مجلس (المبعوثان) السعودي
يواجه مجلس الشورى السعودي إنتقادات واسعة محلياً،
بفعل المساحة الضيقة التي يناور عليها، والموضوعات ضئيلة
الشأن التي أحيلت له، وهي مشكلة صاحبت المجلس منذ نشأته
العام 1992. وفيما كان الإصلاحيون يطالبون بفتح أفق المجلس
وتحويله الى مؤسسة تشريعية منتخبة، تزاول عملية رقابة
على أداء الحكومة، والإرتقاء بمستوى المناقشات الدائرة
تحت قبة المجلس بدلاً من إستعادة نهج مجلس الوزراء السعودي
في عقديه الأوليين حيث كان الوزراء يناقشون تمديد خطوط
الاتصالات الهاتفية، وتعبيد الطرق، وإيصال المياه الى
تلك القرية، أو مناقشة إتفاقية التبادل البريدي مع دولة
قابعة في أقصى قارة، أو المصادقة على قانون الجمارك، وباقي
الموضوعات التي يقدر على القيام بها شخص في أدنى مؤسسة
حكومية.
على أية حال، أفردت الصحافة المحلية مساحة خاصة لمناقشة
تجربة مجلس الشورى السعودي وتقويم أدائه طيلة الدورات
الماضية، بالرغم من أن المناقشة وسهام النقد تتجه غالباً
الى أعضاء المجلس وليس الى من أنشأه في هيئته الحالية،
والإعاقة الخلقية التي لحقت به منذ يومه الأول.
سعد البلوي، أحد كتّاب الوطن، نشر مقالاً في 19 أكتوبر
حول تجربة مجلس الشورى السعودي، ولكن الصحيفة قامت بتعديل
العنوان والمحتوى بما يتناسب والمساحة المقررة لحرية التعبير
فيها، ولكن البلوي قام بإعادة نشر المقالة بعنوانها الأصلي
وبمحتواها الكامل على شبكة الإنترنت.
المقالة جاءت بعنوان (مجلس المبعوثان السعودي) قياساً
على مجلس المبعوثان العثماني الذي تشكّل عقب قيام السلطان
عبد الحميد الثاني بإجراء إصلاحات دستورية. وكلمة (المبعوثان)
تشير الى النواب المبعوثين من ولاياتهم الى البرلمان العثماني
في العاصمة الآستانة حينذاك، وقد تم اختيارهم من بين موظفين
سابقين في المجالس الإدارية في الولايات والأقضية العثمانية
وكثير منهم ينتمون الى أسر معروفة في المجتمع.
يجد البلوي أوجه شبه عدة بين تجربة مجلس المبعوثان
العثماني ومجلس الشورى السعودي. ويقول (فما حدث في (المبعوثان)
العثماني ربما يحدث في (مجلس الشورى السعودي)، فالتلفزة
المحلية تنقل لنا تسجيلاً لبعض الجلسات كل جمعة تقريباً
ولكن لا يستطيع المواطن رسم صورة متكاملة لما يحدث في
الجلسة، فالكلمات الطويلة لبعض الأعضاء قد لا تحتوي فعلياً
على ما يلبي حاجات المواطن الضرورية؛ مما يؤدي إلى عدم
تبني قضايا ومصالح وهموم الشارع المتعلقة بالمواطن البسيط).
ويقارن البلوي بين دور مجلس الشورى ودور البرلمانات المنتخبة
ديمقراطياً في العالم (في بعض الدول هناك برلمانات للأطفال؛
تهدف لتدريب النشء على العمل النيابي والشعور بالمسؤولية
الشعبية مبكراً. وفي برلمانات (الكبار) شاهدنا إسقاط بعض
الحكومات ـ ديموقراطياً ـ على الهواء مباشرة كما حصل في
لبنان عقب اغتيال الرئيس الحريري بينما نحن لا تزال جلسات
المجلس الممثل لنا مغلقة عن التغطية المباشرة..). ويضيف
(وفضلاً عن ذلك فإن طبيعة القضايا التي يتم طرحها في الجلسات
تبتعد عن القضايا الحساسة التي لا تحتمل التأخير بالنسبة
للمواطن، فما أكثر (الميزانيات) التي ناقشها المجلس! لكن
هل المواطن يهتم لمناقشة ميزانيات صرفت وانتهت في أعوام
سابقة؟).
كلام طويل وناقد لتجربة المجلس وأدائه، وهي تلمز من
طرف غير مباشر في صلاحية المجلس ووظيفته التي عجزت عن
الإرتقاء الى مستوى هموم المواطنين الكبرى، مثل إنهيار
سوق الأسهم، وغلاء الأسعار:(حتى الآن لم يؤثر مجلس الشورى
بتغيير قناعات الرأي العام ـ علمياً ـ فيما يتعلق بحقيقة
(التضخم) الشبيه بالكابوس الذي يعيشه المجتمع اليوم. فـ
(هوامير) سوق الاستهلاك المحلي تفضلوا ـ عبر الصحافة المحلية
ـ بإعادة صياغة التبريرات (الخارجية). وقد نجد لهم العذر
فقد سبقهم بذلك الوزير هاشم يماني حينما تفضل بالظهور
في القناة السعودية الأولى، ونحن نأمل أن يظهر معاليه
بمبررات جديدة ولكن تحت سقف مجلس الشورى هذه المرة؛ علَّ
(ممثلينا) في المجلس لديهم وجهات نظر معينة يريدون إطلاعه
عليها، وإن لم يكن لديهم فإننا كمواطنين لن نملّ حديث
معاليه خصوصاً إذا ما ارتبط الأمر بما نعانيه من تضخم
يزداد حجمه في أذهاننا بسبب علامات استفهام تبحث عن إجابات،
و(لن يعرف الشوق إلاّ من يكابدُهُ!).
يلفت البلوي الى حقيقة باتت معروفة لدى المواطنين ولكن
الإفصاح عنها يسبغ عليها نكهة خاصة وهي (أن بعض أعضاء
مجلس الشورى لم نسمع له صوتاً منذ لحظة تعيينه، وأتمنى
ألا يعيد أحدهم إنتاج موقف صاحبنا النائم في (المبعوثان)
بل يتذكر من يكابدون ويكدحون ويأملون فيه أن يكون كما
قال المسيح عليه السلام: (إنما أنا صوت).
|