حلم لازال يراود البعض:
جمهورية الحجاز الديموقراطية
هناك الكثير من الموضوعات الهامّة التي تطرح للنقاش في مواقع
سعودية على شبكة الإنترنت، حيث يفصح المتحاورون عن بعض من مكنوناتهم
الداخلية وضمن هامش معقول من الحرية، بحيث يمكن رصد هذه الحوارات
واعتبارها بشكل عام مؤشراً على اتجاهات الرأي العام السعودي، بأكثر
مما تعبر عنه الصحافة والإعلام المحليين.هناك على شبكة الإنترنت،
يقوم أفراد ممن يمكن اعتبارهم منتمين الى الطبقة الوسطى العريضة في
المملكة بالتعبير عن اتجاهاتهم وميولهم وآرائهم. هؤلاء في مجملهم
وكما يبدو من الحوارات العديدة مسكونين بأنواع مختلفة من الهموم
الجمعية، لم تجد لها متنفساً في الإعلام المحلي، ولا يمكن طرحها إلا
بكثير من الحذر حتى لا يحظر الموقع محلياً، مع أن أكثر المواقع
الحوارية السعودية أصبحت محظورة.
ما يهمنا هنا، هو استجلاء للآراء المختلفة بين السعوديين في قضايا
وطنية مصيرية بالغة الحساسية. وسنقوم في كل عدد بعرض قضية من
القضايا، وآراء المختلفين، الذين لم يجدوا إلاّ مواقع الإنترنت
لطرحها على بساط النقاش. الموضوع التالي منقول عن
www.tuwaa.com
بعد فترة قصيرة من توحيد المملكة، وأثناء حكم الملك الموحد الراحل
عبد العزيز، اتفق مجموعة من تجار الحجاز الكبار على القيام بمحاولة
انفصالية، وإعلان ما يسمى بجمهورية الحجاز الديموقراطية. وشاءت
العناية الإلهية أن يتم فضح هذه المحاولة، فتمّ القبض على مجموعة
منهم، وعفا الملك الكريم عن البعض الآخر.
واليوم ما زال هذا الحلم يداعب البعض، فنراه يحاول استغلال مسمّى
الليبرالية والديمقراطية لتمرير مشروعهم الإنفصالي، مستغلين بذلك جهل
البعض وحقد بعض الطوائف على النظام الحاكم، فيثيرون النعرات
الطائفية، ويطالبون بالعدالة والمساواة كوسيلة يظنونها بزعمهم الطريق
الموصل لدولتهم الحلم. وللأسف فإن أكثر أو غالبية هؤلاء من
(الشعوبيين) ذوي الأصول غير العربية، أي أنهم لا ينتمون لهذه الأرض،
ولا ولاء لهم تجاهها، فمشروعهم هذا لتحقيق أغراض دنيئة شعوبية أولاً،
ومادية ثانياً. فالحذر الحذر من هؤلاء الإنفصاليين مشعلي الفتن .
* * *
أولاً، لا يوجد شئ في التاريخ كلّه اسمه ''جمهورية الحجاز''.
الحجاز كان إقليماً تابعاً للامبراطورية العثمانية من عام 1517 إلى
عام 1916م، ثم أصبح الإقليم مملكة مستقلة في العهد الهاشمي من عامي
1916م ـ 1924م وتحت اسم ''مملكة الحجاز''.
ثم اتحد الحجاز مع (ولم تنضم الى أو تحت لواء) سلطنة نجد بين عامي
1926م ـ 1932م تحت اسم ''مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها''. ثم أخيرا
توحدت المملكة بالشكل الحالي ابتداءً من سبتمبر 1932م.
والحجاز يا عزيزي جزء لا يتجزأ من تاريخ وجغرافيا هذه البلد. وأهل
ورجال الحجاز ساهموا في بناء وتطور هذا البلد مناصفة، بل هم كانوا
النواة ولا يزالون أعضاء في الجسد سبعيني العمر. ثم إنني أعتقد بأنه
من السخافة والمغالطة أن نقول أن هناك حجازيين يطالبون بالانفصال أو
أن ''جمهورية الحجاز الديموقراطية حلم لازال يراود البعض''، لأنني
حجازي، ولم أقابل حجازياً واحداً يفكّر بمثل فكرتك الوهمية حالياً.
