مشايخ الوهابية يصابون بالجنون:

السينما قادمة في بلاد الحرمين!

سامي فطاني

تصريح أطلقه رئيس هيئة الترفيه أحمد عقيل الخطيب.. أشعل صراعاً ونقاشاً واسعاً في المملكة، وتحديداً في الوسط النجدي السلفي الوهابي. فحسب أوامر محمد بن سلمان، قال رئيس الهيئة: (السينما قادمة.. ويمكن للمحافظين ببساطة التزام منازلهم اذا لم تعجبهم فعاليات الترفيه).

ظهر اثر ذلك هاشتاق بعنوان: (افتتاح السينما قريباً)، وتحشّد السلفيون تحت هاشتاق بعنوان: (الزم بيتك يالخطيب، نرفض التغريب)، فرد عليه الطرف الآخر: (شدّ حيلك يالخطيب)، وتحشد السلفيون مرة أخرى حول هاشتاق بعنوان: (لا للسينما في بلاد الحرمين)؛ وهاشتاق (هيئة الترفيه تسعى للتغريب)؛ وهاشتاق (يا ملكنا هيئة الترفيه تدمرنا)؛ وهاشتاق (هيئة الترفيه تخالف ديننا)؛ و(هيئة الترفيه تخالف الدستور)؛ و(مولات جدة تستعد للسينما)؛ وهاشتاق (نَبِيْ وظايف ما نَبِي سينما) أي نريد وظائف وليس سينما؛ وطالب المعترضون في هاشتاق بمحاكمة رئيس هيئة الترفيه؛ واستدعيت هاشتاقات سابقة مثل: (المفتي يقول السينما والحفلات فساد)، وهاشتاق (أوقفوا حماقات هيئة الترفيه)؛ وهاشتاق: (أوقفوا منكرات الترفيه)؛ وغيرها.

كل هذا يدل على انشطار في المجتمع النجدي السلفي الوهابي الذي يمثل حاضنة السلطة؛ وإلا فإن المناطق الأخرى لا توجد لديها هذه العقدة من السينما والترفيه. والسبب ببساطة، ان هناك صراعاً على تقاسم السلطة في المجتمع النجدي نفسه. فهناك ثلاثة لاعبين رئيسيين: العائلة المالكة، ومشايخ الوهابية، والتكنوقراط النجدي. وقد عدّ تأسيس هيئة الترفيه، وكذلك اضعاف هيئة المنكر، اضعافاً للجناح الوهابي في السلطة السعودية نفسها.

إذن هو صراع على السلطة بصورة أخرى، يتخذ شكلاً مختلفاً كل مرّة. واللاعب الأساس هو العائلة المالكة، التي تمتلك القرارات، وترجح هذا الطرف على ذاك، او العكس، حسب مصلحتها. الآن أصبحت مصلحة العائلة المالكة، تخفيض سلطة مشايخ الوهابية، لهذا كان الجأر بالألم والشكوى، دون ان تكون لديهم الجرأة والشجاعة على مواجهتها، وبدلاً من ذلك فإنها تعود الى شتم منافسها، وهم التكنوقراط النجدي الذي يدير الدولة فعلياً.

واذا لم تستطع مواجهة العائلة المالكة مباشرة، فتستطيع ان تُنزل غضبك على المنافس بحجة انه ليبرالي وعلماني وفاسد.

وبدل ان تواجه محمد بن سلمان صانع القرارات، تقوم بمهاجمة المنفّذ لقراراته وهو رئيس الهيئة وتطالب بمحاكمته وصلبه بعد قطع رأسه!

ومع هذا، فإن الاغلبية الساحقة من المشايخ لم يعلقوا على الهاشتاقات، خشية ان يعتقلهم محمد بن سلمان، كما فعل مع بعضهم (إمام الحرم المدني آل الشيخ، والشيخ عصام العويد)، أو خشية ان يخسروا أكثر، وطريقتهم في مواجهة هكذا قضايا: ابداء المزيد من الخضوع والتودد اليه، اي الى محمد بن سلمان والعائلة المالكة.

لنبدأ بهاشتاق # افتتاح السينما قريباً، والذي جاء بعد تصريحات رئيس الهيئة لوكالة رويترز.

الشيخ السحيم، انزعج من ذكر رئيس الهيئة الخطيب كلمة (المحافظين) ورأوا في ذلك ثغرة، وعزفوا بأن ما قاله غاية في الإقصاء والجراءة، لأنه يقول للمحافظين: اذا ما يعجبكم اجلسوا في بيوتكم، وهذا يعني: اضربوا رأسكم بالجدار اعتراضاً!

مغرد معترض قال ان هيئة الترفيه قسّمت المجتمع (النجدي خصوصاً)، وان تصريحات رئيسها مستفزة، وتساءل: (الا يوجد رشيد لإيقافه؟). وآخر المح لمحمد بن سلمان فقال: (اذا كان الوزير يرغب في الفساد، فليس له الحق أن يفسد بلد الإسلام.. نرفض الفساد بقوة). اما الشيخ القاعدي المتطرف حمود العمري فيؤكد على أن المفتي وهيئة كبار العلماء هم المرجع للفتوى ولأجهزة الدولة، ودعا الى النزول عند قولهم وفتاواهم. وهو يعني موقف المفتي والمشايخ الكبار ضد السينما ويرونها حراما، وان فتح دور للسينما مخالف للإسلام!

