رجال السيف والقلم!
قيل عن التحالف الوهابي السعودي بأنه تحالف بين رجال السيف
والقلم. رجال السيف هم آل سعود، وقد مثّلهم الملك عبد العزيز مؤسس
الدولة، ورجال القلم هم مشايخ المذهب الوهابي، فقد كانوا نخبة
المجتمع النجدي ثقافياً، فهم من كان يحسن (فكّ الخط) ومن يوجّه
السكان دينياً في المساجد والكتاتيب. اجتمع رجال الصنفين فشكّلوا
دولة، زُعم أنهم شركاء فيها، مغنماً ومغرماً. وإذا كان الخلاف بين
رجال السيف والقلم قد رسمت حدوده الحمراء، فإن ما نشهده اليوم يمثل
تمرّداً على تلك العلاقة، ومحاولة لإعادة تشكيل التحالف ومن ثم تقسيم
الغنائم بشكل (عادل!).
لقد تخلّى رجال السيف عن سيوفهم، فالتقطها رجال القلم، وتغيّرت
مهمّات كل طرف، وفشا العنف في عاصمة السعوديين.
تطورات كثيرة حدثت في المجتمع السعودي تضغط بإنهاء هذا التحالف.
فرجال المذهب الرسمي لم يعودوا يمثلوا ـ وحدهم ـ طليعة ونخبة
المجتمع، حتى المجتمع النجدي نفسه. فانخفاض نسبة الأميّة وارتفاع
مستوى التعليم، جعل مهمّة رجال الدين صعبة في فرض آرائهم وثقافتهم
ورؤيتهم لحاضر البلد ومستقبله. ورجال الدين لم يتطوروا من الناحية
الفكرية بذات النسبة التي تطوّر فيها المجتمع، وبالتالي فإن هالة
القداسة فقدت الكثير من مضامينها، وأساليب الماضي لم تعد مقنعة
للأجيال الجديدة.
وفي جانب السياسة، فإن رجال السيف الممثلون لها، لم يعد ينظر
إليهم من زاوية الحق الإلهي، وكأن الله انتدبهم لمهمّة حكم هذا
(الكوم) من البشر، دونما رأي له يسمع. إن التطورات السياسية التي مرّ
بها المجتمع السعودي لا تقبل اليوم احتكار السلطتين الزمنية والدينية
بين رجال السيف والقلم، ولا تقبل بالتحالف بينهما، وينظر المواطنون
الى تحالف الطرفين كتحالف شرّير لا يستهدف إلا الى الإستبداد الديني
السياسي المزدوج الذي يعيق المجتمع عن التقدم السياسي والإجتماعي.
كلا رجال السيف والقلم أنهوا دورهم الأساس في صنع كيان الدولة،
أما أن يستمروا في الإستفراد بحكمها وتغييب الطرف الثالث والأهم وهو
الشعب عن المعادلة فما عاد بالإمكان الإستمرار فيه.
ونظراً للإنسدادات في العلاقة بين رجال العهد الماضي أو الذي يجب
أن يمضي، تفجّر العنف في المملكة كتعبير واضح لها. وما دامت معادلة
السيف والقلم قد اختلّ توازنها، فهل سيدخل الشعب كعامل مستقلّ في
المعركة لصالح هذا الطرف أو ذاك، أم يؤسس لحالة سياسية خاصّة به يكون
هو حَكَماً فيها؟
لا شك أن رجال القلم الذين استبدلوه بالسلاح سيكونوا من الخاسرين
شأنهم في ذلك شأن رجال السيف، وقد تؤذن المواجهة العنفية بين الطرفين
بنهاية لعقود الإستبداد المزدوج. |