نجد.. منبع الفتن وقرن الشيطان
هناك الكثير من الموضوعات الهامّة التي تطرح للنقاش في مواقع
سعودية على شبكة الإنترنت، حيث يفصح المتحاورون عن بعض من مكنوناتهم
الداخلية وضمن هامش معقول من الحرية، بحيث يمكن رصد هذه الحوارات
واعتبارها بشكل عام مؤشراً على اتجاهات الرأي العام السعودي، بأكثر
مما تعبر عنه الصحافة والإعلام المحليين.هناك على شبكة الإنترنت،
يقوم أفراد ممن يمكن اعتبارهم منتمين الى الطبقة الوسطى العريضة في
المملكة بالتعبير عن اتجاهاتهم وميولهم وآرائهم. هؤلاء في مجملهم
وكما يبدو من الحوارات العديدة مسكونين بأنواع مختلفة من الهموم
الجمعية، لم تجد لها متنفساً في الإعلام المحلي، ولا يمكن طرحها إلا
بكثير من الحذر حتى لا يحظر الموقع محلياً، مع أن أكثر المواقع
الحوارية السعودية أصبحت محظورة.
ما يهمنا هنا، هو استجلاء للآراء المختلفة بين السعوديين في قضايا
وطنية مصيرية بالغة الحساسية. وسنقوم في كل عدد بعرض قضية من
القضايا، وآراء المختلفين، الذين لم يجدوا إلاّ مواقع الإنترنت
لطرحها على بساط النقاش. الموضوع التالي منقول عن
http://bb.tuwaa.com/showthread.php?s=&threadid=22974
* * *
يحتد الجدل بين كثير من الإخوة حول المقصود بكلمة (نجد) الواردة
في الأحاديث النبوية الشريفة. هذا الجدل يصل أحيانا بين الاخوة
المتعارضين إلى حد الشتم والسب للمخالف والمعارض خصوصا عندما يشير
أحدهم أن المقصود بـ(نجد) هي (نجد) السعودية وليس كما يريد هو بأن
المقصود بها (العراق). الحديث نصه في صحيح البخاري: (حدثنا محمد بن
المثنى قال حدثنا حسين بن الحسن قال حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن
عمر قال: قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا. قال: قالوا وفي
نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا. قال: قالوا وفي
نجدنا؟ قال: قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان). في
رواية أخرى: ( حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد عن ابن عون
عن نافع عن ابن عمر قال: ذكر لهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا
في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في
شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا يا رسول الله وفي نجدنا؟
فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع يث أعلاه هو
محور الجدل وهو الذي خضعت تفسيراته للصراع المذهبي بين الشيعة
والسنة، وتظل الحقيقة تراوح بين هنا وهناك.
عرفت نجد قديما بمسمى اليمامة وهي في وسط شبه الجزيرة العربية
وأصبحت تشمل في الوقت الحاضر منطقة الرياض والمدن التابعة لها. آن
الأوان أن نعرف وندرك قبل فوات الفوت أن الفتن سوف تخرج من منطقة نجد
تحديدا، فهي قرن الشيطان كما وردت الأحاديث بذلك، ومن هنا يجب
الاستعداد بالوقاية من هذه الفتن وعدم جعل ارض نجد في الوقت الحاضر
أرضاً خصبة تسرح وتمرح فيها الفتن، وتنمو فيها بذور التطرف والتعصب
المذهبي المقيت، ما يشاهد اليوم من فتن في أرض نجد في السعودية يجعل
العاقل يؤكد جازما ما سبق قوله، أن المقصود بنجد هي (نجد السعودية)
وليس غيرها. إن إلقاء لمحة تاريخية سريعة على تاريخ نجد الحديث تؤكد
ما ذهبنا إليه حيال الموضوع.
سوف أشير فقط إشارات عابرة عن الفتن التي عصفت بنجد والتي أتت بعد
الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل نكون اكثر تحديدا منذ تأسيس الدولة
السعودية الثالثة. حينما نرجع بذاكرتنا ونراجع تاريخ نجد منذ محاولة
الملك عبد العزيز توحيد المملكة العربية السعودية نجد أن البداية
كانت بخروج حركة الإخوان بتطرفها الديني وعصيانها على الملك فترة
توحيد المملكة. فهي حركة حملت تطرفا دينيا مقيتا، وفكرا مغلقا بكل ما
تحمله الكلمة من معنى. مكن الله الملك عبد العزيز من القضاء على
الحركة وشرذمة أهلها لا بالحجة والإقناع وإنما بحد السيف، وبالرغم من
ذلك بقيت الفتنة ولم يقض عليها.
تلت هذه الفتنة بفترة طويلة نسبيا خروج حركة جهيمان العتيبي
المتطرفة دينيا التي تم القضاء عليها وتم القصاص من زعمائها ومدبريها
ومرتكبيها، ولكن الفتنة لم تنته عند هذا الحد، بل بقيت في نجد. بقي
صدى هذه الفتنة الخطيرة يرسم شكلا معينا على اتباعه وتيارا مؤدلجا
دينيا وفكريا خضعت الحكومة له فانعكس على أجهزة إعلامها وصحافتها. من
لاحظ التغيير الذي حدث في أجهزة الإعلام في المملكة بعدها يعرف أي
تأثير لهذه الفتنة على الحكومة والنظام السياسي بل بقي هذا التأثير
واضحا وحتى يومنا هذا، كان من نتائج هذه الحركة خروج مظاهر وأشكال
دينية على المجتمع لم نكن نألفها في أجدادنا ولم نشاهدها في آبائنا،
واصبح المتدين في نظر الجميع هو من يملك هذه الصفات والمزايا وهذا
الشكل المعين الذي يرتسم بهيئة معينة وطريقة كلام مميزة.
انتهت حقبة وفتنة المظهر والشكل الخارجي لندخل في فتنة اكثر عمقا:
النشرات والأشرطة الدينية المحرضة على الدولة وموجة التكفير
والعلمانية التي وصم الكثيرون بها من أناس يشهدون أن لا اله إلا الله
وأن محمداً رسول الله. صدرت هذه الأوصاف من علماء شباب بزغ نجمهم بين
جموع الشباب ولقيت قبولا منقطع النظير في الجامعات وغيرها. استخدم
هؤلاء الشيوخ الأكاديميون وسائل شرعية وغير شرعية من خلال توزيع
أشرطتهم ونشراتهم مما زاد إعجاب الشباب بها لكونها غامضة تجابه
الدولة ولا ترضى عنها ولخروجها عن نمطية الطاعة العمياء التي تروج
لها هيئة كبار العلماء. ولم تكن تلك المحاولات لتنجح وتلقى لها صدى
وقبولاً، لولا جرأتهم وقتها على الدولة ووزرائها وأجهزتها الحكومية
المختلفة.