بل هناك ولاء للوطن وولاء للإقليم الذي هو جزء من الولاء للوطن،
والهوية سعودية وبكل فخر، فضلا عن أن الانفصال لا يخدم أي طرف بقدر
ما يخدم العدو.
بعد هذا أقول أنه من السخافة أن نجيّر كل ما يقوله الحجازي من نقد
أو اعتراض، إلى ''الفكر الحجازي الانفصالي''! ومن السخافة أن نعتبر
كل حجازي يطالب بالليبرالية وبتقليم أظافر (السلفية) على أنه يفكر
''بالتفكير الحجازي الانفصالي''! فمن يعترض على السلفية وينتصر
للأقليات، ويطالب ببرامج سياسية ليبرالية وديموقراطية، هم حجازيون
ونجديون وقطيفيون وجنوبيون وشماليون، على أن الدافع وراء كل ذلك وقبل
أي شئ: وطني لا انفصالي. ثم لماذا مثلا لم نسمع أن حركة جهيمان كانت
''ذات فكر نجدي انفصالي''؟! أو لماذا لا نسمع بأن المعارضين النجديين
في الداخل والخارج (.....) ''ذوو فكر نجدي انفصالي''؟! ولِمَ لم نسمع
بأن الأربعة النجديين مفجري انفجار العليا يحملون أيضا ''فكراً
نجدياً انفصالياً''؟!
أما من تسخر منهم على أنهم (شعوبيين) وتعتبر أصولهم عيباً، في جهل
منك وعنصرية واضحة.. فأود أن أذكرك بأنهم أكثر من ساهم في تطور هذه
البلاد، سواء في الوزارات أو في الجيش أو في النهضة العلمية والنقلة
الحضارية.
أنا شخصياً، وإن لم أكن أحب أبداً أن أذكر ذلك ـ أنتمي لأشهر
وأعرق قبائل الحجاز العربية، لكن من الغباء أن نعيّر السعودي الحجازي
الذي سكن أجداده الحجاز من 300 أو 400 سنة أو حتى 100 سنة بأصله غير
العربي، ونقلل من مواطنته في عنصرية بغيضة. قاتل الله التعصب الذي
جعلني أدافع عن وطنيتي أمام مواطن مثلي لا فرق بيني وبينه في أي
مزايا مواطنة.
* * *
أجزم أنك لا تعني ما كتبت فالحجاز وشرورة وطريف كلها أجزاء غالية
من مملكتنا، البلد الذي يجمعنا تحت كلمة التوحيد، وكل عاقل يدرك أن
هناك من يتربص بنا، ويرغب أن يرانا ننادي بنداء الجاهلية ولكن هيهات.
* * *
من السهولة الاستفزاز، ولكن من الذكاء أن نتجنبه (وديها طناش).
ومن السهولة الانتقاد، ولكن (نديها طناش).
سأكتب عن العنصرية النجدية، وسأكتب عن أسباب تميّز النجادة عن
غيرهم، وسأكتب عن أسباب وجود جامعتين في الرياض، وسأكتب وسأ كتب.
ولكن سأجد الكثيرين يردون عليّ ويفندون أقوالي.
لا يستفزنكم أحد. نحن نعيش في الوطن، والوطن للجميع، رغماً عن أنف
من لا يرضى.
لن نحتاج منك يا (..) أن تقول بأنك من أعرق العوائل، ولن نحتاج أن
تقول بأن هناك عوائل لها أكثر من أربعمائة سنة تقطن في الأراضي
الحجازية. كل من يحمل جنسية هذا الوطن هو مواطن، له كل الاحترام
والتقدير، وله حقوق وعليه واجبات.
الحجاز بلادي، كذلك نجران وعرعر والخرخير والجبيل والرياض.
* * *
ليكن شعارنا: قاتل الله التعصب، و''المراهقة السياسية''.
* * *
نعم ودائماً لا يحس العنصريون بعنصريتهم. ألا قاتل الله التعصب.
(قال ماذا؟: ملك كريم!).. هذا من إدمان قراءة منهج تاريخ الرابع
إبتدائي. هل تعلم يا (..) ما تقول وبأي شئ تهرف، وأي هويه تتكلم
عنها؟
* * *
يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: (وجعلناكم شعوباً وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). إنها دعوة لنبد التعصب
والعنصرية والتي تدل على الجاهلية الحديثة. الرسول صلى الله عليه
وسلم يقول عنها: (دعوها فإنها منتنة).
