تقرير قناة الجزيرة عن إدارة إسلامية للمشاعر المقدسة

السيادة على الحرمين الشريفين يوتّر النجديين الوهابيين

قطر الصغيرة جداً تُدمي مقلة آل سعود

عبد الوهاب فقي

قضية قطر صغيرة جداً جداً. هكذا يقول محمد بن سلمان. لكنها لازالت تحتل قائمة الاهتمامات الرسمية والإعلامية بكافة اشكالها بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي. ولازال الجهد السعودي ـ السياسي والدبلوماسي ـ متواصلاً ضد قطر، على أمل تغيير المعادلة القائمة، وكسر جمود المشكلة، بالشكل الذي تتمناه الرياض وحليفتها أبو ظبي.

قضيتان أساسيتان حدثتا مؤخراً وغيّرت المزاج السعودي، وأشعل فتيل النقاش والاتهامات، والتهديدات بالغزو السعودي لقطر، وجرّ أميرها الى ساحة الإعدام، وتعليقه كما تُعلّق الشاة بعد ذبحها، وهو ما قاله سعود القحطاني، مستشار محمد بن سلمان لشؤون الإعلام برتبة وزير.

القضيتان هما باختصار:

الأولى: تجديد أمريكا علناً تعهداً بحماية قطر من أي اعتداء خارجي.

والثانية: موضوع تدويل الأماكن المقدسة من وحي تقرير لقناة الجزيرة.

حماية قطر من الإعتداء السعودي

أعطى ترامب وصهره للمحمدين (ابن سلمان، وابن زايد) الضوء الأخضر لمهاجمة قطر، وكأن ذلك شيكاً مفتوحاً، هدفه المزيد من اخضاع الدوحة، وابتزازها مالياً، والحدّ من توجهها نحو تركيا الأردوغانية غير المرغوب فيها.

وفعلاً، ومنذ بدء الأزمة، لم يكن الرئيس ترامب إلا منحازاً للسعودية، بل أنه أعلن ذلك صراحة في تغريداته التي كانت واضحة الانحياز للجانب السعودي ـ الإماراتي. في حين ان الجهد السعودي، وبعد افتعال الأزمة من خلال اختراق وكالة الانباء القطرية، وتسريب اخبار تحرض ضد السعودية.. كان يتمحور حول تهيئة الرأي العام لإسقاط نظام الحكم في الدوحة، والقيام بعمل عسكري سريع لتحقيق ذلك.

لكن قطر التي تفاجأت بالموقف الأمريكي اكثر من تفاوجؤها بالموقف السعودي، وجدت أن ترامب قد اعطى ضوءه الأخضر للسعوديين والاماراتيين بدون علمهم، وأيضاً بدون وضع محددات لذلك التدخل السعودي. وعليه بادرت الدوحة بسرعة في الاتصال بوزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، المدهوشتين من فعل ترامب، وأعلنا ايضاً في المقابل انحيازهما الى الدوحة، وطلبا من ترامب عدم الخوض في الموضوع بالصورة المستفزة السابقة، وقد أعلن ترامب بعدها انه لن يعلق على ما يجري في الموضوع الخليجي.

هذا كله، عطّل مفاعيل الغزو السعودي الاماراتي لقطر، والذي كان المحمدان بصدد القيام به خلال بضعة أيام على الأكثر، حسب التسريبات القطرية. وأيضاً في السياق نفسه نشير الى أن أمير الكويت لعب دوراً أعلن عنه بنفسه واعتبره انجازاً لشخصه ودوره في الأزمة، الا وهو (تعطيل العمل العسكري ضد قطر).

لكن الرياض لازالت تبحث عن فرصة للقيام بغزو لقطر حتى ولو كان غير مرضيّ عنه أميركيا بشكل كامل او جزئي. وهناك من يدعو لهذا الفعل من المحللين والعسكريين السعوديين، وبشكل علني لا تنقصه الوقاحة.

