نقائض المطالب.. وازدواجية الخطاب
سعود الفيصل يطالب بحكومة وطنيّة في العراق تمثل كافة الطوائف
والفئات والأعراق، في حين أن السعودية لا تفعل ذلك، وتفرض حكومة
فئوية، حكومة أقليّة على جميع الشعب!
والأمراء السعوديون يطلبون بإنهاء الإحتلال للعراق، في حين أن
شعبهم يعيش احتلالاً من نوع آخر تحت مسمّى وطني، لا يستطيع أن يتحكّم
في ثرواته ولا أن يتخذ قراراته السياسية الوطنيّة إن تناقضت مع
المحتل الأميركي، ولا أن يتحكم حتى في مناهج تعليمه!
يطلبون بحماية آثار العراق، في حين أنهم يهدمون كل ما تبقى من
تراث المسلمين الخالد، من بيوت الصحابة وبيت النبي وزوجته، والمساجد
الإسلامية والمواقع الخالدة للمعارك الأولى في صدر الإسلام وغيرها.
ويطالبون بوحدة الشعب العراقي في مقاومة المحتل وحفظ الوطن ومنع
تمزيقه، في حين أنهم يمزّقون شعبهم ويفعلون كل نقيض للمصلحة الوطنية
والوحدة بين فئات الشعب المختلفة.
إنها سخرية الأقدار.. وسخرية المطالب الملكية!
الأمراء يطالبون بحفظ الأمن في العراق، في حين أن أمن شعبهم أصبح
منفلتاً منذ زمن طويل، وفي كل يوم يكتشف المواطنون حقيقة الأمن
السعودي المتضعضع الذي فشل في كل المهام المناطة إليه ولم يعد قادراً
حتى على حماية عناصره.
والسعوديون الذين يطالبون برحيل القوات الأميركية بل ويحرّضون من
خلال قنواتهم السرية والعلنية العراقيين على مواجهة المحتل.. شعروا
بانكسار حين قرر الإميركيون سحب مراكز قيادتهم من السعودية الى قطر،
وطاردوا كلّ من تعرّض للوجود العسكري الأميركي في السعودية، وهو وجود
لم ينته بعد، بل ويصرّ بعض الأمراء على بقاء جزء منه كدليل على أن
السعودية تقدم خدمات لحليفها الأميركي، ومنعاً لقطيعة بين الطرفين
تفضي الى ما لا تحمد عقباه.
والأمراء الديمقراطيون جداً الذين ينادون بالديمقراطية في العراق،
يرفضونها في السعودية، ويقولون: (نحن غير)! ويحاولون إقناع أميركا
بأن الديقمراطية لا تناسب الشعب السعودي، وأنها ستفرز عداءً لهم، وأن
من الأفضل أن تبقى العائلة المالكة على استبدادها وتسلطها وإجرامها
على رأس السلطة.
فجأة أصبح أمراء الأستبداد يتحدثون بلغة الديمقراطية والتمثيل
الوطني والوحدة بين المذاهب ومواجهة المحتل، في حين أنهم صنائع
الأجنبي، ولن يطول بقاؤهم بدونه، وبدون نفس ممارسات المحتل من تمزيق
الشعب ووحدته، وتكريس الطائفية والواحدية الثقافية، وتغييب العدالة
في توزيع الثروة والسلطة، والإستئثار بمقدرات البلاد لأنفسهم
وحاشيتهم وقاعدتهم المناطقية.
أما التيار السلفي المدعوم من وزارة الداخلية، والذي أصبح لعبة
بيدها، خاصة من يقدمون أنفسهم كـ (وسطيين!) فهؤلاء لا تنته تناقضاتهم
التي تفرضها الحسابات المادية والعقدية المتضاربة.
هم يريدون اتحاداً بين الشيعة والسنّة في العراق، وليس في
المملكة، وذلك لمقاومة الإحتلال الأميركي.. تحالفاً يكون تكتيكياً لا
يلغي الموقف من الشيعة كضالين مضلّين صنعتهم اليهودية واستخدمتهم
وتستخدمهم النصرانية! موقف يفتح المعركة بين السنة والشيعة في العراق
بعد أن يخرج المحتلّ!
أحدهم وعلى شاشة العربية لم يشأ المقدم ولا الضيف ذكر كلمة شيعة
العراق، بل الطوائف والملل والنحل! الذين يجب أن يقاتلوا الأميركيين
لكي تصبح أميركا في مستنقع وتُحمى السلفية المتطرفة داخل المملكة!
والسلفيون المعتدلون!! الوسطيون!! وبخبث سياسي يخططه لهم وزير
الداخلية يفضلون معركة الخارج على معركة الداخل الإصلاحية. وهم ـ يا
للعجب ـ يؤمن بالإنتخابات في العراق، ولكن ليس في المملكة، شأنهم شأن
العائلة المالكة. وهم يؤمنون بالتعدد ـ وإن على مضض ـ في العراق،
ولكن ليس في المملكة؛ وأيضاً هم مع مقاومة الأميركان في العراق، وليس
في السعودية، حيث أذنابها الكثر!
للقيادة السعودية السياسية متسع من هامش المناورة للعب على
المتناقضات أو التناقض مع التناقضات، يحاول وزير الداخلية أن يتقنها.
ولكن الفسحة العقدية لدعاة التطرف في المملكة ضئيلة، ولهذا يبدو ما
يطرحونه مشوّشاً، والغريب أنهم يطرحونه علنياً أيضاً في منتدياتهم
وبكبار شخصياتهم.
يجب أن يقال لهم هنا: إما أن تؤمنوا بالوحدة الوطنية أو بالفئوية،
ولا يمكن اللعب على خطابين مزدوجين: خطاب الماضي الطائفي الذي لايزال
حاضراً، وخطاب ليس من جنس ثيابكم وتفكيركم. فهذا لا يجعلكم أمام
الآخر صادقين مؤمنين، ولا يقبل أتباعكم المتطرفون هذا النوع من
الخطاب المزدوج المتسامح في الخارج والمتشيطن في الداخل مع أبناء
الوطن.
عودوا الى معاقلكم المنغلقة وانسجموا معها.. أو تحرروا منها بصدق
وإخلاص، وليس بالتكتيك، فغيركم أكثر وعياً مما تعتقدون. |