نأتي نحن ونثير العنصرية الممقوتةـ فأيننا من تعاليم الدين؟.
إننا جميعا أبناء وطن واحد له وحده الإنتماء. وأراك أخي (..) قد
أخطأت خطأ كبيراً بإثارة مثل هذه العنصرية الممقوتة والتي ستؤدي
حتماً إلى الفتنه (والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها). حاشا أن أتهمك
بالفتنة، ولكني وربي أمقت التعصب والعنصرية مقتاً شديداً، وأربأ
بالجميع عنها.
هذا حجازي، وهذا نجدي، هذا شيعي وهذا صوفي وهذا سني. هذا خضيري
وهذا قبيلي! وخذ من هذه المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إلى متى سنظل في هذا التخلف والجهل؟. أنا يا أخي نجدية ولكني أكثر ما
أكره في الإنسان التعصب والعنصرية، سواء كانت دينية مذهبية أو غيرها،
لأن الجميع موحد بالله ورسوله.
* * *
وما المانع ان يفكر البعض بالانفصال؟ حق التفكير مكفول لجميع
البشر، ولن تدوم أمّة ما لم تكن الفكرة قد طرحت واختار الناس بأنفسهم
الاتحاد. وإن القول بوجود لجنه نجدية وحجازية هي من اختار الاتحاد،
فذلك حسب علمي (حتى لو كان صحيحاً) فإنه مجرد أفعال يقوم بها قائد
ماهر مثل عبد العزيز من أجل التاريخ لا غير. لا أحد يستطيع تجاهل
مذابح (الاخوان) للأهالي الأبرياء في الطائف أثناء انتصارهم في تربة،
وهروب أهل مكة خوف المذابح، وكذلك مسألة حصار جدة لمدة طويلة حتى
استسلم الشريف علي وقبل بالمنفى.
* * *
الحجاز كجمهورية مستقلة؟! هذه نكتة سيئة، أم تخاريف حالم؟ والله
لم أسمع في حياتي التي عشتها في الحجاز من يردد هذا القول أبداً. نحن
لا نسمّي الحجاز بهذا الإسم، فقط سمعناه بعد أن كبرنا من غيرنا.
وعموماً فإن مواضيع كهذه تسيء إلينا جميعاً، وتثير النزعات العنصرية
الهدامة.
معظم أهل الحجاز من القبائل الأصيلة، وهم قوم مسالمون ولا يميلون
إلى الشر، لهم طبائعهم وعاداتهم الأصيلة، ومن قدم إليهم من شعوب أخرى
فإنما كان لسبب ديني، وقد أحبوا هذه البلاد الطاهرة، ومحضوها
إخلاصهم. هؤلاء قدموا للبلاد الشيء الكثير، فتلاقح الحضارات يصبّ
دائما في مصلحة الأمم. علينا أن نعترف بدورهم في إضفاء المزيد من
التحضّر والحيوية إلى ثقافة البلد، ومهما قيل فهم بوجودهم في البلاد
وتعلمهم لغتها صاروا أهل بلد حتى لو كانوا من أصول غير عربية. هم
مسلمون أولاً، وعرب بالإلتحاق بالعرب وتكلمهم للغتهم، كما في الحديث
الشريف: (العربي من تكلم العربية).
أما من لا يعجبه قولي هذا، فليدفن غيظه وحقده في نفسه. علينا أن
نتوقف تماما عن هذه الدعوات العنصرية القبيحة، سواء أكانت شعوبية أم
أم إقليمية. فنحن شعب واحد وكل قسم من بلادنا يكمل الآخر.
ففي الحجاز الأماكن المقدسة، وفيها الراحة والروحانية وسكينة
النفس. وأهلها معروفون بخصائص كثيرة ومتميزة. ومن نجد جاءت الدعوة
التصحيحية وسط البلاد ومركزها، وبفضل رجالها تم توحيد البلاد وضم
أجزائها مترامية الأطراف. وفي الشمال أناس كرماء وشجعان وأصحاب مبادئ
وأخلاق كريمة، ولهم تراثهم العتيد وعاداتهم المعروفة. وفي الشرقية
ظهر النفط فأكسب الجزيرة كلها قوةً ونعيماً ورخاءً. أهلها تجار
وصيادون.. وبينهم أهل علم وأدب وفن وكانوا رواد حضارة أذكياء مجتهدون
ومتفتحون ذهنيـا. أما الجنوب ففيه الخير كلّه.. هناك اجتمع المجد من
أطرافه: الخصوبة والتراث والأصالة والنخوة والشهامة العربية.
