تقسيم المملكة: مخاوف مشروعة، ورغبات مكبوتة
هناك الكثير من الموضوعات الهامّة التي تطرح للنقاش في مواقع
سعودية على شبكة الإنترنت، حيث يفصح المتحاورون عن بعض من مكنوناتهم
الداخلية وضمن هامش معقول من الحرية، بحيث يمكن رصد هذه الحوارات
واعتبارها بشكل عام مؤشراً على اتجاهات الرأي العام السعودي، بأكثر
مما تعبر عنه الصحافة والإعلام المحليين.هناك على شبكة الإنترنت،
يقوم أفراد ممن يمكن اعتبارهم منتمين الى الطبقة الوسطى العريضة في
المملكة بالتعبير عن اتجاهاتهم وميولهم وآرائهم. هؤلاء في مجملهم
وكما يبدو من الحوارات العديدة مسكونين بأنواع مختلفة من الهموم
الجمعية، لم تجد لها متنفساً في الإعلام المحلي، ولا يمكن طرحها إلا
بكثير من الحذر حتى لا يحظر الموقع محلياً، مع أن أكثر المواقع
الحوارية السعودية أصبحت محظورة.
ما يهمنا هنا، هو استجلاء للآراء المختلفة بين السعوديين في قضايا
وطنية مصيرية بالغة الحساسية. وسنقوم في كل عدد بعرض قضية من
القضايا، وآراء المختلفين، الذين لم يجدوا إلاّ مواقع الإنترنت
لطرحها على بساط النقاش. الموضوع التالي منقول عن
www.tuwaa.com
* * *
أعلم أنكم جميعاً (ربما) ستقولون بأن التقسيم غير ممكن، وأن الشعب
(كله) مع الوحدة، وربما لا ترغبون في نقاش الأمر من أصله، لأنه يثير
حساسيات غير مرغوب فيها. ولكني مع ترددي قررت أن أتساءل معكم، أو
أسألكم جميعاً: لماذا تهدد المملكة دون بقية الدول بالتقسيم؟ في
أفغانستان استهدفوا نظام الحكم: طالبان، وفي العراق، لم يتحدث أحد من
المسؤولين الأميركيين ـ حسب علمي ـ أنهم يستهدفون غير نظام الحكم
وصدام حسين، وكذلك الضغوطات المتوالية على مصر وسوريا وإيران، لا
يشير أحد في الصحافة الغربية ـ رغم التنوع الأثني والثقافي فيها
بأكثر مما في المملكة ـ الى استهداف الدولة بل أنظمة الحكم؟ لماذا
المملكة إذن؟ هل لأنها دون البقية أكثر اهتزازاً وأكثر قابلية
للتقسيم؟ لماذا لم يستهدفوا العائلة المالكة كنظام حكم بل الدولة؟
وهل يقود انهاء النظام الى تقسيم الدولة أم العكس؟ هذه تساؤلات
أظنّها مشروعة.
لقد طغى الحديث خلال الأشهر الماضية عن موضوع التقسيم، ولا أريد
أن أذكر بما نشرته الصحافة حول تقارير أميركية رسمية بهذا الشأن، ولا
أعلم إن كانت الخطوات الأميركية تستهدف الضغط الآني أم التغيير
الحقيقي الجذري الذي يقوض أسس الدولة؟. الذي يدهشني حقاً، أن الجميع
حجازيين وشيعة وسلفيين وكل المواطنين تقريباً يتحدثون بصوت وحدوي،
فهل ما يقولونه هو الصدق، أم أن هناك أفراداً أو جهات أو شخصيات تقول
في السرّ ما لا تستطيع البوح به في العلن؟
أنا أميل الى هذا الرأي، رغم أنه تعوزني الأدلة، والذي يجعلني
أميل الى ذلك بعض الرشحات الإخبارية التي تتحدث عن لقاءات سعوديين
بمسؤولين أميركيين ناقشوا موضوع الإنفصال: بالتحديد انفصال الحجاز
والمنطقة الشرقية.. أي تكوين دولة للشيعة هناك. زيادة على ذلك، لو
كان كل السعوديين يتحدثون بصوت واحد، فلماذا يخوّف الأميركيون نظام
الحكم، إذا كان رموزه واثقين حقاً من أن الشعب مع الوحدة؟ ولماذ يصرّ
الأميركيون على موضوع غير قابل للتحقق، إن لم يكن وراء الأكمة ما
وراءها؟
الشيء الآخر، الذي آمل من رواد طوى استجلاءه، هو أننا رغم
حساسيتنا من نقاش موضوع خطير كهذا، فإن النقاش بحد ذاته مهم حتى لا
نكون مثل البقية: الحمد لله كلنا بخير، الحمد لله الوضع ممتاز، ثم
نكتشف أموراً مناقضة لما نتوقعه. ما أردت قوله هو هل في السعودية شيء
يختلف عن بقية دول العالم أو الدول المجاورة، هل لها خصائص دون
البقية مثلا بحيث يكون التقسيم أكثر إمكانيّة؟ اي هل مؤسساتنا وبنية
