العنصرية تأكل الدولة السعودية
فريد أيهم
السعودية بلد العنصرية بامتياز.
نخبتها المناطقية الأقلوية التي تحتكر السلطة.. عنصرية
ضد الغريب، ما لم يكن غربيا ابيضاً!
وهي عنصرية تجاه الفئات الضعيفة من العمالة الوافدة
عربية وغير عربية.
وهي ـ فضلاً عن طائفيتها ـ عنصرية تجاه كل مكونات المجتمع
مناطقياً وقبلياً.
هذه الأيام يتعرض الحجازيون الى حملة كراهية وعنصرية
غير مسبوقة، حيث التركيز اليومي عليهم بالإهانة والإحتقار،
ووصفهم بأنهم (مُجنّسون) يجب ان يطردوا من البلاد، وأنهم
غير وطنيين، وأنهم مفسدون، وأنه يجب ان يُزاحوا عن مناصبهم.
هذه الحملة يقوم بها فصيل من الجيش الالكتروني التابع
للجيش السلماني، بالتضامن مع الكتاب: مثل عبدالله الجهيمي،
ومحمد آل الشيخ، وهيلة المشوح، ونورة شنار، وأضرابهم.
والغرض من تهديد الحجازيين ـ سكان البلاد الأصليين ـ بالطرد
والإهانة، وحتى حديثي العهد فإن وجودهم في الحجاز مضت
عليه مئات السنين، سابق على الاحتلال النجدي السعودي لمناطقهم..
الغرض هو إبقاء الحجازيين صامتين، وأن يكونوا اكثر مطواعية،
فضلا عن ان الحملة تأتي في سياق انتعاش الثقافة الحجازية
والتراث الحجازي، وعليه لا بدّ من تحجيمهم واخراسهم من
قبل السلطات النجدية الأقلّوية التي فشلت في فرض هويتها
الضيّقة على الحجاز وعلى غيره من مكونات المجتمع.
ترافق مع الحملة قضية (المواليد) الذين ولدوا هم وآباؤهم
واجدادهم في الحجاز، ولم يحصلوا على الجنسية المسعودة،
وهم يشكلون رقماً مخيفاً بمئات الآلاف، لا حقوق لهم ولا
عمل، وبالتالي هم قنبلة قابلة للإنفجار اجتماعيا. ويترافق
مع حملة الكراهية والعنصرية ضد الحجازيين بالذات موضوع
(التجنيس) لأبناء نساء سعوديات تزوجن غير سعوديين، وقد
ولد هؤلاء الأبناء في السعودية وتربوا وعاشوا فيها.
رفضت الحكومة حتى مجرد مناقشة الموضوع في بادئ الأمر،
وأطلقت كلابها ضد أبناء السعوديات، مع حملة كراهية ضد
الأجنبي غير مسبوقة في هاشتاقات: (السعودية للسعوديين)،
(لا للتجنيس)، (هوية الحجاز)، وغيرها. وعموماً فإن كل
موضوع يجري ربطه بالحجاز والحجازيين لتنطلق ثائرة العنصرية
البغيضة، حتى أزكمت الأنوف.
وتبدو القضايا كلها مختلطة في المفاهيم والتطبيقات.
فأبناء السعوديات موضوعهم ليس تجنيساً وانما حق تطبيع
وضعهم كمواطنين؛ ومن يسمون في الحجاز بالمواليد، فهؤلاء
ولدوا وآباؤهم واجدادهم في السعودية وليس لديهم بلد آخر
ولا هوية أخرى، ولهم الحق في الحصول على الجنسية. وموضوع
التجنيس في الأصل له علاقة بأولئك الذين يمكن ان يفيدوا
البلاد اقتصاديا وعلمياً من الأجانب. وهناك قبائل سعودية
هاجرت ثم عادت وليس لديها جنسية؛ وهي تقع على الحدود مع
العراق بالذات. وهناك قبائل استتبعت هي واراضيها من اليمن،
ولم يحصل السكان على الجنسية رغم الحاق ارضهم!
واخيراً هناك العمالة الأجنبية التي يُعتدى عليها بالعنف
او باللسان، وهي متهمة بأنها سبب البطالة!