غير التهديدات الكثيرة التي تظهر في الاعلام السعودي بمجمله والتي تحوي غزواً واحتلالا لقطر، وتعيين أحد أمراء آل ثاني عليها (عبدالله بن علي آل ثاني أولا، وبعد طلاقه مع المحمدين، بقي الخيار لسلطان بن سحيم آل ثاني، ثانياً). غير هذا، فإن السعودية ما فتئت تحشد القبائل ضد قطر، وخصوصاً قبيلة آل مرة، التي يشكل افرادها نسبة عالية من المواطنين القطريين. وطلبت الرياض من أبناء عمومة آل مرة، وتحديداً قبيلة العجمان التي أكثرها يعيش في السعودية، وكذلك قبيلة يام الإسماعيلية في نجران، وهي الفرع الأكبر، طلبت منهم عقد اجتماع تضامني ضد قطر، وكأنه استعراض عسكري في المنطقة الشرقية. كما جرت استعراضات قبلية ميليشيوية شاركت فيها قبائل أخرى من قحطان التي ينتمي اليها وزير الذباب الالكتروني سعود القحطاني.

المهم ان فكرة غزو قطر واحتلالها واعدام او طرد (الحمدين، وتميم، وأمه)، لازالت قائمة وحاضرة وهي من أهم الخيارات السعودية.

 
وزيرا خارجية ودفاع قطر وأمريكا: حماية قطر من احتلال سعودي

كما ان الرياض قد صرحت رسميا مراراً وتكراراً بأنها لن تقبل الحكم الحالي في قطر، أي ان الأزمة مفتوحة زمانياً، والحصار لقطر أيضاً.. على امل ان تنضج طبخة عسكرية يشارك فيها (قبليون، وامراء من آل ثاني، وعسكريون قطريون ولو بالإسم) اما لإنجاح انقلاب، او المساعدة في إنجاح غزو سعودي مرتقب، سواء بالقوات المسلحة الرسمية (الجيش او الحرس الوطني) او عبر فلول مدفوعة الأجر لقبائل يعضدهم جند رسميون ولكن بدون الزي الرسمي.

التفت قطر الى هذا الأمر، مع تكرار التهديدات السعودية. وهي في الأساس كانت تترقب غزواً او انقلاباً داخلياً مدعوماً من السعودية كما فعلت في عام ١٩٩٦.

منذ بداية الأزمة، فعّلت قطر القاعدة التركية، وأرسلت انقرة بضع مئات من جنودها على عجل، في إشارة الى رفضها أي غزو سعودي لحليفتها الدوحة.

ايران من جانبها ـ غير مساعدتها لقطر في فتح اجوائها وموانئها ـ فإنها أبلغت العواصم الغربية بأنها لن تقبل احتلالا سعودياً لقطر.

لكن هذا لم يكن كافياً مائة بالمائة لردع الرياض عن القيام بمغامرة أخرى عسكرية، ولكن هذه المرة ضد حليف امريكي.

وظهر ان حجة البنتاغون والخارجية الأميركية ضد تصرفات ترامب كانت في محلّها، الا وهي التالي: إن التهديد بغزو قطر، سيؤدي الى تدخل تركي إيراني غير مرغوب فيه، كما أنه سيعرّض القاعدة الاميركية في العديد الى مخاطر جمّة.

إزاء التهديدات السعودية المتكاثرة، أرسلت قطر وزيري خارجيتها ودفاعها، للقاء نظيريهما الاميركيين تيلرسون وماتيس، واجتمع الأربعة، ليعلن بعدها عن تجديد التعهد الأمريكي بحماية قطر من أي اعتداء خارجي، مقابل استثمارات كبيرة لقطر في الولايات المتحدة، هذا غير الصفقات العسكرية التي تقدمت بها قطر كعربون لدعمها السياسي، سواء من أمريكا او من دول أوروبية، وهي صفقات بالمليارات. وعلى اثر ذلك صرح تيلرسون ناصحاً بتهدئة الخطاب الإعلامي بين المتخاصمين، وانتزع الوزيران القطريان من نظيريهما تعهداً بأن يدعو ترامب الى اجتماع في واشنطن بين قطر وخصميها ابن زايد وابن سلمان في الصيف القادم، بل ان وزير الدفاع القطري صرح بأن الأزمة الخليجية يمكن ان تُحلّ بمجرد مكالمة هاتفية من ترامب (الى ابن سلمان طبعاً).

الهدف الأمريكي من تأكيد الحماية لقطر، هو في الأساس موجّه لإيران وتركيا. بمعنى: أيها القطريون سنحميكم من الاعتداء الخارجي، شرط ان لا تفسحوا المجال لإيران وتركيا بتوسعة نفوذهما في منطقة الخليج، لأنه سيكون على حساب النفوذ الأمريكي.