دولتنا تختلف أم ماذا؟ أم هل أن نزعة الإنفصال عندنا ـ والتي لا نرى
شيئاً واضحاً منها ـ هي بمستوى نزعات مماثلة في بلدان مجاورة:
الأكراد في العراق، الأقباط في مصر، المسيحيون في جنوب السودان، الخ؟
الإجابة على هذه الأسئلة تفتح لنا أُفقاً في فهم إمكانياتنا ونقاط
ضعفنا إن وجدت، وما هي نقاط الضغف هذه، وكيف نحلّها حتى لا تقع
الطامة لا قدّر الله؟ أي كيف نواجه المخطط الأميركي ـ إن كان هناك
مخطط ـ لتقسيم المملكة؟
هذه أسئلتي أطرحها عليكم، فهل من مجيب؟
* * *
المملكة مساحتها شاسعة وتحتمل التقسيم، هذا أولاً. و ثانيا
المنطقة الشرقية فيها شيعة بنسبة كبيرة (لا أعلم النسبة) والمطاوعة
السلفيين فيها نسبة صغيرة. لو اصبحت المنطقة الشرقية دولة لوحدها
لتميزت بالتالي: اولاً، الحرية الدينية وعدم فرض المذهب الوهابي
عليهم الذي يمنعهم حتى من ممارسة شعائرهم. ثانيا، ستكون دولة غنية
ومرفهة اقتصاديا وسيكون الشعب في حدود ثلاثة ملايين نسمة، مما يجعل
متوسط دخل الفرد فيها عاليا وربما تنافس قطر في هذا المجال. ثالثا،
سيحرص الامريكان على ان تكون هذه الدولة ليبرالية القيادة والتوجه،
وستحميها مثل سائر البلدان الخليجية الصغيرة مقابل إمدادها لهم
بالنفط. رابعا، سيكون وسط المملكة فقيرا لانقطاع ايرادات البترول
وهذا مهم، لان الامريكان يهدفون الى إفقار الوسط، وبالتالي يسهل
عليهم محاربة الوهابية (المتزمتة) كذلك يسهل عليهم ملاحقة الارهابيين
لانقطاع سبل الدعم المادي لهم. أما المنطقة الغربية، فستكون من نصيب
الحجازيين الذين تختلف افكارهم وتوجهاتهم عن النجديين، فالمجتمع
عندهم مفتوح وهم غير متزمتين دينيا. ومشكلتهم ستكون أقل لأن الاماكن
المقدسة سوف تدر عليهم ثروات هائلة.
* * *
التقسيم وإن كان حلما يراود الإدارة الأمريكية والغرب بصفة عامة
إلا أنه ليس بعيد المنال.
التقسيم يعني إقامة دويلة ضعيفة في الشرق، ستكون مجرد ولاية تابعة
لأمريكا، وسيكون نفط الغوار والشيبة بسعر نفط تكساس، هذا أفضل ما
يمكن ان يحصل عليه الغرب من بلدنا كوضع سياسي. قبل عشر سنوات كان
الحديث عن تقسيم العراق ضرباً من الخيال، اليوم هناك برلمان كردي
مستقل في الشمال وشرطة والعديد من الهيئات المدنية المستقلة عن بغداد
و قريبا سيكون هناك برلمان مستقل في الجنوب. تقسيم السعوديه لن يكون
مستحيلا في حال إستمر الهدر في أموال الوطن، واستمرت سيطرة اللوبي
السلفي المتخلف على كل قرارات البلد السياسية والإقتصادية وتغليب
مصلحته على مصلحة الوطن، وفي حال غاب الحديث عن أهمية الوطن والتأكيد
على أنه أهم من أي إيديولوجية كانت. الحل هو بترسيخ الوطنيه ودعم
مفهوم الدولة العلمانية الإنسانية التي ترعى الدين ولكن لا يسيطر
عليها الدين. نحن في أمس الحاجة لأن نعي المخاطر حولنا وأن لا نستهين
بأية دعوة تريد هدم الوطن.
* * *
هل المساحة الشاسعة للدولة سبب في التقسيم؟ ماذا عن أميركا،
الصين، الهند، الجزائر، إيران؟ أنظر قبرص وهي صغيرة ومقسمة،
وسيريلانكا وتشيكوسلوفاكيا. الحالة الديمغرافية مؤثر أساس، أي أن
التباعد بين السكان والمناطق في المملكة له دور أساس، خاصة وأن كل
منطقة لها مواصفاتها الخاصة حسبما يبدو ثقافياً وتاريخياً. ثم يأتي
سؤال: هل المذهب أداة تقسيم كما تشير؟ لماذا عندنا يكون كذلك، وهناك
دول مختلفة في الأديان وليس المذاهب فحسب، لماذا لا تكون مصر أو
لبنان أو أميركا أو الهند الخ. ولماذا انفصلت بنغلاديش عن باكستان مع
أنهما من دين ومذهب واحد؟ أرى أن الوهابية كانت عامل توحيد في
الماضي، أما اليوم فعامل تقسيم، بسبب شدتها على الآخر المختلف معها.