صاحب تلك الفترة وما بعدها التعدي صراحة على ولاة الأمر والتحريض
عليهم، ولم تكن المظاهرات والاحتجاجات في بلاد نجد وموجات التجاذب
والتنافر بين تيارات المجتمع وطوائفه إلا تكملة وشكلاً آخر من الفتن
لكنها أصبحت اكثر اتباعا واختلط فيها الحابل بالنابل الصالح بالطالح.
وحتى تكتمل صورة الفتنة بشكل أدق واكثر وضوحاً، كانت الجامعات مسرحا
للتناوش وتصارع الأفكار بين أعضائها وكوادرها، دخلت وسائل أخرى
مساعدة في هذه الفتنة المحاضرات والندوات حتى أن الطلاب أنفسهم
انقسموا على أنفسهم. حتى مناهج الدراسة الجامعية وما يدرس فيها وما
يترك تدريسه خضعت لهذه الطائفية، هذه الفتنة ألقت بظلالها على
الدكاترة والمحاضرين في الجامعات. هذا المفكر أو العالم أو الشيخ أو
ذاك خضعت كتبهم للتمحيص والتدقيق. ونظرا لعدم تكافؤ الفرص بين
التيارات المختلفة، وغياب الوسيلة والطريقة التي يمكن بها تقييم
هؤلاء الأشخاص المتحدثين باسم الله، انتصر أصحاب صكوك الغفران الذين
يرون أنفسهم متحدثين باسم الله.
كانت الطامة والفتنة الاخرى ما يسمى العلم الشرعي، الذي كرس
إعلاميا بشكل لا تخلو وسيلة إعلامية منه ولا كتيب ولا نشرة من الحديث
عنه. لم تكن الجامعة وحدها اللاعب الوحيد في الفتنة وزخم الطلبة
الملتحقين بما يسمى العلم الشرعي المبني على أحادية النظرة وانتقائية
الأدلة، فلقد ساهمت المكانة الاجتماعية والنظرة الوقارية لأصحاب
العلم الشرعي أن تجعل ناقصي الأهلية يلتحقون بهذه الجامعات الإسلامية
ويخرجون معززين مكرمين برسائل دكتوراه في المسح على الخفين ينال
بعدها شرف الفتيا وشرف تصدر المجالس وكرم الدولة الحاتمي معهم. إنها
فتنة أخرى أخرجتها لنا الجامعات بما يسمى طلبة العلم الشرعي، ليس كل
من تخرج منهم أدرك هذا الشرف الذي لم ينله سوى من كانت له القدرة على
قراءة الأمور بشكل لا يخلو من مكر السياسيين وخبث الطامحين. النتيجة
كانت: قاعدة صلبة من التأييد من كبار العلماء لهم، وطريق ممهد لشرعية
دينية أقوى واعم بين أفراد المجتمع كافة. المجتمع السعودي اغلبه
متدين بطبعه وكان الهدف تعميق وترسيخ المذهب الوهابي الذي يجعل لحوم
العلماء مسمومة لمن أراد أن ينتقدها أو يخالفها.
الوسيلة المثلى لتكريس هذه الفكرة في اذهان الناس جميعهم كانت
بمساهمة هؤلاء الخريجين بحكم توليهم كثير من زمام الأمور في الدولة،
حيث عملوا على إجراء تغييرات في إعداد مناهج التعليم ونوعية القائمين
على المدارس الحكومية نفسها وأدلجتهم وفقا لنظرة قاصرة بأنهم الأفضل
لتربية النشء لمجتمع إسلامي فاضل، وسعيا لإرضاء كبار اللحوم المسمومة
كما يحب أن يسموا أنفسهم وأطرافاً مقربة مناطقيا وعائليا، فكان
الانتصار الساحق لفكرههم المنغلق. ومع انتشار حلقات المساجد وما يبث
فيها من خير أو شر كانت دائرة الفتنة على وشك الاكتمال، دخل شيوخ
هيئة كبار العلماء هذه الفتنة من باب الفتاوى تارة ومن باب نحن أيضا
موجودون في الساحة ونحن لنا اليد الطولي من باب مسايرة الواقع وحفاظا
على المميزات المكتسبة.. سايروا الشيوخ الشباب الطامحين بفتاوى
مشابهة، كل يوم يمر كان التنافس على نجد ومملكة فاضلة بين الشيوخ
والشباب سمة تميزه، كل يوم يخرج علينا اسم جماعة إسلامية من البشر
يحذرون منهم والصلاة خلفهم وخرجت مصطلحات مذهبية على بعض الفئات لم
يكن لها هدف ولا غاية إلا تأجيج الفتن بين أبناء الوطن الواحد: هذا
رافضي وهذا إسماعيلي وهذا اثنا عشري وهذا جعفري وهذا..الخ.
تغيرت الأمور والأوضاع وأصبحت القلة هم الذين لا يدركون هذه
المصطلحات والمفاهيم، وبالرغم من ذلك الفهم والإدراك، إلا أن الفتنة
لم يكن مقدرا لها أن تفهم إلا وفق تيار واحد.. تيار وهابي مؤدلج عمل
على إبقاء جذوة الفتنة مشتعلة بين أفراد المجتمع تؤجج مشاعرهم وتضرب
توحدهم واحدا تلو الأخر، ما تلبث أن تنتقل إلى آخر توغل صدره وتسقيه
كرها. فهذا حاكم لا يمكن التطاول عليه، وهؤلاء أمراؤنا لا تشقوا عصى
الطاعة عليهم، وهؤلاء علماء لحومهم مسمومة! من بقي إذن ممن لا يناله
العتب ولا الذم ولا اللوم ولا النقد؟ انهم مساكين الأمة ومساكين
المجتمع.. فكثر الفرقاء بعد أن كانوا جموعا، وخافت الطوائف والاقليات
على نفسها بعد أن كانت مندمجة لا ترى ضررا من اندماجها.
* * *
لعلك تعفينا من هذه الخزعبلات التي ليس من ورائها طائل، هناك
مواضيع كثيرة حسبتك تجيد الكتابة فيها. منطقة نجد من أقل بقاع الأرض
فتناً، والسبب بسيط: أنها منطقة طرد حضاري، لا ماء ولا مرعى، ولولا
الله ثم إكتشاف النفط لما وجدت اليوم على ظهرها ديارا.
