هل هذا هو ''بلد الأمن والأمان''؟
مؤشرات انهيار سلطة الدولة وتحلّل المجتمع
سواد في ثوب العروس: نصابون ولقطاء ومحترفو دعارة في
''العزيزية''
كما في جدّة، تكاد لطخ السواد تغطي وجه مدن المملكة الكبيرة. على
السطح هناك مظاهر التدين والتقى المغالى فيه، كمسلك اجتماعي يفرض،
وهناك سلطة القانون و''بلد الأمن والأمان'' والدعاية التي تغرق
الأذهان والآذان وكأن المملكة لا يوجد بها سوى التقى والحياة الآمنة
وربما العبث بالأموال!
تحت السطح، يظهر وجه آخر للمجتمع السعودي، وللإنسان الذي فرضت
عليه سياسات النفاق، والذي حوّلته الى أن يسلك مسلكين أحدهما للخارج
والآخر للداخل.
الوجه الآخر الداخلي بدأت الصحافة تتحدث عنه، ولكنه تفاقم هذه
المرة، وصار الإنحراف والجريمة يمارسان تحت نظر السلطات، التي فقدت
سيطرتها على الأوضاع في أحياء عديدة.
هذا المقال يكشف وجهاً طالما تمّ إخفاؤه، لأسباب سياسية بالدرجة
الأولى، لأنه يمثل إخفاقاً أمنياً للعائلة المالكة، إضافة الى
الإخفاق الإقتصادي والإجتماعي.
هذا المقال يكشف وجهاً طالما تمّ إخفاؤه، لأسباب سياسية بالدرجة
الأولى، لأنه يمثل إخفاقاً أمنياً للعائلة المالكة، إضافة الى
الإخفاق الإقتصادي والإجتماعي.
كنت اظن ان الكرنتينة بكل مفاسدها تمثل النموذج.. وظللت اعتقد ان
البساط لم يسحب بعد من (الحفيرة).. ولازلت مقتنعا بأن حارة (الدقيق)
لها قصب السبق واذا بي اكتشف سبب السرطان وبؤرة تواجده في هذا الحي.
نساء يقدن عملية التغيير الايدلوجي.. ويحددن ساعات التحرك ويرسمن
خطط البيع ويجدولن مواعيد الزبائن.
تحمل المرأة سفاحا فتضع وليدها البريء بجوار صناديق النفايات
لتلتقطه ايدي الجمعيات الخيرية او يلفظ انفاسه الاخيرة دون علم احد.
أما بنات آخر زمن، بنات الحارة فينزعن ثياب الحياء بجولاتهن
المكوكية في عز القيلولة وبعد صلاة الجمعة من كل اسبوع وعقب صلاة
العشاء يجتمعن داخل الاحواش فيشربن الخمر علانية.. ويدخن الحشيش بلا
مواربة.. ويرقصن على انغام المسجلات.. خليط من شباب وفتيات ولا يطيب
لهم الخير واهله ولا يستكين لهم شيطان العربدة ولا يلتفون حول اي
فضيلة.
الدعارة.. تجارتهم المزجاة.. يعرضونها على قارعة الطريق..
المشاركة تبدأ من العاشرة, والاسعار تعلو بعد الرابعة عشرة والخروج
بحرية مباحة بعد السابعة عشرة اما الزيارات المنزلية فلها (كيف)
يعد.. ومزاج تنثر امامه الحشيشة والنارجيلة وقارورة الخمر.
الاستخدام والشم صفة الرجولة للصغار فهنا تتم التنشئة واعداد
المجرمين لمواجهة اسوأ الظروف, ولا تتعجب ان وجدت ابن السابعة يسرد
عليك كل الانواع. وسيارات الليموزين تطوف وتسعى في ازقة الحي واروقته
فعناصر الجاذبية تشد هؤلاء العزاب وتسوقهم الى الهاوية.
لا ترى إلا سوادا في كل اتجاه كأنها هجرة جماعية للنساء من
البيوت.. الرجال اما متسكعون او نائمون في اغلب الاحوال.. الشباب
زرافات ووحدانا امام البقالات.. وتحت جدر المنازل ساعة الذروة يتحول
الحي الى خلية نحل.. جنسيات مختلفة عرب وآسيويون وافارقة كأن على
رؤوسهم الطير، لا تكاد تجد بابا مغلقا بعد الظهر.. يلفت انتباهك
ظاهرة البحث عن صرف للنقود فالخمسون لا توجد مع كل الزبائن.. اصحاب
البقالات لديهم معرفة بالحل فيسروا الاجابة على السائل.
