تأوهات على قارعة اليوم الوطني السعودي!
يدل إسم المملكة العربية السعودية على ملكية آل سعود للبلاد ومن
عليها من غير تحديد جغرافي للمكان. آل سعود مواطنو الدرجة الأولى،
ويتمتعون بإمتيازات لا حصر لها منذ أن كانوا أجنّة في الرحم الى أن
يواروا الثرى. ثم تتدرج حقوق المواطنة بحسب القرب المكاني والعقيدي
للآل ومَنْ آل إليهم.
كل إنسان في الدنيا له جنسيته المعرفة بموقعه الجغرافي أو
بإنتمائه الى وحدة وطنية، أما نحن فننتمي لآل سعود فهم الجغرافيا
والتاريخ والدين والأرض والعرض والحكومة والعصا والجزرة.. هم طبق
الأرض وملء السماء.
نحن كشعب (هل نحن شعب حقاً؟) نصنّف أو يصنّفنا آل سعود ومن آل
اليهم تصنيفاً عنصرياً ومذهبياً ومناطقياً. أصبح سكان الشمال في عداد
المفقودين: لا إهتمام بهم أو صوت، بل هم ليسوا من المرغوب فيهم ضمن
سكان المملكة. وأهل الجنوب (قرود على حيود) كما كان الملك المؤسس
يصفهم: مواطنون من الدرجة (صفر سبعة ـ 07 على أساس مفتاح الهاتف)،
وهم في مجملهم محرومون من الرعاية والتنمية حتى ضمن حدودها الدنيا،
إنهم مجرد جنود وعساكر يخدمون السيد الكبير القابع في نجد، وبعضهم
يعمل في استخباراته. أما سكان الغربية فمناقيرهم من حديد (أيضاً كما
كان يقول الملك المؤسس!!) وهم طرش بحر، متصوفون ينافون عقيدة التوحيد
النجدية. وسكان الشرقية شيعة مغضوب عليهم، كانوا ولن يزالوا في أدنى
سلّم الهرم الإجتماعي. طبعاً هناك إستثناءات فردية لا تدخل ضمن
القاعدة العامة. هناك طبقتان في المجتمع: طبقة الآل ومن آل اليهم،
وطبقة (الرعايا) الحفاة العراة الذين ينتظرون فتاتاً من فيض الطبقة
الأولى.
السؤال: كيف يحس (الرعية أو المختوم بالتابعية السعودية!)
بالإنتماء الوطني إذا كان متيقناً بأنه مهما بلغ من علم أو عمل، فإن
هناك خطاً واضحاً لا يتمكن من تجاوزه. حينها يسألونه لمن يكون
إنتمائك وإخلاصك؟ فيقول بأنه لمذهبه وقبيلته ومنطقته. أما الدولة فهو
ليس معرّفاً فيها بأكثر من رقم، وأما الدين المفروض فمذهبية عنصرية
مقيتة تراه ضالاً حتى وإن اتبعه، أما إذا بدّل مذهبه فسيكون ذلك
مبرراً لاستمرار الحرب ضده وحرمانه من حقوق المواطنة.
هل هذا هو الإنتماء الوطني الذي يُبحث عنه؟
* * *
السعوديون.. صحن السلطة
هناك نظرية في العلوم السياسية تقول بأن الإندماج الوطني يكون ضمن
ما تمّ تعريفه في الدراسات الأنثروبولوجية وهو: قدر الصهر، أو
Melting Pot والذي يوجد أوضح نموذج له
الولايات المتحدة. إن قدر الصهر يعني فيما يعني الإحتفاظ بالخصائص
للمواطن، وفي نفس الوقت يشارك ضمن القدر في صنع ثقافة جمعية للمجتمع
الأميركي، وهي على أية حال ثقافة متنوعة، تحترم خصائص الجماعات
والأفراد، وفي نفس الوقت تفسح لهم المساهمة في صناعة الثقافة
(العليا) للوطن كله.
نحن (رعايا المملكة المسعودة) ليست لنا نظرية في الدمج، بل لا
تؤمن القيادتان النجديتان الدينية والسياسية به، هما تريدان الصهر
للمختلف في البوتقة النجدية ليلغى تماماً كعنصر متميّز. وهما تريدان
في نفس الوقت أن لا يكون لهذا (المصهور) أي ميزة أو حق بل أجير تجري
عليه السياسة القديمة. وإذا ما قاوم هذه السياسة فإنه ـ كما هو الحال
منذ تم توحيد المملكة قبل سبعة عقود ـ يصنف رعيّة يتفضّل عليه
أحياناً ببعض الحقوق التي لا تزيد عن حقوق الحيوانات!
