خرج من ملف الفساد متهوراً طائشاً مغامراً وغبياً

سلمان وخرائب نجله!

أخطاء بالجملة وقع فيها محمد بن سلمان وفريقه في ملفات إقليمية

متعددة وكان على سلمان أن يوقف مسلسل الأخطاء قبل أن تقع الكارثة

محمد فلالي

حصاد الأعوام الثلاثة كان كافياً لإقناع ملك السعودية بالمراجعة للحيلولة دون الانزلاق بالكيان الى الهاوية.

البداية من الداخل السعودي، حيث طرأ متغيّر مفاجىء في ملف «أمراء الريتز». فبعد أن كانت التقارير تتحدث عن نقل عدد من الأمراء من فندق ريتز كارلتون الى سجن الحائر، سيء الصيت، وخضوع بعضهم لوجبات تعذيب قاسية، وإذا بالإعلان عن تسريح كل الموقوفين في الفندق، فيما يشبه عملية خاطفة بهدف إغلاق ملف بات عبئاً ثقيلاً، وإن النتائج المرجو تحقيقها تحقّق عكسها تماماً.

   

في مثال الوليد بن طلال، الذي نقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، تفاصيل لقاء جمعه مع رجل أعمال كندي آلان بندر في ديسمبر الماضي، وبطلب من السلطات السعودية، ليكون وسيطاً في المفاوضات مع الوليد بن طلال، إذ أكّد بندر بأن الأخير كان في غرفة أشبه بالزنزانة، ووصف الأمير بأنه كان مرعوباً، وكان يتحدث وهو مرتعش، وبدت عليه مظاهر الإعياء، ولم يحلق لحيته. وهذا ما ظهر لاحقاً في المقابلة المصوّرة التي أجرتها وكالة «رويترز» معه بعد يومين من تقرير «بي بي سي»، بغرض «تكذيب» ما نقلته من معطيات.

 
الوليد بن طلال.. الأمير المرعوب المحتجز في فندق الريتز!

في الوقائع، أن ملف احتجاز الأمراء بلغ غايته النهائية، دون تحقيق الجانب المالي منه، فلا الأموال التي كان محمد بن سلمان يطمح في تحصيلها من الأمراء قد تمّ جمعها، لأسباب عدّة، منها ما بات معروفاً، وقد تحدّثت عنها صحف أميركية وأوروبية، ومن بينها أن البنوك لم تسمح بموجب السريّة المصرفية، لابن سلمان بالاطلاّع على أسرار عملائها، وحتى في حال حصوله على بعض تلك الأسرار، لم تقبل بتسليم الأموال المودعة، لخضوعها لشروط متعلقة ببرامج استثمارية لا يمكن وقفها أو اعتراضها جزئياً أو كلياً.

مهما يكن، فإن الوليد بن طلال نجح بعناده في إرغام الملك السعودي على التدخل لوقف مسلسل الفضيحة المتواصلة، واغلاق ملف «مجرزة الأمراء» بهدوء، مع تسويات مالية بعيدة عن الأضواء.

تدخّل سلمان بصورة مباشرة يعني أن محمد بن سلمان خسر الرهان، باستثناء الإطاحة بأحد منافسيه، أي الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني. بين دفعتي المعتقلين من الأمراء: الأولى في 4 نوفمبر 2017 و4 يناير 2018، يظهر الفشل في إدارة ملف الفساد، إذ لم يخرج منه محمد بن سلمان بطلاً ولا مصلحاً، بل على العكس خرج متهوراً، طائشاً، مغامراً، أحمقاً وغبياً.

ثمة عمل استثنائي مطلوب لا بد من القيام به في الداخل، لترميم التصدّعات الخطيرة في بناء الدولة السعودية. فبعد سلسلة الإجراءات الإستفزازية التي قام بها محمد بن سلمان، والتي تمسّ ثوابت المؤسسة الدينية الوهابية، كان عليه استرضاء كبارها بمن فيهم المفتي، الذي نعت السينما بالشر والفساد، كما حكم على الداعين الى المساواة بين الجنسين بالردّة والاستتابة فإن تابوا والا قتلوا.

الملك سلمان المعروف بعلاقاته الراسخة والقديمة مع المشايخ، وزعماء القبائل، الى جانب كونه «حكيم» العائلة، بات يُنظر اليه بريبة بفعل تفضيله نجله، وإطلاق يده في شؤون الدولة كافة، الإدارية، والأمنية، والمالية، والدفاعية، والدينية، والاجتماعية.

