الأمير الفصيح في عائلة الفصحاء
إنشغل العرب كما السعوديون بالتلاسن الذي حدث أثناء القمّة
العربية في شرم الشيخ أوائل الشهر الحالي (مارس) بين الأمير عبد الله
والقذافي. لم تكن المشكلة في الخلاف السياسي بين البلدين حول التواجد
الأميركي في السعودية والذي سبّب العصبيّة والحساسية الشديدة للأمير
عبد الله، وإنما في كلمات هذا الأخيرة والتي أضحت لغزاً عجز
السعوديون أنفسهم عن تفسيره وتحليله.. وقد توقّفوا عند الجملة
الأخيرة للأمير: (الكذب أمامك والموت قدّامك) ومغزاها!
أحدهم علّق بأنه سيدفع نصف ثروته إذا ما قدّم أحدٌ تفسيراً مقنعاً
لما قاله الأمير.
آخر قال: كم هي مهزلة أن يتولّى مثله حكم دولة وهو لا يعرف أن
يتحدث بجملتين مفيدتين!
ثالث قال: لا تلوموه، فسبب (خربطة) ولي العهد جاءت من نايف وزير
الداخلية الذي سبّب له عقدة لسانية منذ زمن طويل، ونايف الآن وجهاز
مباحثه متورطان في ترويج الحديث والسخرية من الأمير لأغراض خاصة!
رابع قال ساخراً أن العلماء اختلفوا في تفسير الحكمة التي جاء بها
الأمير في مؤتمر (سفهاء العرب) وأنها سوف تحفر في كتب التاريخ كما
حفظت مقولة: (العدو أمامكم، والبحر من خلفكم) وأردف: (ليغفر لي الله
هذا التشبيه الوقح) لأنه (حرام أن يقود الأمة شخص لا يستطيع أن يقول
جملتين صحيحتين)!
خامس قال: (هذا المعتوه القذافي فضح مدى ما يتمتع به رأس الهرم
لدينا من قوة في الحجة والخطابة)!
مثقف سعودي وضع ثلاثة احتمالات كتفسير: أن يكون ما قاله الأمير
دعاء على القذافي، وهو مستبعد؛ وإما هجاء لا يفهم معناه، وإمّا
تهديد!
ولكن أحدهم سخر من هذا فقال: (الامير عبدالله هزّ علم البلاغه
والحكمة من أركانها، وقال عبارة أسطورية سيخلدها التاريخ)!
وقال ساخر آخر بأن ذكر القبر تهديد علني للقذافي (يستلزم بالضرورة
أن يلجأ لأقرب مركز شرطة وأخذ تعهد بعدم الإعتداء من سموه على
فخامته). وأضاف بأن أمراء ورّطوا طويل العمر، وكان من المفترض أن
يقوموا بعمل (مونتاج للكلام الذي سيقوله).
لم يقتنع أحدهم فردّ: (ألم تلاحظ الأمير سعود الفيصل وهو يحاول
عمل المونتاج، ولكنه فشل وأربك الأمير عبدالله، وذلك بسبب عدم
التحضير لهذا الموقف، فالمعتوه القذافي فاجأهم).
آخر وجّه طعنة لولي العهد حين قال بأنه (رجل بدوي وطني وأشرف
وأفضل من الذين سبقوه، ولكنه لا يمتلك مؤهلات القيادة ويوجد غيره
الكثير ممن هو أكفأ منه). ربما الأكفأ هم نايف وسلطان!
(الملاسنة) يقول أحدهم، (أصبحت علنيّة وبثاً مباشراً وحيّاً.
وليسجل التاريخ أن أول من ابتدع (الملاسنة) علناً، هو ولي العهد
السعودي، بالرغم من أن غالبية الشعب إعتبرت ذلك إبداعاً!!، أو بدعة
بديعة وهو مبدع البدع وصاحب مبادرات بديعة أو مبتدعة! كما أني أجزم
أن بدعة إبداع المبتدع البديع الأمير عبد الله قد راقت للكثير من
رؤساء الدول العربية وهم عاقدون العزم على متابعة النهج المبتدع
البديع والملاسنة العلنية ونشر الغسيل والتعرية العلنية، والدليل ما
حدث بمؤتمر القمة الاسلامية بالدوحة).
لكن المدافعين عن ولي العهد ليسوا قلّة، فقد تطوّعوا لتفسير
كلماته وموقفه الشديد ضد القذافي الذي وجد في ردّ ولي العهد مبالغة
مفاجئة.
أحد المدافعين قال بأن عبد الله كان صريحاً فلا (تصموه بالجهل
وعدم الحنكة السياسية.. نعم تنقصه مواهب القيادة العلمية
والتعاملية). آخر قال بأن الأمير قصد الكذب إمامك وليس (أمامك) كما
سمعها البعض (الساذج). وأن القبر قدامك، أي أنه قريب منك نظراً لكبر
سنك. ثالث قال أن المقصود: إن كذب القذافي أمامك أيها السامع، وأما
القبر قدامك فتعني (أنا ـ أي ولي العهد ـ من سيدفنك حياً!).
تساءل مدافع رابع: هل كان قادة العرب بل حتى القادة السعوديون
حكماء وخطباء؟
وزعم خامس بأن أهل الشام عموماً يعلمون أنه هذه مقولة معروفة
(الكذب أمامك والقبر قدامك)!
رد عليهم معترض: (نحن لا نريده أن يكون حكيماً أو بليغاً.. ولكن
المطلوب والمفترض أن يكون قائد أي أمة قادراً على إنشاء جملة كاملة
مفيدة بدون أخطاء، لا تعتعة فيها. وبالعامي: ''نبيه يعرف يحتسي
زين'')!
لكن برأي البعض فإن (الخطابة ليست محك إختيار القائد وإنما
الوطنية). أيّد هذا مؤيد بالقول: (لم يكن القادة السياسيون هم الأكثر
ثقافة ولا أكثر الناس بلاغة. هناك شروط أخرى للقيادة ليست البلاغة
أهمها)!
وتذرّع آخر بأن الأمير احتدّ، وماذا سيكون حال العربي إذا احتدّ
في عفويته (هل سنتوقع أن يخطب بخطب منتسكيو أم أدبيات الجاحظ؟).
* * *
من المؤكد أن ملوك آل سعود وكبار الأمراء لا يجيدون الحديث أو
الخطابة، بمن فيهم الملك الحالي وقد كان كثير الكلام الذي لا معنى
ولا فائدة منه. ولكن الأمير عبد الله ابتلي بمن يتصيّد أخطاءه من قبل
منافسيه الأمراء الذي يطعنون في قدراته القيادية وفي فهمه للسياسة،
أي أن الأمر مجرد لعبة سياسية داخلية بين الأمراء.
المشكلة أن (حكيم العرب!) عبد العزيز التويجري، كاتب خطابات ولي
العهد يعلم حجم المشكلة، وقد جاء حديث الأمير في القمة كارثة على
سمعته. ولذا ننصحه بتهيئة ولي العهد كما تمت تهيئة الملك فهد الذي
سبق وأن تلقّى دروساً في الخطابة نعلم أنه لم يستفد منها كثيراً! لعل
ولي العهد يكون طالباً مجدّاً ألمعياً! |