بمعنى آخر: اذا كانت أمريكا غير قادرة على حماية حلفائها، أو أحدهم، فإنه لا يمكن ردعه عن طلبة الحماية من دول أخرى حتى ولو كانت عدوة للولايات المتحدة كإيران (التي وصفها تيلرسون بأنها خبيثة، وان الخلاف الخليجي يضعف أمريكا في مواجهتها، وفي مواجهة الإرهاب التي تتعاون قطر مع أمريكا في محاربته!).

إذن، وبلسان أمريكي مُبين: نحميكم أيها القطريون، وعيننا على سياستكم تجاه ايران وتركيا، فهنا توجد خطوط حمراء، ولا يوجد لكم عذر بعد أن نحميكم من مواصلة مشوار استقدام قوات تركية لقطر.

لكن القطريين، الذين هم مستعدون تماماً لتحجيم دور تركيا العسكرية على أراضيهم، وبالقطع هم غير راغبين في وجود إيراني عسكري غير موجود الان.. هؤلاء المسؤولون القطريون، يهمّهم أمر واحد من (تعهد الحماية الأميركي)، الا وهو: (ردع الرياض من مجرد التفكير في مهاجمة قطر عسكرياً). وقد حصلت على ما تريد، وحصل الأمريكي على ما يريد، ان من جهة سياسية او عسكري او حتى من جهة حلب دول الخليج التي تتسابق على عقد الصفقات مع واشنطن، كلٌّ لغرض في نفسه.

انزعج ال سعود من التعهد الأمريكي لقطر بالحماية من أي اعتداء، ووجدوا انه موجه لهم بالدرجة الأساس، وطفقت الصحافة السعودية تتحدث عن خيبة أملها في الإدارة الأمريكية الجديدة، فيما روج الاعلاميون السعوديون الموالون مقولة ان قطر اضاعت سيادتها، وكأن الرياض تختلف عن الدوحة في هذا الأمر، او كأن الرياض تمثل النقيض الأبيض للقطري الأسود!

صاحب موقع (إيلاف) الإلكتروني، ورئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط الأسبق، عثمان العمير تحدث عن (طَرْبَقَةْ قطرية) وقال ان أمريكا تستحوذ على كل أراضي قطر، وأضاف بأنه خبر سار على المدى الطويل والقصير، وانه يمثل ضربة موجعة لإيران والأتراك، والروس. (طبعاً هو لم يشر الى انه غير سار ايضاً للسعودية التي تريد تغيير نظام الحكم في قطر بالقوة العسكرية والحصار).

والإعلامي منذر آل الشيخ، أحد أقطاب الحرب السعودية الالكترونية، قال ان تميم بعثر أموال القطريين، وأن سيادتهم ديست بالتراب برا وبحرا وجواً. وأضاف بأن هناك قواعد أمريكية وتركية وفارسية.. الى آخره (لا توجد قاعدة إيرانية في قطر، ولكن السعودية بها قواعد أمريكية عديدة، والإمارات بها قواعد أمريكية وبريطانية وفرنسية، وكذلك البحرين مقر الاسطول الأمريكي الخامس).

ايضاً وبلغة استعلائية، توسع الصحفي محمد آل الشيخ في عدائه كل القطريين شعباً وحكومة. قال: (أزمتنا مع قطر حتى لو انتهت، سيبقى القطريون منبوذين شعبياً لسنوات وسنوات). وفاخر بأن الشعب السعودي حي، ولذلك هو يعترض على إقامة فعالية تركية في الدرعية، اما القطريين فلم يجرؤوا على معارضة الاحتلال التركي، ووصفهم بأنهم مجموعة من العبيد تتحلّقُ حول بئر غاز. وختم: (ذهب القطريون الى أمريكا يطلبون مناصرتها. بالله عليكم كيف يناصروكم ضد دول إقليمية فعالة مثل المملكة ومصر، وانتم تدويلة لا قيمة ولا وزن لها سوى أنها بئر غاز يتحلّق حوله مجموعة من شذّاذ الآفاق؟).