ما تزال العنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية مسيطرة في هذا
الوطن. هناك منتفعون من استمرارها، ليس بينهم ـ قطعاً ـ أنا وأنت
وهو، الذين نشكل صحن السلطة الذي لا يراد له الإنسجام والتسالم
الإجتماعي.
* * *
تحريم الإحتفال باليوم الوطني
احتجّ الوهابيون على الملك عبد العزيز حين أراد الإحتفال بـ
(العيد الوطني). قالوا له: أيها الإمام! لا يوجد في الإسلام إلا
عيدان: والفطر، فمن أين أتيت بالثالث هذا؟
رضخ الملك، وكان يهمه الإحتفال بالعيد أمام السلك الدبلوماسي وليس
الشعب. وتم تغيير الإسم الى (اليوم الوطني) الذي يصادف 23 سبتمبر من
كل عام! وجعلوا التاريخ المعتمد بالميلادي، حتى يمكن التعاطي
بروتوكولياً مع هذا التاريخ الثابت، وإلا أصبح اليوم الوطني بالهجري
مختلفاً عن الميلادي في كل عام.
مرّ اليوم الوطني الأخير، ولم يحسّ به أحدٌ في العادة. سوى بعض
موظفي الشركات الخاصة الذين شعروا بالراحة لوجود يوم عطلة!. طلبة
المدارس لم يعطلوا، ولا موظفي الدولة، ولا أحد آخر. ربما كان الإعلام
المحلي قد نشر في هذه المناسبة أو أذاع بعض الفقرات التاريخية المملة
عن كيفية توحيد المملكة. وانتهى كل شيء، فالمواطنون لا يتابعون ولا
يقرؤون الإعلام المحلي إلا نادراً.
المفروض ان يحتفل باليوم الوطني وعلى جميع الأصعدة الحكومية، ولكن
مطاوعة الوهابية لا يسمحون بذلك، حتى وإن بدت أهمية الإحتفال في
تعزيز الشعور بالوطنية والإنتماء خصوصا لدى الأجيال الجديدة، بدلا من
الهوس الديني الذي أوردنا موارد الهلاك.
هناك من بين المطاوعة من يحرم (الوطنية) ويعتقد أنها عقيدة!
باطلة. وهناك من يحرم المساواة بين المواطنين: لأن فيها مساواة بين
صحيح الإسلام وسقيمه، وبين الكافر (الشيعي والصوفي) والمسلم
(الوهابي) فضلاً عن أنه يعطي أصحاب العقائد الباطلة سلطة ما في
الدولة تؤثر على عقيدة الوهابية الصحيحة!
الوطن كما لا قيمة له عند هؤلاء.. بل المذهب هو المهم. وتخصيص يوم
وطني والعطلة فيه حرام!
هل يمكن أن تنشأ وحدة وطنية وثقافة وطنية وفق هذه العقلية السائدة
غصباً على مجتمع المملكة؟
* * *
كـأســك يـا وطـن
أجدني متفقاً مع سادتي علماء نجد وقيادتها السياسية العبقرية:
لماذا نحتفل باليوم الوطني؟ هل هو يوم حرية أو تحرر من استعمار
أجنبي؟ إنه يوم احتفال بدخولنا في عهد عبودية للفئوية والطائفية، وقد
دمغ كل منتسب لهذه الأرض بختم عبوديته فأصبحنا جميعاً سعوديين
مسعودين. إنها مهزلة: حتى في العصور الوسطى لم يجرؤ أحد على تسمية
دولته بإسم عائلته!
إن الحرية التي كنا ننعم بها لهي أعظم وأفضل من أن نكون عبيدا
لعائلة، مهما كانت ومهما كان فضلها ومقامها. هنيئاً لكم أيها
(الرعايا) وأيها العبيد بوطنكم الحر الكبير! أما أنا فوطني قرية
صغيرة في وسط الصحراء.. وإذا ما وجدتُ وطني الكبير الحرّ، فسأحتفل به
معكم سوياً.
* * *
سعيد أيها الوطن
في يوم الوطن.. نحتفل به (كيف ومتى؟) بمزيج من الحيرة و ضبابية
الرؤية وخوف الغد وغياب الطمأنينة! مادامت العلاقة بين قمة الهرم و
البقية في إطار (حنّا أخذناها بالسيف الأملح)!، ومادامت القمة حريصة
أكثر على تقديم المبادارات و التنازلات للخارج لتتقوّى بذلك علينا
نحن (الرعايا) و (العبيد) في الداخل!
