إقصاء أئمة وقرّاء ومؤذني الحجاز
تصفية الوجود الديني الحجازي لصالح الوهابية
أدّت سيطرة الوهابيين على الأماكن المقدسة في الحجاز الى انتقال
القرار والسلطة الدينية من مكة المكرمة والمدينة المنورة الى بريدة
(القصيم). قضاة الحجاز أزيحوا واحداً إثر آخر، والمدارس الدينية تمت
مصادرتها، والمدرسون في المسجد الحرام تمّ منعهم إلا من تبع طريقة
متطرفي الوهابية، وأتباع المذاهب الإسلامية خاصة الشافعية والمالكية
والحنفية تمّ التضييق عليهم بشدّة وقسوة، في وقت كان يدّعي فيه
الوهابيون أنهم مجتهدون، ولكنهم لا يقبلون باجتهاد غير اجتهادهم.
زيادة على ذلك، جرى تأميم القضاء لصالحهم، وتمّ منع الكتب التي تخالف
وجهة النظر الوهابية وكذلك طباعتها، ومنعوا كل وسائل التعبير الديني
باعتبارها بدعاً كالمولد النبوي الشريف، كما دمّروا التراث الإسلامي
كلّه بحجة خوف مدّعى من ارتكاب الشرك!
وخلال أقلّ من عقدين اضمحلّ الدور الديني العالمي للشخصيات
الدينية الحجازية لصالح عاصمة الوهابية الدينية (بريدة). ولم يبق سوى
بعض المؤذنين وبعض القراء والأئمة، وهم الآن في سبيل الإجهاز على
البقيّة الباقية من الإرث الحجازي الديني، بحجة أن القراءة الحجازية
(حرام!) وأنها ـ لعذوبة الصوت! ـ تفتن الناس المصلين عن دينهم (مثال
ذلك طرد عمر أخضر قبل خمس سنوات، ومحمد أيوب الذي نقل تعسفاً الى
مسجد قبا فاضطرّ الى الإقامة وأداء واجبه الديني في دبي). وقبل فترة
وجيزة بدأ التطرّف الوهابي لإستبدال المؤذنين الحجازيين (أي من تبقى
منهم) بمؤذنين من القصيم (بريدة)، والتي تحتل نحو 90 بالمائة من
مناصب المؤذنين والأئمة في الحجاز!
قبل أن يصبح رئيساً لمجلس الشورى، كان الدكتور صالح الحميد رئيساً
عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد تمّ في عهده تشكيل
لجنة خاصة لاستبدال المؤذنين والأئمة الحجازيين بوهابيين نجديين،
ولكن الحميد نُصح من قبل شخصيات حجازية عديدة بأن لا يفعل لأن ذلك
سيثير زوبعة من الإحتجاجات العلنية الحادّة ضد المؤسسة الدينية
الوهابية وضد الحكم السعودي. ويبدو أن أمراء آل سعود أرجأوا حينها
الأمر ريثما يستأنفوه لاحقاً، حين تمّ تعيين صالح الحصين (من عنيزة،
أخت بريدة!) مكانه.
وتشير مصادر مطلعة أن الوهابيين عازمون هذه المرة على ''توهيب''
المناصب الدينية و ''تنجيدها'' مائة بالمائة، وليس 90% فقط! ولربما
بهذه الوسيلة يتمّ تهدئة التيار الوهابي المتطرّف الباحث عن انتصارات
موهومة في أي مجال ممكن. وبهذه الوسيلة أيضاً تستطيع العائلة المالكة
ضرب الفئات الإجتماعية والدينية والمناطقية بعضها ببعض، كما عوّدتنا
دائماً.
والمعروف ان الشيخ الجديد صالح الحصين، شخصية متطرّفة، وقد شنّ في
مقال له في ملحق صحيفة المدينة (الرسالة) في عددها الصادر في
7/3/2003 هجوماً عنيفاً على مخالفيه، تحت عنوان: (إحياء الآثار
الدينية والوثنية) مندداً بالمطالبين بالحفاظ على التراث الإسلامي
ومتهكماً على المدافعين عن (معالم الحضارة الاسلامية) و(ذاكرتنا
التاريخية) و(احتراما لسيرة المصطفى) و(تصحيح النظرة التى تحكمنا
تجاه الآثار الدينية). وقد اعتبر الحصين هذه الدعوات من سوء القول
والفعل وجرأة على الحق! خاصة وأن الكتبة! ''لم يُعرف عن أحد منهم
إهتمام بنصر سنّة ولا قمع بدعة ولا نهي عن معصية كبيرة أو صغيرة''
معتبراً ما يكتب في هذا الموضوع ''إرجافا منظماً لفرض رأيهم''!
