الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة
الجزء الأول
سعد الشريف
في الرؤية الكونية للمذهب الوهابي ما يلفت بوضوح الى
نزعة رسولية شديدة الضراوة بدأت بالمؤسس وانتقلت الى الأجيال
المتناسلة من مدرسته. ليس تنزيه الذات الإيمانية وحده
العنصر المحرّض على الإعلاء من شأن المعتقد الوهابي في
مقابل المعتقدات الأخرى، ولا هو وحده الدافع الأوحد للإحساس
بالتفوق على الآخر، بل ثمة عناصر متشابكة ومتظافرة تجعل
من مؤسس المدرسة الوهابية ومن التحق به وناصر دعوته ظاهرة
بترية وحركة تمرّد داخل المجال العقدي الإسلامي، على أرضية
شعور متخيّل بامتلاك الحقيقة المطلقة، والتي تشكّل ابتداءً
إطاراً عصبوياً لنشوء جماعة ما، إذ لا يمكن للأفراد الإنتظام
في إطار جمعي مالم تتوفر عناصر ربط من نوع (أيديولوجية،
مصلحة، عرق، خطر..)، ثم ما تلبث أن ترسم الجماعة لنفسها
استراتيجية لتجسيد نفسها مادياً على الأرض، ثم السعي لجهة
تحويل الرؤية الكونية الى واقع، أي الانتقال من الايديولوجية
الى الاستراتيجية.
يصوغ الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، قاضي المجمعة
الأسبق والمشرف على مجموعة (الدرر السنيّة في الأجوبة
النجدية)، الرؤية الكونية الوهابية بطريقة لافتة، بقوله
بأنه بعد وفاة الشيخ إبن تيمية وتلامذته
وأتباعهم (إنتقضت عرى الإٌسلام، وعُبِدَت
الكواكب والنجوم، وعُظِّمت القبور، وبُنيت عليها المساجد،
وعُبدت تلك الضرائح والمشاهد، واعتمد عليها في المهمات،
دون الصمد الواحد..). تلك هي الرؤية الكونية الوهابية،
ثم ينتقل للحديث عن الاستراتيجية بما نصّه:
(فبعث ـ أي الله سبحانه وتعالى ـ في
القرن الثاني عشر، عند من خبر الأمور وسبر، ووقف على ما
قرره أهل العلم والأثر، الآية الباهرة، والمحجّة الظاهرة،
شيخ الإسلام والمسلمين، المعدود من أكابر السلف الماضين،
والمجدد لما درس من أصول الملّة والدين، السلفي الأول،
وإن تأخر زمنه عند من خبر وتأمل، بحر العلوم، أوحد المجتهدين،
الشيخ: محجمد بن عبد الوهاب..)1.
حين نسبر عميقاً تلك المعادلة العقدية الوهابية، نجد
أنفسنا أمام حزم متوالية من النصوص الأيديولوجية، المكرورة
في محاولة، كما يبدو، لتأكيد الموقف العقدي التنزيهي.
في التفاصيل، ثمة اضطراب ظاهري في الرؤية الوهابية حول
تكفير الآخر، بدأت من مؤسس المدرسة نفسها، أي الشيخ محمد
بن عبد الوهاب، وانتقلت عبر سلالته وأتباعه وأهل دعوته.
