إنتهت معركة الإستبداد.. ومواجهة الإستعمار قادمة
إعتبروا فساعة الرحيل ليست بعيدة كثيراً
تبخّرت أسطورة الحرس الجمهوري، والحرس الجمهوري الخاص اللذان
''إنتحرا على مشارف بغداد''.
فدائيو صدام وجيش القدس والستة ملايين مقاتل ذابوا كفصّ ملح في
نهر دجلة.
(والزعيمُ الذي حشرنا حمورابي بتمثاله العظيم جبانُ) كما يقول
شاعر العراق الراحل مصطفى جمال الدين.
فقد ضنّ الزعيم بنفسه وبولديه وعائلته والمقربين منه أن يستشهدوا
في معركة (الحواسم).
أمّا الشعب العراقي ـ ضحية الديكتاتورية ـ فقد أغلق عليه بابه
طلباً للأمن، فلم نرَ من يقاتل ولم نسمع طلقات تواجه طلائع القوات
المستعمرة وهي تتمشّى الهوينى في شوارع بغداد.
سقط الصنم والعراقيون في أكثرهم غير مبالين. فقد نأى المؤيّدون
والمستنفعون من النظام بأنفسهم عن المواجهة بعد أن منحوه نسبة (100%)
في الإنتخابات الأخيرة! وبدأوا يبحثون لهم عن دور في العراق الجديد،
أو اختبؤوا خشية أن تطالهم يد العدالة أو الإنتقام. وخرج الضحايا من
مخابئهم يشتمون النظام ويمزّقون صور رمزه الأعلى ويطيحون بتماثيله
المالئة الدنيا.
لم يفق العراقيون على صورة الإستعمار القديم يتجدّد أمامهم بعد..
فهم حتى هذا اليوم (التاسع من أبريل) غير مصدقين أو مذهولين من سرعة
تلاشي قوّة الصنم الديكتاتوري الذي أقسم أن يسلّم العراق حجارة بدون
بشر!
هُزم الإستبداد على يد الإستعمار في المعركة التي شاهدنا فصولها
وتفاصيلها على شاشات التلفزة الفضائية.
هُزم الإستبداد، لأنه قضى على مبررات المقاومة في نفوس الغالبية
الساحقة من أبناء الشعب العراقي.
هُزم الإستبداد، ولم تبدِ عاصمة العباسيين مقاومة حتى بمستوى
الناصرية والبصرة وأم قصر والزبير والنجف وكربلاء، فاحتلت بغداد فيما
المتفائلون فاغري الأفواه، وكأنهم صدّقوا أن مقاومةً يمكن أن يبديها
المسحوقون منذ ثلاثين عاماً.
يوم التاسع من أبريل.. دخل العالم وليس العراق وحده مرحلة جديدة،
بل انعطافة تاريخية كبرى بما تحمله من متغيرات كونيّة.
بعض الحكومات العربية ستزعم لدى أسيادها ارتياحها من رحيل صدّام
حسين. ولكنها تدرك بأن عصا الإستعمار الغليظة قد تلاحقها في النهاية.
وسيقول إعلام تلك الحكومات بأن صدام جنى ما زرعته يداه، وكأنهم لم
يزرعوا شوكاً ولم يكونوا (صداديم) صغاراً!
سنستمع الى لغة جديدة في الإعلام العربي الذي داهن الديكتاتورية قبل
أن يُطاح بها.
سيزعم القادة العرب ـ وسيصدقون زعمهم ـ بأنهم قد برّوا بشعوبهم،
وكانوا رحماء بمستضعفيهم، وأنهم ديمقراطيون، لم يجوّعوا النساء
والأطفال أو يقتلوا المعارضين أو يكمموا أفواه المخالفين، ويطردوا
خيرة أبناء الشعب خارج الحدود. وأنهم كانوا ـ بعبارة أخرى ـ ملائكة،
وبالتالي لن يجري عليهم ما جرى لنظيرهم حاكم العراق.
سيقول زعماؤنا لأنفسهم، خاصة في المملكة، بأنهم (غير!) ودائماً هم
(غير!). يختلفون عن صدام، ولا يمارسون ما يمارس، وبالتالي لن تمرّر
السكين على نحورهم، وسيقف الشعب المسعود معهم قلباً وقالباً! كيف لا،
وهم يعتقدون دائماً بأن الشعب خلق ليحترق من أجلهم ويدافع عن
كراسيهم، كما كان صدام نفسه يعتقد.
هؤلاء لا يريدون أن يصدقوا بأن من لا يحميه شعبه، يطيح به أسياده
بعد أن يستنفدوا غرضهم منه. هم برفضهم الإصلاح وتأسيس علاقة سليمة مع
شعبهم تجعلهم في مصاف صاحبهم الذي انتخب بنسبة (100%) في سابقة لم
ولن يشهدها التاريخ، وقد يكتشفون كما اكتشف ذلك الصاحب، بأن هيلمان
وجبروت وطغيان القوة يتلاشى أمام أيّ تحدٍّ لا تمارس فيه الجماهير
دورها.
نتمنى من حكومتنا (الرشيدة!) والنخبة المنتفعة من حولها أن تعتبر
من الدرس العراقي!
نتمنى أن لا تنام على سرير الأوهام، أوهام الشعب الضعيف والقوة
الأمنية الطاغية!
وأن لا تعتقد بأن الأميركيين حليف دائم لها.. فليس هناك من حليف
حقيقي إلاّ الشعب الذي ينظر إليه الأمراء اليوم باستهانة، فإذا ما
تورطوا فسعوا الى استنهاضه يكون قد فات الأوان.
نتمنى أن تدرك العائلة المالكة أن أسلوب حكمها، واستئثارها وبغيها
وعدوانها لن يدوم، سواء قبل الأميركيون ذلك أم لم يقبلوا.. تلك سنّة
الله في خلقه: دول تقوم وأخرى ترحل.
ليعتبر الأمراء، وإلاّ فإنّ ساعة الرحيل ليست بعيدة كثيراً كما
يتخيّلون. |