* * *
هذه وجهة نظرك احترمها. لماذا تجشمت عناء الرد على الخزعبلات. كنت
اعتقد سيدي انك لاتنخدع بمثل هذا الكلام، لذا كتبته لغيرك.
* * *
الاحاديث صحيحة والالفاظ صريحة ولا يلوي عنقها ويحرّف مقاصد
الادلة الا معاند ومكابر.
* * *
اسمح لي ان اعترض على مقالك جملة وتفصيلا، فهو قائم على اسس لا
تمت للمنطق العلمي او التاريخي المبني على اسس علمية، مقالك يا سيدي
الكريم ينضح بنوع آخر من عنصرية بغيضة هي العنصرية المناطقية.
فالتطرف لا دين له ولا منطقة! فهل الحجاز مثلا تخلو من متطرفين او
اهل الجنوب او اهل الشمال؟ مقالك يذكرني بتلك النظريات العنصرية التي
تدعي بأن التفوق والذكاء مرتبط بجنس معين! هل اسامة بن لادن نجدي؟!
هل سفر الحوالي نجدي؟! اخي الكريم لقد حاولت بمقالك الخروج من
اشكالية الصراع المذهبي والطائفي، فوقعت في اشكالية المناطقية وللأسف
فأنها وجدت من بعض المناطقيين السذج صدى في نفوسهم المريضة، نجد
والحجاز والجنوب والشمال يشكلون بلدا واحدا واللعب على هذه النغمة
المناطقية في مثل هذا الوقت بالذات الذي تتعرض فيه المملكة لأعنف
واشرس هجوم منذ نشأتها لا يصب الا في مصلحة من يريد لها ان تكون
يوغسلافيا اخرى، لك ان تنتقد النظام الحاكم، ولك ان تنتقد اوضاعنا
السياسية والدينية والإقتصادية والإجتماعية، ولك ان تنتقد افكار من
شئت ممن يسمون بعلماء الدين ورجاله وتطرفهم وتعصبهم، ولكن ان تربط
هذا التطرف بسبب انهم ينتمون لمنطقة معينة فهذه لعمري هي العنصرية
المناطقية بعينها، والتي تؤلب وتثير مشاعر الكراهية والبغضاء ضد جزء
عزيز من هذا الوطن. انه النقد الذي يهدم ولا يبني. انها كلمات ضد
وحدة وطن!
* * *
اتفهم اعتراضك واتفهم غضبك، لانه ربما لامس جرحاً عندك. ما لم
تدعم كل ردك وكل كلامك بشواهد من الموضوع، فلن أفهم سر غضبك وسر
زعلك. كلامك قبل شكلا ورفض موضوعا.
* * *
نجد منبع الفتن وقرن الشيطان (2)
إستتب الأمن برهة من الوقت بعد سجن كثيرين من مثيري الفتن
والقلاقل بعد أن وصلوا في جرأتهم واتهاماتهم ولي الأمر نفسه. وبالرغم
من ذلك واستيقاظ الحكومة من سباتها متأخرا إلا أن الفتنة أيضا لم
تسجن ولم تمت، استمرت الفتن في نجد لا يحس بنارها إلا من كان من
أبنائها أو سكن في محيطها، فقد استفحل أمر هيئة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وزاد عن الحد المطاق. أصبح المذهب الوهابي والعنف
المسلط سمة غالبة في نجد، يطول أرجاء المملكة ومدنها نصيب منها. كثر
المفتون وكثر الشيوخ المخالفون لسادتهم وشيوخهم الكبار الذي قاموا
بتعليمهم فخرجت النصائح واللجان الشرعية، فأوقف من أوقف منهم وتراجع
من تراجع وهرب للخارج من هرب منهم لكن الحقيقة المؤكدة كان تزايد
أعداد الشباب المهاجر إلى الله شكلا لا سلوكا قولا لا عملا، ساهم في
خروجهم حفظة قرآن أموا المساجد والجوامع الكبيرة والصغيرة بل وصلوا
إلى الحرمين الشريفين بأصواتهم الرخيمة متلاعبين بعواطف البشر وبكثرة
ذنوبهم وتذكيرهم بفتنة القبر وعذابه. لقد نازعوا أهل الصلاح والتقى
وصفاء القلوب مناصب المؤذنين والإمامة سعيا وطمعا في بيوت يوفرها أهل
الخير للمؤذن وللإمام، فكان لزعماء الفتن وقادتهم ما أرادوا من تسييس
المجتمع من خلال الجوامع وتعيين من كان على السمع والطاعة في وظيفة
إمام أو مؤذن مسجد أو جامع.
اصبح المجتمع يعرف البوسنة والهرسك واصبح يعرف الشهداء الذين تفوح
رائحتهم مسكا والجنود المجاهدين الذين تقاتل معهم الملائكة وتبعد
عنهم الصواريخ والقنابل. انشغل الناس بمقولة (الولاء والبراء) فخرج
وفقها الكثيرون ممن كنا نظنهم عبّاداً أتقياء من الولاء ودخل
الكثيرون في الولاء لأنهم قالوا سمعنا واطعنا وصمت الكثيرون خوفا على
أنفسهم فسلكت أمورهم بين تلك الجموع. لم يهتم علماء الأمة وجهابذتها
وطلبة العلم الشرعي بمشاكل فقر مواطنيهم ولا ضعف إمكانياتهم ولم
يحرصوا على الأيتام في دورهم ولا اللقط ولا المرضى من أبناء وطنهم.
الراسخون في العلم منهم كانوا في مكان آخر يتناولون قضايا اعمق وأهم!
فعالجوا مشكلة العانسات في البوسنة والهرسك وقضايا الرق في إفريقيا
ومشكلة الحداثة في شعر أدونيس، ونصبوا جل اهتمامهم على أن الغرب عدو
للإسلام وانه لا يريد إلا فتنة العلماء والمسلمين بشقرواته الحسان
وبمصطلحاته الدخيلة. ذكروا ذلك في أشرطتهم وأقاموا الدنيا وأقعدوها
على مصطلحات غربية فماذا تعني ديمقراطية، وماذا تعني كلمة حقوق إنسان
وحقوق امرأة وماذا تعني علمانية وحرية.