وبعد.. فنحن أمّة متعددة الأجناس والطباع والألوان والأشكال، وهذا
لا ضرر منه، ولكن الذي يحيرني هو:
ما لذي يجعلنا الآن هكذا أعداءً لبعضنا البعض؟ من له مصلحة في
إثارة هذه النعرات التي حذرنا منها ديننا ونهانا عن الوقوع في
مخالبها؟ ماذا سيقى لنا إن تفككنـا وتعادينا وحقدنا على بعضنا
البعض؟.
توقفوا بالله عليكم عن هذه الدعوات الكريهة المتعفنة، وأعلنوها
دعوة لحب الوطن والإنتماء إليه. دعونا نتعاون على حل مشاكل هذا
الوطن، ونتعاون على نشر الحب والسلام والجمال في ربوعه.
* * *
الحجاز ونجد إقليمان متحدان ثقافياً وبشرياً منذ الأزل. هما أرض
مضر، وأرض عدنان. انظر في التاريخ، فإنه لم يوجد عدنانيون خارج
الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية بتاتاً إلا بعد انتشار الاسلام. حتى
اللغة كانت واحدة، وكانت قصائد الشعراء النجديين وشعراء الساحل
الشرقي تعلّق على أستار الكعبة، بينما كان الرسول يكلّم أهل باقي
الأقاليم العربية بلغتهم، أو بترجمان.
لم تتكون المملكة السعودية من هذه الاقاليم صدفة، بل هو التاريخ
والتكوين البشري والتداخل القبلي والجغرافي. ولا يمكن أن يفككها أو
يفرقها إلا اجتياح أو دمار هائل . وإذا تفككت، فلن تتفكك نجد والحجاز
فقط، بل كل شيء، حتى حاراتنا و بيوتنا وأجسادنا.
صحيح ان الحجاز ونجد والبحرين (الشرقية) كانت منفصلة، ولكن ذلك
كان إنفصالاً بحكم الغياب التاريخي للدولة الخاصة بجزيرة العرب، بل
إن حائل كانت منفصلة، وكذلك القصيم والجوف والوشم وعسير وجيزان
وسيهات والهفوف. كل شيء كان منفصلاً وسط عالم لا يتحرك الا حسب منطق
القبيلة وانعزالاتها المقيتة.
و بعد الوحدة، لعب حضر المدن الحجازية دوراً كبيراً في دفع البلاد
نحو آفاق أكثر مدنية، وأثبتت الدولة السعودية أنها تجاوزت المنطق
القبلي أو العنصري أو الاقليمي في طريقها الى ترسيخ الوحدة و
التطوير. ففي الوقت الذي لا يمكن أن تجد سعوديا بارزا في اليمن أو
يمنياً في مصر، أو سودانيا في سوريا، ستجد أن وزير خارجية السعودية
مثلا كان من أصل خارجي، وستجد أن أكبر أثرياء البلاد ووزراءها ينتمون
الى أصول أخرى، ولم تمارس ضدهم أية أنواع من العنصرية. كل هذا تمّ في
بلاد تعتبر معقلا للعنصرية القبلية وتنكفئ على الانساب و الاصول،
خصوصا بين أهل الحجاز و نجد.
أنا اتفق كثيرا مع ما قاله (..) واختلف معه في مسألة توحيد
المملكة بالإتفاق.
الصحيح أن الوحدة جاءت عبر الفتح على يد قائد فتح الحجاز الفذّ
الشريف خالد بن لؤي، ولم يكن لقوة أن تقف أمام زخم الجزيرة العربية
عندما تجد قيادة موحدة وقادرة وتاريخية.
* * *
نحن قد نختلف مع الحكومة في بعض الأمور، وبالتأكيد فإننا نختلف مع
التيار الديني المتطرف في نجد، ولكن كلنا مع الوحدة الوطنية، ولا
نقبل بأي حال المساس بها من قريب أو بعيد. أما الذي تحدثه نفسه خلاف
ذلك، فقد جانب الرشد وسبح عكس التيار.
