سعد الكبور.. كتاب الجنة!
في قصة نهر البارد ما يبعث على الاستياء الشديد من
إقحام شباب في فوهة الموت، فقد تم تهريب عدد كبير من الشباب
خلسة من مدنهم وقراهم، ليتحوّلوا الى قرابين في حروب عبثية،
فقد بلعتهم أرض لا ينتمون إليها، وكأنما غادروا وطنهم
ليدفنوا خارجه، ومن سوء حظ أهلهم أن توضع شواهد على قبورهم
ليدخلوا ضمن الذاكرة اللبنانية من باب المقت لوجود أجساد
غريبة، كيف وأن تلك الأجساد جاءت لتشيع الشقاء بين اللبنانيين.
سعد أحمد الكعبور، مواطن من مدينة الدمام بالمنطقة
الشرقية قتل في نهر البارد، إختفى فجأة في الأول من ديسمبر
2006 بحسب تصريح والده أحمد الكعبور لصحيفة (اليوم) في
السادس من يوليو.
شهر ديسمبر شهد النفير العام بين العناصر السلفية الجهادية
الذين تم تجنيدهم داخل وطنهم لينتقلوا الى لبنان، وهذه
التورخة تتطابق مع رواية سابقة نشرت قبل اندلاع الإشتباكات
وكانت تقول بأن هذه العناصر دخلت الى لبنان في شهر ديسمبر
2006.
الطريقة التي اختفى فيها المغدور به سعد الكعبور هي
الأخرى مثيرة، فقد قطع الأخير نسق حياته اليومية بصورة
مفاجئة وأجرى إتصالاً عاجلاً بأخيه يخبره بأنه قد أوقف
سيارته في الموقف رقم 11 في مجمع الراشد عند مدخل مدينة
الخبر، وتلك كانت آخر مكالمة. بقايا الفطائر، وعبوات البيبسي
كانت طازجة ما يوحي بأن قراراً قد صدر على عجل وطلب منه
المغادرة الى لبنان على الفور. من الواضح، أن بطاقات السفر
كانت جاهزة ما جعل إمكانية اللحاق به ومنعه من السفر صعباً،
وهنا أيضاً نقطة أخرى، فقد كانت البحرين هي مركز المغادرة
لقيادات في التنظيم، مثل ابو سليم طه أو الحميدي الدوسري،
المسؤول الإعلامي في (فتح الإسلام).
وكغيره من المقاتلين، كان سعد الكعبور ضمن طلبة جامعة
الإمام محمد بن سعود التي أوصلته الى حتفه مع زملاء له
في نهر البارد. في قصة سعد الكعبور ما يدعو لوقفة، فقد
كان يحمل معه مؤلفاً بعنوان (كتاب الجنة)، الذي يقول عنه
إبن خالته بأن سعد كان يأتي له ويقول: (سوف أقرأ عليكم
كتاب الجنة فكنت أستغرب كيف يكون في هذا السن ويحاول أن
يعمل علينا داعية ويعتقد بأنه قادر على أن يفهمنا بأمور
ديننا أفضل منا).
يروي أخوه الطبيب عبد العزيز ما جرى في لحظة حاسمة
قبل رحيله الى لبنان بأنه قد ترشّح من قبل أحد المشايخ
بتدريس أبناء المجاهدين في المناطق المضطربة حول العالم.
يقول عبد العزيز تعليقاً (ولماذا رشّحك هذا الشيخ المزعوم
ولم يرشّح أحد أبنائه، وعلى أي أساس رشحك، فقال أنه بيّن
له أن في هذا العمل خيراً كبيراً). لم يدرك عبد العزيز
أن ترشيح الشيخ له لم يكن سوى دعوة موت مفتوحة لأخيه في
معركة مجهولة. ومن الطبيعي أن لا يجد الأب من يحمّله المسؤولية
في خسارة إبنه سوى من كان يتردد عليهم مثل المكتبة والمسجد
والجامعة، ولم يكن يدرك بأن ثمة من ينسج كفناً له في مكان
آخر. إبن خالته يوسف لمّح إلى شيء لم يفصح عنه ولكنه قابع
في خلفية تفكير كثيرين، فقد ذكر بأن (هناك من غرر بسعد
ونطالب بايجادهم والقصاص منهم فأنا لا أعلم كيف تمكنوا
منه وكيف تمكّن هو من إخفاء ما كان يمر به عنا)، وهو ما
كرّره خاله أيضاً الذي قال بأن (هناك من تمكّن من التغرير
به واستغلال طيبته واندفاعه) محذّراً جميع الأهالي بأن
يأخذوا الحذر ويحرصوا على أبنائهم.
ثمة لفتة يجدر ذكرها، فإمام مسجد الحي الشيخ رياض الهويمل
ينفي بأن يكون قد شجّع سعد على الجهاد، وقال بأنه كان
يغيب عن المسجد وعن أهله قرابة الشهر ومن ثم يعود، وأنه
كان يبين له أن المسألة ليست حمل سلاح والتوجه به لمناطق
الصراعات. وتساءل الشيخ مع أهله وكثيرين عمّن سعى للتغرير
بمثل هؤلاء الشباب فهل هناك، على حد قول الشيخ الهويمل،
راية في نهر البارد يقاتل تحتها المسلمون حتى يستوجب الجهاد؟
ويبقى ملف المقاتلين السعوديين في لبنان مفتوحاً، سيما
بعد أنباء إنتشار أعداد منهم في مخيمات فلسطينية أخرى
ومناطق متفرّقة من لبنان. فقد ذكرت صحيفة الحياة في 8
يوليو بحسب مصادر أمنية لبنانية بأن مقاتلين سعوديين موجودين
في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا في جنوب لبنان. وتكشف
قوى الأمن اللبنانية بين فترة وأخرى خلايا منتشرة في مناطق
لبنانية متفرّقة تضم عناصر سعودية، وقد نكتشف في وقت لاحق
بأن بعضهم، كما تلمح مصادر أمنية لبنانية، متورط في عمليات
إغتيال لمسؤولين لبنانيين.. بأوامر من الكبار!.
|