تدويل الأماكن المقدّسة

بثت قناة الجزيرة القطرية تقريراً عن (الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفين)، يحمل في طياته نقداً لتسييس الحج من قبل الرياض، حيث تمنع حجاج الدول التي لا تتوافق معها، كما تستخدمه ـ حسب لوموند ـ في تهديد الدول الافريقية وغيرها بأنها لن تسمح لمواطنيها بالحج ان لم تقف معها سياسياً ضد قطر.

والهيئة الدولية هذه، حديثة عهد، سمعنا بها في قناة الجزيرة، وفي تقريرها، الذي تضمن ايضاً ضرورة ان يكون للمسلمين اشراف على الخدمات المقدمة للحجاج، وعدم فرض رأي وهابي على جميع المسلمين، واحترام تراث الإسلام الذي تم هدم اكثره بحجة البدعة والشرك.

هذا التقرير، اعتبرته الرياض دعوة لتدويل الحرمين، او هو في العمق دعوة لانفصال الحجاز عن الكيان النجدي السعودي القائم، ما دفع بوزير الخارجية عادل الجبير الى اعتبار الموقف القطري بمثابة (إعلان حرب).

لماذا لم تتحمّل الرياض مجرد تقرير صغير في قناة الجزيرة وعن الحج وتسييسه، وهو أمر ترفضه السعودية حين يمارسه غيرها ولو من باب الدفاع عن قضية فلسطين، في حين هي تحتكر التوظيف السياسي والاقتصادي والإعلامي والمذهبي العقدي الوهابي في الحج؟

لماذا يعتقد ال سعود والنجديون عامة، ان الأماكن المقدسة في الحجاز، صارت من املاكهم، بموجب سيطرتهم عليه، وقيام دولتهم على أشلاء دولة الحجاز، وأنه يحق لهم فعل ما يريدونه بتراث الإسلام والصحابة، وأن يمارسوا كل العهر السياسي بما في ذلك التطبيع مع الصهاينة والارتماء في أحضان الأمريكيين، ثم لا يحق للمسلمين الاحتجاج على هذا الفعل السياسي الشنيع المغطّى بعبارة (السعودية قائدة العالم الإسلامي).

الحجاز، فعلاً ليس ملكاً لآل سعود، والحجازيون الذين يتعرضون اليوم الى هجوم عنيف غير مسبوق تاريخياً في ظل حملة عنصرية نجدية الى حد المطالبة بطردهم من وطنهم الذي احتله النجديون الوهابيون السعوديون قبل اقل من قرن.

والحجاز والحرمين وبأماكنه المقدسة الأخرى، لا يعطي صك براءة لأفعال آل سعود المنحطة أخلاقيا وسياسياً، ولا يقبل ان يكون معبراً لزعامة عنصرية طائفية بقيادة عائلة حاكمة عميلة للغرب.

اذا كانت السيادة على الحجاز لآل سعود، فهذا لا يعني امتلاك الحجاز والعبث بتراث المسلمين الخالد، فالمقدسات لكل المسلمين، كما لا يعني القبول بالتوظيف السعودي للحج.

بعد سقوط دولة الأشراف في الحجاز، فزع العالم الإسلامي من سيطرة الوهابيين على الأماكن المقدسة، ولكن ابن سعود امتصّ غضب المسلمين، والوفود القادمة من مصر وتركيا والهند (قبل تفككها)، وقبل ان يكون للمسلمين دوراً في إدارة شؤون الأماكن المقدسة مع الاحتفاظ بالسيادة عليه، وهذا ما تم تقريره في المؤتمر الذي عقد في مكة عام ١٩٢٦.

فلماذا الآن، وبعد كل هذه العقود لا تقبل الرياض أي رأي لأي دولة إسلامية في موضوع خدمة الحجاج والمعتمرين والاشراف على الخدمات في الأماكن المقدسة؟ خاصة وان آل سعود قد فشلوا في إدارة الحج مراراً، وكل من ذهب الى الحج شهد بنفسه ذلك، خاصة فيما يتعلق بالأرواح التي تزهق في كل عام في الحرائق والرافعات ونفق المعيصم والأوبئة وغيرها.

ثم بعد هذا كله.. لماذا يحق للسعودية ان تتحدث علانية على ضرورة اسقاط الحكم في قطر، وتعمل على ذلك، وتجيّش الامريكان والقبائل والاعلام وتنفق الأموال وتحتضن المنشقين من العائلة الحاكمة آل ثاني.. لماذا يحق للسعودية ان تفعل ذلك، وان تهدد بإلغاء قطر كدولة، وباعتقال وقتل وطرد الحاكمين الآن في الدوحة.. في حين لا يحق لهؤلاء ان يردوا بتقرير تلفزيوني صغير، وهو خبر، ونقل لبيان، يتحدث عن الأماكن المقدسة.

