''وهابيون'' في واشنطن
تقول مصادر سعودية مقرّبة من الإتجاه الديني الرسمي (الوهابي) أن
وزارة الخارجية الأميركية وبالتعاون مع نظيرتها السعودية ووزارات
سعودية أخرى، دعت ضمن حملتها الإعلامية بين شعوب العالم الإسلامي
عدداً من المشايخ السعوديين (المعتدلين حسب التصنيفين السعودي
والأميركي) لزيارة الولايات المتحدة والتعرّف عن قرب على أوضاع
المسلمين هناك، وكيف أنهم يتمتعون بحريّة في ممارسة شعائرهم الدينية،
ويتمتعون بحقوق المواطنة.
وقالت المصادر أن وزارة الخارجية الأميركية استقبلت حتى الآن نحو
27 شخصية دينية سعودية رسمية التقت مع عدد من المسؤولين في الوزارة
ووزارات أميركية أخرى، كما تم ترتيب لقاءات مع عائلات أميركية مسيحية
للتعرف عن قرب على العقلية الأميركية الشعبية.
وتضيف المصادر السعودية، أن الدعوة الأميركية واحدة من مجموعة
خطوات ترمي لإصلاح العلاقات السعودية الأميركية و(ترشيد) الشارع
السعودي المعادي للولايات المتحدة. كما وتأتي الدعوة التي ستجرب في
دول إسلامية أخرى ضمن الحملة الأميركية الدعائية لإصلاح سمعتها بين
الدول الإسلامية متزامنة مع تخصيص 15 مليون دولار تمّ الإعلان عنها
ضمن الحملة الإعلامية في تلفزيونات الدول العربية والإسلامية.
على صعيد آخر، يبدو التيار السلفي بحجمه العريض في مواقع نفوذه في
نجد شديد التحدّي والإصرار على عدائه لسياسات الولايات المتحدة
الأميركية، خاصة بعد الضغوط التي مارستها الأخيرة على العائلة
المالكة لتحجيم التيار الوهابي في حقلي الإرشاد الديني والتعليم
ومؤسسات الدولة الأخرى، حيث يتهم هذا التيار بأنه أداة تفريخ الإرهاب
داخل وخارج المملكة. بمعنى آخر، إن ما يقوم به التيار السلفي لا يعدو
أن يكون ردّ فعل طبيعي للدفاع عن مصالحه وأتباعه، وهذا أدّى الى
تزلزل أركان النظام السعودي نفسه الذي اعتمد دائماً على التسالم بين
علاقاته مع واشنطن وبين دور متميّز وواسع للتيار السلفي الوهابي في
الدولة، حيث أصبح اضطراب العلاقة بين الطرفين الوهابي والأميركي
وإرضائهما واحدة من أهم المعضلات التي تواجه نظام الحكم في الرياض.
وبذا، فإن للرياض أهدافها من تقريب التيار الوهابي الى واشنطن، أو
إعادة الدفء الى العلاقة التي كانت بينهما. فقد كان هذا التيار
النموذج المعتدل في عيون مسؤولي الإدارة الأميركية لعقود عديدة، وقد
اشتركا في مهمّات تبدو في ظاهرها تخدم الطرفين تحت إشراف المايسترو
السعودي: مثال ذلك مكافحة الشيوعية، ومحاربة الروس في أفغانستان
ومحاربة المدّ الثوري الايراني.
لا ينفي هذا بالطبع ما يسميه التيار الوهابي الخلاف العقدي بين
الطرفين، ولا يبدو أن هذا التيار كان يدرك أو أدرك الآن أن ما كان
يعتقد أولوياته في العمل الديني كانت تصبّ في النهاية ـ وتحت إشراف
العائلة المالكة ـ في مصلحة الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة.
بيد أن السنوات الأخيرة حوّلت الوهابية من نموذج للإسلام المعتدل
التي تحبّذه واشنطن الى العدو الرئيسي المحتمل، كما وضع واشنطن في
أعلى سلّم المستهدفين لدى التيار الوهابي، بعد أن كانت الشيوعية
والتيارات الإسلامية المختلفة معه. |