السيد أحمد بن حسن العطاس
السيد الشريف العلامة أحمد بن حسن بن عبد الله بن علي بن عبد الله
بن محمد بن محسن بن حسين بن عمر بن عبد العزيز العطاس العلوي
الحسيني. ولد ببلدة حريضة الفيحاء من أرض حضرموت وأخذ العلم عن جده
الإمام عبد الله بن علي العطاس وعن العلامة السيد الشريف صالح بن عبد
الله العطاس المتوفي ببلدة (عمد) من حضرموت؛ وعن السيد الشريف
العلامة أبي بكر بن عبد الله بن طالب ابن حسين العطاس. حفظ أحمد
القرآن على معلم (حريضة) فرج بن سبح وحفظ عدة من المتون على البيت
الحبيب العلامة محمد بن علي السقاف، ثم سافر لحج بيت الله الحرام
ولطلب العلم الشريف سنة 1274هـ، فقرأ القرآن وجوّده على الشيخ المقرئ
علي ابن ابراهيم السمنودي وحفظ الشاطبية وغيرها، وأتقن علوم القراءات
السبع؛ فلما أكمل المصحف حفظاً وتجويداً، أُقيمت له حفلة عظيمة في
المسجد الحرام تعظيماً للعلم ولكتاب الله العظيم، حضرها جميع علماء
مكة وأعيانها ووجهائها وجميع الشخصيات البارزة؛ وحضر الشريف والباشا،
وامتلأ الحرم الشريف بالناس وكان ذلك في حضوة باب الصفا بعد صلاة
الصبح، وحضر جميع القرّاء الموجودين بمكة.
ابتدأ السيد أحمد الحفل بقراءة الفاتحة و (ألم) الى .. (المفلحون)
ثم آية الكرسي ثم (لله ما في السموات) الى آخر سورة آل عمران، وأتى
بما لجميع القراءات من الوجوه، فأطرب الحاضرين صوته الحسن وقراءته
المجودة بالأداء. ثم قسم على الحاضرين نحو ثلاثة قناطير حلوى تعظيماً
لكتاب الله وللعلم. ثم شرع في حفظ بعض المتون: فمن محفوظاته
الأجرومية، والملحة، والألفية في النحو. وفي الفقه الزبد وبعضاً من
المنهاج للنووي ومن البهجة الوردية الى باب الزكاة ومن الحديث غالب
الجامع الصغير.
وقد مكث بمكة المكرمة خمس سنين أو أكثر يطلب العلم الشريف حتى
تضلع في غالب الفنون، وبرع في المنطوق والمفهوم، فأخذ التفسير
والحديث والفقه والنحو والبيان والصرف والإستعارة حتى فاق أقرانه،
وكان شيخه السيد أحمد دحلان يحبه ثم زوجه على بنت أخيه حباً له، فظهر
ظهور الشمس في رابعة النهار، وكان شيخه ينيبه في الدرس إذا بدا له
عذر كما كان ينيبه في الصلاة إذا بدا له عذر أيضاً، وكان يقول له:
أنت خليفتي في مكة، وليتك مكاني.
ثم أن أهله وأباه بحضرموت طلبوا منه العودة فأبى شيخه، وبعد إلحاح
شديد سمح له بالعودة فعاد اليها وابتدأ بنشر الدعوة الى الله في جميع
القطر وحصل منه نفع عام، وتخرج عليه علماء أعلام، وكان أكبر مصلح
لذات البين في وادي حضرموت من أدناه الى أقصاه.
وقد أُطفئت على يديه فتن عظيمة بين القبائل والسلطان القعيطي،
ومنها إصلاحه بين القعيطي وقبائل حجر سنة 1328هـ بعد أن دامت الفتنة
والحرب أربعة عشر عاماً، فلم يكن الإصلاح إلا على يديه، وكان لا يملّ
من قراءة العلم الشريف ليلاً ونهاراً سفراً وحضراً، لا سيما في كتب
التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغيرها من الفنون.