يرصد كلٌ من حمادي الرّديسي وأسماء نويرة شكل المنعرجات
الحادة في خطاب التكفير لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب
بما نصّه:
(ففي العديد من المرات ينكر ـ أي إبن عبد
الوهاب ـ أنه جاء بالتكفير والقتال وأنه يسب الصالحين
أو أمر بإحراق دلائل الخيرات، مدّعياً أن نسبة التكفير
“كذب وبهتان” لا تصدر من “عقل عاقل”. ولكنّه يعترف بأشياء
نسبت إليه منها “أنا أكفّر من عرف دين الرسول، ثم ـ بعد
ما عرفه ـ سبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله. فهذا الذي
أكفّره. وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك”. فإن كان
المسلمون على دين محمد، فأين الإشكال؟ يقرّ ابن عبد الوهاب
في (كشف الشبهات) أن “من عرف التوحيد ولم يعمل به فهو
كافر معاند كفرعون وإبليس..فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً
وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو أشرّ من
الكافر الخالص”. وفي رسالة الى المطاوعة يحثّهم فيها على
التكفير يقول “فما بالكم لم تفشوه في الناس، وتبيّنوا
لهم أن هذا كفر بالله مخرج عن الإسلام”؟ وفي ردّه على
ابن سحيم، الذي لقّبه ابن عبد الوهاب بـ “عدو الله” وبجاهل
“من أجهل الناس”، يقول “أنت تظن أن من صلّى وادّعى أنه
مسلم لا يكفّر”. وفي رسالة لأهل الرياض يقول “كلهم كفّار
مرتدّون عن الإسلام” ويذكر في أكثر من مرة أن أصحاب الرسول
أجمعوا على “قتلهم وتحريقهم إلا ابن العباس في التحريق
فقال: يقتلون بالسيف”. وأوضح ما كتبه في رسالة إلى مطاوع
حيث يعترف بنفسه على نفسه:”أعلم أني عرفت بأربع مسائل.
الأولى، بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس.
الثانية، بيان الشرك، ولم كان في كلام من ينتسب إلى العلم..الثالثة:
تكفير من بان له التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه
ونفّر الناس منه..والرابعة، الأمر بقتال هؤلاء خاصّة حتى
لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. فلما اشتهر عني هؤلاء
الأربع، صدّقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان،
في التوحيد، وفي نفي الشرك وردوا عليَّ التكفير والقتال)2.
هذا الصورة الكثيفة للغاية التي خلص إليها الرديسي
ونويرة، تمثّل عنصر التحريض لبحث واسع النطاق في النصوص
الوهابية ذات الطبيعة التحريضية، أي التي تشتمل على مخزون
هائل ومضغوط من الكراهية الدينية إزاء الآخر، ما يدفع
الى تقصّي ما ورد في كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
وكذلك المتحدّرين من مدرسته، في التكفير والكراهية الدينية.
التكفير: خفي وجلي
في الصورة الأولى، قد لا يعتنق الشيخ ابن عبد الوهاب
موقفاً تكفيرياً ضد (الأعيان)، بحسب زعمه، ولكن ما نلبث
نجد أنفسنا أمام ماورائية مثيرة، حين يضع معايير صارمة
وبالغة التقييد لـ (لإيمان) بما يجعله ضيقاً حرجاً، ينطبق
حصرياً عليه وأتباعه دون سواهم، فيصبح ماعداهم خارج نطاق
الإيمان، بل واقعون بلا مناص في دائرة الكفر.
ففي رسالة له جاء (ولا أكفر أحداً
من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام..)3.
وقد يعني (الذنب) الذي لا يخرج من وجهة نظره المرء من
دائرة الإيمان أو ملة الإسلام. ولكن الأمر هنا ليس على
نحو التسامح، إذ المنطلق في التكفير يبدأ من النقطة الفاصلة
ليس بين الإيمان وعدم الإيمان بالله، بل بالطريقة التي
يتم الإيمان بها. ففي رسالة يرد فيها على رسالة بعث بها
إليه محمد بن عبّاد مطوع ترمداء، وصف فيها الشيخ ابن عبد
الوهاب علماء سدير (..إن هؤلاء ماعرفوا التوحيد، وإنهم
منكرون دين الإسلام..)4.