* * *
هؤلاء القوم مصابون بمرض العظمة. إنهم يرون أنفسهم صفوة
المخلوقات، والحمد لله انهم قلة. لو أردنا الخوض في مثل هذه
الموضوعات لوجدنا البون شاسعاً ثقافياً وفكرياً بينهم وبين من سواهم
في باقي مناطق . يجب أن نتّحد ضد هذا الفكر المتخلف. قد تكون
للمراهقة دوراً في ذلك، حيث أن من يثير مثل هذه الموضوعات وخصوصا من
نجد فإنه سيكون الخاسر في نهاية المطاف. كيف: إذا ـ لا سمح الله ـ
تمزقت المملكة، وأصبحت دويلات.. تخيّل معي هذا السيناريو: الحجاز
لديه بيت الله ويحج إليه المسلمون، وهناك مواسم العمرة التي لا
تنقطع. بمعنى أن الحركة التجارية مستمرة ومتدفقه وسيعيش أهالي الحجاز
على مردودات السياحة الدينية.
الجنوب، من جهة أخرى، لديه الزراعة ووفرة المياه. أما الشمال
فارتباطه الثقافي وثيق ببلاد الشام ومن المحتمل جداً تطوير نطاق
التجارة والإستثمار معه. في حين أن المنطقة الشرقية ستكون غنية
إقتصادياً لوجود البترول . وتبقى منطقة نجد، فماذا لديها؟ لا شيء
تقريباً. لا مياه، ولا زراعة، ولا سياحة! تخيل قيساً يمتطى صهوة
حماره (!) ليجلب قليلاً من الحطب! فمن هو الخاسر في نهاية المطاف؟!
يجب على كل من يرى نفسه من أهل نجد أن يعرف واقعه في حالة
الانفصال والتمزق، ولا بدّ أن يكون أهالي هذه المنطقة من أحرص الناس
على الوحده الوطنية وتمتين لحمتها.
* * *
يقول (..): (أما من تسخر منهم على أنهم شعوبيين، وتعتبر أصولهم
عيبا، في جهل وعنصرية واضحة.. أحب أن أذكرك أنهم أكثر من ساهم في
تطور هذه البلاد، سواء في الوزارات أو في الجيش أو في النهضة العلمية
والنقلة الحضارية)!
من هم هؤلاء يا (..) الذين ساهموا في تطور البلاد؟!
هل هم: عمر شمس، رئيس المباحث السابق، الذي ملأ السجون والمعتقلات
واستخدم ألعن وأشد ألوان التعذيب ضد مواطنين أبرياء؟ (راجع ثلاثية
تركي الحمد). أم (..) الهارب من وجه العدالة والمختلس الأكبر، أم
(..) الذي أسس يوم كان وزيراً شركة باسم إبنه ليسرق من خلالها؟
حقاً!! لقد ساهم هؤلاء في تنمية البلد، ولكن بزيادة عدد المختلسين
والحرامية.
أما من ساهم بصدق في بناء هذه الدولة، فهم عبد العزيز ورجاله،
والذين لولاهم لكنتَ من الذين يحملون قرب ماء زمزم على ظهورهم
ليبيعونها على الحجاج. هؤلاء هم المؤسسون. وفي المجال الإداري يسطع
نجم أول وزير للبترول السيد عبد الله الطريقي (الرجل الذي قال لا
لأمريكا) وغيره من رجالات نجد الأبطال.
اذا كان الحديث عن الوهابية النجدية والسلفية النجدية، كان شعاركم
السكوت من ذهب. أما إن كان الحديث عن الشعوبيين والمذهبيين، فتظهر
الوطنية المفترى عليها.
عاشت الأزدواجية والنظرة الأحادية أيها الأحرار الشرفاء.
* * *
من قال اننا نرضى بما قام به من ذكرتهم ؟
ولكن لدينا مثل هذه العينات الكثير (في نجد). وقاموا بنهب أضعاف
ما قام به من سردت أسماءهم في مداخلتك، وأنت تعرفهم جيداً. أنا لا
أفضل التطرق للأسماء ولكنهم معروفين للجميع. نحن نتحدث هنا عن قضية
نعيشها منذ توحيد المملكة ولا نزال. نحن نتحدث ونقول أن الوطن
للجميع، ومن يحمل جنسية هذا الوطن مواطن له كافة الحقوق وعليه كافة
الواجبات. (لدينا خير يا ابن الحلال) يكفى أن أنبوب (ماسورة) مياه
التحلية تمر أمام منازل أهالي الدمام متجهة للرياض، وهم ينظرون إليها
بكل حسرة.
