الإعتزاز الوطني 'السعودي'
عادة ما يتزامن الإعتزاز الوطني بموضوعة (بناء الأمة) حيث تظهر
الى السطح مظاهر الإعتزاز بإرث تاريخي، أو إنجاز حضاري، أو نهضة
ثقافية، أو إقتصادية. وعادة ما يكون الإعتزاز بالرموز الوطنية من علم
ونشيد وطني وجغرافيا الأرض ورموز الثقافة والسياسة منذ أعماق تاريخ
الشعب. أيضاً تقوم الثقافة الوطنية بتمجيد المناسبات الوطنية
والدينية لخلق حالة من التحشيد الداخلي والإلتفاف الرمزي حول النظام
السياسي والدولة وصهر المواطنين في مرجل المصير المشترك والوحدة التي
لا فكاك منها.
وقد تغذّي حروب الإستقلال مشاعر الإعتزاز، بحيث يصبح الأخير مصدر
توحيد للنفوس والعقول والتوجهات. وفي كثير من الدول تقود عمليّة
التحديث الى بروز محاور الإعتزاز الوطني بالذات وبالإرث الجمعي
للسكان، ولكنها قد تقود في بعض الأحيان الى عكس النتائج.
هناك أيضاً مقاييس أكاديمية (غربية) أجمالية تقول بأن المتعلّمين
أقلّ اعتزازاً بوطنيتهم، وأن الأقلّ تديّناً هم الأقلّ اعتزازاً..
ولكن حين نأتي الى الوضع في المملكة، قضت سياسة السلطتين الرسمية
والدينية على منابع الرموز الوطنية، ولم تبقِ سوى رموز العائلة
المالكة والفكر السلفي، حتى 'تمجيد' رسول الإسلام صار من المحرمات.
كما أن السلفية بطبيعتها ضد 'الترميز' لأي شيء بحجة الشرك والكفر،
وهي في عداء مع الإرث الديني المشترك بما يحمله من أمجاد وانتصارات،
وخاصة المواقع الأثرية والرموز التاريخية التي قد تكون من مناطق
مختلفة، أو هي غير أثيرة دينياً لديها.
يشعر المواطن السعودي اليوم بأن ليس لديه شيء كثير يعتزّ به أو
يفتخر.. حتى الوحدة السياسية القائمة لم تعد مصدر اعتزاز، بل هي عند
البعض بداية عهد الإذلال والمهانة وفقدان الهوية، وتذكر بالدماء
والحزازات وسياسات الفرض ومواطني الدرجات الدنيا. أما المنجزات
المادية فتتصاغر يوماً بعد آخر في ظل الأزمات الأقتصادية، خاصة حينما
تقارن بمنجزات دول الخليج المجاورة التي قطعت شوطاً متقدماً على
السعوديين.. كما وتتصاغر مشاعر الإعتزاز بالنظام السياسي ورموزه
وسياساته حتى بالمقارنة مع أقرانه الخليجيين. فقد تورطت السعودية في
سياسات مفضوحة اعتبرت عدوانية وتآمرية بنظر الكثيرين على العرب
والمسلمين، كما أن رجال الحكم ـ من العجزة والمقعدين والجهلة الذين
لا يقدرون على تشكيل جملة صحيحة ـ يتقزمون أمام طموحات الشعب في أن
يحكمهم جيل شاب ومتعلم.
كان البعض والى وقت قريب يفخر بأنه يحمل جواز سفر سعودي، واليوم
يحاول تجاوز الأزمة بإخفاء هويته، أو ترديد: ليتني كوري شمالي، أو
كوري جنوبي!
الشعب الذي يذلّه نظامه السياسي، ولا يشعر بالعزّة الوطنية هو شعب
مهدد بالتمزّق الداخلي والإنهيار أمام المواجهة سياسية أو عسكرية. |