لا يجد الشيخ إبن عبد الوهاب غضاضة في الإذعان لما
لحق به من إتهامات، هي تمثّل خصائص لازمة لخطه العقدي،
ففي رسالة يقول فيها ما نصّه (أعلم
أني عرفت بأربع مسائل، الأولى: بيان التوحيد مع أنه لم
يطرق آذان أكثر الناس. الثانية: بيان الشرك ولو كان في
كلام من ينتسب إلى العلم (وفي نسخة إلى علم)، أو عبادة
من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة..الثالثة:
تكفير من بان له أن التوحيد هو دين اله ورسوله ثم أبغضه
ونفر الناس عنه..الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة حتى
لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)5.
وفيما ينفي ابن عبد الوهاب عن نفسه تهمة التكفير، يعود
مرة أخرى في مكان آخر ويصدر حكماً عاماً بتكفير أهل البوادي
بقوله:
(من المعلوم عند الخاص والعام ما عليه
البوادي أو أكثرهم، فإن كابر معاندهم لم يقدر على أن يقول
أن عنزة وآل ظفير وأمثالهم مثلهم مشاهيرهم والأتباع إنهم
مقرّون بالبعث ولا يشكّون فيه، ولا يقدر أن يقول إنهم
يقولون إن كتاب الله عند الحضر وأنهم عانقوه ومتّبعون
ما أحدث آباؤهم مما يسمونه الحق ويفضلونه على شريعة الله..)6.
ثم يصعّد لهجة التكفير بقوله (..فإن
كان للوضوء ثمانية نواقض ففيهم ـ أي في أهل البوادي ـ
من نواقض الإسلام أكثر من المائة ناقض..)7.
المثير في رد إبن عبد الوهاب تهمة التكفير عن نفسه
أنه هو الآخر ينطوي على تكفير، لأن عدم إقرار البوادي
بأنهم على الكفر بعد أن أتوا بنواقض الإسلام، يستلزم تكفيرهم،
بناء على قاعدة (من لم يكفّر كافراً فهو كافر)، كقوله:
(وأن البوادي يفعلون من النواقض
مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم وأنتم
تذكرون أن من ردّ شيئاً مما جاء به الرسول بعد معرفته
أنه كافر. فإذا كان المويس وابن اسماعيل والعديلي وابن
عباد وجميع أتباعهم كلهم على هذا فقد صرّحتم غاية التصريح
أنهم كفّار مرتدّون، وإن إدعى مدع أنهم يكفّرونهم أو ادعى
أن جميع البادية لم يتحقق من أحد منهم من النواقض شيئاً
أو إدعى أنهم لا يعرفون أن دين الرسول خلاف ماهم عليه
فهذا كمن إدعى أن إبن سليمان وسعود وإبن دواس وأمثالهم
عبّاد زهاد فقراء..)8.
ثمة لغة عقدية جازمة تضمر دلالات غاية في الخطورة،
إلى جانب ما تنبىء عنه من نزعة وصائية وتنزيهية متعالية.
يقول إبن عبد الوهاب (أقطع أن كفر من
عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله)9.
فمن أين جاء بهذا القطع، وهو أمر يرجع حكمه إلى الله؟
في مقابل اللهجة التكفيرية المتصاعدة والمفتوحة على
الأعيان وأهل الزمان، أي أهل زمانه ومن سبقه، يعود إبن
عبد الوهاب ويدفع عن نفسه تهمة التكفير. ففي رسالة وجّهها
الى السويدي عالم من أهل العراق، ردّ فيها على ما يقوله
الناس فيه، ومنها:
(ماذكرتم أني أكفّر جميع الناس إلا
من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة. وياعجباً كيف
يدخل هذا في عقل عاقل هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف
أو مجنون، وكذلك قولهم إنه يقول لو أقدر أهدم قبة النبي
صلى الله وسلم لهدمتها. وأما (دلائل الخيرات) فله سبب
وذلك أن أشرت على من قبل نصيحتي من إخواني أن لا يصير
في قلبه أجل من كتاب الله ويظن أن القراءة فيه أجلّ من
قراة القرآن..)10.