الموضوع طاغ، ويهدد بتفتيت المجتمع اكثر مما هو مفتت
بسبب غياب الهوية الوطنية، وتعمد آل سعود تقسيم المجتمع،
وكذلك تعمد النخبة النجدية الاستئثار بالسلطة وتبرير ذلك
طائفياً ومناطقياً وقبلياً.
الإعلامي طراد الأسمري يعطينا قاعدة: (العنصري لا يؤذيه
ان تشتمه، ولكن يجنّ جنونه عندما تشتم العنصرية وتنبذها
وتحذر الناس من خطرها)، وأضاف: (أي عنصري قدّامكْ تْحَصْلَهْ..
شُوْتَهْ بُوزْ). واكمل: (حرب المجتمع على العنصرية يجب
ان تكون شرسة ومستمرة ولا هوادة فيها. نحن أمام عدو سفاح
مجرم لا يرحم).
جمال خاشقجي الذي لاحقته الشتائم العنصرية منذ فرّ
بجلدته الى الخارج، قال بان العنصري يسفر عن عنصريته دون
أن يخشى المحاسبة. وتساءل: بماذا ينبئنا هذا؟ ويجيب: عندما
يتردّى خطاب الكبار (ويقصد ال سعود)، يزداد الصغار تردياً.
وأضاف: (الى العنصريين الذين يمزقون وحدة صنعناها، فهذا
عندهم دخيل وذاك مجنّس، والى من يشجعهم ويدفع لهم، تأملوا
أسماء رواد وحدتنا).
سأل احدهم الخاشقجي معرضاً به: هل عائلة الخاشقجي تركية؟
فأجاب نعم! فانتهزها آخر وقال: (لذلك لم يكن ولاؤك للسعودية).
وسأله عنصري آخر من الذباب الالكتروني عن لبس الحجازيين
العمامة وهي وافدة. قال خاشقجي: الحجاز بوتقة انصهار العالم
الإسلامي، ووفود لبس امر طبيعي. لا بد أن لبس اهل الحجاز
تغير بتغير العصور والأزمنة. وحين جيء الى تعريف الحجازي
الأصيل من غيره والنبش في الأمر قال خاشقجي: كل من استقر
في البلد فهو حجازي. وختم: (كأن قدرنا ألاّ نعتدل ونتوسّط:
إما سلفية متشددة تكفّر؛ او وطنية متطرفة تخوّن)!
وحين قال الخاشقجي ذات مرة بأنه يشعر بالقلق على اسرته
من الاعتقال في السعودية، ردت احداهن: (تخلص من القلق
وتنازل عن الجنسية السعودية، وعدْ لأصلك التركي، واكتفي
بتناول الحلقوم مع القهوة). وخلال نقاشه مع محرض ضده،
انبرى آخر وقال له: (لن تعود.. خسارة تجنيس لمخلّفات حجاج
وخونة هربوا خارج الوطن).
عاد الخاشقجي وسأل: (لماذا حسابات الخليّة الحكومية
ومن حولها من الذباب الإلكتروني يشيعون أجواءً عنصرية
في البلد، فيتصدروا هاشتاقات: (لا للتجنيس)، و(هوية الحجاز؟).
هنا رد عليه آخر بعنصرية من الذباب التابع للحكومة: (لمَ
تقحم نفسك في شأن سعودي أيها المجنّس الهارب. أنت أحد
النماذج التي لا نريد تكرارها بالتجنيس).
عثمان العمير امتعض: (ما كدنا نتخلص من الصحونجية،
حتى داهمتنا ملاريا الشعبوية الداعية للكراهية والانغلاق
ونفي الآخر وتقسيم المجتمع وايقاظ الفتنة).
واندفع الإعلامي والباحث مهنا الحبيل فدافع عن خاشقجي
وقال ان الطعن فيه (بالتصريح العنصري الإقليمي الحقير
جرّبناه في الأحساء وغيرها دهراً كثقافة سائدة. كفى به
نموذجاً للفهم).