انظر لأخينا الذي يقول غفر الله لنا وله: الشيعة خونة، وأصحاب غدر،
ومجوس الشرقية، وسرطان، ويجب القضاء عليهم. تصور أن مواطناً شيعياً
يقرأ هذا؟ ماذا سيقول؟ سيقول إذا كنا هكذا فعلاً: يهود وأولاد يهود،
فلماذا تلوموننا إن انفصلنا؟ فيما يتعلق بحماية الدولة الجديدة من
قبل أميركا، برأيي لن تقوم دولة في الشرق بدون الحماية الأميركية،
ولربما جاء أحد وجادل بالقول: وماذا يعني ذلك؟ كل الدول الخليجية
محميات أميركية بعد أن كانت محميات بريطانية؟ والسعودية نفسها كانت
الى ما قبل 11 سبتمبر محمية أميركية؟
* * *
الفيدرالية وضعت لتحمي العراق من التقسيم. الشيعة في العراق
أكثرية والأكثرية لا تريد التقسيم، التقسيم مرتبط بالأقليات. هل
تعزيز نظام المناطق، وليس الفيدرالية، يمكن أن يعزز وحدة الدولة
السعودية؟ ولماذا لا يفعل الأمراء ذلك؟ أنا أرى أيضاً بأن تعزيز
الوطنية وترسيخها هو الحل، ولكن من يعززها وكيف؟ الدولة مهتمة بتعزيز
الإنشقاق على أسس مذهبية، بتبنيها الوهابية ودعمها لتكون هي الأعلى،
وترسيخ الوطنية لا بد أن يأتي بالمساواة. والمساواة لا يقبلها الجميع
في المملكة، حتى لو قالوا ذلك كلاماً. مثلاً: هل يقبل السلفيون أن
يكون لدى الشيعة أربع وزارات أو خمس نسبة الى عددهم؟ هل يقبلون أن
يحصل الشيعة على نسبة من الخدمات تكافئ كونهم مصدر ثروة؟ هل يقبلون
مثلاً أن يُعطى أهل الحجاز عدداً من مقاعد البرلمان أكثر مما لديهم
الآن، وهل سكان الجنوب المغيبون عن الدولة وخدماتها حين يعطون وزارات
ومقاعد ونسبة من الميزانية تقوم أحوالهم، هل هذا مقبول؟ ستقول نعم..
ولكن أنت تعلم بأن هذه الحصص ستؤخذ من مكان ما، ومن بيده فوق حقه لن
يقبل بالمساواة وتسليم الزائد!! الوطنية مازالت عندنا حتى الآن مجرد
شعار، ما تحته انتماءات جزئية أقوى من كل وطنية.
* * *
قد نتفهم بأن: الوهابية الدينية، والانفراد بالقرار السياسي كانا
مهمين وقت تأسيس المملكة.. الآن لا خلاف أن الأَدْوِية انقلبت ذاتها
الى معاول هدم ومسببات تقسيم! أَدْوِية الفترة الراهنة: التعددية
الثقافية والدينية، والديموقراطية السياسية، ودولة المؤسسات المدنية.
يجب أن يدرك حكامنا ذلك وإلا فإن الشق أكبر من الرقعة!
* * *
اتصل بي أحدهم قبل قليل فقال: السؤال خطأ. قلت لماذا؟ قال: هل
هناك نظام مثل هذا الذي تتحدث عنه ولا ترضى عنه أميركا؟ قلت العلة
ليست بالضرورة في النظام، بل في الدولة نفسها؟! وأنت تعرف الفرق؟
قال: يمكن أن تقوم دولة في الحجاز أما في الشرقية فهذا مستحيل إلا
بحرب أهلية.. من يقبل أن يذهب النفط وأموال النفط؟ لا يمكن ان تقوم
دولة في نجد بسبب الفقر. قلت: ليس المهم دائماً ما نريد، المهم أن
نريد وأن نعمل وأن نقاوم ما استطعنا. قال: النخبة الحجازية قد تميل
الى الإنفصال، لأنه سبق وأن أداروا دولة، والشيعة لم يكن لهم يوماً
دولة حتى وإن أرادوا إقامتها. قلت: يا أخي لماذا نضطر الناس الى حلول
لم يريدوها يوماً. من الذي زرع في أدمغة المواطنين العاديين في الشرق
والغرب هذا الفيروس غير أفعالنا وأخطائنا؟ قال: لا تنس أن هناك
إغراءات كبيرة.. أناس محرومون مهمشون وفجأة يقال لهم تعالوا اصنعوا
لكم دولة! قلت: صحيح الإغراء كبير، ولكن الدولة القائمة تستطيع أن
تجعل من خيار التقسيم مستحيلاً، عليها أن تكسب الناس وأن تحسسهم
بأنها منهم ولهم. الدولة لا علاقة لها بالأديان بل بالسكان،
بالمواطنين.
