويلبسن السواد حدادا على عفاش!

النخب السعودية الموالية للنظام والمؤدلجة سياسيا ووهابيا ومناطقياً، اتفقت على أمور عدة:

أولا ـ اتفقت على ان ما قام به علي صالح من كسر للشراكة واستخدام السلاح، مفيد للجهد العسكري السعودي.

وثانيا ـ اتفقت نخب الموالاة في معظمها، على ضرورة دعم علي صالح بالجهد الإعلامي والعسكري والمالي، وفتح صفحة جديدة معه.

واتفقت ثالثا على ان رحيل علي صالح المبكّر كان خسارة لآل سعود في تحقيق نصر حاسم في المعارك واحتلال صنعاء.

واخيراً اتفقت النخب المسعودة، ليس على مراجعة قرار الحرب على اليمن، وتغيير السياسات، بل على ضرورة مواصلة اشعال الفتنة الداخلية بين اليمنيين وتأجيجها بأي وسيلة كانت، فلعلّ المستقبل يأتي بنصر لآل على سعود على يد اليمنيين المتقاتلين بأنفسهم!

عضوان الأحمري، الصحفي السعودي، كان قد تمنّى قبل اشهر نهاية لعلي صالح شبيهة بنهاية معمر القذافي؛ وحين اشعل الحرب الداخلية أيده الأحمري، وحين قُتل قال: (إنه مات بشرف دفاعاً عن عروبته)!

 
خضراء الدمن.. تتحدث بالآماني الحالمة!

فهد العرابي الحارثي، رئيس مركز اسبار، الذي أطلق هاشتاق الحرب على اليمن بعنوان (صفعاً على الأنوف)، انتعشت آماله، فقال انه يمكن ان تتم الاستفادة من علي صالح في شراكة لتحرير اليمن؛ اما الشراكة فيما بعد الحرب فهزيمة للتحالف، حسب رأيه. والمعنى انه يجب التخلص من صالح بعد ان يسيطر على صنعاء!

الاخواني جمال خاشقجي، اصبح منظراً عسكرياً، وطالب بعدم تضييع فرصة الهجوم العسكري على تعز والسيطرة عليها، فقوات الحوثيين مشغولة بنفسها في صنعاء. لكن بعد مقتل صالح فهو يخاطب الملك او ابنه الداشر فيقول حاثا إياه لمراجعة موقفه من الاخوان: (اما وقد تأكدتَ ان الطريق الذي اخترته لن يقودك الى مبتغاك، توقف، وابحث عن مسار جديد افضل).

الصحفي محمد آل الشيخ، الذي ما فتيء يشدد بالنكير على علي صالح، ألمح لنا بأن مقتل صالح لن يغير من حقيقة ان صنعاء ستبقى عربية، وكأنها كانت فارسية، وكأن علي صالح هو الذي ابقى عروبتها قبل موته. مع هذا، انقلب ثانية وقال ان الفرس هم من قتلوا حليفهم علي صالح في اليمن!

الصحف السعودية كانت تمجد بانتفاضة تعيد عروبة صنعاء؛ او سعودتها. لم يكن اعلاميو النظام يشكون في النصر القريب، وكانوا يعزفون على وتر البهجة باستعادة اليمن: افتقدناك يا يمننا، يقول احدهم. اليمن السعيد عاد من جديد يكتب احمد المغلوث. اليمنيون سيسحقون مشروع الحوثي، يقول ثالث في صحيفة الشرق الأوسط. رابع يقول ان اليمن يعود الى عروبته بعد ان كان يتكلم الفارسية ربما. والشعب اليمني الذي يقصفه آل سعود صباح مساء أصبح أبيّاً لانه انتفض على خصم آل سعود، كما تكتب منيرة الغامدي. والبعثي جاسر الجاسر يتكلم عن تطهير العواصم العربية ابتداءً من صنعاء، في حين يكتب عضو الشورى زهير الحارثي تحت عنوان يكاد يطير فرحاً (ايران تفقد ورقة صنعاء).

 
الثورة في العقيدة الوهابية حرام، الا ان كانت ضد خصوم آل سعود!

فجأة جاءت آل سعود سحابة سوداء كتمت أنفاسهم.

فبعد أن كانت الانتصارات الكاذبة تترى بقرب السيطرة على صنعاء ومئات الأسرى من الميليشيات الايرانية المزعومة؛ والاستبشار بحرق السفارة الايرانية فيها، كما فعل الإعلامي منصور الخميس، وهي كلها اخبار كاذبة؛ وبعد إعادة توزيع أسماء القيادات اليمنية المطلوبة سعوديا للقتل باغراءات مالية.. خرج عادل اليافعي، العامل في قناة العربية، ليكتب بأن عفاش محاصر من قبل الحوثيين؛ وليقول بأن عفاش خسر نصف معركته بفقدانه الاعلام حيث خسر قناته (اليمن اليوم). وليخرج بعدها خبر مقتل علي صالح بعد ان زعم الاعلام السعودي ان ذلك كذب، ولتلبس مذيعات قناتي العربية والحدث السواد، حزناً وحداداً على علي صالح، في انتهازية سياسية مفضوحة.