الإعلامي الحجازي غسان بادكوك الذي لازال هدفاً للاهانات
والشتائم العنصرية قال: (من يظن نفسه في مأمن من بذاءات
العنصريين فهو واهم. العنصرية هي سرطان يتفشى في تويتر،
ويتسرب منه الى مجتمعنا. الصمت عن العنصريين او الخوف
من تسلطهم، لن يجعلكم في منأى عن قذاراتهم. مواجهتهم هو
السبيل الوحيد الى حين صدور قانون تجريم العنصرية). وأضاف
غسان: (سنرتكب خطأ كبيراً لو تغاضينا عن التصدي للمد العنصري)،
وقال انه يمكن مواجهته بالقانون والتوعية. وختم: (تصبحون
على وطن ينبذ التطرف العنصري، ولا يتساهل مع رموزه ودعاته
ومروّجيه). رد الكاتب النجدي محمد العثيم محرّضاً جهاز
المباحث بأنه تبين من مجادلات غسان ان وراء الأكمة ما
وراءها (فوجب التنبّه للخطر على الوطن من هذه التظاهرة)!
هنا جاء اعلامي سلطوي اسمه محمد الطاير ليرد على الخاشقجي
وغسان: (اذا كان من يضع مقاييس العنصرية هو العميل خاشقجي،
ومعه بادكوك... فأعترف أني عنصري جداً). ومثله فعلت مرام
الهذلي وردت بأن الحجازيين هم العنصريون لأنهم (يطالبون
بتجنيس أبناء الأجانب لخلخلة التركيبة السكانية وهذه خيانة
للوطن). وكان الخاشقجي قد رحب بنقاش موضوع التجنيس في
مجلس الشورى، الذي كشف عن حالة عنصرية مستشرية يجب معالجتها.
سعيد الغامدي طالب بإيقاف الحسابات العنصرية في تويتر،
وكذلك المقولات والأعمال التي تمارس العنصرية ضد أهل الحجاز،
كعبارة (طرش بحر، ومجنسين، وبقايا حجاج)، كما طالب بالكف
عن اتهامهم بلفظة (الانفصاليين). وحذّر من أن هذه التصرفات
الرعناء قد تقوّض وحدة البلاد وتنشر البغضاء والتمزق والفتنة.
معظم الكتاب النجديين لم يتحدثوا ببنت شفة عن هذا الفتنة
العنصرية. لأنها في جوهرها تتضمن دفاعاً عن نجد، وعن الحكم
النجدي السعودي، وعن مصالح النخبة النجدية التي تسيطر
على البلاد رغم اقلويتها.
الاقتصادي عثمان الخويطر ابدى اشمئزازه من العنصرية،
وقال كأن بعضهم مخلوقون من طين لازب، وغيرهم من الوحل.
هنا جاء احدهم منافحاً ضد التجنيس، ولكن الخويطر ردّ عليه
بأنه لا يقصد ذلك (فقد ظنّ البعض منا أو من غيرنا انه
افضل جنساً او مواطنة وانه ارقى نسباً وحسباً).
عامر الأحمدي قال ان العنصرية المتفشية تغذّيها ممارسات
خاطئة وهي تنتعش بسبب غياب القانون والرقابة والعقوبات،
ثم إن (ضحايا الممارسات العنصرية غالباً صوتهم غير مسموع).
والإعلامي سعود العيدي التفت الى الممارسات العنصرية
ضد الوافدين، محذراً من ان خطاب الكراهية والعنصرية ضدهم
(وصل الى مراحل خطيرة جداً ستجعلنا شعباً منبوذاً). وأضاف:
(الوافدون والمواليد جزء من نسيج المجتمع ولا يمكن الإستغناء
عنهم). ورأى العيدي بأن لا يوجد عنصري يعلم انه عنصري،
وطالب بقانون تجريم الكراهية والعنصرية، ليغلق الباب على
كل من يدعي حب الوطن وهو ملطّخ بالعنصرية).
الحملات الإعلامية العنصرية ضد الأجانب، أدت الى قيام
احدهم بشجّ رأس مقيم محترم بساطور، ومع هذا وجد من يتعاطف
معه، كما يقول المغرد المشهور عزيز.
هنا قدم لنا المفكر المحمود جملة تغريدات بشأن الظاهرة
السياسية الاجتماعية الاقتصادية، الا وهي ظاهرة انتشار
العنصرية والخطاب العنصري.
