المملكة المنهوبة
فاجأ وزير النفط السعودي علي النعيمي زملاءه في اجتماع أوبك في الجزائر
مؤخراً بالدعوة الى تخفيض إنتاج النفط، الأمر الذي أصاب زملاءه بالدهشة
البالغة، خاصة وزراء نفط إيران والجزائر وليبيا. فالسعودية لم تغير سياستها
النفطية قبل وبعد الحادي عشر من سبتمبر، بل أنها تحاول أن ترضي الولايات
المتحدة قدرما تستطيع في الموضوع النفطي، وقد كانت ولاتزال الداعية الأساس
لمزيد من الإنتاج ومع أسعار (معتدلة) تحددها واشنطن نفسها عند 25 دولاراً
للبرميل الواحد.
فما الذي تغير؟
هذا ما كان يبحث عن إجابته رؤساء وفود أوبك. هل المملكة مقبلة على
صدام مع حليفتها واشنطن، لتخرج بهذا التحدي الصارخ بتخفيض انتاج النفط،
وبدعوة منها ومبادرة، وليس استجابة لدعوة دولة عضو أخرى في الأوبك، وبالشكل
الذي يزيد أسعار النفط؟
هل كان الموقف استجابة سعودية لانخفاض سعر الدولار، فأراد السعوديون
تعويضه بأسعار أعلى؟ استمرت الحيرة حتى انفضّ المؤتمر وأعلن قراراته،
وبعد أقل من ساعتين انبرى إبراهام سبنسر وزير الطاقة الأميركي ليقول
بأن بلاده لن تستجيب لأوبك، وطالب الكونغرس بالموافقة على مشروع الإدارة
فيما يتعلق بتخفيض الإعتماد على الخارج في توفير الطاقة لأميركا، وذلك
عبر الموافقة على استخراج نفط ألاسكا، وتوسيع العمل في المفاعلات النووية
لتوليد الطاقة، إضافة الى مشاريع أخرى تتعلق بالفحم.
اكتشف وزراء الأوبك، أن المطالبة السعودية ـ التي رحب بها الآخرون
خاصة وأن السعودية كانت على الدوام ضد هكذا سياسات ـ اكتشفوا ان المبادرة
السعودية كانت بالإتفاق مع واشنطن نفسها. والغرض كان واضحاً لا لبس فيه.
فإدارة بوش تريد إنجاح مشروعها في الكونغرس، والأخير يرفض المشروع، وكان
لا بد للسعودية أن تتدخل فتخفض من سقف الإنتاج، فترتفع الأسعار، وبالتالي
تصبح لدى الإدارة الأميركية ورقة ضغط على الكونغرس للموافقة على مشروعها.
* * *
غريبة هذه المملكة.
وغريبة بعض سياساتها.
كيف يمكن لدولة أن تبيع نفطها بثلاثة أسعار؟! فسعر لأميركا وفق حساب
نفط تكساس الذي ينتج هناك؛ وسعر لأوروبا بناء على سعر برنت المتذبذب
والذي يجري التلاعب به بسهولة خاصة وان المعروض منه في السوق اليومي
لا يتجاوز 100 ألف برميل؛ وسعر للشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. فأميركا
بهذه الطريقة تحصل على سعر مخفض بين 70 سنتاً ودولاراً للبرميل؛ وأوروبا
أقل من ذلك؛ فيما يكون السعر الأعلى يباع في الدول الآسيوية!!
هذه السياسة المتبعة لها أبعاد سياسية واقتصادية؛ فهي من جهة ترضي
الأميركيين وتحابيهم وتعطيهم أفضلية غير مبررة ولا يوجد لها تعامل بالمثل،
ومن بعدهم الأوروبيين. كأن صانع القرار السعودي في تخريجته لهذه الأسعار
المختلفة يريد أن يقول بأن حماته من الأميركيين والأوروبيين أولى بالنفط
الرخيص، وهو يريد استرضاءهم وكسب ودّهم، ودعمهم وحمايتهم. أما اليابان
وغيرها من الدول الآسيوية، فعليهم كامل الغرم. البعد الإقتصادي الإفسادي
في العملية هو أن الأمراء وبعض مسؤولي وزارة النفط يكسبون ملايين الدولارات
من هذه العملية أيضاً. فهم يبيعون نفطاً لأميركا بسعر مخفض على الورق
ليتحول بقدرة قادر الى الشرق بسعر أعلى، ويأخذ المسؤولون السعوديون الفارق
في جيوبهم! وقد أُسست شركات لهذا الغرض!
* * *
قد كانت أرامكو منطقة محرّمة على الأمراء، وبمجرد أن أُسقط الوزير
أحمد زكي يماني، بدأ الأمراء بتناهبها حتى غدت مثل كل المؤسسات الحكومية
التي يجري فيها النهب والتلاعب والمحسوبية والفساد وعدم الإنضباط، مما
أضعفها أمام منافسة نظيراتها من الشركات العالمية الأخرى. فزيادة على
تناهب حصص النفط للأمراء (فهذا الأمير له 100 مليون برميل وذاك له 30
مليون وهكذا) قام الأمراء بتأسيس شركات وهمية تسوّق النفط السعودي بأسعار
أقلّ من السوق لصالح الأمراء، وغدا السماسرة من بلدان مختلفة يطوفون
بالنيابة عن الأمراء مدن العالم يعرضون نفوطهم بأسعار تفضيلية. لقد اصبحت
أرامكو، رغم حسن نوايا مديرها الجمعة وحتى الوزير النعيمي، وبسبب تدخلات
الأمراء وتصرفهم فيها كملك خاص بهم، تحولت الى مزرعة مهددة في مشاريعها
وبرامجها التنموية التي تتساوق مع جهود الدولة ودعم نشاطاتها التنموية.
وفوق هذا كلّه، يأتي الأمراء فيسرقون الميزانية، ويسرقون الأراضي
ويبيعونها بالمليارات من الدولارات على المواطنين، ثم يسرقون مشاريع
الدولة لصالحهم وصالح شركاتهم، ثم يزيدون فوق هذا كله فيفرطون في حقوق
المواطن وما تبقى من ثروته، فيشترون بها الأسلحة والمعدات إرضاءً للغرب
لا لاستخدامها، وينالون نصيبهم من صفقاتها وسمسراتها التي تصل احياناً
الى عشرة بالمئة من القيمة الكلية للصفقة كما هي صفقة اليمامة مع بريطانيا.
هذا غير الإختلاسات وتوزيع الثروات على الحواشي وعلى من هبّ ودب. ترى
ماذا يبقى للتنمية وللمواطن المحتاج الى قارورة الدواء، والى مظلّة بيت
يحميه، والى وظيفة ومقعد في الدراسة؟
إيرادات المملكة من النفط غير قليلة، خاصة في ضوء الإنتاج الحالي
الذي يزيد على ثمانية ملايين برميل يومياً وبأسعار يصل معدلها الى ما
يقارب الثلاثين دولاراً للبرميل. فلماذا هناك أزمة اقتصادية في البلاد،
ولماذا هناك معاناة وفقر وبطالة؟
|