الرئيس الذي تمت ترقيته سعوديا في يومين من (مخلوع) الى (سابق)، اصبح شهيدا حسب البعثي جاسر الجاسر؛ ولتغضب صحيفة عكاظ مشعلة الفتنة داعية للثأر من قتلته، حيث فُتحت أبواب الجحيم السعودي على الورق ايضاً. صحيفة الحياة تتحدث عن اعدام صالح بعد الاستسلام، وهو كذب؛ وفي طبعة السعودية تقول الحوثي يغدر بحليفه، وليس العكس؛ وصحيفة الوطن تنعاه بأنه دفع حياته (ثمنا لكرامة اليمن)، في عملية اغتيال وليس مواجهة عسكرية، ولتتحدث باسم حزب المؤتمر الذي سيثأر. أيضا صحيفة الجزيرة تتحدث عن استمرار الفتنة وتحرض عليها، ومثلها صحيفة اليوم، فقتل الفتنة خسارة لآل سعود؛ لهذا لا بد من مواصلة الانتفاضة والاحتراب الداخلي.

 
الأحمري قبل انحياز صالح لآل سعود!

وهكذا لم تخلُ الصحف السعودية من ألم وتحريض واكاذيب في حديثها عن اغتيال وعن تمثيل بالجثة وغيرها. وحتى المقالات كان واضحا تركيزها على استمرار الاقتتال، كما مقالة عبدالرحمن الراشد (مقتل صالح يوحد اليمنيين)؛ وكما مقالة حمد الماجد (خلع أطناب الخيمة الخمينية في صنعاء) وكل ذلك من اجل انهاك الحوثي كما يقول؛ او كما نظّر حسين شبكشي في مقالته (ما بعد صالح).

العامل في الاستخبارات السعودية سعد بن عمر نفى وصول الصاروخ الباليستي الى مفاعل أبو ظبي، ونفى وجود وساطة عمانية لإنقاذ علي صالح، ونفى مقتل علي صالح، وقال انها أكاذيب لرفع معنويات الخصم؛ وحين أُعلن عن مقتله، وصفه بالشهيد والزعيم والبطل الذي اشعل ارض اليمن ضد الايراني (رحم الله الشهيد علي عبدالله صالح، عاش زعيماً ومات شهيداً... الخ)؛ واتبع ذلك بخبر استخباري بأن ابن علي صالح (أي احمد علي صالح المحتجز منذ ثلاث سنوات في أبو ظبي) سيصل الى الرياض في غضون ٢٤ ساعة ليواصل ما فعله والده. وفعلاً كما قال سعد بن عمر، وصل احمد الى عاصمة العرب كما يقول، وليبشرنا بأن (صنعاء ستتحرر قريبا من المد الفارسي).

اذن يريد آل سعود ان يكون علي صالح كقميص عثمان؛ وفعلا كما قال حمزة الحسن فإن آل سعود ليسوا متألمين لمقتل صالح، بقدر ما هم متألمين من رحيله السريع قبل ان يحققوا مكسباً يعتدّ به.

العسكري إبراهيم آل مرعي، جلس في مقعد الاستاذية وأوصى باستدعاء احمد علي صالح في عمليات تحرير صنعاء؛ وفعلا صدر بيان سعودي بذلك وبالنيابة عنه في الساعات الأولى من مقتل والده وهو لا علاقة له به؛ فيما قال الإعلامي السلطوي عبدالعزيز الخميس بأن احتجاز احمد علي صالح في الامارات تبين انه قرار صائب، بمعنى: الآن يمكن استخدامه في المعركة!

 
والان صار شريفاً!

عاد العسكري السعودي إبراهيم ال مرعي لينصح قيادات المؤتمر في صنعاء بأن ينضموا الى هادي لازاحة انصار الله. وقد سبق لآل مرعي ان شكك في انتصارات جماعة صالح قبل مقتله، حيث لا توجد اية صورة تؤكد المزاعم؛ ومثل ذلك الزعم بالقبض على أبو علي الحاكم، القائد العسكري لأنصار الله؛ ايضاً يومها كان آل مرعي ينشر تنظيراته العسكرية بالتحرك نحو العاصمة صنعاء لاحتلالها؛ وقد أوصى بإعادة تقييم العلاقة مع صالح حتى وان كان طبعه تبديل مواقفه السياسية ونقض العهود؛ على ان يتم افهام صالح بأنه اذا نجح في السيطرة على صنعاء، فعليه تسليمها الى الشرعية (أي الى آل سعود وعبدربه هادي)، وأخيرا من باب الحث والتحريض يتساءل والمعارك قائمة في صنعاء: (اذا لم تنتفض القبائل وكافة الشعب اليمني ضد الحوثيين فمتى سينتفضوا؟).