هل يجوز لآل سعود ان يفعلوا ما يشاؤوا، في حين ان الضحية اذا ما قام بأبسط الامور تنقلب الدنيا سعودياً عليه؟

هذا يذكرنا ايضاً بما يجري في اليمن، حيث الحصار والقتل والقصف اليومي والاعتداء الواضح الغاشم، والمجازر، والكوليرا، وغيرها مما يقوم به السعوديون، في حين ان صاروخاً واحداً أصاب الرياض، فقامت قيامة آل سعود وحلفائها الغربيات.

ذات الأمر يتكرر بين الصهاينة والفلسطينيين وفق قاعدة: ما يحق لنا فعله ضدكم، لا يحق لكم في المقابل الرد عليه!

وعموماً فإن قطر التي عرفت كيف تضرب على الوتر الحساس للدولة النجدية، فإنها من جانبها أوضحت بأنها لم تدع الى (تدويل الاماكن المقدسة)، واعلام الرياض قال بأن قطر هي وراء تلك الهيئة الدولية التي تتخذ من ماليزيا مقرّاً لها؛ وواصلت الحملة في الصحافة السعودية بشكل مكثف، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان (إلا الحرمين الشريفين) و (مكة والمدينة في أيدٍ أمينة)، وقد كانت التعليقات اكثر عنفاً واتساعاً وتهديداً، ما يدل على ان طرح قضية إدارة المسلمين للحجاز، حتى مع بقاء السيادة السعودية، امرٌ لا يستطيع آل سعود تحمّله، فكانت ان تواصلت الحملة بالاشتراك مع الامارات والبحرين، وذبابهما الإلكتروني.

لكن الملاحظ في الحملة الإعلامية المسعورة أمران:

الأول ـ هو التأكيد على أن لا مجال للصلح مع قطر، وأن بث التقرير عن الأماكن المقدسة، كان القشة التي قصمت ظهر البعير. إذن لا حوار ولا صلح مع الحكم الحالي في قطر، ما يعني التالي:

الثاني ـ لا بد من غزو قطر (احتلالها) واعتقال او قتل وطرد تميم وأمه وأبيه إضافة الى حمد بن جاسم بن جبر، رئيس الوزراء الأسبق.

وزير الذباب الالكتروني، سعود القحطاني، تحدث عن مؤامرات قطرية، وان قطر تنشيء منظمات وهمية في الدول البعيدة تدعو لتدويل الحرمين، للإيهام بأن ليس لهم علاقة. وأضاف: (سبق تحذيرهم صراحة على لسان وزير الخارجية بأن هذا إعلان حرب)، ووجه كلامه للمسؤولين القطريين: (لا تختبروا صبر الكبار أيها الأقزام). كما هدد القحطاني أمير قطر تميم هكذا: (تراها إشارة من الكبار، وما يحتاج جيش يتحرّك ولا طيّارات تحلّق. ٢٠٠ جيب ما توقف إلاّ بالوَجْبَة ـ أي في الدوحة، ويعلقونك مع رجولك). أي بالإمكان احتلال قطر، وتعليق تميم كما الشاة المذبوحة من أجل سلخها.

رد الامير قطري عبدالعزيز آل ثاني على الوزير السعودي: (والله ثم والله مَنْتْ كفو يا دليم، ولا اللي جابك، والأيام جايّةْ وبيتذكر الكل أن كلامك وكلام مْعَزْبينِكْ ما هو إلا مهايط).

الأمير خالد آل سعود هدد برد عنيف بدون أدنى شفقة او رحمة بكائن من كان؛ والأمير فهد بن مشعل، قال ان حكام قطر وصلوا الى مرحلة من اليأس والتخبط، بحيث بدأوا باللعب بالنار وتقويض الاستقرار الإسلامي. والأمير عبدالرحمن بن مساعد آل سعود يضع تآمر قطر على السعودية لعشرين عاماً، من حيث السوء في كفة موازية مع دعوتها لتدويل الحرمين.