وبصرف النظر عن كل المواقف الدفاعية للشيخ إبن عبد
الوهاب، فقد بات معلوماً بل وشائعاً أن الدعوة إلى هدم
قبة النبي صلى الله عليه وسلم لم تصدر سوى من أهل دعوة
الشيخ إبن عبد الوهاب، وباتت معروفة، وقد جاء في كتاب
ابراهيم بن سليمان الجبهان (تبديد الظلام وتنبيه النيام)،
الذي أشرفت إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،
برئاسة المفتي السابق الشيخ عبد العزيز إبن باز، على طباعته
بإذن تحت رقم 4411/5 بتاريخ 11/7/1400هـ ما نصّه:
(نحن لاننكر أن بقاء البنية على قبر
الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف لما أمر به الرسول)!!،
ويضيف قائلاً: (وإن إدخال قبره في المسجد ـ أي المسجد
النبوي ـ أشد إثماً واعظم مخالفة)، وينتهي للقول بأن (سكوت
المسلمين على بقاء هذه البنية لايصيرها أمراً مشروعاً)11.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن بقاء القبة النبوية
فقال ما نصّه: (القبة عاد عسى الله يسهل هدمها)، بحسب
ما جاء في مقطع مشهور في اليوتيوب.
عوداً الى خطاب التكفير لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
نجد أنفسنا تارة أمام رؤية تكفيرية مخفّفة كقوله:
(وأما التكفير فأنا أكفّر من عرف
دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبّه ونهى الناس عنه وعادى
من فعله فهذا هو الذي أكفّره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا
كذلك. وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون
النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً
ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة “وجزاء سيئة سيئة
مثلها” وكذلك من جاهر بسبّ دين الرسول بعد ما عرفه)12.
ثم ما تلبث أن تضطرب الرؤية، كما جاء في رسالة وجّهها
إلى علماء الديار المقدّسة، حيث ينفي ابن عبد الوهاب عن
نفسه تكفير البوادي بقوله: (أشاعوا
عنّا من التكفير وأني أفتيت بكفر البوادي الذي ينكرون
البعث والجنّة والنار وينكرون ميراث النساء مع علمهم أن
كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث بالذكر أنكروا)، ثم يقول، وهنا موضع تأمل:
(فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس
في أرضنا، إستنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدّعي
العلم..)13. ويضيف: (فلما أفتيت
بكفر تبر البوادي من أهل القرى مع علمه بما أنزل الله
وبما أجمع عليه العلماء كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل
فينا من الأكاذيب والبهتان)14.
من الواضح، أن الشيخ إبن عبد الوهاب لا يستند في رؤيته
الى نصوص دينية موضع إجماع المسلمين عامة مثل (قولوا لا
إله الله تفلحوا)، ولا روايات تاريخية مشهورة من تاريخ
الإسلام المبكر، كرواية أسامة بن زيد الذي قتل إمرءًا
فوبّخه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: أقتلته
بعد أن قال لا إله إلا الله، وحين ردّ بأنه قالها عن غير
يقين أو قالها وهو خائف، قال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم موبّخاً: فهل شققت عن قلبه. في إشارة إلى أن خبايا
النيّات موكولة إلى الله وحده. في المقابل، يتجاوز الشيخ
ابن عبد الوهاب الحدود العامة المتّفق عليها في الإيمان
والإسلام، ليضع شروطاً لم ترد لا في حديث ولا في سيرة
المسلمين الأوائل، من قبيل تقسيم التوحيد الى ثلاثة أقسام:
توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات،
فلم يخضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه لإمتحان
في التوحيد بالطريقة التي يرسمها إبن عبد الوهاب، ولم
تكن القبائل تسأل عن الأنواع الثلاثة للتوحيد، بل كانت
الفطرة دليلاً على الإيمان بالله وحده لا شريك، بل لم
نجد في أي من مصنّفات العلماء الأوائل ولا حتى سجالاتهم
الفكرية ما يشير الى وجود هذا التقسيم، بالرغم من أن موضوعات
لاهوتية عدّة كانت حاضرة في نقاشات التيولوجيين المسلمين
الأوائل.
