السعودية المشبوهة
في الثلاثين من سبتمبر الماضي بدأ موظفو الامن الداخلي في
الولايات المتحدة سياسة جديدة في مسعى للبحث عن إرهابيين مندسين في
صفوف المسافرين الى الولايات المتحدة. هذه السياسة تقضي بتشديد
إجراءات استصدار تأشيرة السفر الى الولايات المتحدة. وبمقتضى ذلك فإن
موظفي الجهاز الجديد سيقومون بمراقبة موظفي وزارة الخارجية المضطلعين
بإستصدار تأشيرات السفر.
وبناء على تصريح لمتحدث بإسم الأمن الداخلي جوردون جوهندور فإن
(الموظفين القنصليين الذين يعملون في وزارة الخارجية سيواصلون عملهم
في اصدار تأشيرات السفر، ولكن ستخضع الطلبات للمراجعة من قبل الأمن
الداخلي للمساعدة في ملاحقة الارهابيين وآخرين لا يجب استصدار تأشيرة
سفر لهم).
وفيما ينعقد العزم على إبقاء الاشخاص غير المرغوبين خارج البلاد،
فإن ذلك ليس التدريب الرئيسي للضباط القنصليين كما هو الحال بالنسبة
لوكلاء الأمن الداخلي. وحسب ستيورت بات المتحدث بإسم هيئة الشؤون
القنصلية التابع للخارجية الأميركية فإن هناك قلة من الضباط التابعين
للأمن الداخلي الذين تم إرسالهم الى السعودية.
وعلى حد قوله فإن السعودية هي (المكان الأول الذي توجه له هؤلاء،
ولكن سيشمل ـ هذا الإجراء ـ كل بلدان العالم، بغرض تعزيز إجراءات
إستصدار تأشيرات السفر..).
في مقابلة صحيفة (الوطن) السعودية مع السفير الأميركي في الرياض
ما يشير الى التعقيدات المفروضة على سفر السعوديين للولايات المتحدة.
فالسفير أشار في اجابته عن سؤال حول القيود المفروضة على سفر
السعوديين الى أن ثمة اجراءات ضرورية تتبعها السفارة للحيلولة دون
إعطاء فرصة لإرهابيين سعوديين من النفوذ الى الولايات المتحدة.
هكذا إذن تبدو السعودية الآن ليس بالنسبة للأميركيين، بل لكل
العالم تقريباً..مركز يتناسل منه الارهابيون، الذين يتسللون الى دول
العالم لتنفيذ مخططات إرهابية، ولم يعد هذا العالم يفرّق بين أحد من
سكان هذا البلد، فحتى الفنان السعودي محمد عبده قد طالته شبهة
الارهاب، حيث تم إيقافه في مطار هيثرو بالعاصمة البريطانية ساعة ونصف
والتحقيق معه من قبل أجهزة الأمن التابعة للمطار.
السعوديون العائدون من السفر في إجازات الصيف ينقلون قصصاً مدهشة
عن معاناتهم في المطارات الأوروبية، وكيف أصبح (الأخضر) لوناً مخيفاً
في أغلب دول القارة الأوروبية، فهناك من يواري أخضره لسوء ما بشر به،
وهناك من يدسّه في سترته حتى لا تفتضح هويته، فالشبهة تلاحق الجميع
ولا توفر حظاً لأحد، صغيراً كان أم كبيراً، ذكراً ام أنثى. فقد يسأل
المرء عن قرينه (الأخضر) عدة مرات في أكثر من مطار وقد يرد خائباً في
سفارات عديدة لأن حامله غير مرغوب فيه، فمواطنو خادم الحرمين
الشريفين أصبحوا بعد عز أذلاء خارج بلادهم، يفرزون كما تفرز الدجاجة
الحب الجيد عن الحب الردىء.
وتكون المصيبة أشد وأنكى حين يجتمع أكثر من حامل لهذا الأخضر في
رحلة سفر واحدة، فتكون الشبهة أكبر وأشد وطئاً، حيث يبدأ الشك (يلعب
في عب) أجهزة الأمن الأجنبية، إذ حينها تجدد حوادث سبتمبر بعث مخاوف
من وجود خلية إرهابية تخطط لأعمال عنف كارثية..ويخشى أن يأتي يوم على
السعوديين يطلب فيه منهم التفريق بين المضاجع حتى لا يتهموا
بالانتماء لخلايا إرهابية، لأن المطلوب هو البقاء فرادى حتى يبقوا
مجرد مشبوهين مع غياب الدليل، ولكن حين يجتمع أكثر من واحد يصبح
الاجتماع سيد الأدلة، وتتولي بعد ذلك الصحافة المحلية والاجنبية كيما
تنشر صور الخلايا الارهابية الحقيقية والافتراضية. ولذلك كل تجمع يضم
إثنين أو أكثر من حملة الأخضر هو خلية إرهابية بالقوة، وقد تكون
بالفعل حين تثبت الأدلة الأخرى ذلك.
إنحسار ربيع الأخضر قد ترك حسرة في قلوب من كانوا يحملونه في
فترات ماضية، حيث كانت أبواب السفارات مشرعة أمامهم، والكل كان يكسب
ودهم ونقودهم، حتى كادت بعض الدول تخصص مسارات خاصة بشعب الأخضر، من
أجل تسهيل اجراءات سفرهم ودخولهم الى بلدانها..ولكن تلك الأيام
نداولها بين الناس. فقد أصبح الخضراوي المرشح الارهابي الأول،
ملاحقاً أينما حل وارتحل..وكأن الدول التي سهَّلت عبوره وإقامته
نادمة على خديعة انطلت عليها حين فرشت له في ماضي الأيام السجادة
الحمراء كي يكون الضيف المحمّل بالنقود التي تفوح منها رائحة النفط،
فإذا هذه النقود قد تحوّلت الى رصاص ومتفجرات.
فلم تكن الولايات المتحدة أول من قررت أن تجعل من السعودية أول من
تبدأ بها إجراءات السفر المشددة، فقد طلبت قبلها سنغافورة تدابير أشد
قسوة حين طبقّت على المتقدمين السعوديين نظام الكفالة، وكأن
السعوديين متهمون ابتداءً ولابد من كفيل يزكيِّهم ويضمن التزام
المكفول بقوانين البلد التي ينوي السفر اليها، وهناك دول أخرى قد
بدأت تدابير مماثلة ولكن دون الاعلان عنها.. ينقل أحدهم قصة مثيرة
بعد مقابلة ساخنة أجريت معه في السفارة البريطانية بالرياض، فبعد أن
أنهى موظف السفارة قائمة الاسئلة الروتينية وحصل على كافة الاجابات
من المتقدم بطلب التأشيرة، فاجأه الموظف قائلاً بأنه ليس لدينا ما
يثبت عدم صحة اجاباتك ولكن مع ذلك نعتقد بأنك تكذب ولدينا شك في
أقوالك ولذلك رفض طلبك، ولم يرجع له قيمة التأشيرة وهي حالة تكررت مع
كثير من السعوديين المتكدّسين على أبواب السفارة البريطانية.
حتى الطيارين السعوديين لم يعد مرغوباً فيهم، فأربعون طياراً تم
رفض دخولهم الى الولايات المتحدة في الشهر الماضي، لا لأن جهاز الأمن
الوطني الأميركي قد قبض عليهم متلبسين بالجرم المشهود أو أنهم أعضاء
في شبكة تنظيم القاعدة، ولكن لأنهم ينتمون الى بلد الخمسة عشر خاطفاً
سعودياً..فليس هناك من هو مستثنى من شبهة الارهاب. |