عجائب جدّة السبع!
النُّهى بين شاطئيكِ غريقٌ
والهوى فيكِ حالمٌ ما يفيقُ!
هالة الدوسري
إنها جدة عروس البحر وملهمة الشعراء وبوابة الحرمين،
والمدينة التي تحمل عبق كل الأجناس والثقافات، وهي أيضاً
المدينة التي نشأت فيها والأعز على قلبي وقلوب الكثير
من سكانها، تستحق أن تنضم إلى قائمة عجائب الدنيا السبع
الحديثة. والمتأمل للإعلانات التي تنظمها الجهات المعنية
لدعوة المواطنين للسياحة في جدة، والتي تظهرها كمدينة
ملاهٍ ضخمة، ومدينة تسوق لا تنتهي، لا يجد ذكراً لعجائب
جدة السبع التي يدركها أهلها والمقيمون فيها.
تبدأ سلسلة عجائب جدة من مطارها العتيق الذي بقي مستعصياً
على موجات التطوير والتغيير، على رغم أعداد المسافرين
المتزايد، وعلى رغم عشرات المطالبات والمقالات والتوصيات
والتصريحات من المسؤولين بقرب انفراج أزمته، وبالتالي
أزمات القادمين إليه. وأسهم المطار مع مداخلها الأخرى
البرية والبحرية في صناعة الأعجوبة الثانية في جدة، وهي
ذلك العدد الهائل من المتخلفين غير القانونيين والهاربين
والهاربات من كفلائهم والذي قلما تجد مثيلاً له في أي
مكان آخر في العالم، فجدة أكبر متاهة عشوائية يختفي فيها
آلاف الخادمات والسائقين والعمال الهاربين في أحواش وأحياء
بعيدة عن القانون، وفي بعض الأحيان تحت أعين القانون،
ويستطيع أي مواطن في جدة أن يستبدل عمالته الهاربة ـ أو
التي ستهرب لا محالة ـ وفي اليوم نفسه بعمالة غير قانونية
في مقابل أعلى!
وهذا يقودنا للأعجوبة الثالثة وهي الآثار الأمنية والاجتماعية
المترتبة على وجود المتخلفين والهاربين في جدة، فإحصاءات
الجريمة والسرقة والتسوّل في جدة تفوق مثيلاتها في أي
مكان آخر من المملكة، وفي جدة سوق شهيرة يُعاد فيها (تدوير)
البضاعة المسروقة بأنواعها، وتزداد في مواسم العمرة والحج
ضراوة وخطورة السرقات في مساجد وشوارع جدة، وبالأخص تلك
الطرق التي أعدتها البلدية للمواطنين للتمشية والتريّض،
إذ يتخصص المتخلفون في نشل الحقائب على اختلاف أنواعها!
وتنقلنا شوارع جدة للأعجوبة الرابعة، وهي سلالات البعوض
والذباب الفريدة التي تزداد ضراوة عند هطول المطر على
المدينة، أو عندما تتكون المستنقعات من الأمطار أو المخلفات،
فليس من المستغرب أن يستيقظ الشخص صباحاً ليجد أحد الساكنين
وقد تصرف في مخلفات بنايته في الشارع مباشرة، وبالطبع
من دون أن يكتشفه أحد، إذ تسمح عشوائية المباني والتصاقها
ببعضها البعض للفاعل بحرية الاختفاء بين مئات السكان،
أما الخط الزمني الذي نتوقع فيه انتهاء العمل بشبكات الصرف
الصحي فقد صوّره أحد رسامي الكاريكاتير ببلاغة عندما رسم
أحد عمال التركيب وهو يحفر الشبكة في جدة مستعيناً بملعقة!
على أن عشوائية البناء، ورداءة تنسيق المخططات لم توقف
أسعار الأراضي عن الارتفاع ومعها بالطبع أسعار السكن،
ما يحملنا للأعجوبة الخامسة في جدة وهي العقارات، فتستطيع
في جدة أن تجد شققاً ومبان قد تم بناؤها في وقت قياسي
وبغرف لا تسع أقزاماً، ومع ذلك يتم عرضها للبيع وللتأجير
بأسعار خيالية، والأغرب من هذا هو وجود من يستأجرها أو
يشتريها!
وربما فسّر ضيق البيوت والنفوس سرّ الأعجوبة السادسة
من عجائب جدة وهي ذلك الاختناق المروري الذي كانت تعاني
منه المدينة في العطلات والمواسم، وأصبح الآن يكاد يكون
في كل وقت، حتى أن الشخص يتساءل إذا تأمل ذلك الزحام،
إن كان هناك أحد يبقى في بيته؟
ونأتي أخيراً إلى الأعجوبة السابعة وهي كورنيش جدة،
ذلك الحزام البحري الجميل الذي تأنق على مدار السنين وظهر
على عشرات الصور التذكارية للعروس والذي تحول إلى مأوى
للقوارض والهوام ومكب للنفايات، إن كورنيش جدة لم يعد
رئة لسكان المدينة بعد أن تشرب هواؤه بمخلفات محطة التحلية،
وماؤه بمخلفات الصرف الصحي وأنواع النفايات!
معجزات جدة السبع باقية وماثلة في الحياة اليومية لسكانها،
على رغم مرور وتعاقب المسؤولين والأمناء، وعلى رغم عشرات
المقالات والمقابلات والوعود التي يطلقها المسؤولون لتحسين
الحال... جدة لا تقل عن دبي في إمكاناتها، وفي عدد من
تستقطبهم من الزوار، ومطار دبي ودوائرها المرورية ومستوى
الخدمات الأمنية والعامة فيها على رغم العدد الكبير من
القاطنين فيها من السكان والعابرين من الزوار، وعلى رغم
تنوع واختلاف ثقافاتهم يمكن أن يمنحنا فكرة مستقبلية عما
يمكن أن تصبح عليه جدة إذا تم بذل القليل من الجهد والالتفات
حقيقة للتطوير والتغيير. وفي مواجهة عجائب جدة المستعصية
على التغيير أقترح تدوين المقولة الشهيرة لأينشتاين على
أحد مداخل جدة (العالم مكان خطير.. ليس بسبب ما يفعله
الأشرار، ولكن بسبب من ينظرون إليه ولا يفعلون شيئاً)!
الحياة، ط السعودية، 11/10/2007
|