الجدير بالذكر هنا، أن الشيخ إبن عبد الوهاب ذكر في
رسالة وجّهها إلى عالم من أهل المدينة يقول له فيها
(..فما اختلفنا في شيء من شرائع الاسلام
من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، ولا في شيء من المحرمات..).
فماهو مصدر الاختلاف إذن؟ يقول في مكان آخر:
(أساس الأمر ورأسه ودعوة الرسل من أولهم
إلى آخرهم الأمر بعبادة الله وحده لا شريك والنهي عن عبادة
من سواء)15. فقد وضع شروطاً صارمة كيما يكتسب المرء
صفة المسلم، فلا بد أن يؤمن بتوحيد الأولوهية (وأن الذي
يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية) وليس توحيد
الربوبية. ثم يقول: (وأن دين الاسلام
اليوم من أغرب الأشياء أعني دين الاسلام الصرف الذي لا
يمزج بالشرك والبدع)16. وخلص من هذا الإعداد الجدلي
الى حقيقة صادمة: (واعلم أن المشركين
في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله
عليه وسلم بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدة
ويطلبون منهم تفريج الكرباء...)17.
ولنا وقفة هنا مع كتاب (قرة عيون الموحدين في تحقيق
دعوة الأنبياء والمرسلين)، لحفيد الشيخ إبن عبد الوهاب،
عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، والذي اشتمل
على نصوص مستفيضة تؤكّد على أن كفر زمان ما قبل جدّه وزمانه
أشدّ من كفر الأولين. وقال:
(وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة
في هذا الشرك.. علموا أن لا إله إلا الله تنفي الشرك الذي
وقعوا فيه، وأنكروا التوحيد الذي دلت عليه، فصار أولئك
المشركون أعلم بمعنى هذه الكلمة: “لا إله إلا الله” من
أكثر متأخري هذه الأمة، لا سيما أهل العلم منهم الذين
لهم دراية في بعض الأحكام وعلم الكلام، فجهلوا توحيد العبادة،
فوقعوا في الشرك المنافي له وزينوه، وجهلوا توحيد الأسماء
والصفات وأنكروه، فوقعوا في نفيه أيضا. وصنفوا فيه الكتب
لاعتقادهم أن ذلك حق وهو باطل. وقد اشتدت غربة الإسلام
حتى عاد المعروف منكرا، والمنكر معروفا، فنشأ على هذا
الصغير، وهرم عليه الكبير، وقد قال النبي صلي الله عليه
وسلم: “ بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ)18.
في نص آخر يزيد الشيخ عبد الرحمن بن حسن على غيره بأن
أرجع زمان الجاهلية الثانية الى ما بعد القرون الثلاثة
الأولى حيث (عمّ الجهل بالتوحيد الذي
هو أصل دين الإسلام..وصارت عبادة الأكثرين مشوبة بالشرك
والبدع)، ليخلص للقول: (فكم
ضل بسبب الجهل بمعناها ـ أي معنى لا إله إلا الله ـ من
ضلّ وهم الأكثرون..)19. ويؤكّد هذه الخلاصة بقوله:
(فهذا الذي ذكرناه هو حال الأكثرين
من هذه الأمة بعد القرون الثلاثة، وسبب ذلك الجهل بمعناها
واتباع الهوى، فيصرفه عن اتباع الحق، وما بعث الله به
رسله من توحيده الذي شرعه لعباده ورضيه لهم..كحال أكثر
من يقولها قديما وحديثا، ولكن في أواخر هذه الأمة أكثر..
فما أشبه ما وقع في آخر هذه الأمة بحال أهل الجاهلية من
مشركي العرب وغيرهم. بل وقع ما هو أعظم من الشرك في الربوبية
مما يطول عدّه)20.