اشغلوا الناس وشاغلوهم في الشوارع والمحلات والأسواق وفي المكاتب
الحكومية بفتن صغيرة تراكمت مع الأيام وأصبحت كتاباً منزلاً لا يأتيه
الباطل: هذا شكله صليب وهذا ورد احمر، وهذا يتشبه بالغرب لأنه لبس
قبعة أو بنطال، وهذا اخذ إجازة في ديسمبر ليذهب لحفلات أعياد
الميلاد، وهذا هنأ الكفار بعيد ميلادهم.. هذه جميعها أصبحت ركنا
أصيلا من أركان الفتنة النجدية. في الشريط كما الكتيب من الفتاوى
المنتقاة ما يخلق المصائب العظام بين الاخوة الأشقاء، فكيف بين أفراد
مجتمع مختلف التوجه والمشارب والطوائف؟ وبعد أن تيقن أصحاب الفتنة أن
الجميع استقبل الرسالة السماوية منهم خرجت تلك الفتاوى الدينية التي
لا تسمح برأي مخالف أن يسير معها ولا تسمح لرأي أو فتوى أن تخطئها
واصبح الإسلام هو إسلام نجد، والصلاة صلاة نجد، والقراءة قراءة نجد،
والفتوى فتوى نجد. ساهم أهل الخير بعد أن دفعوا دفعا لمثل هذا الفعل
في طبع الكثير من الكتب وساهمت الحكومة بالعبء الأكبر في تحمل طبعها
ووزعت على مختلف المدن والهجر بأسعار رمزية وفي أحيان أخر بالمجان.
الويل لمن يقول (لا) من الشيوخ المخالفين والطرد والفصل من العمل لمن
يطالب بالتصحيح منهم، وما عدا نجد وعلماء نجد لا يكون إلا بدعة أو
شيخ يتبع الهوى أو شيخ مضل، فكانت تفجيرات طائفية صغيرة شهدتها
الرياض ومكة يتذكرها من يتذكر، وأحداث طائفية في مواسم الحج التي
تلتها، وسيرا في الغلو والتطرف الديني والتعصب المذهبي الوهابي الذي
لم ترد الدولة الاصطدام به، فكيف تصطدم بشيوخ متأسلمين وهي الحامية
لبيضة الإسلام وحوزته؟
في هذا الجو المتوتر المشحون بالأحادية المذهبية خرجت فتنة أخرى
عبر تأويل النصوص وتكييفها مقولة (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
إنها كلمة حق أريد بها باطل متزامنة مع أحداث سياسية عصفت بالمنطقة
مشتملة عودة بعض متطرفين أفغانستان للوطن وحرب تحرير الكويت بيد
الكفرة من التحالف فانقسم العالم الإسلامي الى فسطاطين بين مؤيد وبين
منكر، بين من يرى الاستعانة بالكفار وبين من يرى أنهم قادمون لتدنيس
الحرمين حتى لو كانوا في الساحل الشرقي من شبه الجزيرة، وكل منهما
كان الدين مطيته وصهوة جواده وفتنة الفتوى الدينية كانت أيضا عاملا
حاسما في غلبة هذا الرأي أو ذاك. استراحت الفتنة قليلا بعد تنبه
الدولة لها لكن هيهات هيهات أن تخمد. فهذه منشورات تتهم كثيراً من
نساء المسلمين السعوديات في دينهن وشرفهن ورجالهن بالدياثة، وتصفهم
بأقبح الأوصاف وأقذرها. لم تكتف المنشورات بهذا الأمر بل سربت كثيراً
من الأمور السرية جدا في الدولة وجعلتها بيد عابثين ومرجفين ليزيدوا
نار الفتنة بين أفراد المجتمع الواحد، كانت هذه الفتنة وأحداثها نذير
شؤم لفتنة اشد تدميرا: إنها فتنة التفجيرات بيد أبناء نجد نفسها، بعد
أن شربوا الفتنة وتشربت بها أجسادهم بكأس من ذهب.
كان للحكومة دورا ومساهمة فعالة عندما شجعت الذهاب إلى أفغانستان
وسمحت للمؤسسات الدينية متمثلة في هيئة كبار العلماء بتعبيد طريق
الشهادة والفردوس للراغبين في الوصول اليها. تلك لم تكن إلا البداية
ولم تكن التفجيرات إلا مزحة لما بعدها. استفحلت الفتنة في نجد عند
الأبناء والجهلة فحذا حذوهم شيوخ متطرفون لا يقلون شأنا عن كبار هيئة
العلماء، فكانت طامة أخرى تعصف بنا تخرج من ارض الفتن فتاوى من كل
شكل ولون وأمهات كتب مقدسية واخوانية وقطبية لم نسمع بها من قبل.
تداخل وتمازج غريب بين أفكار جماعات متطرفة في الخارج وفكر منغلق
وهابي يجد نصوصه الشرعية والأرضية الصلبة في فتاوى ابن تيميه. كان
المشترك بينها في المراد والهدف واحد والفكرة التي خامرت العقول
واحدة: خلافة إسلامية على منهاج النبوة!
خرجت الفتاوى المتجددة المؤيدة لهذا التوجه من ارض الفتن نجد
ودعمها ناقص عقل ورؤيا في جبال تورا بورا بماله وجند مدربين، ولقيت
لها صدى وقبولا في ارض الجنوب. مساكين هم أهل الجنوب أرادوا ركوب
الخيل الغر المحجلة فركبوا طائرات تدك الأمريكيين في عقر دارهم لم
يسلم أهل الشمال ولا أهل الغرب من فتاوى الخوارج ولا مكرهم. تحركت
الدولة تحركا بطيئا كما هي عادتها عند أي مجابهة دينية معها، فهي لا
تريد اصطدام بالجموع الكبيرة من معتنقي هذا الفكر الذي اتضح شعبيته
من خلال الشبكة العنكبوتية، وتقارير الاستخبارات المحلية والأجنبية
طالما أن الفتنة بعيدة عنها، وطالما أن العتب من الدولة العظمى لم
يصل ذروته فلا مانع من الحلم والأناة طالما أن السند الحقيقي وهم
كبار العلماء يحركون الجموع. كانت الدولة بصدق عاجزة عن السيطرة
الفعالة لا حدوديا وما يمر عبرها ولا عنكبوتيا وما ينشر فيها ولا حتى
سيطرة على دور العبادة في أنحاء نجد وغيرها وما يحدث فيها.