كل هذا اللغو والاستعلاء في التفكير وادعاء القيادة والتنظير.. تبخّر بعد مقتل علي صالح!

استغرب عادل اليافعي ان ابن اخ الرئيس المقتول او المخلوع يرفض أي تحالف مع هادي؛ وكتب الإعلامي السعودي صالح السعيد وهو في حال استياء متوهما ربما انه اصبح وصياً على اليمن واهله: (ماذا دهى السفلة؟ ـ يقصد انصار الله ـ أيظنون انه يمكن ان تحكم اليمن العربي ميليشيا قَدِمتْ من كهوف صعدة؟). وتركي الحمد، يريد ان يبقي الأمل السعودي حيّا، فقال (باغتيال صالح حفر الحوثيون قبرهم بأيديهم. القبائل المؤيدة لن تسكت حتى تثأر. لقد دخلوا عشّ دبابير). رد الحجازي محمد الهاشمي: كنتم تحرضون على قتل الخائن، هل كنت ستطالب بالثأر لو قتلته السعودية، وقد حاولت، وأضاف: (سبحان الله، ما في مثقف سعودي، الا وتلقاه كمية من التناقض والحقد والاستعلاء، وتلقاه بكل ساحة ينشر الفتن). ورأى الهاشمي بأن السعودية شؤم على كل من تدعمه (فقد دعمت هادي وصار بفندق بالرياض، ودعمت برزاني وانخبص مشروعه، ودعمت الحريري وزادت وحدة لبنان، واخيراً دعمت صالح وبيومين راح سَلَطَةْ بلا ملح. عزيزتي السعودية: لا تدعمين فلسطين والقدس، يرحم أمّكْ، ويا ليت تحاربين مكة، يمكن تتحرر وتقوم بدورها المفقود. اللعنة!).

 
مملكة الخيانة والغدر، تتحدث عن الغادر سابقاً (والشهيد بإذن الله) لاحقاً!

بعد ساعات من تغريدة الإعلامي السعودي دحام العنزي الذي دعا الى فتح سفارة في إسرائيل وان يُعَيّن هو سفيرا هناك بعد عشقي؛ بارك فيها صحوة علي صالح ودعا الى دعمه مالياً بشكل عاجل.. جاء اعلامي آخر هو عبدالله ثابت ليكتب متمنيا بعد مقتل صالح ان تنفلت الأوضاع (الجحيم للتوّ بدأ، والانتقام سيطول). تلك امانيهم بالطبع. واقترح آل ربحان على آل سعود دعم احمد علي صالح بتوافق وطني يمني، وترقيته الى رتبة فريق اول قائد لعمليات استعادة صنعاء. هو الآن رجل المرحلة حسب قول ربحان.

لكن رجل المباحث مشعل الخالدي لا يتوقع شيئاً من هذا، يقول: (لا تركنوا كثيراً لهبّة ثأر. شكلهم بيقضّونها بِكَمْ زامِلْ وكم خطاب وينتهي الأمر. ليالي العيد تْبَانْ من عصاريها، ومواريها ما هيْ مواريْ ثارات. لا المقتول كُليبْ عند قومه، وليس في قومه الزير سالم).

وعموما كانت المشاعر مختلطة تجاه علي صالح لدى الكثيرين.

الاخواني ناصر العودة يحمل صالح دماء الجنود السعوديين، ووصفه بالغدر، والدم برأيه ما يمحي ذنبه لحظة ندم. واعلامي السلطة عبدالرحمن اللاحم، اعتبر عفاش خنجراً في خاصرة السعودية، (وبلاش دموع التماسيح عليه). وخاطب الصحفي إبراهيم السليمان من يمتدح علي صالح: (استح على وجهك واحترم أهالي الشهداء). والإعلامي منذر آل الشيخ اتهم قطر ببيع علي صالح لإيران والتآمر في قتله. كذلك عبدالله مخارش العامل في الشرق الأوسط، رأى ان قطر هي التي قامت بتصفية علي صالح. وخالف هؤلاء الإعلامي محمد الشقاء، فوصف علي صالح بـ (التائب أخيرا من رجس إيران) وان القبائل لن تغفر للحوثي قتله. أيضا المسؤول في وزارة الداخلية محمد الهدله طالب بعدم ذرف أي دمعة او يتحسر على من أسماه بالخائن الهالك علي صالح. وكذلك غضب خالد العمار واستغرب من وجود من يترحّم على عفاش، والصحفي إبراهيم المنيف يقول ان الطمع في السلطة والمال هو الذي قتل صالح.

اذن لماذا لبست مذيعات قناتي العربية والحدث السواد؟ وبأمر من؟

الصفحة السابقة