وزير الاعلام السعودي عواد العواد قال بأن الغلّ أعمى حكام قطر، وان الضغينة والحقد قادتهم الى القيام بأعمال دنيئة للإساءة للمملكة. وأما وزير خارجية البحرين، والذي يُلقّب بوزير الريتويت، فخاطب تميم أمير قطر: (كلما فشلت لكم خطة، وسقطت لكم مؤامرة، عدتم الى حكاية تدويل الحرمين. اصمتوا فقد أضحكتم العالم)؛ وأضاف بأن طرح موضوع تدويل الحرمين يلغي أي حوار مع قطر مستقبلاً لحل الأزمة. يقول: (كلامكم عن تدويل الحرمين الشريفين لا يفتح لكم باباً للنقاش).

من جانبه، قال الإعلامي عثمان العمير، صاحب موقع ايلاف، بأن (قطر أخذت في دعوتها لتدويل الحرمين منحى اعلان حرب خارجي على الاجماع السنّي اولاً، وأقفلت بغباء باب التفاهم مع الشعب السعودي). وفي نفس السياق أكد الإعلامي دحام العنزي، داعية فتح سفارة لإسرائيل في الرياض، ما قيل ان قطر تدعو لتدويل الحرمين، وان ذلك اعلان حرب، ووصف حكام قطر بالسفهاء والإرهابيين، وانهم سيندمون على فعلتهم.

رئيس تحرير الشرق الأوسط السابق سلمان الدوسري هدد امير قطر: (لا تلبس ثوباً أكبر من مقاسك. لا تنتهج سياسة تحرق بها نفسك. على نفسها جنَتْ قطر). وأكمل التهديد بالتساؤل: (هل يقدر نظام الحمدين على تكلفة اللعب بالنار؟).

الإعلامي السعودي فهد عافِتْ، وصف حكاية التدويل بأنها واطية جاءت من (ناس واطية) حسب تعبيره، وهدد من تحول الكتابة بالحبر او بأزرار الاجهزة الى كتابة بالدم (واذا ما كُتب الرد بالدم السعودي، فلا يلومنّ أحد إلا نفسه). وفي سياق التهديد ايضاً، هدد سعد بن عمر، الإعلامي والموظف في الاستخبارات السعودية فقال: (عندما تتطاول قطر على بلاد الحرمين، والحديث عن المقدسات، فلتتحسّس قناة الجزيرة ومذيعيها رؤوسهم).

الدم وقطع الرقاب، والاحتلال العسكري وغيره، مجرد ألفاظ تبيّن الانزعاج السعودي، كما تبيّن الخلفية الداعشية لديهم. السعودية تجيز لنفسها الإعلان بصفاقة انها تريد تغيير الحكم في قطر، وتستخدم كل التعبيرات السيئة في اعلامها، ولكن ان تتحدث الضحية قطر عن شيء صغير يتعلق بإدارة الاماكن المقدسة، فتلك جريمة كبرى لا تغتفر سعودياً.

بيد أن التعليقات الأكثر صخباً، هي تلك التي جاءت من العقيد المتقاعد إبراهيم آل مرعي، والذي يملأ الشاشات محللا حرب اليمن، وكلها تحليلات تخبيصية!

ابتداءً يقول العقيد السعودي إبراهيم آل مرعي بأن قطر وصلت الى الذروة في عدائها للسعودية حين شككت في إدارة الرياض للأماكن المقدسة، وان (جميع المعطيات تدفع باتجاه تدخل عسكري ـ سعودي طبعاً ـ في قطر). ويؤكد آل مرعي بأن سقوط نظام الحكم في قطر أمرٌ حتمي، وان تأخير القيام بذلك سعودياً يكبّد الرياض وحلفاءها خسائر استراتيجية لا يمكن معالجتها حتى بعد زوال نظام الحكم في الدوحة. وعليه، يرى آل مرعي بأن الأوضاع الاستراتيجية والإقليمية والدولية والسياسية والعسكرية وغيرها ملائمة (لتنفيذ عملية عسكرية خاطفة لتحرير قطر) حسب زعمه. أي أنه يدعو لاحتلال قطر الآن، وهو يقول تحريرها، (وإعادة الحكم لعقلاء آل ثاني).