* * *
الفتنة لا تعرف وطناً ولا حدوداً متى ما انطلقت ولم توقف عند
حدها. حينها تأكل الأخضر واليابس. وصمت الحملان من رجال الدولة وقت
العواصف الفتنية جعل زعماء الفتنة يطلون مرة أخرى أشدّ قسوة وعنفا
خصوصا وقت غزو العراق. قاموا بحملة قنوت مفتعلة تصدت الدولة لها
حينما فلتت زمام الأمور منها، ثم جاءت ندوات، تبعها تبرعات عينية
ومادية اختلف بعض رجال الدين حول مشروعيتها وهل تجوز لطائفة دون
غيرها أم لا! لكن هذه المرة اختلف الوضع عن سابقه: كان الحديث
والتحذير والتنبيه لنظام الحكم قد جاء من خارج الدولة حيث لوح بعصى
الديمقراطية وحقوق الإنسان والتغيير وتعويضات 11 سبتمبر إن لم تذعن
لمطالب الإصلاح والتغيير في السياسة الدينية. ولقيت التهديدات
استجابة غير فورية: إيقاف بعض الجمعيات الخيرية الإرهابية، واجتماعات
متعددة من الأئمة وخطباء المساجد وفتاوى تخرج بلا عدد لإصلاح الضرر،
تقول بأن هؤلاء الغربيين هم أهل ذمة ومستأمنين، وحدث انقسام حاد بين
رجال السياسة حول افضل الحلول، واتهامات بين كبار شيوخ الدولة وشيوخ
المتطرفين حول الإسلام الصحيح، وحوارات وطنية تعقد هنا وهناك لا يعرف
هزلها من جدها. ثم التحق بركب الفتنة سفارات أجنبية أغلقت أبوابها
بناء على توارد معلومات إرهابية في نجد تحوم حول رعاياها الموجودين
على أرض المملكة.
ولحق ذلك تفجيرات كبيرة تصيب الحكومة والشعب وكبار العلماء في
مقتل بعد أن كان النفي والنفي فقط بعدم وجود خلايا إرهابية دينية هو
الخطاب الرسمي، وبعد أن كان النفي بعدم وجود خلايا قاعدية في نجد ثم
فتاوى أخرى نجدية دينية تحرم على الشعب النجدي مساعدة ومعاونة رجال
الأمن. مطارادت ومداهمات أمنية واعتقالات بالجملة للإرهابيين في نجد
الحكومة تقبض على خلايا تابعة للقاعدة هنا وهناك، في شمال المملكة
وغربها، ولا يخلو اعتلال في الجنوب من الفتنة العظمى. وتواصل مسلسل
القتل لرجال الأمن في المداهمات وأخيرا وليس آخرا: القتل لرجال الأمن
بدون مداهمات أثناء قيامهم بعملهم الروتيني.
من يصدق أن هذا يحدث في نجد؟! من يصدق أن هذه الفتن جميعها كان
رابطها التعصب الديني المذهبي، يقوده شيوخ مسلمون من بلاد نجد لم
ينظروا إلى ابعد من أنوفهم، حينما عملوا على التعسير من باب سد
الذرائع. لقد تشرب الفتنة الكثيرين وعثت في بيوت نجد وسكان المملكة
هذه الفتنة البغيضة من خلال تكريس العدائية وروح التعصب المذهبي
الوهابي. وحين استشرت وكثر القتل وتداخلت الأوراق والفتاوى تنصل
المشايخ منها وأخرجوا البيانات التي تدين وتستنكر، لكن بعد فوات
الأوان. لن نكذب على هؤلاء.. لكن الحقيقة أن الإرهابيين كانوا طلابهم
النجباء!
* * *
نجد.. منبع الفتن وقرن الشيطان (3)
عند الرجوع لمعاجم اللغة العربية يتبين لنا أن كلمة الفِتْنَةِ
هي: الاضطرابُ وبلبلةُ الأفكار (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ
ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ). والفاتِن أيضًا اللصُّ والمُضِلُّ عن الحقّ
والشيطان. الفِتْنَةِ أيضًا اختلاف الناس في الآراءِ وما يقع بينهم
من القتال. كل ما يصد عن الإسلام وقبوله هو فتنة، وكل من يحمل
الإسلام أهله فوق طاقتهم هو أيضا فتنة، وكل من يرى أن الإسلام هو ما
يفعله ويقوله ويفتيه هو فتنة، وكل من يزيد الاختلاف بين افراد
المجتمع وطوائفه وملله ونحله ومذاهبه هو فتنة. الفتنة غالبا ما تكون
فكرية وتكون الفتنة اشد إذا ما ارتبطت بعقيدة أو مذهب ديني أو ربطت
بالدين حتى يعتنقها ويؤيدها الجميع. هل ندرك الان أي خطر يحدق بنا
حينما نضع شيخاً ضيق الأفق يتصدى للفتيا في بلادنا، وآخر لا يرى أبعد
من أنفه يصدر الأشرطة ويكتب الكتيبات باسم الدين؟
السؤال كيف فسّر البعض أن نجد هي العراق؟ تنحصر حجج هؤلاء
القائلين بنجد العراق في أمرين هما: الأول، الروايات المختلفة
للأحاديث الشريفة ولفظ كلمة (المشرق). والثاني، تفسيرات وتأويلات
العلماء في تأويل نجد بان المقصود بها العراق وليس نجد اليمامة
(السعودية). يمكن تفنيد الحجتين السابقتين واحدة تلو الأخرى بحجج
أقوى واكثر عمقاً من تلك التي استندوا عليها لإقامة حجتهم بأن نجد
المقصود بها العراق.
أولا، الروايات المختلفة للأحاديث الشريفة ولفظ كلمة (المشرق).
(رأس المشرق قبل المشرق)، صحيح مسلم. (رأس الكفر نحو المشرق)، صحيح
البخاري. (ومن ههنا جاءت الفتن نحو المشرق)، صحيح البخاري. بالنسبة
لكلمة المشرق الواردة في الأحاديث أعلاه لا تعني قطعا العراق لكنها
إشارة إلى جهة المشرق كجهة فقط دون تحديد مكان معين فيها. لكن ربط
الروايات السابقة المختلفة بالحديث الأساسي (نجد قرن الشيطان) يجعل
الأمور واضحة للعيان لا لبس فيها ولا غموض بأن المقصود تحديدا بالشرق
هو نجد. إن قراءة جغرافية مبسطة لدوائر العرض الجغرافية (لنجد
والعراق) تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الذي شرق المدينة المنورة هي
منطقة نجد السعودية لا العراق، فعلى سبيل المثال لا الحصر المدينة
المنورة خط عرضها تقريبا هو 24.55، والرياض خط عرضها تقريبا هو24.70،
والقصيم خط عرضها تقريبا هو26.30، لكن المفاجأة تكون بالنظر إلى خط
عرض العراق تقريبا 33.26. العلم الحديث وجغرافيته التي لا تعترف
بطائفية أو مذهبية تثبت أن كلمة نجد الواردة في الروايات المختلفة من
الأحاديث تتناسق مع كلمة (المشرق).