هي حالة غير مسبوقة في تاريخ المملكة السعودية، وقد أجهضت المحاولة التي قام بها الملك سعود لناحية احتكار القرار واستبعاد كل إخوته، ما فجّر خلافاً مفتوحاً دام نحو عقد من الزمن، انتهى بإعفاء سعود من منصبه وتجريده وعائلته من كل الامتيازات وغادر الى اليونان ليقضي بقية حياته ويعود الى البلاد في تابوت سنة 1968.

أخطاء بالجملة وقع فيها محمد بن سلمان وفريقه (تركي آل الشيخ، سعود القحطاني، ثامر السبهان، خالد العيسى، بدر العساكر، سهيل المطيري، سعد البراك...) في ملفات إقليمية: العراق، لبنان، فلسطين، الاردن، قطر، عمان، الكويت، تركيا، الجزائر..وكان على الملك سلمان أن يوقف مسلسل الاخطاء «التي تقشعر لها الأبدان» بحسب صحيفة “ليزيكو” الفرنسية في 28 كانون الثاني، وقالت عن محمد بن سلمان بأن لديه “ميولاً تدعو الى الاشمئزاز بتعذيب جيرانه، من دون أن يقدّر بالضرورة التأثيرات الجيوسياسية لأفعاله».

 
سعود القحطاني، وتركي آل الشيخ.. وزيران من شاكلة محمد ابن

كان تدخّل الملك سلمان في لحظة كانت الرياض قاب قوسين أو أدنى من خسارة حلفاءها الثابتين (الاردن، الكويت، السلطة الفلسطينية، تيار المستقبل في لبنان..)، الذي تطلّب إجراءً إنقاذياً لإعادة لملمة الحلفاء. ما يلفت الانتباه أن فريق محمد بن سلمان بات حرّاً في تصرفاته، منذ إخراج محمد بن نايف من معادلة السلطة.

في الملفات الخارجية، وفي مقدّمها اليمن، كانت التحضيرات للمعركة الحاسمة «مصيدة العقرب» تتواصل بوتيرة تصاعدية، مع اقتراب نهاية المهلة الأخيرة لحرب عبثية شنّها التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن منذ مارس 2015.

خلال أقل من شهر، متغيرات سريعة فرضت نفسها: إعفاء المبعوث الأممي الموريتاني الأصل اسماعيل ولد الشيخ أحمد من منصبه، وتعيين البريطاني مارتن جريفث.

تطوّر آخر لافت، دعوتان بعث بهما الملك سلمان الى أمير الكويت الشيخ صباح، والى سلطان عمان، قابوس بن سعيد، لحضور الحفل الختامي لمهرجان الملك عبد العزيز للإبل، وأيضا المهرجان السنوي لسباق الهجن. أهمية الدعوة لا تكمن في الحدث وإنما في الحديث المزمع. فالقطيعة الطويلة التي فرضتها الرياض على مسقط بالذات، ودونما سبب وجيه، لمجرد أن الأخيرة قررت انتهاج سياسة مستقلة، فإن الملك سلمان توصّل أخيراً الى أن السلطنة قادرة على أن تلعب دوراً حيوياً وساطوياً في الخلافات المندلعة بين دول المنطقة، وبينها وبين قوى كبرى.

ينطبق الأمر هذا على امير الكويت، حيث شهدت العلاقات السعودية الكويتية انحداراً متزايداً بسبب تصرفات وتصريحات تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الرياضة بمرتبة وزير.. وكذلك بسبب الحملة الإعلامية ضد الكويت والتي ما ان تهدأ حتى تفور مرة أخرى على خلفية مواقف الكويت السياسية المختلفة عن السعودية.

الملك سلمان الذي لطالما تعمّد تجاهل الدور العماني، وأوصل في أكثر من مناسبة رسالة خاطئة، سواء من خلال استثناء السلطنة من جدول زياراته الخليجية قبل قمة مجلس التعاون الخليجي في يناير في 2016، وكذلك استبعادها من جولة كانت الى دول شرق آسيوية وأقصى شرق آسيوية على أن تبدأ بالسلطنة، كما أشاعت ذلك مواقع إعلامية سعودية.