سنحتفل يوم لا يربي الأب إبنه على أنه إبن القبيلة أولاً، أو إبن
المنطقة أو إبن المذهب، ويوم لا يعلمه بأن الآخر (رافضي خبيث، وطرش
البحر صوفي، وعسيري متخلف) و(حنّا أحسن من غيرنا)!
سنحتفل بيوم الوطن حين تختفي طوابير البطالة المتأنّقة في التخصصي
وحراء والراشد باحثة عن جسدٍ أو خيال امرأة! وحين نرى صناديق
الإقتراع، ورؤوس الفساد من أمراء وغيرهم في السجون يُنشر غسيلهم على
صفحات الجرائد لما أجرموه بحق الوطن وأهله.
سنحتفل جميعا بخفض سعر البنزين، وبخفض رسوم وضرائب الجوازات
وفواتير الكهرباء والماء والهاتف. يوم لا نرى سجناء رأي، وتعليماً
جامعياً بدون استثناء، ووظائف تستحدث للأجيال الضائعة، ورواتب محترمة
تتناسب مع أكبر دولة منتجة للنفط.
نريد وطناً لا حبساً بمساحة مليوني كيلومتر مربع.
نريد وطناً لا يسأل أبناؤه : شكلك مو سعودي! وهل أنت سعودي بالأصل
؟!
وطناً لا يبقينا مجرد ماسحي أحذية لطوال العمر!
وطناً نمشي فيه مع زوجاتنا وأولادنا بدون إعتداء أو خوف.
وطناً لا يحجر الرأي.. مكتباته عامرة، ورقابة السلطتين السياسية
والدينية مختفية.
نريد أيها السادة وطناً لا حظيرة حيوانات، ولا سجناً للأبدان
والأرواح.
وطناً لا يتواطأ فيه أمراؤه مع الأجنبي فيسرقوا مستقبل أجياله،
وتستباح كرامته.
وطناً لا يلغي نصف سكانه لأنهن نساء، وخمسهم بسبب مذهبهم، وما
تبقى لأنهم من منطقة أو قبيلة مختلفة.
سعيد يا وطني .. لا أدري متى.. لكن ربما!
* * *
لأجل عيون الوطن
يحق لك الغرور يا وطني، فعـشقـك يجـري في كل الـعـروق.. و نبضك
يـزلـزل كل قـطرة دمٍ جارية في الشـرايين. كم تتـألم و كم تـؤلم،
وتـبقى الحـبيب الأوحـد.
أحبكَ يا وطنـي: تسير فوق قطار الزمن، فـتولد طفلة باسمة تنمو
بحياء، ويكبر طفل صغير، ويموت الكهل، فهل ترحل أنتَ معهم، أم تبقى
مسافراً في الأوردة؟!
يا تلك العيون العابرة ، المغادرة ، أو ربما الهاربة من جهل
الوأدِ إلى وهم التحرر، لا عز لكِ إلا بالوطن!
ويا أيتها الطفلة الباسمة، الموسومة بالحياء ، تكبرين وربما
تقيدين بجمر الإستعباد، ولكن حتماً ستبقين أجمل عطر للوطن! أيها
اليافع النقي الطاهر ، مد لي ساعدك و لنسير ببناء الوطن ! لنبقَ ماء
للوطن.. سماء للوطن .. دمعة حزن سرمدي ، وأملاً بأن مستقبلنا ليس
التفتّت والضياع!
لنكتب بأيدينا حروفاً للوطن المهان، والشعب المستعبد.. لنرسم لوحة
له لم تحرمها أساطير البلهاء، وخربشات القيادة المفسدة والغبيّة.
لنرسم أجمل وجه للوطن.. وندعو له بطول العمر!! قبل أن تتخطفه يد
المنون!
قد يكون الغد أفضل لنا جميعاً، وقد يكون الأسوأ إذا انهار سقف
الوطن على رؤوسنا.
في ذكرى مولده، نرقص العرضة النجدية مع القيادة الرشيدة وعلى
الهواء مباشرة! إنه يوم فرح الوطن الحزين. يحرم فيه السرور، والبكاء
أيضاً، وتقطف فيه أعناق الأحلام وإن كان حلمنا سيطول.
وطني ليس (الوهابية) المتعصّبة.. ولا يُمكن أن يختزلْ في (آل
سعود).. وطني هو أنا وأنت وهو. الأشخاص والأشياء. الرمل والماء
والبراري والجبال. قصيدة شعر لم يكتبها أرباب النبط، ولوحة أثر لم
تدمرها معاول التعصّب، وبئر ماء لم تعكّره أوزار الطائفية والعنصرية
وعقول الصغار .. الصغار حقاً! |