القول بأن كفر أهل زمان ابن عبد الوهاب وما قبله أشدّ
من كفر من كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تكرر
كثيراً في أدبيات الوهابية. فقد ذكر محمد أحمد باشميل
في كتابه (كيف نفهم التوحيد)، الصادر سنة 1406هـ
(أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيدًا وأخلص
إيمانًا به من هؤلاء المسلمين الذين يقولون لا إله إلا
الله محمد رسول الله؟) ص 12. وجاء أيضاً في كتاب
(فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد)، تأليف عبد الرحمن بن
حسن بن محمد بن عبد الوهاب، وتحقيق د. الوليد بن عبد الرحمن
بن محمد آل فريّان، دار المؤيد، 2002ـ الطبعة الثامنة،
(أن مشركي أهل هذه الأزمان، أجهل بالله
وبتوحيده من مشركي العرب، ومن قبلهم) ص 70.
ورغم أن إبن عبد الوهاب ينفي تكفير الأعيان، كما في
الأسماء الواردة في رسالة لسليمان بن سحيم مثل ابن عربي
وشمسان وأولاده وغيرهم ولكنه يعود بعد ذلك ويؤصّل لتكفيرهم
بناء على رؤية عقدية معيارية. يقول في رسالة موجّهة لإبن
سحيم يذكر فيها ما جاء في رسالة الأخير
(فصار في أوراقه يقول: أما من قال لا
إله إلا الله لا يُكفَّر، ومن أمّ القبلة لا يُكفَّر)
ويرد عليه (فإذا ذكرنا لهم الآيات التي
فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت يقول نزلت في النصارى..)21.
يتمسّك ظاهراً بدعوى عدم تكفير العموم، ولكن حين يضع
معايير خاصة وضيّقة في عقيدة التوحيد، يكون أكثر الناس
على خلاف معها، وبالتالي يصبحوا في ضوء تلك المعايير كفّاراً!.
يقول في إحدى رسائله (ولا نكفّر إلا
من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة،
وأصرّ مستكبراً معانداً، كغالب من نقاتلهم اليوم..)22.
ما يثير الغرابة، أن معرفة الله وأداء الفرائض لا يجعل
المرء مؤمناً ولا يعصم ذلك دمه. فعدم معرفة لا إله الا
الله ترفع عصمة الدم
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما نصّه:
(أن الكثير من أهل هذه الأزمنة وقبلها،
قد غرّهم من أنفسهم أمران: الأمر الثاني: أن الأكثر ظنوا
أن انتسابهم الى الإسلام، ونطقهم للشهادتين، عاصم للدم
والمال..)23. بل ثمة نصوص واضحة لدى إبن عبد الوهاب،
ترى في أمة المسلمين في زمانه بأنهم أشبه بالكفار الذين
قاتلهم الرسول (ص) كونهم (يعرفون الله
ويعظمونه ويحجّون ويعتمرون ويزعمون أنهم على دين إبراهيم
الخيل وأنه يشهدون أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر
الا الله وحده لا شريك له..)، فما المشكلة إذن؟
يقول أنهم (يدعون الصالحين مثل الملائكة
وعيسى وعزير وغيرهم..)، الفارق أن
(مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازون عيسى والملائكة..)24.
وفي رسالة له إشتملت على أحكام بالتكفير لأشخاص بعينهم
بل وأهل زمانه، الذي اعتبر (ماهم عليه
من دين الجاهلية)، ويخاطب الرجل المعني بالرسالة
(فانظر يا رجل حالك وحال أهل هذا الزمان
أخذوا دينهم عن آبائهم ودانوا بالعرف والعادة، وماجاز
عند أهل الزمان والمكان دانوا به وما لا فلا..)25.
