.. وللمدينة نصيب من المسخ!
يبدو أن تسرّب أخبار مشروع التوسعة في مكة المكرمة
إلى وسائل الاعلام الأجنبية بخلاف رغبة الملك عبد الله،
قد جعله يستعجل الكشف عن المرحلة الثانية من التوسعة،
والمخصّصة للمدينة المنورة. بالرغم من أن برامج التوسعة
التي كشف النقاب عنها في نوفمبر الماضي تستوعب حكماً توسعة
المسجد النبوي، إلا إن إخفاء أسرار المرحلة الثانية كان
يستهدف استيعاب ردود الفعل إزاء مشروع التوسعة في مكة
المكرمة، لما تضمنه من جرأة غير مسبوقة كونه يخترق أماكن
قريبة من الحرم المكي، بل يمتد إلى داخل الحرم ولا يبقي
سوى الكعبة، التي قد تتعرض للهدم بحجة التجديد!
وبعد تسرّب أخبار مشروع التوسعة الجديد في مكة المكرمة،
مع ردود فعل غير ضاغطة، فإن العائلة المالكة ممثلة في
الملك عبد الله قرّرت إطلاع وسائل إعلامها على مشروع التوسعة
في المناطق المحيطة بالمسجد النبوي الشريف.
ونقلت الصحف المحلية في 10 يونيو الجاري خبر قرار الملك
عبد الله بتوسعة المنطقة الشرقية والغربية للمسجد النبوي،
بهدف فصل حركة المشاة عن حركة السيارات بالمنطقة الغربية،
حسب زعم أمين منطقة المدينة المنورة عبد العزيز الحصين،
وزيادة الطاقة الاستيعابية في الساحات والحرم النبوي الشريف.
ويقول الحصين أن مساحة التوسعة ستصل إلى 272.405 متراً
مربعاً، هذا دون منطقة الإجابة الواقعة شرق طريق الملك
فيصل، حيث تعادل مساحة الخدمات والتطوير مساحة المنطقة
المركزية.
رئيس المجلس البلدي في المدينة المنور، صلاح الردادي،
كشف عن الصلة الوثيقة بين أعمال التوسعة الجديدة في مكة
ونظيرتها في المدينة، وقال بأن (التوسعة الجديدة التي
وافق خادم الحرمين الشريفين على تنفيذها في الناحية الشرقية
والغربية للمسجد النبوي الشريف هي امتداد للأعمال الكبيرة
التي خطتها حكومة المملكة لخدمة الاسلام والمسلمين وتوسعة
الحرمين في مكة والمدينة..). وهو ما أكّده أيضاً نائب
رئيس المجلس البلدي محمد أنور البكري، الذي قال بأن (هذه
التوسعة تتوافق مع سياسة خادم الحرمين الملك عبدالله بن
عبدالعزيز ورؤيته الحكيمة بأن تتاح الفرصة لأكبر عدد من
المسلمين للقدوم لاداء مناسك الحج والزيارة، وتتوافق أيضًا
مع المشاريع العملاقة التي تشهدها المشاعر المقدسة ومكة
المكرمة، وهي تسير في نفس الاتجاه لتؤدي نفس الغرض).
وفيما يجري الحديث عن أن برامج التوسعة تستهدف زيادة
الطاقة الاستيعابية لأعداد المعتمرين والزائرين، فإن هناك
من رأى في اخفاء أخبار التوسعة دليلاً على أن الملك لم
يشأ أن يتعرقل المشروع بفعل الاحتجاجات الشعبية الواسعة
في العالم الاسلامي. ولو كان الأمر مقتصراً على الطاقة
الاستيعابية لكان (بشارة) تزّف الى حجاج وزوّار بيت الله
الحرام ومسجد رسوله، ولكنه يتغيا أهداف أخرى من بينها،
بالطبع، العدوان على آثار الإسلام، وقد يأتي يوم تقدم
فيه معاول الدمار على قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم،
ويتم تنفيذ ما يضمره المتشدّدون من أتباع المدرسة الوهابية
بإخراج القبر من المسجد، ثم تجريف مقبرة البقيع وتحويلها
إلى ساحة عامة أو فندق سبعة نجوم!!
لا لن يوجّه أحد من المسلمين شكراً لحكومة آل سعود،
كما تأمل الجهة التي أوصلت تقريرها الى وكالة الأنباء
السعودية كي تنشره، لقيامها بأعمال الهدم لآثار المسلمين،
ومحو منظّم لتراثهم، فتلك جريمة، وليست خدمة، وتلك خيانة
وليست أمانة شرفوا بها، ومن العجب أن ينتظروا من مسلم
ثناء وشكوراً على ما يقترفه آل سعود في بيت ربنا ومسجد
نبيّنا، في مشهد مأساوي يذكّرنا بمشهد الجرافات الاسرائيلية
التي تغرز أسنانها في تراث بيت المقدس.
أنفقت الحكومة السعودية، بحسب الأرقام المعلنة، 70
مليار ريال خلال السنوات الأربع الماضية، ويخصّص الآن
20 مليار لمشاريع التوسعة في مكة المكرمة، وأربعة مليارات
وسبعمائة مليون ريال لمشروع توسعة المسجد النبوي، ويتضمن
المشروعان عمليات هدم وإزالة للمناطق المحيطة بالحرمين
الشريفين، ما يجعلهما مجرد مبنيين منفصلين عن البيئة التاريخية
والدينية والاجتماعية والثقافية والحضارية اللذين وجدا
فيهما. فيما يجري إستغلال المناطق المدمّرة لبناء عمارات
سكنية، وأسواق تجارية، ومطاعم حديثة، مملوكة للأمراء ولا
شأن لذلك لا بمعالم إسلامية، ولا خدمة ضيوف الرحمن، بقدر
ماهي مشاريع استثمارية يوظّف فيها المقدّس.
|