(الهيئة).. بين الترميم والهدم
بعد سلسلة تشوّهات فادحة تعرّض لها جهاز (هيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر) عقب مقتل عدد من المواطنين
واعتقال آخرين بحجة (الخلوة غير الشرعيّة)، وحوادث الإقتحام
المتكررة لبيوت وسيارات وأماكن خاصة، تجد رئاسة الهيئة
نفسها أمام ضغوطات متعاظمة تفرض عليها تبديل (تكتيكاتها)
من أجل امتصاص السخط الشعبي. في الوقت نفسه، واستجابة
لمطالب الحكومة، التي هي الأخرى ليست بمنأى عن التشوّهات
تلك، أقدمت على وضع بعض القيود على نشاطات رجال (الهيئة)،
للحيلولة دون انفلات الغضب وتحميل الحكومة المسؤولية الكاملة
عن كل الجرائم التي وقعت بحق المواطنين.
|
أخرجوا الناس من الدين أفواجا!
|
على عجل أراد كبار المسؤولين في (الهيئة)، مدفوعين
بـ (تعليمات شفهية) من الأمير نايف، وقف مسلسل التشويه
الذي أصاب الجهاز، إذا لم تفلح محاولة تبديل الصورة الرديئة
التي ارتسمت في أذهان أغلبية السكان في هذا البلد فضلاً
عن الأجانب.
في 20 سبتمبر الماضي، نشرت صحيفة (عكاظ) تقريراً صحافياً
عقب خطاب وجّهه أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل بعدم
السماح لرجال (الهيئة) بدخول مطاعم العائلات إلا بعد الحصول
على إذن شخصي من الأمير نفسه، بحسب ما أعلن رئيس هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ ابراهيم الغيث.
رغم أن القرار الصادر كان مقتصراً على (مطاعم العائلات)
فحسب، إلا أن الأهالي استبشروا خيراً وشيع في الأوساط
بأن القرار يشمل أيضاً الأسواق والمراكز التجارية، قبل
أن يصدر توضيح من رئاسة (الهيئة) بأن الأسواق العامة هي
(بلا شك من ميادين العمل المناطة بالهيئة، ولا يمكن أن
تمنع الهيئة من الأماكن العامة).
الأنكى أن الغيّث قلب البشارة إلى يأس وكابوس حين كشف
عن (مطالبات بزيادة أعداد مراكز الهيئة وزيادة الأعضاء
والأفراد العاملين).
هذه المشاعر المتضاربة لدى الأهالي، عكسه تطوّر لافت
خلال أيام عيد الفطر المبارك، تمثّل في توزيع رجال الهيئة
الحلويات والهدايا على الأطفال الذين جاءوا مع عوائلهم
الى شواطىء مدينتي الخبر والدمام بالمنطقة الشرقية. اللافت
أن شعوراً بالريبة والخوف الحذر إنتاب المتواجدين في هذه
المناطق وهم يرقبون مشهد رجال الهيئة وقد هبطوا من (سيارات
الجيمس). وبين خوف ورجاء تلقى الأطفال الأبرياء الهدايا
فيما كان الآباء والإمهات يبتهلون للسماء ألا تكون أعينهم
قد استحضرت الأمنية وأغفلت المشهد البصري.
بين ترميم الصورة الشوهاء والهدم الشامل للجهاز يكمن
الخلاف الشديد والواسع بين غالبية السكان في هذا البلد
وبين الحكومة واجهزتها العتيدة، وخصوصاً (الهيئة)، والتي
تسبّبت في القتل، والتهجير، والتشهير، والترهيب، حتى بات
إجراء تجميلي مثل توزيع الحلوى بمثابة طفولية مقززة.
|