كانت نبرة الخصومة السعودية إزاء السلطنة مرتفعة، الى القدر الذي همس أحد الأمراء السعوديين المقرّبين من الملك سلمان الى مسؤول خليجي معني بالحوار اليمني ـ اليمني، بأن السعوديين على استعداد للقبول بهذا الحوار في طهران، ولكن لن تسمح بإجرائه في مسقط.

 
لماذا غضبت الرياض من مسقط لاستضافتها حوار اليمنيين؟

على أية حال، إن لقاء سلمان ـ قابوس، لم يتمّ، وهذا ينبىء عن تحوّل في الموقف العماني اكثر منه من الجانب السعودي، الذي يستشعر اليوم الحاجة الى الدور العماني بعد أن وصل أفق الحرب على اليمن الى انسداد تام. ولكن لغة التراجع السعودية المتواضع تجاه عمان وتهدئة الهجوم عليها، يمثل إقراراً بأن للسلطنة دوراً لا يمكن إنكاره وتجاوزه، وهي اليوم ملتقى لحوارات على مستويات متعدّدة (يمنية ـ غربية)، ويمنية ـ يمنية، وعمّا قريب سوف تحتضن مسقط اجتماعات جديّة لانتاج حل شامل في اليمن.

ما يجدر الالتفات إليه أن الدعوة السعودية لسلطان عمان ليست مقطوعة الصلة عن تحوّل داخلي، إذ إن توقيت المبادرة السعودية بالانفتاح على الجانب العماني يرتبط بمسار جديد يجترحه الملك سلمان لانقاذ إبنه وولي عهده محمد من المأزق الذي وقع فيه.

تعيين المبعوث الأممي الجديد، مارثت جريفث، بريطاني الأصل، يستهدف كسر الجمود في المفاوضات، بعد أن قرّرت حركة أنصار الله وحلفاؤها، مقاطعة المبعوث السابق الذي ينظرون اليه بصفته وسيطاً غير نزيه. وعلى ما يبدو، فإن بريطانيا أمسكت بزمام المبادرة لإدارة الاتصالات مع الأطراف كافة، وهي تحظى، حتى الآن على الأقل، بقبول من هذه الأطراف (اليمنية بشقيها: سلطة الأمر الواقع، والسلطة المدعومة من الرياض وواشنطن)، وكذلك السعودية وايران.

تجدر الاشارة الى أن بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، كان قد زار طهران في 9 ديسمبر 2017، وكان الملف اليمني على رأس جدول المواضيع التي ناقشها مع المسؤولين الايرانيين (روحاني، ظريف، شمخاني). جونسون زار في جولته تلك عمان والامارات، بما يمهّد للمرحلة الجديدة التي يتولى فيها المبعوث الأممي جريفث ملف اليمن. نلفت الى أن جريفث يتبنى مقاربة مختلفة بإصراره على إشراك حركة أنصار الله في العملية السياسية اليمنية، كما انه يعتقد بأن قرار مجلس الأمن الذي غطّى الحرب العدوانية السعودية، يمثل عقبة كأداء امام تطور أي حل، وعليه يرى ان لا بد من الرجوع الى مجلس الأمن لتعديل قراره، الذي وضعه على ضوء توقع انتصار سعودي ـ امريكي ـ غربي ساحق على أنصار الله في اليمن، وفي وقت قياسي، ولكن ذلك لم يحدث، بل حدث العكس.

لقاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في بروكسل مع نظيره البريطاني وممثلة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني في 11 يناير الماضي شمل الملف اليمني مرة اخرى، حيث طلب الجانبان من ظريف مساهمة إيران بصورة فاعلة في حل المسألة اليمنية.

من نافلة القول، قبل إعفاء الأمير محمد بن نايف من مناصبه كافة في يونيو 2017، كان هو يتولى مهمة تفعيل قناة الحوار مع الجانب اليمني، وعلى وجه الخصوص حركة أنصار الله، حين يراد “تسييل” المكتسبات الميدانية في الحوار السياسي، وبعد غياب إبن نايف، ينبري الملك سلمان شخصياً لهذه المهمة.

باختصار، هناك خرائب أحدثها محمد بن سلمان في البلاد وإن مواصلته الطريق نفسه سوف يوصلها الى الهاوية، وإن تدخل سلمان بات حتمياً لانقاذ ما يمكن انقاذه، بعد أن بلغ الخراب مالطا.

الصفحة السابقة