وقد جمع أكبر مكتبة في الجنوب العربي تحتوي على نحو عشرة آلاف
مجلد، بعضها مخطوطة بقلم مؤلفها، وكان يأمر ويحث الحث الشديد على
القراءة في كتب المتقدمين الجامعة للدليل والتعليل، وينهى عن مطالعة
كتب المتأخرين المجردة عن الدليل والتعليل، وكان يأمر بقراءة كتاب
المهذب ونيل الأوطار، وزاد المعاد لإبن القيم، وأعلام الموقعين،
وتفسير ابن جرير وابن كثير وتفسير صديق حسن خان، وشرح الإمام النووي
على مسلم في الحديث ومقدمة ابن خلدون ومقدمة فخر الدين الرازي ومقدمة
الإمام النووي على مسلم، وكتب على ظهر كتاب (زاد الميعاد) التالي:
ينبغي لمن أراد أن يتقيّد بالآداب النبوية ألاّ يفارق هذا الكتاب لا
حضراً ولا سفراً، فما بعد هدى المصطفى وأصحابه وأتباعه إلا الردى
والضلالة.
وكان للشيخ أحمد العطاس رحمه الله الجاه الواسع والكلمة النافذة
عند القبائل، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تأخذه في
الله لومة لائم، وكان بيته مأوى للغرباء والأضياف ولجميع الوافدين
والقاصدين، بل لجميع المسلمين، وقد أخذ عن مشايخ كثيرين منهم بمكة
العلامة السيد محمد بن حسين الحبشي العلوي والعلامة فضل بن علوي بن
سهم والعلامة السيد محمد بن محمد السقاف، وأخذ بمصر عن شيخ الإسلام
محمد الأنبابي، وأخذ عن علماء كثيرين بحضرموت منهم العلامة السيد
أحمد بن محمد المحضار، والعلامة أحمد بن عبد الله البار العلوي،
والعلامة محمد بن علي السقاف، والعلامة السيد محمد ابن ابراهيم
الفقيه العلوي، والعلامة عمر بن حسن الحداد وغيرهم ممن يطول تعدادهم.
وأما تلاميذه فكثيرون لا يحصون، فمن أشهرهم وألمعهم العلامة عبد
الله بن علوي العطاس، والعلامة أحمد بن عبد الرحمن السقاف العلوي،
والعلامة محمد ابن عثمان بن يحيى العلوي، والسيد العلامة علوي بن
طاهر الحداد، وأخوه العلامة عبد الله بن طاهر الحداد، والعلامة يوسف
بن إسماعيل النبهاني، والعلامة الشيخ عمر ابن أبي بكر باجنيد المكي،
والعلامة السيد عبد الله بن عمر الشاطري، والعلامة محمد بن عوض
بافضل، والعلامة محمد بن عقيل العطاس، والسيد الفاضل مصطفى المحضار،
والعلامة أحمد بن حسن الكاف، والعلامة أحمد بن أبي بكر بن سميط
وغيرهم.
وللسيد رحمه الله رحلات الى مكة المكرمة كان آخرها سنة 1325، حيث
نزل ضيفاً كريماً على الشيخ العلامة محمد سعيد بابصيل، وابتهج به أهل
مكة غاية الإبتهاج، وصاروا يترددون إليه ليلاً ونهاراً وأقاموا له
المآدب الفخمة، منهم العلامة السيد حسين بن محمد الحبشي، والعلامة
الشيخ عمر باجنيد والعلامة الشيخ عابد مفتي المالكية، والعلامة السيد
عمر شطا والعلامة أحمد بن أبي بكر شطا، والعلامة السيد عبد الله بن
صدقة دحلان، والسيد العلامة سالم بن عيدروس البار، وأبناء العلامة
عيدروس وأخوة أبي بكر البار. وكان يحضر تلك الجلسات النفيسة جملة من
علماء الإسلام من مصر واليمن والمغرب والشام مثل السيد محمد بن جعفر
الكتاني، والعلامة المحدث الشيخ شعيب المغربي، والعلامة مفتي زبيد
السيد سليمان بن محمد الأهدل، وغيرهم.
وقد دونت بعض تلك المجالس النافعة في الرحلة المكية، وقد ترجم
للسيد أحمد عدة من تلاميذه مثل العلامة علوي بن طاهر الحداد والعلامة
محمد بن عوض بافضل وغيرهم. توفي رحمه الله ببلدة حريضة في 6 رجب سنة
1334هـ. |