يتحركون بخطوات منظمة لا تخطئها العين.. باصات مخصصة تقل النساء
والاطفال فقط.. يخرجون في العاشرة صباحا من كل جمعة.. يلبسون رث
الثياب.. العباءات وسيلتهم للتخفي.. الخطة معدة سلفا للتسول.. يجمعون
من المصلين ما جاد به النهار.. ويسرقون من مصليات النساء ما لذ من
حلي.. يوزعون عند مساجد معينة.. الشعيبي بالسلامة.. الملك سعود بطريق
المدينة.. العناني بالحمراء.. الجفالي بالبغدادية.. الخ.. تعود
السيارات لجمعهم قبل الرابعة عصرا.
البيوت الشعبية التي يستأجرونها تتحول الى شبه املاك فالذي يغادر
لا يسلمه إلا لبديل من نفس القبيلة.. ترى المرأة كل يوم مع رجل..
وترى الرجل كل يوم مع امرأة.. اي علاقة يمكن ان تنشأ في هذا المكان..
هذا ابن من.. وهذه بنت من؟ قال لي احد الاخيار: كثير من هؤلاء
الاطفال لا اباء لهم ولا امهات.. تم احتواؤهم وتوظيفهم لاغراض دنيوية
لدى هذه الاسر ولا غرابة ان تجد بينهم السارق والمشفط.
لجنة تسمية الشوارع بمحافظة جدة احالت الحي الى اودية وجبال..
التقسيمات الثلاث الرئيسية للعزيزية كحي هي تلك التي تقع خلف تعليم
البنات.. جزء يسيطر عليه الباكستانيون العزاب من سائقي الليموزين في
اقصى الشمال وجزء اوسط يسكنه العمال السوريون وسعوديون وجنسيات اخرى
وهو افضل اجزاء الحي ويجاوره الجزء الجنوبي الذي تسكنه كل الاخطاء
البشرية.
اينما التفت ستجد اودية.. وادي عدن.. وادي عربة.. وادي اسمرة..
وادي طور.. وادي الرابي.. وادي شكر.. وادي حفرة.. وادي سعدية.. وادي
قرية.. وادي رسان.. وادي القاع.. وادي املج.. وادي رابغ.. وادي
تغريت.. وادي زبيد.. وادي الحسا.. وادي بيرين.. وادي التراث.. وادي
الغرة.. وادي العميري.. جبل الصنار.. جبل القرية.. جبل الصفا.. جبل
مسك.. الخ.. مسميات حصرت في مساحات ضيقة لا تتجاوز عشرة امتار لا لون
لها ولا طعم ولا رائحة ومن الطبيعي ان تكون الكتابات التي تحملها
جدران المنازل اشبه برسائل الرفض لهذه التسميات.. فهناك شوارع
بوروندي.. وكجا.. وناديكا.. وسماوة وزنيدي ونهناجار.. وكتامو.. الخ..
افرازات لثقافة وافدة تعلو وتمارس التغيير وتفرض الاستجابة لها شاء
من شاء وابى من ابى.
سألني محمد آدم وهو يحاول التخفي عن انظار اصدقاء في الحي ليدلني
على بعض المواقع.. ما الذي يدعوكم للكتابة عن حي تزوره الدوريات صباح
مساء.. يلقى القبض على البائعين والمخمورين بل وبيوت الخمر والدعارة
بشكل يومي.. ذكرت مشاكله في الصحف كلها.. هل من جديد يمكن ان يحدث
مستقبلا؟
كانت اجابتي.. ان اريد إلا الاصلاح ما استطعت.. قال: انت تنفخ في
قربة مشقوقة فالنساء لهن وسائل ضغط ومراوغة اكثر من الرجال وهن يعلمن
ان هناك من يبحث عن بضاعتهن وسوقهن.
يكشف لي آدم خداع هؤلاء التشاديين في وصفهم مكان تواجدهم بقوله:
إنهم يستخدمون القطاعات الرسمية الحكومية غطاء لتأمين ممارساتهم
واضفاء صورة وردية فيقولون يحدنا من الشمال شارع التحلية ومن الجنوب
كتابة العدل وشرطة العزيزية ومن الشرق ادارة مكافحة المخدرات ومن
الغرب المحكمة الشرعية الكبرى ومقبرة العزيزية ثم سألني ضاحكا: ألا
توحي لك حارة بهذه الحدود انها نظيفة وآمنة وغير مثيرة للشك.
هناك غياب لصوت الوعي.. وهروب من الدعاة.. وانكسار للغة الفضيلة..
وتراجع لقيم المجتمع.. وتخوف من المواجهة.. وانهزام امام المادة..
وتفريط في الامانة.
بدر الغانمي
|