* * *
يا أخي أنت إنسان جد مأزوم، ونظرتك الفوقية للفئة التي تسخر منها،
مقرفة جداً..
وكلامك عنصري شوفيني ذاتي سفيه لا يحمل أي قيمة أو حقيقة أو فكر
أو حتى وجهة نظر. تقبل أسفي لأنني اعتبرتك أهلا للنقاش، وتذكر فقط
أنني أستطيع أن أعطيك قائمة مكوّنة من آلاف أسماء النصابين من أبناء
منطقتك، وأولهم أمراء العائلة الحاكمة، لكنني وقتها سأقول عنهم مجرد
نصابين: لا حجازيين شعوبيين. إن الأمور لا تداول هكذا بالتشهير
والتلفيق وبالنظرة الضيقة وبالشوفينية المريضة يا مقرف.
* * *
إسمح لي ان اقول لك بأنك سويذج، وقد عرفت ذلك من خلال بداية مقالك
الذي خرفت فيه بما لا تعرف، ثم تأكّد لي من خلال عرضك للأسماء، وكأن
مخلوق حجازي، وكأن (كبار الجماعة) يا الله من فضلك من أكثر الناس
طهراً ونقاءً. أريد أن أعرف هدف المقالة؟ هل هو التحذير من أهل
الحجاز، أم التشكيك بوطنيتهم، أم هي نظرتك الاقليمية الكريهة
الضيّقة؟ قبل أن ترميني بالشعوبية، أود أن أعلمك بأنني نجدي تميمي،
خلق أجدادي منذ آدم في هذه الأرض.
* * *
يبدو انك تعيش مع جدتك وقد تأثرت بشدة بأفكارها القديمة. أنت
تحتاج الى دورة تأهيل لدخول القرن الواحد والعشرين، حتى لا تصاب
بدوار البحر .
إعلم رعاك الله، اذا كنت تنتمي الى منطقة الرياض أو القصيم، بأنك
لا تمت الى نجد التي تفاخرت بها بأي صلة، فمدينة الرياض وما جاورها
هي منطقة اليمامة والعارض! وقد تفاجأت باكتشاف أن اليمامة والعارض لا
تنتميان الى نجد اطلاقا.
ولك أن تعود الى كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، أو صفة جزيرة
العرب للهمداني، أو مقدمة ابن خلدون وغيرها من أمهات الكتب التي
ألفها العلماء في القرون الأولى من الاسلام، وستكتشف أننا نفاخر
بأمجاد سوانا ونكثر من ذلك!
لقد حدد المؤلفون القدامى جميعهم منطقة نجد بالمنطقة الواقعة
بمحاذاة جبال السروات من الشرق، بل حددها بعضهم بالاسم بالمنطقة
الواقعة بين عكاظ (الطائف) وتباله ( قرب بيشة) وجرش (قرب أبها) ويلي
نجد من الشرق الأحقاف ثم بلاد اليمامه. أي أن اليمامة ليست حتى
مجاوره لنجد. ومن كتب التاريخ فانه لم يشر الى اليمامة باسم نجد، إلا
بعد ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولعل ذلك لتعوّد أهل مكة في
ذلك الوقت على إطلاق إسم نجد على كل ما كان شرق مدينة الطائف دون
تحديد، فالتصق إسم الدولة السعوديه باسم نجد . وهذا لا ينتقص من
أمجاد اليمامة بلاد الأعشى وجرير والفرزدق وغيرهم.
إذن.. عليك بعد التحقق من ذلك أن تتفاخر باليمامة بدلا من نجد،
وأن تبدأ في اعتبار نجد بلاد الأعداء، حسب رأي جدتك، حيث أنها تقع في
ما تسميه هي العدو الحجازي. أما إذا كنت من خارج هذه البلاد فاعلم
أنه لم يعد لما كتبت تأثير في إثارة النعرات لارتفاع مستوى التعليم
والوعي في المملكة عن ما هو في باقي البلاد العربيه بما فيها بلدك.