* * *
هل مشروع التقسيم جاهز الآن؟ بالتاكيد لا، ولكن يبدأ مشروع النفخ
فيه من الان من اجل ان يتشكل وتتبلور الافكار لدى من لهم قابلية
التقسيم مناطقيا. فعلى رغم الاضطهاد والظلم والتفرقة التى تعانى منها
مناطق المملكة المختلفة، الا ان ثقافة الانفصال لم تكن سائدة
جماهيريا حتى هذه اللحظة. الا ان المشروع الامريكى هو ربما لدغدغة
بعض المشاعر وبالتالى لاحداث بلبلة وارباك، وربما مستقبلا اضطرابات
فى عموم الوطن اذا لزم الامر، وذلك بعد ان تتشكل نواة معتنقي التقسيم
ويتم تكوين أنفسهم بدعم من الامريكان فقط. سمعنا أخباراً تقول ان
مشروع مملكة البحرين هو فى النهاية البحرين التاريخية (يعني البحرين،
الأحساء، القطيف) والله اعلم.
* * *
هذا المشروع الوهمي لن ير النور سوى في منتديات النت، والسبب
بسيط: لكي يتم مثل هذا المشروع يجب ان يستند الى قاعدة شعبية جارفة
تطالب به وتسعى الى تحقيقه، والامر الاخر يجب ان يكون هناك دعم دولي
واقليمي لمثل هذا التوجه ليصبغ عليه الشرعية في حال حدوثه. كلا
الامرين لا وجود لهما بشكل فعال وكبير وجدّي. وهذا ما دفعني لتسميته
بالوهمي. نعم هناك اصوات هنا وهناك ومن قلة قليلة كانت لها بعض
الامتيازات في السابق (قبل توحيد المملكة) وهي لا زالت تروادها مثل
هذه الاحلام. الامر الاخر (وهو مهم هنا) هي المنطقة الشرقية، وهذه
المنطقة الغنية بثروتها الطبيعية واختلاف مذهبها العقدي وأحساس أهالي
تلك المنطقة (والذي بدأ يتزايد في خلال السنوات القليلة الفائتة)
بالتهميش وانتقاص الحقوق وعدم نيلهم بقدر كاف وموازي لما حصلت علية
بقية المناطق الاخرى من مشاريع، برغم ان مصدر تمويل تلك المشاريع
التنموية في عموم ارجاء المملكة نابع من اراضيهم. والاهم من ذا وذاك
انهم دائماً يُعتبرون كافرين وانهم اشد خطر على الامة من اليهود
والنصارى في نظر السلفية المتزمتة. هذه الأسباب دفعت الولايات
المتحدة لإطلاق بالون الاختبار الاخير عن طريق اعلامهم وذلك لتشكيل
ضغط على القيادة السياسية لترضخ امام المطالب الأميركية والتي يصطدم
بعضها على الأقل بمعارضة التيار السلفي المهيمن عندنا.
* * *
الشرق مهمش إقتصادياً ومضطهد دينياً في الوقت الحاضر، وهو قابل
للإنفصال مستقبلاً، والوسط غني مالياً ويفتقد للموارد وفي حال
التقسيم فهو اشد المتضررين. والغرب منفتح ولديه الأماكن المقدسة التي
بإمكانه الإستفادة منها إقتصادياً في حال التقسيم. الشمال والجنوب
كالوسط إلا انه يختلف في كونهما مهمشين إقتصادياً في الوقت الحاضر.
التقسيم غير مستحيل ولكنه صعب، ولن يتم إلا عبر أنهار من الدماء،
خصوصاً فصل المنطقة الشرقية عن بقية مناطق المملكة، حيث انها أهم
منطقة وهي المصدر الأساسي للإقتصاد.
* * *
إن ثقافة الإنفصال ـ كما يبدو في الظاهر ـ لم تكن سائدة جماهيرياً
حتى الآن. ولكن لا أدري الى أي حدّ يقبل الشيعة والحجازيون العاديون
بالإنفصال، فالمواقع السلفية (الساحة مثلاً) تتحدث عن أناس عاديين
يتمنونه. ربما لو سألت المواطنين الشيعة والحجازيين العاديين لوجدت
بينهم من لا يمانع بالإنفصال أو يتمناه حتى. إن إثارة الأميركيين
لموضوع تقسيم المملكة يدغدغ العواطف لدى الفئات المقهورة والمهمشة
اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وقد ينتج عن ذلك بلورة سريعة لأطروحة
التقسيم، أو إن كانت متبلورة تطلّ علناً على الجميع. أتصور أن هناك
بين النخب من يتمنى ويدعو الى التقسيم، ولكن الظرف لم يساعدهم حتى
الآن. مشروع التقسيم غير جاهز حتى الآن، لكن لا ينفي ذلك وجوده لدى
المخططين الأميركيين وقد يضعونه قيد التنفيذ بين لحظة وأخرى، وفي حال
الجدّ قد تتصاعد المطالب الإنفصالية المحليّة. في غياب الإصلاح
السياسي، قد يتشبث المضطهدون بالتقسيم كحل أخير. أما مشروع مملكة
البحرين فقد طرح مراراً، وفي أواخر الثمانينات نشرت دراسة في هذا
الموضوع، ولا أدري الى أي حد هذا الأمر ممكن. الشيء الأقرب الى
الإحتمال هو أن دول الخليج (الصغيرة) تحبّذ قيام دولة صغيرة الى
جانبها، تفسح لها مجال المنافسة وتتحرك بحرية في الجانب السياسي،
وبالندية في التعامل، ولذا فهناك من بين دول الخليج ـ كما يعتقد بعض
المحللين ـ من يؤيد تقسيم المملكة أو لا يمانع في ذلك.