ومعلوم أن لا أحد يستطيع أن يفرض رأيه في مثل هذه المواقف سوى
الوهابيين وحماتهم آل سعود. وكعادة المشايخ الوهابية فإن الحصين
اعتبر الداعين للحفاظ على الآثار الإسلامية ''مخالفون لشرع الله وسنة
رسوله وسنة خلفائه الراشدين وآل بيته وصحابته وأئمة الفقه''! في حين
أن لا أحد يقول بما يقوله الوهابيون في عرض العالم الإسلامي وطوله،
فهم كمن (رمتني بدائها وانسلّت).
واعتبر المحافظة على الآثار الإسلامية كغار حراء وغار ثور إحياءً
للوثنية ومشابهة للكافرين. وهاجم من يزور مسجد الغمامة ومسجد
القبلتين والمساجد السبعة التي اعتبرها (مفتراة)، كما هاجم من يزور
غار حراء وغار ثور وما أسماه ''مكان المولد المزعوم'' أي مكان مولد
الرسول عليه الصلاة والسلام.
وزعم الحصين أن الله ميّز (دولتنا المباركة!/ فهنا يجوز التبرّك
والغلو!) ليس بالحفاظ على آثار الإسلام ورسول الإسلام وصحابته،
وغيرها من المزارات والآثار ''الوثنية''.. بل بالجهاد (ضد من؟!). كما
ميّز الدولة السعودية المباركة!! ''بنشر كتب التوحيد والسنة والتحذير
من الشرك والبدعة مثل: فتح المجيد وشرح الطحاوية وفتاوى ابن تيمية
وجامع الأصول.. وميزها الله بارسال دعاة التوحيد والسنة الى مشارق
الارض ومغاربها، وانشاء معاهد وكليات الدعوة الى منهاج النبوة في
الداخل والخارج''.
واتهم الحصين المخالفين له بأنهم لم يردّوا الأمر الى ''أكبر
علماء هذه الدولة المباركة'' ابتداءً من محمد بن عبد الهوهاب
وتلامذته ثم فتاوى الشيخ/ محمد بن ابراهيم والشيخ عبدالعزيز بن باز
والشيخ محمد بن عثيمين وفتاوى المفتي الجديد الشيخ عبدالعزيز بن
عبدالله آل الشيخ، والشيخ صالح بن محمد اللحيدان والشيخ د. صالح
الفوزان.. الخ.. وكل هؤلاء نجديون وهابيون، وهم لا يمثلون في أفضل
الحالات ثلث المجتمع السعودي.
فالشيخ الحصين لا يريد مرجعية غير المرجعية الوهابية، وغير
المرجعية النجدية الغارقة في التخلّف والتي أتت على آثار المسلمين
ودمّرت مقدساتهم بحجة أنها تدعو الى الغلو والشرك! في حين أنه
وأمثاله من متطرفي الوهابية لم ينتقدوا محافظة آل سعود على (درعيتهم)
وعلى قصور آل سعود القديمة وعلى خيبر اليهودية.. فهذه الآثار تحفظ،
أما آثار المسلمين الجامعة التي تحيي تاريخ الإسلام فشرك محرّم،
بالطبع عدا ما يتعلق بالدولة المباركة!
الوهابية لا تعترف بإسلام أحد غير أتباعها، ولا تؤمن باجتهاد غير
اجتهاد زمرتها في بريدة والرياض، ولا تقبل نقاشاً ولا منطقاً من أحد
من المسلمين سواء داخل المملكة أو خارجها. ولأن الحجّة الوهابية
ضعيفة فلا بدّ من الإستعانة بسوط الجلاد السعودي لفرض هذه الأفكار
الشاذّة على كل المسلمين.
ألا يحق لنا أن نكرر تساؤل الشيخ البوطي: هل نحن أمام إسلام جديدٍ
قادم من نجد؟ |