ولكن ماذا عن أمريكا والدول الغربية الأخرى، والكويت وسلطنة عمان، وايران، وتركيا وغيرها، والتي ترفض جميعها أي عمل عسكري سعودي لاحتلال قطر؟ العقيد إبراهيم آل مرعي لا يأبه بكل هؤلاء، ولا بتمزيق مجلس التعاون نهائياً، ويدعو الى مغامرة جديدة مثل مغامرة اليمن، ولكن الذي يهم هو أمريكا، بالنسبة له، ولذا فهو يرى: (وضع الدول العظمى امام الأمر الواقع بتدخل عسكري في قطر، مع ضمانات بالحفاظ على مصالحها، بما يضمن انهاء الأزمة القطرية، واستعادة مجلس التعاون).

الإعلامي عضوان الأحمري، صنّف قطر كدولة معادية للسعودية، وقال ان حجمها معروف (في إشارة الى تعبير محمد بن سلمان بأن قطر صغيرة جدا جداً جداً). ولفت الأحمري الى ان ملف تدويل الحرمين كانت تتبنّاه ايران، والآن قطر بالنيابة عن تركيا وبأمر منها، حسب قوله.

والصحفي الآخر محمد بك الساعد، كان متوتراً كغيره: (الحرمان الشريفان دونها قطع الرقاب)! وتركي الحمد أقرّ بأن هناك دعوات لتدويل الحرمين، وأخرى انفصالية في شرق المملكة وغربها، لكنه أكد ان وحدة السعودية (خط أحمر). وهذا ما دعا الكاتب والصحفي الحجازي أنس زاهد الى مساءلة الحمد، حيث اعتبر اتهامه للحجازيين بالإنفصالية تحريضاً عليهم: (هل تدرك مدى خطورة هذا الإدّعاء غير المستند الى أيّ معطى واقعي؟! ما هو الغرض من افتعال فتنة غير موجودة من الأساس؟!).

حتى جمال خاشقجي رأى ان قناة الجزيرة أخطأت بنشر خبر تلك الهيئة المزعومة برأيه، ودعا الى الترفّع عن التهجم على قطر وقيادتها؛ وأضاف بأنه أخبر مسؤولي قناة الجزيرة برأيه، فالخبر من وجهة نظره سخيف والمنظمة مجهولة!

الصحفي سعود الريّس، رأى فائدة من حصار قطر، وهو انه كشف مدى خساسة ووضاعة ما اسماه تنظيم الحمدين. ورأى ان الحصار من أجمل ما حدث خلال الأشهر الماضية، وتمنّى ان يستمر. وحول تدويل الحرمين، قال الريّس ان قطر ليست اول من دعا اليه، وان التدويل خط أحمر، وزاد: لا للعمامة، ولا للطربوش.

بقي ان يقول نعم للشماغ والعقال!

ودخل أنور قرقاش على الخط، وهو الرجل الثاني في خارجية الامارات، وقال ان (خطّة المرتبك ـ يقصد تميم ـ نحو تدويل الحرمين ستفشل كما فشلت سابقاً) وأضاف: (تعودنا منه السقوط والسقطات. لن تجلب هرولته له الأمان).

من جهة أخرى، جاءنا إماراتي آخر ضمن الحملة الاعلامية، بشعر هجائي لقطر ولأميرها، انتصاراً لآل سعود. وتواصلت الحملة السعودية من كل حدب وصوب ضد قطر، فيما غطت صحيفة وزارة الداخلية (سَبْقْ) الحملة، وروجت لها الصحف السعودية الأخرى.

الإعلامي عبداللطيف آل الشيخ لا يرى الحياد في الموقف من قطر الآن بعد نشرها التقرير عن إدارة الحرمين الشريفين، أي لا بد من الاصطفاف كاملاً مع الحكومة. وتناغم مع آل الشيخ الأكاديمي الاماراتي عبدالخالق عبدالله، فقال غامزا من قناة الكويت وسلطنة عمان: (الموقف الخليجي المحايد من أزمة قطر ما هو الا انحياز مستتر لقطر). والشيخ عايض القرني يرى ان اشراف السعودية على الاماكن المقدسة خط أحمر لا نقاش فيه، والصحفية هيلة المشوح وصفت المحايدين الذين لا يدينون قطر بـ (البلهاء الصامتين عن الدويلة المارقة). وأما زميلتها الصحفية نورة الشنار فإنها وصفت حكام قطر بالخنازير. وبدر العامر، الاخواني سابقاً، يرى ان فكرة تدويل الحرمين ليست نابعة من الدوحة التي هي مجرد (أداة قذرة بيد الصفوية والصهيونية والعثمانية) حسب تعبيره.