* * *
يجب أن نتنبه الى الفرق بين (المطالبة بالتقسيم) و (عدم
الممانعة). بمعنى أن من لا يطالب بالتقسيم ليس بالضرورة ممانعاً أو
معترضاً. صحيح أن المطالبين قلّة، فهل البقية بين (معارض وعدم ممانع)
يرجحون كفة التقسيم؟ ربما يستقرئ الطرح الأميركي الحالي الوضع، وهو
كبالون اختبار للمشاعر والمواقف. وإذا كان البعض متردداً في إعلان
موقفه الحقيقي الآن، فقد يعلنه صراحة حين يجدّ الجدّ. السؤال: أين
رموز الدولة من كل هذا؟ ما هي خططهم لإفشال الموضوع التقسيمي؟ هل
القوة وحدها كافية لحماية الوضع الداخلي؟ وماذا إذا اصطدمت بقوة
أميركا العسكرية، فمن سيقف الى جانب الدولة؟ هذا التساؤل جاء به
الأستاذ الدكتور متروك الفالح، حين تحدث عن احتمالية تقسيم المملكة
حسب خطوط الطول، فإذا ما وضعت أميركا قواتها بين المنطقتين نجد
والحجاز، ونجد والمنطقة الشرقية، ألن يتحقق الإنفصال الواقعي، رغماً
عن المعارضين والممتنعين؟
* * *
التهميش السياسي والإقتصادي والإضطهاد الديني/ الطائفي يصنع أرضاً
خصبة للإنفصال بغض النظر عن موقف أميركا أو الصهاينة. فالظلم لا يولد
الألفة والمحبة والوحدة، بل عكس ذلك تماماً. نتائج التقسيم ستكون:
وجود دولة غنية في الشرق، ودولة فقيرة في الوسط، هي الآن أكثر من
غيرها غنى وانتفاعاً بالثروة الوطنية. التقسيم غير مستحيل ولكنه صعب،
ومن المحتمل أن لا يتم إلا عبر أنهار من الدماء، وقد لا يكون
الإنفصال في بدايته إذا ما دعم أميركياً ذا طابع دموي، ولكنه سيبقي
العلاقة بين نجد والأحساء شديدة التوتر وقد تنفجر حروباً في أي لحظة.
لقد أُلقي الحل على كاهل العقلاء من المسؤولين. من هم هؤلاء العقلاء؟
وكيف يتحركون؟ رغم ان تحركهم في الإتجاه الصحيح لم يأتِ بعد، وهو
متأخر، ولكنه قد يمنع الكارثة قبل وقوعها. آمل من المسؤولين أن
يدركوا حجم الخطر، وأن لا يضيعوا هامش الوقت المتاح، كما فعل صدام،
حتى لا يدهمهم الوقت ويفوت زمن الحل، فيكون الجميع في العربة
الأميركية تسوقهم كيف وأنى شاءت.
* * *
العنصرية بغيضة من أين جاءت ولأي هدف سعت. الطائفية والعنصرية
مبغوضة من المضطهد والجلاد، ومن المنتفع والمحروم على حد سواء. نحن
نحلم بوطن المساواة والمواطنة الحقة، لا بإثارة المثالب والعيوب
وقذفها بوجه بعضنا البعض. لو كانت هذه المنطقة وأهلها غير مضطهدين
لكانوا (موالين) للحكم، ولا نقول للدولة، فهناك فرق بين الإثنين. هم
يكرهون الحكم ربما، ولكنهم ليسوا ضد الدولة (المملكة كوطن). الطائفية
استفادت منها الحكومة السعودية ابتداءً ثم جاء الأميركيون ليحولوها
الى نقطة في صالحهم. الطائفية لعينة، وستبقى تحفر قبور الدول.. وكل
من يلعب على أوتارها قد ينجح في البداية ولكنه سيجني منها العلقم
والشوك. وتجربة المملكة قد تفيد في هذا الشأن لمن أراد أن يعتبر.
* * *
تتحدثون عن المملكة وكأنها قطعة شطرنج، او قطعة كيك يمكن فصلها.
