التكيّف والتصلّب
واحدة من مقاييس قوة النظام تكمن في قدرة أجهزته وأشخاصه ومؤسساته
على التكيّف مع الأوضاع وابتداع الحلول للمشاكل المستجدة وتطوير
السياسات بما يتناسب مع المرحلة. الأنظمة المتصلّبة كما السياسات
الجامدة تُكسر وتُعصى ويتم التمرّد عليها. والوجوه السياسية لا
تستطيع الصمود بدون ماكياج جديد (ودورات تدريب مستمرة!). أيضاً فإن
السياسات القديمة لا تتماشى مع الأجيال والمعطيات الجديدة، وإن
الإصرار عليها يدمّر أُسس الإستقرار وأسس التطور لأي بلد.
أمامنا المملكة، برجالها المعتقين، وسياساتها المحافظة القديمة
البالية، وبخطابها السياسي الذي لم يتغير منذ نصف قرن.. عدم تغير هذه
المملكة ليس دلالة على صحّة بل هو السقم بعينه، إنها تتقدم بخطوات
واسعة باتجاه المجهول. عدم التغيير وعدم الإستجابة للمتطلبات اليومية
التي لا تلحظ تبدلاً في فكر السكان ولا في الأجيال الطالعة،
والاستمرار في نهج بداية القرن العشرين أمرٌ لا يدلّ على صحة لدى
القائمين على السلطة.
فالتصلّب الذي يبدونه، دليل ضعف لا شجاعة، ودليل خوف من التغيير
وليس مؤشر اقتناع بالمنهج القائم. إن التشدد والسكون سرطان في الدولة
لا يحل بغير الإقدام ومواجهة المخاطر والتحديات. والقرارات الهزيلة
الضعيفة التي تطرح كتسويات بين الأمراء تصبّ هي الأخرى في تصلب
النظام وتشرنقه، وتجمّد أطرافه.
ومن هنا.. فإن خاصية عدم التكيّف واحدة من المقايسس التي تقاس بها
قوة الأنظمة والمؤسسات والشركات وحتى الأفراد.
ونحن في المملكة، أياً كانت رهاناتنا كشعب، نثق بأن قيادة العائلة
المالكة، التي تميل الى التجبر والطغيان، ولا تقرأ الواقع، لا تجازف
بمستقبلها فحسب، بل وتجازف بمستقبلنا ومستقبل أجيالنا. إن لم تكتشف
بأن جمودها قاتل لها ولنا، وهو المتوقع من أشخاص دخلوا مرحلة التحنيط
الجسدي، فهي لا تعدم الوسائل التي تقرأ بها الوضع على نحو صحيح لو
أرادت.. والمشكلة انها قد تقرأ خطأ أو لا تقرأ أو إذا قرأت لا تتعظ
ولا تستفيد، أو يدركها الغرور والتيه والرعونة، فتضحي بكل شيء أمامها
دون أن تعي بأن مقتلها في جمودها وليس في حركتها، وأن الجمود قد
أورثها إعاقات جعلها غير قادرة حتى على الإيفاء بمتطلبات الجسد الحي.
مصير مثل هذه القيادة وهذا النظام، الإنكسار أو الإندثار. |