ووضع المباحثي محمد الطاير سيناريو سعودي لغزو قطر على النحو التالي: أولاً، ضربها بصواريخ كروز، ثم ارسال الطائرات الحربية، وبعدها تتوغل دبابات أبرامز بسرعة لتصل الى الدوحة، ثم يأتي سحل الشيخ تميم وأبوه ومن ساندهم، على يد القوات السعودية ومن يتعاون معها. وكل هذا يمكن أن يتم في ثلاث ساعات.

ورأى المباحثي الالتفات الى أعداء الداخل (الحجازيين) الذين يدعمون توجه قطر في قضية تدويل الحج، وقال انهم يشغلون مواقع مهمة، واختار بعنصرية وليد جميل قطان الذي جلّ ما قاله هو ضرورة تأهيل العاملين السعوديين في الحج والعمرة حتى يتعاملوا بأسلوب حسن مع الحجاج والمعتمرين!

ملخص ما تريد ان تصل اليه هذا المقالة من استنتاجات هو التالي:

أولاً ـ لا يوجد في الأفق حلّ سياسي للأزمة السعودية مع قطر. شأنها في ذلك شأن الحرب العدوانية على اليمن. فالرياض ترى أن أي حل سلمي لا يحقق نتائج مرجوة، ما لم يتم تعديل الأوضاع العسكرية لصالحها على الأرض في اليمن؛ وما لم يتم تقديم تنازلات قطرية ضخمة للرياض.. وكلا الأمرين غير قابلين للتحقق، وبالتالي فإن انهاء المشكلة القطرية تحديداً، ليس في وارد الحكام السعوديين.

ثانياً ـ ما أمّلته قطر من حماية أميركية من العدوان العسكري السعودي هو شبه مؤكد رغم أثمانه الباهظة. ونقول ان الحماية لقطر شبه مؤكدة، لأن هناك احتمال ولو ضئيل ان تقوم الرياض بهجوم عسكري مباغت في مغامرة من مغامراتها العديدة.

ولكن الأمر الآخر الذي املته الدوحة من أمريكا لحل الأزمة مع السعودية ـ بمكالمة هاتفية من ترامب، او بمؤتمر يُعقد خلال الفترة القادمة في واشنطن ـ فإن هذا لن يتحقق، حتى مع عقد المؤتمر، فالرياض ستمطّط الأزمة، وستنتظر نتائج الحصار، لعل فرصة تلوح في الأفق تتيح لها بغيتها، بخضوع قطر كاملاً، او الإطاحة بالحكم القائم في الدوحة.

ثالثاً ـ أن الأمراء السعوديين والطبقة النجدية الحاكمة معها، لديهم استعلاء وغرور بالقوة، وهم ينظرون الى انفسهم ـ كما تكشف ذلك التصريحات والتهديدات واللغة العنصرية والاستعلائية ـ بأنهم قادرون على فعل وتحقيق ما يريدون. ورغم النكسات السعودية السياسية والعسكرية المتواصلة على اكثر من صعيد، وفي اكثر من بلد، إلا ان الاعتداد بالقوة، والزهو بها، طاغياً في الخطاب السياسي.

انهم يبالغون كثيراً كثيراً كثيراً في حجم قوتهم السياسية والعسكرية والمالية، وهذا لوحده كافٍ ليس فقط في اقحام ال سعود في مغامرات خاسرة اكثر مما فعلت، بل ان هذا الغرور المفرط بالذات، قد يسبب انهياراً في الدولة والحكم السعوديين.

وقد تبيّن الآن، ومن خلال تقرير تلفزيوني عن الاماكن المقدسة، بأن ال سعود ليس وحدهم من يستطيع ان يستثمر نقاط ضعف خصمه، بل ان الخصم، مهما نُظر اليه باستحقار، قادر على ضربهم في العمق، وعلى الوتر الحساس المؤلم. لهذا قيل: اذا كان بيتك من زجاج، فلا ترمي بيوت الناس بالحجارة. ولهذا قال الشاعر:

لا تحقرنّ صغيراً في مخاصمة/ إنّ البعوضةَ تُدمي مُقلَةَ الأسد!

الصفحة السابقة