المملكة ربما يمكن تفتيتها، او زرع القلاقل فيها، لكن لا يمكن
تقسيمها. هذه الدولة لو انهارت من المستحيل تحويلها الى دول اخرى،
اللهم الا دويلات متناحرة تأكل بعضها بعضا. حتى تحليلاتكم لا تلامس
الحقيقة على ارض الواقع؛ اقصد الواقع السكاني. من يقرأ لكم يعتقد ان
الشيعة متقوقعين في جحورهم وبلدانهم القطيف واطرافها، واهل الجنوب في
الجنوب واهل الحجاز بالحجاز والشمال.. الخ. المملكة الان اشبه
بفيسفاء بشرية: انتشار سكاني منتظم. والحديث عن المناطق ليس الا
حديثا عن تقسيم جغرافي من الناحية التضاريسية. هذا الذي يتحدث عن
الشرقية وانها ستكون للشيعة ـ كما هي أحلامهم عملاء ايران ـ من قال
له أن الاكثرية في الشرقية شيعة، الشيعة بلداتهم محدودة، ولكن يشار
اليهم لاختصاص الشرقية بوجود هذه الفئة مع أقلية في نجران وفلول لهم
في المدينة المنورة. من كل منطقة من مناطق المملكة ستجد عشرات الآلاف
بل مئات الآلاف، أخشى ان تغضب هذه الحشود وترجف وترمي بالشيعة في
البحر أو يسفرونهم الى إيران. الدولة السعودية ليست وليدة اليوم.
ولولا قيام مثل هذه الدولة لما استفادت المناطق الاخرى من النفط،
ولما استفاد الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة في تعميرها. ولربما
تحولت الى تعمير قم وكربلاء والنجف.
ونجد هي حلقة الربط بين الشرقية وبين المناطق الأخرى: الحجاز
والجنوبية، ولولا ذلك لما وصلت عوائد البترول اليها وعاشت في بحبوحة
من العيش والتقدم والنهضة. لذا ستعارض تلك المناطق انفصال الشرقية
المزعوم، لانه ليس من صالحهم، ولن يرحبوا بتقسيم او غيره كما يزعم
الشيعة هنا. اما نجد التي اغاظت الشيعه ويتمنون زوالها، فهي حجر
الزاوية. والرياض التي يردون افقارها قاتلهم الله، توجد في جنوبها
وعلى بعد 100 كم حقول بترولية، ولم يقل أهل السنة انها للسنة فدعوها
لنا، كما يتحدث الشيعة عن النفط. من يقول ان الشرقية ستؤول لصاحب
العظمة، فصاحب العظمة سنّي وأصله من نجد وسيقلبها على رؤوس الشيعة.
لو حدث شيء لا قدّر الله، أجزم ان الشيعة هم من سيخرج من المولد بلا
حمص، لأن المتطرفين والارهابيين سيرمونهم في البحر، أو يرسلونهم
بالقوارب الى إيران. هؤلاء الحمقى يرفسون بأرجلهم النعمة التي
يعيشونها، ويتمنون للبلاد الدمار وبحار الدماء. كل ذلك بسبب العنصرية
والعيش تحت وهم الوصول للسلطة من خلال العمالة لامريكا.
* * *
هوّن عليك يا أخي، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. أخي
قذفت بقلقك بعيداً، وأخطأت من حيث أردت الإصلاح، وأسأت من حيث أردت
الإرشاد. لن تستطيع أن تدعي بأنك أكثر وطنية من غيرك، اللهم إلاّ
أولئك الذين يعلنون صراحة بأنهم مع تقسيم المملكة. إن شاء الله تكون
المملكة كما تريد وتحلل غير قابلة للتقسيم أو القسمة، لأن ذلك كما
قلت يؤدي الى قيام دويلات متناحرة. ما ذكرته كثير بعضه صحيح وبعضه
يستحق بعض الوقفات:
الوقفة الأولى: لقد كانت لغتك قاسية على المواطنين الشيعة دونما
سبب أو مبرر حتى الآن، اللهم إلا الخلاف المذهبي الذي لن ننفك منه
مهما أسأنا لبعضنا البعض. (الشيعة متقوقعون في جحورهم) (عملاء إيران)
(طابور خامس) تخشى أو تتمنى من حشود السلفية أن (ترمي بالشيعة بالبحر
أو يسفرونهم الى ايران).. (نجد أغاظت الشيعة ويتمنون زوالها)..
(قاتلهم الله) (الحمقى يرفسون بأرجلهم النعمة التي يعيشونها ويتمنون
للبلاد الدمار وبحار الدماء والخ).