ولعلك قد فهمت ذلك من خلال الردود.
* * *
لقد عالجت الخطأ بخطأ آخر، فمن أين أتيت بأن الحجاز ونجد والأحساء
كلها عدنانية مضرية، وأن الرسول (ص) كان يكلم العرب غير العدنانيين
بترجمان؟ فأين كانت قبائل الأزد التي منها الأوس والخزرج، وأين كانت
جرهم وقظاعة وطي ومذحج وحرب وكل هذه قبائل قحطانية. إن كلامك يثير
الضغينة من قبل عدد من القبائل القحطانية التي تنتشر في جميع مناطق
المملكة ومنهم الدواسر والعجمان وبني مرة وحرب وشمر والهواجر وآل
عائذ.. وغيرها الكثير.
أضف الى هذا، فإن قبيلة مضر انتشرت في الحجاز ونجد، أما اليمامة
والأحساء فلم يكن فيهما من مضر سوى قبيلة تميم، أما باقي قبائلها
العدنانية فهي من ربيعة .
أما اللهجات فقد كان هنالك لهجات عربية مختلفه مثل لهجة تميم أو
حمير وغيرها.
وقد خاطب الرسول بعض الوفود بلهجاتها من باب التلطف في القول، ولا
يصح إحياء نعرات ميتة من أجل إخماد نعرة لم تعد قائمة الا في عقول
قلة من الحثالة المتخلفة.
* * *
ليست المسألة جامدة كما تتصور، فالعدنانيون ليسوا بالضرورة من
أبناء عدنان، إذ أن هناك أقوام (تعدننوا) أي تحولوا الى رعي الإبل،
وتكلموا بلغة مضر. والاوس والخزرج ذوو أصول قحطانية ولكنهم تعدننوا
بكل شيء، وكذلك بعض طيء، بل وكندة والأزد. بكلمة أخرى، لا يمكن ان
تقارن حياة واسلوب عيش ولغة ''حرب'' مثلاً، بلغة مذحج أو همدان في
اليمن. وليس حديثي عن عدنان الا حديثا عن اسلوب العيش واللغة، وليس
تفضيلا لأحد على أحد، فالكل عرب.
اما اللغة فهي أمرٌ ثابت تاريخياً، فاللغة العدنانية كانت منتشرة
فيما يسمى اليوم بالمملكة العربية السعودية من نجران جنوبا حتى عرعر
! أي انها تشمل مناطق رعي الإبل والبشر الذين يمكن تسميتهم بالبدو
الصافين، وهذا لا يعني انهم أحسن من غيرهم، فاليمن هو بلد الحضارة
العريقة على كل حال. ولو أخذت لغة حمير مثلا وهي موجودة في بعض
المناطق حتى الآن فلن تفهم منها كلمة واحدة الا كما تفهم من اللغة
السنسكريتية. ليس في كلامي ما يثير الضغينة فهو كلام في التاريخ
واللغات. ولذا قلت بأن نجد والحجاز والبحرين وعسير كانوا يشكلون
كياناً قبليا ولغوياً واحداً، حتى وإن اختلفت أصول قبائلها بين جذمي
العرب، وهذا لا يلغي ان جزيرة العرب كلها تتكون من نسيج واحد يتدرج
بالاختلاف من الجنوب الى الشمال، ومن الغرب الى الشرق و بالعكس.
أما فيما يتعلق بنجد واليمامة، فقد اعتبر الفقهاء اليمامة جزء من
الحجاز ورأوا أنها والحجاز فقط تدخلان في حكم الحديث: ''لا يجتمع
دينان في جزيرة العرب''. أما باقي مناطق الجزيرة العربية فهي خارج
الحكم. واليمامة هي المنطقة الواقعة على امتداد جبال اليمامة (طويق)
من الزلفي شمالا حتى الربع الخالي جنوبا، ونجد هي كل الهضبة من
الصمان شرقاً حتى جبل حضن غرباً بما فيها اليمامة، قصبة نجد، كما
أطلق عليها المؤرخين. كما أن هناك من اعتبر الطائف ويثرب جزءً من
نجد، وبغض النظر عن خطأ هذا فإنه يمكن الإستدلال بذلك على تداخل
الإقليمين بعضهما البعض.
* * * |