محمد الشهري يقول ان الفساد بنظره، باسم السينما والترفيه، سببه آل سعود او بتعبيره (الملوك)، وفساد الملوك سببه المشايخ الصامتون عن الحق. هذا القول منقول روحاً من أبي حامد الغزالي. ويعتقد المغرد الفيلسوف بأن رئيس الترفيه سينتصر وتكون له الغلَبَة على مشايخ الوهابية، ليس لصلاحه، ولكن لأن من يواجهه هم من منافقي التدين، الذين يشغلون الناس بذنب الحيّة عن رأسها. ويقصد انهم تركوا رأس الفساد آل سعود.

في المقابل، رأى المؤيدون ان المعترضين على السينما، قد سبق لهم أن كانوا يطلقون النار على صحن الدش، أما الآن فعندهم دشوش وصحون لاقطة. وستصبح السينما أمراً عادياً. آخر واجه المعترضين بان السينما موجودة بأجهزتكم وجوالاتكم بدون مال، فأين هي المشكلة من خوف البعض منها؟

مساعد الكثيري يرى ان المشكلة ليست في السينما ولا الافلام التي هي منتشرة اساساً، وإنما المقصود (ما يصاحبها). وتخاطب مغردة أحد المعترضين بقولها: (ترا رفضك للسينما ما هو فضيلة تؤجر عليها؛ لكن قذفك وكلامك البذيء للمؤيدين لها، هو اللي راح تُحاسب عليه). وياسر السلامي يخاطب آخر: (ترا ما راح يأخذونك من إذنكَ ويدخلونك السينما غصباً عنك. اما محتوى الأفلام فموجود في كل بيت).. يقصد انه يمكن مشاهدته على شاشة التلفاز. واقترح المغرد مشاري على هيئة الترفيه توعية الشعب لأن هذا الشعب (ما عمره دخل السينما ويفتي من راسه. السينما هي شاشة كبيرة، وكراسي، وفيلم. مو مرقَصْ).

بيد أن المغرد أحمد التفت الى البعد السياسي وإثارة الجدل حول السينما، فقال بلسان الأمير محمد بن سلمان: (خلّونا نخليهم يتهاوشون على قيادة المرأة والسينما، مثل كل مرة نسويها، ونفاجئهم بالضرائب بعد كم يوم).

وتصاعد التوتر في نقاش السينما في هاشتاق (لا للسينما في أرض الحرمين)، فقالت عائشة الخضيري إن ارض الحرمين ليست مكاناً مناسباً للسينما، فالأيمان والفجور لا يجتمعان! فرد عليها أحدهم: (كلمة الحرمين تنتهي عند الخروج من حد الحرم المكي او المدني). ودعا احدهم الله على من يعين في توالي المصائب: من قيادة المرأة، الى اسقاط الولاية، الى ايقاف هيئة المنكر، الى السينما. وهو هنا يقصد محمد بن سلمان، الملك غير المتوج. وغيره دعا ـ على وجل ـ الله ان (يكفينا كل ذي شر). واقترح آخر ان تتفق دول الخليج فتقوم جميعاً باغلاق السينماءات ومنع العوائل من السفر، وبذلك نضمن وقف الهدر للأموال. واقترحت صاحبتها الأخرى افتتاح سينماءات غير مختلطة، بعضها للرجال واخرى للنساء، وان تحذف اللقطات السيئة، فهذا افضل بنظرها من متابعة الأفلام على النت بدون تشفير!

لكن المغرد وائل أيّد السينما فهي أحسن من مقاهي الشيشة ويمكن الدفاع عن الوطن فنياً! فيما أيّد ياسر عدم افتتاح سينما، فالوضع الحالي مريح (شغّلْ بروجكتر في بيتكم وتابع أفلام براحتك).

في هاشتاقات أخرى، تمّ الطعن في قرار السينما، من خلال فشل الحكومة في توفير الحاجات الأساسية للمواطنين.

عبدالهادي يقول: (هل من العقل ان ترفهني وأنا لا أملك الأساسيات. اعطني بيتاً أسكنه ولا ترفهني). باحثة عن عمل تقول: (وظفونا بالأول، وبعدها افتحوا سينما، افتحوا كنائس، افتحوا قبوركم.. بستين داهية). وخالد يقول ان اهتمامنا ومطلبنا وترفيهنا الأول هو ان يكون لنا سكن لائق، ووظيفة جيدة، وراتب مجز، وخدمات طبية، وتعليم متطور.