ألا تعتقد يا أخي أن هذه اللغة من تهم ودعوات وغيرها هي خلاف
الوحدة التي تدعيها، أم أن هناك مفهوماً مختلفاً عن الوحدة، أي فرضها
على الآخر بالقوة رغماً عنه، والسلاح لازال موجوداً لمن خالف؟ هل هذا
ما تريد، وحدة إكراهية أم طوعية؟ وكلامك هذا يصب في أي منهما؟ الشيعة
هم سكان المنطقة الشرقية الأصليين، هذا لا يحتاج الى نقاش فيما أظن،
وهم ليسوا متقوقعين في جحورهم كما تقول، بل لم يكن في المنطقة مدناً
وقرى غير مدنهم وقراهم. فلماذا تريد تسفيرهم الى إيران، أو ترغب في
ذلك؟ هل هذه هي المواطنة؟ أم أن لك يا أخي مفهوماً مختلفاً؟ أب عن جد
يعيشون في منطقة من مئات إن لم نقل آلاف السنين ثم تريد تسفيرهم في
القوارب الى إيران؟ لماذا؟ وبأي عذر وحجة؟ هل تعلم أن كلامك هذا يعطي
لإيران حقاً لم تدعيه بتمثيلها للشيعة في المملكة؟ أنا معك إن معظم
سكان المنطقة الشرقية يعودون في جذورهم الى نجد. ولكن الشيء الذي لا
تريد أن تعرفه ربما: إن معظم الشيعة هم من أصول نجدية. أنا لا أحب
الإنتماءات هذه، ولكنك قد تنفيها: أحيلك الى كتاب الشيعة في المملكة
العربية السعودي لحمزة الحسن لمعرفة موضوع الأنساب وجذور السكان.
الوقفة الثانية: أرى أن ظنونك ذهبت بك بعيداً وشكوكك تم تركيبها
على موضوع المذهب. فأنت ربما تعتقد بأن الشيعة عنصر مشبوه دائماً ولا
يأتي منه خير. وهنا المقصود كل المواطنين الشيعة وهذا تعميم ولا يوجد
له دليل إلا في الكتب الصفراء القديمة، مع أن القرآن يقول ولا تزر
وازرة وزر أخرى. ولو أخذنا كل أناس بتاريخهم لنالت (..) حصة غير
عادية. فمن أين جئت بأن الشرقية ستكون للشيعة وأنها أحلامهم وأنهم
عملاء إيران، مع أن الأخيرة فيما أظن ـ حسب تحليلي ـ ضد أي تقسيم،
لأن الدور سيأتي عليها ويفككها لأكثر من ثمان دول.
الوقفة الثالثة: أنت يا أخي لا تدافع عن الوحدة بقدر ما تدافع عن
المنطقة. الذي يدافع عن الوحدة يجب أن يدافع عن كل مكوناتها، اللهم
إلا إذا كانت مناطق الشيعة ليست جزءً من هذه المملكة. لربما ـ أقول
ربما ـ أنت تعتقد بأن التقسيم يضرّ بمنطقتك، ويجردها من قوتها، في
حين يمنح قوة مضافة لآخريات. أنا لا ألومك على خوفك وهلعك، وهو قلق
مشروع وهلع في محلّه.
الوقفة الثالثة: الثروة عامل التحام. لماذا لا تكون الثروة عامل
التحام بين الشرق والوسط؟ الجواب بأن سكان الشرق لم يحصلوا على نصيب
معقول منها. إن المصلحة وتوثقها بين مناطق المملكة تعزز الوحدة،
وكلما كان توزيع الثروة أقرب الى العدالة كلما كان ذلك أدعى لترسيخ
قيم المساواة والوحدة. فهل لديك اعتراض على مثل هذا؟ انت تقول (هؤلاء
الحمقى يرفسون بأرجلهم النعمة التي يعيشونها) وتأتي بالآية لتطبقها
في غير محلها. هل المواطنين غير عقلاء حتى يرفسوا النعمة اللهم إلاّ
إذا كانت هذه النعمة قابلة للتضحية من أجل غنم أكبر، وإلاّ إذا كان
الشعور بالغبن في توزيع الثروة عالياً. فلندعو الى توزيع الثروة
بالعدل ووفق الحاجة، فإن ذلك يدمر أسس الظلم المفضي الى التمزيق والى
الحسد بين المناطق والى الشعور بالغبن والتخلص منه.
الوقفة الرابعة: هل تريد أن تجرّب ما إذا كان الشيعة سيخرجون بلا
حمّص من المولد العتيد؟ وهل تريد أن تجرب عضلات التعصب لترمي الشيعة
في البحر؟ هل هذا منطق يا أخي، إن كان هذا ديناً فأنا أول كافر به،
وإن كان سياسة القوة فإن القوة لله، يوم تكون بيدك ويوم تكون بيد
غيرك، الصحيح أن نتحدث عن السياسة وفن الممكن، فما دام الجميع
مواطنين: فإن اللغة هذه لا تفيد الغرض المطلوب منها، السياسة يفترض
أن توحد بعد أن عجزت الطائفية أن تفعل ذلك.
الوقفة الخامسة: صحيح ما قلت إن نفط الشيعة ليس للشيعة وحدهم،
ولكن ألا تعتقد معي بأن منتج الثروة يفترض أن يكون له حصة متوازية
ولا أقول متساوية، حسب حاجته وعدد سكانه؟ هذا ما يقوم به كل العقلاء
في الدنيا؟ ربما لو كان غير الشيعة هم من يسكن الشرقية لسمعت أصواتاً
أعلى تحتج على ما هم فيه. النفط لكل الشعب وليس الى فئة أو طائفة أو
منطقة أو مذهب، النفط لكل مواطن، والشيعة من بينهم، وليسوا خارجين عن
هذا. فلنتعامل معهم بروح المواطنة لا بروح الإقصاء السياسي
والإقتصادي.