ولمزيد من التوضيح والايغال في خطاب التكفير يقول:
(ولا يمكن في العالم إلا أنه تقف على
كل مسمى منهما مثل الطاغوت أكاد (وفي الدرر السنيّة: تجد)
سليمان والمويس وعريعر وأبا ذراع والشيطان رءوسهم، كذلك
قف عند الأرباب منهم أكادهم (وفي الدرر السنية: تجدهم)
العلماء والعباد كائناً من كان..). ثم يقول:
(ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس..)26.
ثمة معادلة صعبة، وإلى حد ما مقفلة، يضعها الشيخ محمد
بن عبد الوهاب في قضية التوحيد، فهو في الوقت الذي يشترط
الإيمان الكامل بالمواصفات التي رسمها لناحية درء القتال،
يفترض في مكان آخر أن لا سبيل الى الإيمان بالتوحيد الخالص
إلا تحت ظلال السيوف. في رسالة له، يشرط إبن عبد الوهاب
رفع حكم التكفير في حال العمل بالتوحيد، ويقول:
(إعملوا بالتوحيد ودين الرسول، ويرتفع
حكم التكفير والقتال..)27. وينفي إبن عبد الوهاب
عن مشايخه معرفة معنى لا إله إلا الله
(مامنهم رجل عرف ذلك)، ثم يضيف
(فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى
لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت، أو
زعم عن مشايخه أن أحداً عرف ذلك فقد كذب وافترى ولبس على
الناس ومدح نفسه بما ليس فيه)28.
ولنتأمل في هذا المقطع: (وقولكم
إننا نكفر المسلمين كيف تفعلون كذا كيف تفعلون كذا، فإنا
لم نكفر المسلمين بل ما كفّرنا إلا المشركين..)29.
بمعنى آخر، أن إبن عبد الوهاب لا يعتقد بوجود مسلمين في
الأصل حتى يلام على تكفيرهم، بل هم مشركون ولذلك كفّرهم.
يوضّح إبن عبد الوهاب ذلك في رسالة كتبها إلى أحمد بن
ابراهيم مطوّع مرات من بلدان الوشم جاء فيه
(أن التوحيد الذي ندعو إليه دين الله
ورسوله، وأن الذي ننهي عنه في الحرمين والبصرة والحسا
هو الشرك بالله..)30.
وفي لغة مباشرة وجازمة، لا يتردد في إبن عبد الوهاب
في إصدار حكم تكفيري مطلق وهو يخاطب مساجليه:
(إنكم تعرفون أن البادية قد كفروا بالكتاب
كله، وتبرءوا من الدين كله واستهزءوا بالحضر الذين يصدقون
بالبعث، وفضلوا حكم الطاغوت على شريعة الله واستهزءوا
بها مع إقرارهم بأن محمداً رسول الله وأن كتاب الله عند
الحضر لكن كذبوا وكفروا واستهزءوا عناداً). ثم
يستنكر على من أنكر نقدهم: (ومع هذا
تنكرون علينا كفرهم وتصرحون بأن من قال لا إله إلا الله
لا يكفّر..)31.
لا يكتفي بتكفير البدو، بل وكل من طاله حكم التكفير،
بل يصبح الحكم ناجزاً ضد من يعترض تكفير من كفّره هو،
وهذا ما يذكره في نواقض الإسلام، حيث يذكر في الناقض الثالث:
(من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم،
أو صحّح مذهبهم كفر إجماعاً)32. وحتى ينفي عن نفسه
الانفراد بموقف عقدي خطير كهذا، يتوسّل بخلاصة تاريخ التكفير
في المجال الإسلامي ويقول: (ولو ذهبنا
نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وافتواىبردته
وقتله لطال الكلام..)33.
في تكفير الأعيان أيضاً، يقول إبن عبد الوهاب في رسالة
شديدة اللهجة لسليمان بن سحيم يقول فيها:
(وقبل الجواب نذكر لك أنك أنت وأباك
مصرحون بالكفر والشرك والنفاق..وأنت إلى الآن أنت وأبوك
لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله أنا أشهد بهذا شهادة
يسألني الله عنها يوم القيامة أنك لا تعرفها إلى الآن
ولا أبوك، ونكشف لك هذا كشفاً لعلك تتوب إلى الله وتدخل
في دين الإسلام..)34.