ثم من قال اننا نريد سينما؟ يسأل عبدالعزيز. 70% من الشعب بلا سكن، و65% منهم عاطل عن العمل، و90% من الشعب مديون للبنوك وغيرها. ويسأل أحدهم: (السينما قريباً، طيّب والسكن متى؟ لماذا ليس قريباً؟). كذلك يقول المغرد إكتفاء: (السينما قريباً، ازمة السكن والبطالة واسقاط القروض وتوظيف الكفاءات بعيداً بعيداً). لكن الفولاذية صادقة حين تقول بأن البعض ـ وتقصد المشايخ ـ لا يناقشون البطالة والفقر الا اذا انفتح موضوع قيادة المرأة او الترفيه، ولكن حين تفتح هاشتاق لحل البطالة فإنهم لا يشاركون فيه.

ونال رئيس هيئة الترفيه شتماً كثيراً، فهو من العامة، ومن يشتمه لا يجرؤ على شتم الرأس والأساس وصاحب القرار: محمد بن سلمان، واباه الملك سلمان!

ام عبدالرحمن تطالب بمحاكمة رئيس هيئة الترفيه الخطيب، فكيف يحاكم وزير لفساد اداري، ولا يحاكم من يقوم بالإفساد الاجتماعي؟ والشيخ الخضيري يقول ان رئيس الهيئة بفتحه السينما يقوم بجناية ضد البلد ودستوره ونظامه الأساسي. وشيخ آخر يقول ان محاكمته ضرورة لأنه يدعو الى الخروج عن النهج الشرعي للدولة.

ولتحشيد الشارع السلفي هناك تحريض لإيقاف رئيس هيئة الترفيه، وعمل الهيئة نفسها. فـ (هيئة الترفيه تخالف ديننا)، (اللهم من أقام المنكرات اجعله يتمنى الموت ولا يجده). ثم (يا ملكنا! هيئة الترفيه تدمرنا ولترونّ العجب بعدها، تبدأ بالترفيه، ثم الاختلاط، وآخرها ترفيه الخمر). (٦١) هنا عاندت عبير تيار السلف فقالت بالعكس: (عقبال النايت كلوبز والبارات عشان تتدمّرون صح). ولاحظ حنظلة ان المعترضين يقولون عند اية فعالية فنية: فساد فساد!، وكأن الشعب في مطارات العالم يبدو وكأنهم رايحين للتعبّد! يقول ذلك ساخراً.

ويشتد التحريض: أوقفوا منكرات الترفيه قبل ان تحل بنا العقوبة. أين هيئة كبار العلماء؟ أين محمد بن سلمان؟ ويسخر الغنامي بأن الترفيه ضمن الضوابط الشرعية، حيث يباح الاستماع للأغاني في جدة فقط، ويكره في سائر المدن!

بعدها يبكي أحدهم في هاشتاق: (# اوقفوا حماقات هيئة الترفيه) فيقول: (كانت هناك هيئة ـ ويقصد هيئة الأمر بالمنكر ـ كانت تُصلح فساد المجتمع، فمُنعت وجاءت بعدها هيئة ـ ويقصد هيئة الترفيه ـ تفسد صلاح المجتمع). وتتهم ترف كل المؤيدين للسينما بأنهم يؤيدون الفساد؛ ثم ان هيئة الترفيه تسعى للتغريب، وتخريب المجتمع، فأين المفتي رئيس هيئة كبار العلماء والأعضاء من هذا؟ يتساءل سلفي منزعج. وترد احداهن على كلمة تغريب فتقول: (تغريب؟ وأنت في كل إجازة في دبي ولاّ في البحرين؟ لا تسوّقْ الشرف، وتْسَرْبِتْ هناك، وتنابح هنا على حفلة غنائية).

بقي هاشتاق: الزم بيتك يالخطيب، نرفض التغريب. الزم بيتك، رد على مقولة بقاء المحافظين في بيوتهم ان لم تعجبهم فعاليات الترفيه (اي لا يشاركون فيها).

الحارثي عنده حجة: (اذا كان ترفيهكم وفق الضوابط الشرعية، فلم تطلبون من المحافظين عدم الحضور؟). والداعية عادل الحوالي يقول ان رئيس الترفيه يشعل حرباً فكرية؛ ثم يعمد الى التحريض ضده. والداعية الشنار يخاطب الخطيب: (لا تفرق بيننا فمجتمعنا كله محافظ ولا مكان للشرذمة). وتوقع الحربي اعفاء الخطيب من منصبه (الا اذا كان التغريب والإنحلال توجه للدولة في العهد الجديد).

نعم هو كذلك! وقد رد بن ضياء على أمثال هؤلاء بأن جاءهم بتصريح ابن الملك حول الاختلاط والترفيه، وطالبهم ان يردوا عليه (ولاّ شاطرين على الخطيب بس).

يواصل المعترضون بأن الخطيب يستظل براية لا إله الا الله، ويقوم بالافساد وهدم الدين. لكن من الواضح ان الهاشتاق هجومي غير مبرر، حسب احدهم. وظهر هاشتاق مقابل (# شدّ حيلك يالخطيب) ولا يهمّك تجار الدين والمتحدثين باسمه، فهم يخشون على تجارتهم من الضياع، حسب تركي المهنا. والمقحم يقول بأن المتشددين هم أول من قسم المجتمع وفرّق وحدته، وليس الخطيب رئيس هيئة الترفيه.

الصفحة السابقة