الوقفة السادسة: اما الوصول الى السلطة، فطبق الأمر على نفسك وعلى
من تحب: هل باؤك تجر وباء غيرك لا تجر. ليس عيباً أن تطالب بالمشاركة
في السلطة، العيب أن تقصي غيرك عنها، وتستأثر بها وبمنافعها. أما
حكاية العمالة لأميركا: فيا أخي إقرأ تاريخ المملكة ثم تعال لي
لنناقش من كان ولازال عميلاً وكرزاياً. العمالة عندكم لا تنطبق إلا
على الشيعة الذين لم يفعلوا شيئاً ضد وطنهم، أما إذا كانت عند آخر
فأنتم تنسون ذلك. أعد قراءة التاريخ الحديث للمملكة، ثم انظر من تحمي
أميركا اليوم، قبل أن تتهم الآخر بشيء.
* * *
أنا أرى أنه لا يمكن لأمريكا أن ترضى أن تجعل أكبر إحتياطي
للبترول في العالم في منطقة يغلب عليها الشيعة. فهي لا يمكن أن تثق
بالشيعة وترى أن الأصوليين أرحم لها منهم وفي حال أنها رأت فصل
المنطقة الشرقية عن باقي المملكة فبالضرورة ترى أنه لا بد من إجراء
تغيير بالتركيبة الديمغرافية للمنطقة وذلك من خلال إجراء تصفية
للشيعة أو إجراء عملية ترانسفير إلى مناطق خليجية أو حتى إلى إيران.
* * *
أخي: الأميركيون لا يثقون بالأصوليين سواء كانوا شيعة أم سنّة..
هذا مؤكد. وهم يرون فيهم الخطر الأكبر، وعنوان معركتهم القادمة.
كانوا يعتقدون أن المصيبة في المذهب الشيعي الثوري، ثم جاءهم بن لادن
فكفروا بكل شيء إسمه إسلام، سواء كان معتدلاً محافظاً أم ثورياً أم
ديمقراطياً. أما موضوع التصفية العرقية، فأميركا لا تفعل ذلك إن
أرادت إلا على يد عملائها، ثم بمن تدير النفط، بالكوريين! الأميركيون
لا يمارسون التصفية العنصرية والمذابح بصفتها العنصرية. ستقتل
العراقيين لا لأنهم عرب ولا لأنهم مسلمين بل لأنهم إرهابيين!
* * *
ما تقوم به أمريكا هو خطة مبرمجة ومرسومة لتغيير ملامح العالم،
وقد زاد طغيانها وتنامت عجرفتها بعد أن نجحت في تقسيم الاتحاد
السوفيتي وتفكيكه، ثم فعلت نفس الشيء في يوغسلافيا فقسمتها إلى
دويلات، والصومال إلى ثلاثة أقسام، وغيرت النظام في أفغانستان،
وستعمل على فصل الشيشان عن روسيا، ودعمت انفصال تيمور عن أندونيسيا،
وهي في طريقها لفعل نفس الشيء في العراق بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام
وتغيير نظام الحكم فيه، وكل الأدلة والشواهد ومعطيات الأحداث تصب في
هذا الاتجاه.
* * *
خطط أميركا لا تعنينا كثيراً إلا إذا كنّا لا نعتني بأنفسنا. كل
دول العالم يوجد بها تعدديات أثنية وثقافية، ولو أن كل ما تريده
واشنطن يتحقق لأصبحت إلهاً يعبد من دون الله. العراق لن يقسم، وبرأيي
أميركا لا تريد ذلك. لكنها تريد تقسيم السعودية. وهي أرادت وحدة
اليمن. هي تريد تقسيم السودان، ولكنها في بداية الثمانينيات رفضت
تقسيم إيران أثناء حربها مع العراق رغم أنها دعمت الأخير. أما موضوع
تيمور الشرقية، فقراءة لموضوع ضمها الى اندونيسيا في السبعينيات ينبئ
عن ضعف في الإستيعاب والدمج الوطني. أميركا لا تخلق الإنفصال وإنما
تستثمر الأوضاع لصالحها حسب رؤيتها وهي ليست كلها تقسيمية وتشمل جميع
الدول. المستهدفون ربما يكونوا قلّة. لكن المهم أنها لا تستهدف إلا
الضعيف غير المقاوم أو الذي لا يستطيع المقاومة. ان موضوع التقسيم
ليس محصوراً بمنطقة واحدة. فالحجاز اكثر تأهيلاً لها. وأهالي الجوف
يصدرون منشورات بهذا الشأن منذ أواخر الثمانينيات الميلادية.
فالموضوع لا علاقة له بسكان المنطقة الشرقية الشيعة فحسب.
|