يرى المحمود ان العنصرية ليست جهلا، وضيق أفق، وإرادة
انغلاق فحسب، بل هي تتضمن جوهر الكراهية وشح النفس والأنانية
بل والكفر بالإنسان. وقال انه ليس من حق أي مكوّن اجتماعي
ان يحتكر الوطن لنفسه: (لا تتصور ان الوطن هو أنت وأمثالك
فقط. فمثلاً أبناء المرأة السعودية، لهم الحق بجنسية أمهاتهم
وهو حق المرأة ابتداءً). ومضى المحمود فوضح أنه من حيث
المبدأ فإن كل المواطنين سواء، ورأى تسهيل التجنيس لكل
من ولد وعاش على هذه الأرض، ولمن كان ايجابياً منتجا،
وتساءل: (أليس هذا أولى بالجنسية من عناصر سلبية ذات سوابق
إرهابية، حصلت على الجنسية بمجرد الوراثة؟).
ولاحظ المحمود بأن هناك توجهان: أحدهما انفتاحي انساني،
واسع الأفق لا يرى الآخرين أعداءً؛ وآخر انغلاقي عنصري
يرى أن الآخرين أعداء، أو كالأعداء يجب الحذر منهم واستبعادهم).
اليوم يكثر الخطاب ضد العنصرية، والحكومة ساكتة لأنها
وراءه، ولكنها لن تستطيع مقاومة التيار العام، ولا تستطيع
ان تظهر بمظهر المؤيد علناً للعنصرية التي تبثها سمومها.
وأخيرا، سُمح لمجلس الشورى بأن يناقش مقترح تعديلات
في نظام الجنسية، مجرد النقاش كان ممنوعاً، مع ان نسبة
كبيرة تصل الى ٤٠٪ من الأعضاء رفضوا
النقاش اصلاً. المشروع قدمته عضوتا الشوى ثريا عبيد ووفاء
طيبة، ولطيفة الشعلان ـ عضو الشورى ـ زفت الخبر في حينه؛
وعضو شورى ثالثة او رابعة كانت تشكو: فقد عجزت عن حصول
بناتي على الجنسية السعودية، حسب قولها.
وعلى الفور ظهر هاشتاق يطالب بحل مجلس الشورى!
قالت نوف ان مجلس التجنيس لا يمثلها، ولا يشرفها العضوات
اللاتي قاتلن من اجل ان يصبح الوطن مستباحاً لشذاذ الآفاق
وحثالات الأمم حسب قولها. وزادت في المبالغة بأنها تخشى
ان تصبح مشردة بلا وطن مثل (الخونة الفلسطينيين)، كما
تزعم. وبالغت أخرى بالحديث عن تجنيس أربعة ملايين شخص،
والذي سيؤدي الى فصل الحجاز كدولة مستقلة.
من جانبه، حذر مطلق ندا من الوسوم التي تبث العنصرية
وتهاجم الحجازيات عضوات الشورى. فرد هزاع من الجيش الالكتروني،
بأنه ضد تعيين اشخاص بعينهم كأعضاء مجلس الشورى. وقال
ان هناك اختيارا للمجنّسين الحاقدين الكارهين للمواطنين
الأصليين.
الصحفية هيلة المشوح تدافع عن نفسها بانها ليست عنصرية،
وانها بكتابتاتها العنصرية تحافظ على مكونات الوطن وتركيبته
السكانية. وخالد الشريف يرمي بتهمة العنصرية على خصومه
مع شعار: لا للخونة؛ وكل ما يفعله هو الدفاع عن وطنه وولاة
امره. وزاد بأن وصف الحجازيين بلباسهم بأنهم ثعابين عنصرية.
نصحه ماجد بأن لا يخلط بين الوطنية والعنصرية ليبرر سلوكياته
العنصرية، التي تنتقص من الآخرين: اشكالهم واسماءهم واعراقهم
وألوانهم وأنسابهم.
أما مشعل الخالدي الموظف في جهاز المباحث فقال ان الاتهام
بالعنصرية يطلقه العنصريون أصحاب الاجندات على المغردين
الوطنيين أمثاله.
في المحصلة.. إن النعرة النجدية العنصرية والطائفية،
ليست وسيلة لتهميش الآخر واحتكار السلطة، كما تفكر النخبة
النجدية التي تشعر بأن السلطة يمكن أن تضيع من يديها.
بل ان هذه النعرة العدوانية أن تفعل العكس، وان تكون الأساس
في تفكيك الدولة السعودية والحكم النجدي.
|