مواطن طيّب
أقسم بأني مواطن طيّب.
مَـنْ حوصر بهذا القـَسـَم؟
كل ما أذكره أني مواطن طيّب، حينما تصفعك يدُ مواطن (ما) تتساءل
إلى من المشتكى، وإذا لم تجد إجابة، فإن الكفر يستحضر نفسه.
لا أعرف لم لا يبدو الوطن وطناً؟ أقسم أني مواطن طيب، غير أني
كثير النزق بالنسبة لمن لا يقرأ، كيف يجب أن يكون الوطن للجميع ...
أثور كثيراً وألعن وأشتم ... ثم اعود وأسأل نفسي : ما لذي يجديه
اللعن والشتم؟
أنا مواطن طيب، لكني أكره أن يكون (الفرد) فوق الوطن. تمنيتُ
يوماً أن أحلم بوطن يطبق شريعةً لا قوي فيها ولا ضعيف. أكره أن اكون
شبيهاً لقرد في سيرك، أو ببغاء في قفص.
صديق لي كان يحاول أن يبدو متزناً قال لي ذات (صفعة): تجاوز ما
تراه عيناك، وما يخفقه قلبك وما تسوؤه قبيلتك. تجاوز عن أخطاء حاكمك
وولي أمرك.
قلتُ له : إلى متى أفعل؟
نظر إليَ بعينين يشبهان حزني وسكت!
في صومعتي ، تبدو مكتبتي حزينة، أوراقي مندهشة، وقلمي عقيم. لماذا
وإلى متى؟
يجيبني صدى حزني: أقسم بأن مكابدتك ما هي إلا مكابدة مواطن حقير.
هل أستمر يا سادة ؟ أم تكلمون كؤوسكم قبل أن تطير ثمالتكم؟
تحت المئذنة يستلقي صدى المؤذن حزيناً، وعلى مشارف حلمي عينان
تشبهان عينا فسيلتي تؤرقاني كما حزني الأبدي.
في المتسع من الثمالة بكيتُ. أقسم على ذلك. سألني قسمي أما زلت
باراً بي؟
وفي الصباح بكى صمت، ونحب صراخ.
مؤخراً.. عرفت بأني مواطن حقير، لكني ما زلتُ مصرّاً على أنني
مواطن طيّب.
هاهو المؤذن يعلن: الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم.
تصبحون مثلي على وطن طيّب.
أقسم أني أحبكم رغم حصاري.
* * *
في اليوم التالي فاجأني صديق راعه ما بي فقال:
أنا أقسم أنك لست مواطناً!
أجل والله.. أقسم أنك لست مواطناً، ونحن جميعا مثلك!
كيف نكون مواطنين بلا وطن؟ إن هذا الذي نحبه هو اللاوطن!
الوطن يسكن قلوبنا وجوارحنا ولكننا لا نعيشه ولا نسكنه!
هل رأيت مثل هذا؟
لماذا نشعر بالغربة القاتلة دائماً، والعذاب الذي ليس له نهاية؟
لماذا هذا الحب العميق لهذا الكيان (االلاوطن)؟
الحب من طرف واحد عذاب لا ينتهي! قل لي بربي وربك: لماذا وطننا،
اذا كان فعلاً لنا، لا يحبنا ولا نسكنه؟
لماذا أصبح هذا المحبوب جلاداً قاسياً يتلذّذ بجلدنا كل يوم بسياط
القسوة والعذاب؟
لا أعلم كيف ولماذا نحب هذا (الجلاد) ونهيم به حباً وعشقاً؟
بربّك أخبرني لماذا نحب هذا الجلاد؟ أعرف فقط بأني أحبه لدرجة
الهيام والوّلّه، وأترجم هذا الحب إلى إخلاص وتضحية ووفاء، ولكنه لا
يأبه بي، بل يزيد من قسوته!
لماذا يا أخي المواطن لا يبادلنا وطننا الحب والعطاء؟
هل وقع في حب عاصف مع أحدٍ غيرنا؟! وهل سيجد حبيباً وفياً مخلصاً
له أكثر منّا؟
بربك هل أنت قادر على إجابة تساؤلاتي؟!
* * *
ربما أنا مواطن طيّب!
ولكنّي لستُ بنظرهم مواطناً مخلصاً!
الإخلاص مفهوم هلامي كما هو هذا الذي نسميه وطناً.
المسألة أبعد إذن من الطيبة والإخلاص. وعندما يقولون عن شخص ما
أنه (عبيط) أو (أبله) فهم حتماً يقصدون أنه أصبح (طيباً)!
لا يجب أن نستغرب إذن، فنحن في وطن فيه (طيبة القلب بتتعيب يا
طيب) كما قال لي أحدهم.
أنت بالتأكيد مواطن طيب تستحق القليل من الشفقة والكثير من
الصدقة. |