ثانيا، يستند أيضا القائلون بنجد العراق على تفسيرات وتأويلات
شراح الحديث. فالخطابي يقول مثلا: ( نجد من جهة المشرق ومن كان
بالمدينة كان نجده بادية العراق نواحيها). أما الكرماني في شرحه
للبخاري فيقول: (وأصل النجد ما أرتفع من الأرض وهو خلاف الغور). هذه
الحجة أيضا مردودة على صاحبها من خلال معرفة ارتفاع الأرض عن سطح
البحر، فالرياض مثلا التي تمثل قاعدة نجد يبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض
2082 قدمًا تقريباً، أي 635 مترًا. أما ارتفاع العراق التقريبي عن
سطح البحر فهو 113 قدمًا (34 مترًا). منطقة نجد السعودية أغلب مدنها
اكثر ارتفاعاً من العراق. أما القول الثالث وهو لابن حجر، الذي يعد
أشهر ما قيل عن نجد الذي يقول (اتفقت كلمة شراح الحديث وأئمة اللغة
أن نجدا ليس اسما لبلد خاص ولا اسما لبلدة بعينها، بل يقال لكل قطعة
من الأرض المرتفعة عما حواليها، ونجود العرب كثيرة منها نجد البرق،
ونجد اجاء، نجد العقاب بدمشق، نجد اليمن، نجد الحجاز، نجد العراق وهو
يقع جهة الشرق من المدينة المنورة). هذا القول مردود على صاحبه أيضا
لأنه يخالف الأحاديث النبوية الشريفة الصريحة بتحديد أن نجد هي نجد
اليمامة من خلال دليلين صريحين من الأحاديث الشريفة.
الدليل الأول: موجود في صحيح البخاري: (حدثنا أبو اليمان أخبرنا
شعيب عن الزهري قال أخبرني سالم أن ابن عمر غزوت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصافنا لهم). في حديث آخر:
(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع). حتى لا يلتبس
الأمر على الكثيرين في الروايتين نقول أن هذه الغزوة هي غزوة ذات
الرقاع. وقعت في السنة الرابعة للهجره، وسببها غدر بعض القبائل من
نجد بالمسلمين حيث قتلوا الدعاة السبعين، الذين خرجوا يدعون إلى الله
تعالى، وانما سميت ذات الرقاع لان المسلمين كانوا يلفون أرجلهم
بالخرق لأن أرجلهم قد نقبت لشدة المشي، وهي غزوة كانت لمحاربة قبيلتي
بني محارب وبني ثعلبة من قبائل غطفان، وعسكر الرسول عليه الصلاة
والسلام في مكان يسمى نخل، ولكن لم يقع قتال لأن الله قذف في قلوبهم
الرعب فهربوا بعيدا عن المسلمين. الشاهد في الموضوع أن هذه القبائل
سكناها وموطنها بالنسبة لوقتنا الحاضر يمتد من نجد اليمامة وحتى
المدينة المنورة. مهم أن نعرف أن قبيلة مطير المشهورة والمعروفة
حاليا بهذا الاسم ترجع إلى قبائل غطفان.
الدليل الثاني: في صحيح مسلم: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيلا له نحو أرض نجد فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد
أهل اليمامة..الخ). وفي البخاري: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم ءت
برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري
المسجد). حدد الحديثان السابقان نجد التي ترد في الأحاديث الشريفة
تحديداً لا لبس ولا غموض فيه بأنها نجد اليمامة. تأملوا هاتين
الجملتين (سيد أهل اليمامة) و(رجل من بني حنيفة)؟
بالرغم مما سبق تظل دائما هناك حجة قوية ودليل يقطع الشك باليقين
أن نجد المقصودة ليست العراق. انه دليل من السنة النبوية المطهرة
موجود عند تبيان مواقيت الحج والعمرة في مسند أحمد: (سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول مهل أه المدينة من ذي الحليفة ومهل أهل
الطريق الأخرى من الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق ومهل من يلملم).
وفي سنن النسائي: (عن عائشة قالت وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر الجحفة ولأهل العراق ذات
عرق ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم). لو كانت نجد هي العراق لما
اختلف المهل، ولو كانت نجد هي العراق لما أوردها مستقلة عن نجد.
* * *
انا لا افهم ماذا تريد ان تحقق بهذا الطرح الديني، العنصري،
المتخلف؟ هذا طرح ديني خرافي. انا لست نجديآ ولا احب التزمت الديني
النجدي، واغضب من كثير من الممارسات والعادات النجدية. لكن ليس الحل
هو مقالة الخطاب الديني المتشدد بخطاب ديني عنصري.
* * *
أوافقك في أن مصدر التطرف والفتن في العالم الإسلامي هو الفكر
الوهابي المعشعش في نجد التي نشأ فيها وكبر وانتشر بالمال في أمصار
المسلمين، ولكن لا أوافقك على أن هذه العلم مصدره نبوي ورد في حديث
هنا أو هناك لأن العلم بالغيب لا يعلمه إلا الله وكل الغيبيات جاءت
في كتاب الله ولا يصح أي حديث فيه إخبار بالغيب إلا أن يكون فراسة
تصدقها فقرات الحديث.
* * *
تأبى الشعوبية إلا ان تنفس عن حقدها. الإنفصال حلم بعيد يا من
يبحث عن مجد لم يبق منه الا الأوهام!
* * *
يقف وراء الأحداث الأخيرة المتتابعة في العالم العربي والإسلامي
من إرهاب وفتن؟ كلامك يظهر التطرف والعنصرية لا الموضوعية ولعل هذا
أكبر دليل على صحة كلام صاحب الموضوع. أما الإنفصال فسيحدث إن لم
يغير القاعد على العرش سياسته وحليفه القديم، ولن يكون بيد أهل هذه
البلاد أو تلك بل بيد سيد العالم الجديد، ونحن لا نحبذ الإنفصال ولكن
الإصلاح أفضل للجميع.
