الحجاز المخيف والمخيفة
منذ أن صدرنا ونحن نواجه بانتقادات لاذعة لا تصيب محتوى المجلة
بالضرورة، ولكنها تصبّ في اتجاهات مختلفة.
انتقدنا كثيرون لأن إسم المجلة لم يعجبهم، فكلمة (الحجاز) تؤذي
بعض الآذان المناطقية والطائفية الصمّاء.. لا تؤذيها كلمة (الرياض) و
(اليمامة) مثلاً وهما جريدة يومية ومجلة أسبوعية، ولا تشعر آذانهم
بغير السعادة البالغة من إطلاق إسم (نجد) على إحدى مجلاتهم. أنى
اتجهت ـ حتى في الديار الحجازية المقدسة ـ ستجد إسم نجد يتكرر
بالأضواء واللافتات العريضة: فندق نجد، ومطعم نجد، وشوارع عديدة في
كبرى المدن الحجازية سميت بأسماء القرى النجدية، وشخصيات نجد الدينية
والسياسية. كل هذا مقبول، أما إسم الحجاز فهو مزعج لإحساس المناطقيين
القابضين على السلطة، والذين اخترعوا إسماً جديداً للحجاز: المنطقة
الغربية، حتى ننسى إسم بلادنا وجغرافيتها لصالح الأسمى والأعلى
(نجد)!
(الحجاز) مزعجة لا شك، لأنها تذكّرهم بدولة الحجاز التي اختطفوها
وجعلوا أهلها أذلّة ومواطني درجة ثانية.
و(الحجاز) مزعجة لأنها تنطوي على محاولة للفكاك من الإستعباد
المناطقي والطائفي الذي يتخفّى وراء مزاعم وحدوية وفرية (العقيدة
الصحيحة).
و(الحجاز) مزعجة لأنها تدعو الى الصلاح والإصلاح والمساواة
والحرية، وهم يرون في هذه المفردات نهايتهم أو نهاية لاستبدادهم
واحتكارهم للسلطة السياسية والإقتصادية والدينية والعسكرية.
هم لا يريدون أن يتذكروا بأن هناك تاريخاً حجازياً مستقلاً عنهم.
وشخصيات حجازية غير شخصياتهم، ورموزاً دينية استعصت على القتل،
وتراثاً متنوعاً ومتميزاً ضارباً في عرض التاريخ يختلف عمّا يدرسوننا
إياه ويربون أجيالنا عليه.
و(الحجاز) مزعجة، لأنها تعيد الى أذهان الطغاة والمستبدين منهم،
أن دولة ابتلعت بين ليلة وضحاها لاتزال تسبب مغصاً شديداً لا تستطيع
المعدة المناطقية الطائفية أن تهضمه بآليات القرون الوسطى.
حين يقرؤون (الحجاز)، فإنما يقرؤون فشلهم في بناء دولة حديثة. لا
تعنيهم التحليلات العميقة التي تحتويها شيئاً بحيث تردهم عن طغيانهم
ويستفيدون من الأفكار التي تحتويها في إصلاح شأنهم.
هم لا يقرؤون إلاّ أنها مجلة لا تعبّر عن رأيهم، رأي الأقلية
المهيمن على مقدرات شعب يختلف معظمه عنهم طباعاً وفكراً ومنهجاً
وطموحاً وإرادة.
هم لا يريدون الإصلاح، وبذا تكون (الحجاز) خطيرة، لأنها تفتح
الملف التالي الناجم عن فشلهم، وهو أن دولتهم هم لا يمكن أن تستمر
الى الأبد بدون إعادة هيكلتها.
وفشلهم هذا يجعل الطريق الى تفكيك ملكهم العضوض أمراً حتمياً.
هم لا يقبلون بأنصاف حلول.. لا يقبلون بالمواطنة والمساواة وحرية
التعدد والإختيار. إنهم لا يؤمنون إلا بالفرض، وإلا بالإثرة، وإلاّ
بالتمايز عن الآخر، وإلاّ باعتبار الدولة ملكاً خصهم الله به، وإلا
بالنظر الى بقية الشعب كأجير يخدم استبدادهم ويذلّ رأسهم له.
(الحجاز) تقول لهم .. لا!
ليس هذا طريق الوحدة، وليس هذا طريق المحافظة على الدولة الموحدة،
وليس هذا ما يمنع الإنهيار والتقسيم.
(الحجاز) تقول لهم.. إن لم يستطع الضحايا أن يغيّروا المعادلة
كلّها، فهم قادرون على قلب الطاولة على رؤوس الجميع. وأن الزمن الذي
تغير والذي لا يريد الإعتراف به دعاة الطائفية والمناطقية والهيمنة،
لن يجعل منا أن نتخلّى عن هويتنا الحجازية لصالح أي هويّة أخرى غير
هويّة وطنيّة نتساوى فيها مع الآخرين. وإذا لم يقبلوا بالهوية
الوطنية واستحقاقاتها، فلن يجدوا منّا إلاّ دفاعاً عن هويتنا
الحجازيّة نتمترس بها دفاعاً عن أنفسنا وأهلينا ومصالحنا ومستقبل
أجيالنا.
بها نتحصّن من جور المستبدين، وبها نواجه المناطقيين، وبها نرفض
هوية الطائفيين وإن كانوا في مرحلة سابقة منتصرين.
مجلة الحجاز تثير شجونهم وألمهم، وهي تثير شجون الكثير من الضحايا
أيضاً. إن لم يجدوا فيها إلاّ لحناً إنفصالياً فهذا قدرهم، وما جنته
أيديهم.. وإن وجدوا فيها توقاً للمساواة الوطنية فهذا يشكل بداية
لصلاحهم وصلاح مجتمعهم الذي نحن منه. |