* * *
انا العنصري! انا الذي قلت ان مصدر التطرف هي نجد؟! ومن هي نجد؟
اليست هي جزء من الوطن؟ اذن ماذا تقول عن فكر الجماعة الإسلامية
وجماعة التفكير والهجرة الذي نشأ في مصر من رحم الأخوان المسلمين؟
ماذا تقول عن فكر سيد قطب؟ هل مصدره نجد؟ هل القاعدة وتنظيمها
وقادتها من نجد؟ اي عنصرية تتحدث عنها؟ ام ان كون قادة هذا الوطن
ينتمون لهذا الإقليم اصبح كل عيب فيها وكل جرم ينسب اليها؟
* * *
الموضوع يناقش نجد، كون هناك أحداثاً تاريخية تشهد بتطرف ديني
غريب علينا نشأ في منطقة نجد. أما قطب والآخرون فلم يحدث تطرفهم ما
أحدثه أصحاب الفكر الوهابي. فالعالم الإسلامي اليوم يمر بمرحلة فاصلة
من جراء أفعال أصحاب هذا الفكر الذي وجد في منطقة نجد ملاذا له
وكافلا، ولا نقصد أن نسيء لهذه المنطقة بل للتنبيه. قائد القاعد ليس
بنجدي ولكن فكره وهابي مصدره نجد للأسف.
* * *
اذا كنت تؤيد ان الفكر المتطرف الإرهابي ينتمي ويعشش في منطقة
نجد، فما المغزى؟ وما هو الهدف؟ ان نمحي منطقة نجد من الوجود كي نقضي
على التطرف! ام ان نقول ايها العالم هذا الإقليم لا يخرج منه الا
دعاة ارهاب وتطرف؟ ام ان نطالب بالقصاص من كل نجدي لأنه سبب ويلات
وتخلف الأمة؟ اسألك بالله هل هذا الطرح به شيء من العلمية او
المنطقية في شيء؟ عندما تريد او يريد احد ان يبحث عن مصدر لفكرة
متطرفة يبحث في ظروف نشأتها كفكرة وكيف طرحت وعلى من طرحت وما هي
اهدافها وغاياتها المرحلية والنهائية؟ اما ان يأتي شخص ما ويتهم
اقليماً معيناً بأنه مصدر للفتن والمصائب والتطرف، فهي تنم عن عقلية
غير علمية تتدخل في نظرتها للأمور الأهواء والإعتبارات الشخصية.
* * *
أيها الكاتب! لقد تعبت في تخريج ذلك الكم من الاحاديث والروايات
وخرجت وقد كساك الغبار وبقايا تلك الأوراق الصفراء المتعفنة. أقول لك
هنا: لا بأس، ولا تعبت، وكثر خيرك على هذا الجهد، لكني اختلف معك في
ربط الفكر المتشدد والظلامي بموقع جغرافي. انت ترى ان هذا الفكر
منتشر في الجنوب، والشرق، والغرب، وفي مصر وفي الكويت وفي كل مكان.
* * *
كنت في ما مضى أخالف بعض الذين قالوا: (الإسلام نبذ العنصرية)!
وكنت أقول: الإسلام لم ينبذ العنصرية، بل أنه رسخها في بعض الأحاديث.
وبذكرك لهذه الأحاديث التي تشير إلى (إقليمية عنصرية) اثبت بأن
الإسلام يعتمد على (الإقليمية العنصرية الضيقة) في فضل وبركة إقليم
على أخر! لا يهم هنا هل ( نجد) هي نجد اليمامة ام أنها نجد العراق!
الذي يهم أن الإسلام ممثل في أحاديث الرسول التي ذكرت يشير لمنطقة
(إقليم) وبطريقة (عنصرية إقليمية ضيقة)، وبأنها مصدر للفتن وقرن
الشيطان، أوانها دار للفتنة والشرور والمصائب..الخ! وهذا يعني أن
الإسلام متحيز ضد إقليم معين وضد مواطنيه، وبأن البركة يجب أن لا تحل
بهذا الإقليم المغضوب عليه، فبعض الأقاليم مغضوب عليها، وبعضها مرضي
عنها!
* * *
الاختلاف في أن القصد من نجد المذكورة في هذا الحديث هي نجد او
العراق أمر يحتاج لنظرة شفافة صادقة بعيدة عن التعصب والتراكمات
النفسية، ويحتاج لمقارعة الحجة بالحجة. لا يخفى على أحد ما لأرض
العراق من تاريخ طويل وحتى الان مع الفتن والثورات، نجد اليمامة قد
تكون انجبت فكراً معيناً نعاصره الان، ولكنها لا تملك تاريخاً ثورياً
كالعراق ودارسي التاريخ يعلمون هذه النقطة. فيما يختص بالحجة، إليكم
هذا الحديث الشريف: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وبارك لنا في
شامنا ويمننا. فقال رجل من القوم: يا نبي الله! وعراقنا؟ قال: إن بها
قرن الشيطان، وتهيج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق). وإن كان هناك اختلاف
على ماهية نجد المعنية فليس هناك اختلاف على معنى العراق الواردة في
الحديث. هذا ايضا حديث شريف يقول: (ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في
الفدادين - حيث يطلع قرنا الشيطان - ربيعة ومضر). ديار ربيعة ومضر
حسب الاطلس التاريخي تقع في جنوب العراق! هناك ايضاً كلمة لا بد أن
تُقال.. أن الرفضة هم (آخر) من يتهم نجد اليمامة بأنها أرض الفتن
واهلها أهل فتن، فالتاريخ لا يُحجب بجرة ''كليك''.. والتاريخ يقول أن
أكبر فتنة واجهة هذا الدين هي فتنة الشيعة.
* * *
هذا الموضوع فعلا حساس ويستمد حساسيته من الفهم الخاطئ للبعض
وتفسيره المسألة بأنها عصبية وكره لإقليم نجد. ما قاله الكاتب صحيح،
وفعلا من يقرأ الحديث بتمعن وبهدوء يجد ان محاولة اسقاط لفظة نجد
الواردة في الحديث على العراق ليست سوى عملية يائسة ومتخبطة وتخالف
الحقيقة. ليس القصد من الحديث ان نجد أرضاً ملعونة، بل القصد ان من
نجد ستنبع الفتن، ومن خلال قراءتنا لحديث ذي الخويصرة، وحديث
الخوارج، ندرك انهم سبب الفتنة النجدية، وأوصافهم تنطبق على محمد بن
عبدالوهاب وأتباعه، ولا توجد فتنه أشد من ان يقوم مجموعة من الناس
بتكفير اهل الاسلام وقتالهم وترويعهم، وهذه الفتنة والله العظيم اشد
وانكى واكبر عند الله من ضلالات الشيعة وقتل الحسين وظهور المرجئة
والمعتزلة وغيرهم. أما بالنسبة للحديث الذي اوردته ويذكر فيه
(عراقنا) بدل نجدنا، فهو حديث انفرد به الطبراني وفي احد رواته راوٍ
غير ثقة وقد قال عنه اثنين من علماء الاحاديث انه (كذاب). اما أن
ديار ربيعة ومضر تقع في جنوب العراق، فلا اقول سوى قاتل الله الكذب،
اي شخص لديه اطلاع بسيط بالتاريخ يعلم ان ديار مضر وربيعة وقبائلها
مقرها نجد، وبالذات في العهد الجاهلي والعهد النبوي، وكون بعض الفروع
رحلت الى بادية العراق فيما بعد، فلا يعني ذلك ان نجد ليست بديار مضر
وربيعة، والاصل لا يتبع الفرع ابدا، وحديث ذي الخويصرة وغيره يؤكدان
ما رميت اليه ويكذبانك.
* * *
إلى متى يا إخوتي تصدقون مثل هذه الأحاديث السخيفة، التي لا
يقولها حتى ملك من الملوك ناهيك بمن تأتيه نفحات السماء وحيا رطبا
طاهرا كل حين. مجدت كثير من الأحاديث بعض المناطق وكفرت البعض
واتهمتها، فهل تجد طفلا صغيرا تستطيع إقناعه بمثل هذه السخافات؟ تشير
هذه الأحاديث السخيفة الى الكذب على منطقة نجد. من هذه المنطقة أناس
نصروا الله ورسوله ولهم جهاد عظيم. ومن هذه المنطقة ظهر أناس حاربوا
الله ورسوله. في كل مكان يوجد مثل هؤلاء. للعلم لست نجديا ولا أحب
أهل نجد الحاليين.
* * *
ليس من المعقول ربط الأحداث الحالية التى ظهرت خلال شهور او سنوات
قليلة وكون اصحابها من هذه المنطقة بتفسير حديث بهذه الأهمية! هذا
غير منطقي اطلاقاً، العراق أرض حروب وفتن منذ التاريخ، لماذا لم يظهر
احد طول هذه السنين ويضع الحديث الذي اوردته انا ثم يقول: انفروا من
هذه البلاد فهي بلد فتن بدليل قول نبوي غيبي؟ لا تُقيّم المسألة بهذا
الشكل ولم نسمع من أهل العراق انهم يتهمون انفسهم - رغم وجود دليل
نبوي وواقع حي ملموس- بانهم اهل فتن.
* * *
الأحاديث الصحيحة والتي رواتها كلهم عدول ذكرها البخاري ومسلم في
صحيحهما وكانت بلفظ (نجد) و(نجدنا) اما ما ذكرت فأحدهما كما اسلفت
انفرد به الطبراني وفي سلسلة رواته راو كذاب حسب وصف علماء الحديث
وليس الحديث الاخر عنه ببعيد. ذكر الكاتب احاديث تبين تخصيص نجد بلفظ
نجد منذ العهد النبوي وتخصيص العراق بلفظ العراق كذلك، ومحاولتك
اسقاط التهمة على العراق لن تجدي شيئا. شخصيا لا احبذ الاستمرار في
هذا النقاش العقيم لأن الوهابيين والنجديين لن يعترفوا بهذا الحديث
حتى لو بعث رسول الله واعاد عليهم الحديث.
* * *
مشكلتك تشبه كثيرا مشكلة العلماء وهي انغلاقكم على كتب التفسير
وترككم العلوم الأخرى. هل تعلم ما الذي يقوله علم الاجتماع وعلم
الجغرافيا.. عن المناطق الصحراوية والمنغلقة؟ المناطق المنغلقة..
سكانها دائما يرتابون بالغرباء، لهذا هم لا يثقون بهم.. وهذا ليس في
نجد.. بل حتى في الصحراء الكبرى، لو تقرأ عن الطوارق سترى أنهم
يشبهون أهل نجد قبل 100 عاما. المناطق السواحلية هي أكثر انفتاحا.
ألا ترى أن عدد الفتن في العراق منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
أكثر من نجد.. وأن العراق عاشت قلاقل كبيرة طوال 14 قرنا. ورغم هذا..
لا أذهب إلى أن الحديث الذي روي هو السبب. بل موقع العراق كبلد، هو
من يجعل بها كل هذه الفتن. فهي نافذة يطل بها العالم على الشرق.
مشكلتك أنت والعلماء الذين تنصحهم أنكم لا تتعاملون مع الإسلام على
أنه دين منطق فتحاولون تفسير الحديث والقرآن، كما يفعل المشعوذون مع
كتاب نوسترا داموس.
* * *
مع كامل احترامي لك وللجميع، ولكني أرى الحل في الإنفصال، وليذهب
كل لحال سبيله، وشيل دا عن دا، يرتاح دا من دا، ولنر كيف سيعيش بعض
الناس.
* * *
ليس ما كتب اعلاه هو الحل، ولا اعتقد جازما انك ترغب في ذلك حقيقة
الامر، وبما اني مواطن سعودي ارفض ايضا ان يكون الوطن بلحمته الواحدة
هو الذي يدفع ثمن تهور وانغلاق فئة من البشر.
* * *
التاريخ الثوري في اي دولة لا يعني فتنة. كل الدول تحدث فيها
انقلابات وثورات، لكن هل هي فتنة؟! ثم من قال لك ان نجد لاتملك
تاريخاً ثوريا فتنياً؟ هل نسيت حروب الردة ومدعي النبوة مسيلمة
وطليحة الاسدي. أما قولك أن (الرافضة هم (آخر) من يتهم نجد اليمامة
بأنها أرض الفتن واهلها أهل فتن، والتاريخ يقول أن أكبر فتنة واجهت
هذا الدين هي فتنة الشيعة). سيدتي انت انسانة متعلمة اكاديمية كما
تقولين. هل هذا كلام يخرج من سيدة مثلك؟ انت بردك تؤكدين صحة ما ذهبت
اليه من أن الفتنة النجدية تغللت في كل مواطنينا وجعلتهم ينظرون
بنظرة احادية لاترى الاخر شيئا. للاسف الفتنة تشربها الكثيرين منهم
الجهلة أو المتعلمون.
* * *
ولا ننسى ذا الخويصرة (التميمي النجدي) وموقفه الأرعن مع رسول
الله عليه الصلاة والسلام ولا ننسى ايضا ذي الثدية ومحمد بن
عبدالوهاب (التميمي النجدي ايضا) وأتباعه وقيامه برمي المسلمين من
حوله بالشرك وتكفيرهم ومن ثم قتالهم واستحلال دماءهم وأموالهم، وهي
لعمري اشد الفتن واعظمها.
* * * |