ويعتبر هذا النص الراديكالي كاشفاً عن نزعة رسولية
غير مسبوقة، لما تنطوي عليه من تجاوز لمعايير الحكم بإسلام
الأفراد، كيف والحال عكس ذلك تماماً حيث يجزم إبن عبد
الوهاب بأنه يعلم حقيقة إيمان بن سحيم وأبيه، بما يتطلب
سبراً وتفتيشاً للنيّات. ما يزيد الأمر تعقيداً ودهشة،
أن إبن عبد الوهاب يسرد أدلة على موقفه ويضع ذلك في سياق
حكم عمومي، أو رؤية عقدية شاملة كقوله:
(أن الناس قيما مضى عبدوا الطواغيت
عبادة ملأت الأرض بهذا الذي تقرّ أنه من الشرك..)35.
وينطلق من العموم الى الخصوص، أي بما يجيز إصدار حكم بالتكفير
على الأعيان بعد أن ثبتت على العموم يقول:
(وأما أهل السنة فمذهبهم: أن المسلم
لا يكفر إلا بالشرك، ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم
إلا بالشرك وأنت رجل من أجهل الناس تظن أن من صلى وادعى
أنه مسلم لا يكفر..)36.
ثمة إشارة ضرورية هنا: أن الرؤية العقدية/ الكونية
لدى الشيخ ابن عبد الوهاب تفضي الى حكم إجمالي يستوعب
طوائف عديدة من الأمة، إن لم يكن الأغلبية فيها، وبالتالي
فإن صدور حكم بتكفير الأعيان أو جماعات محدّدة أو حتى
بلدات معيّنة يندرج في إطار الحكم الإجمالي. ففي رسالته
لجماعة من أهل شقراء يقول لهم:
(أن مصداق قولي فيما ترونه فيمن
ارتد من البلدان أولهن (ضرما) وآخرهن (حريملا) هم حصلوا
سعة فيما يزعمون أو مازادوا إلا ضيقاً وخوفاً على ما هم
قبل أن يرتدوا. وأنتم كذلك المعروف منكم إنكم ما تدينون
للناقر وهم على عنفوان القوة في الجاهلية فيوم رزقكم الله
دين الإسلام الصرف وكنتم على بصيرة في دينكم وضعف من عدوكم
أذعنتموا له حتى أن يبغى منكم الخسر ما يشابه لجزية اليهود
والنصارى..)37.
جاء العلماء من أتباع إبن عبد الوهاب وردّدوا الكلام
نفسه من قبيل أن ليس العامة فحسب بل والعلماء أيضاً جهلوا
معنى (لا إله الا الله) وهذا الجهل يعود الى أزمنة غابرة،
فقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن شيخ يدعى أحمد بن
مشرف بأن ما يعلم عنه هو (صحة المعتقد في توحيد الأنبياء
والمرسلين، الذي جهله أكثر الطوائف..) ، وأن الأشاعرة
ـ الذين هم أكثر المسلمين السنّة اليوم ـ أخطأوا في ثلاث
من أصول الدين، منها تأويل الصفات، كما أخذوا ـ بحسب قولهم
ـ ببدعة عبد الله بن كلاب في كلام الرب تعالى وتقدّس،
وأخطؤوا أيضاً في التوحيد، ولم يعرفوا من تفسير لا إله
الا الله إلا أن معناها: القادر على الاختراع. ثم يقول
الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ:
(فإذا كان العلماء في وقتنا هذا،
وقبله، في كثر من الأمصار، ما يعرفون من معنى لا إله الا
الله، إلا توحيد الربوبية، كمن كان كان قبلهم في عصر شيخ
الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، اغتروا بقول
بعض العلماء، من المتكّلمين: إن معنى لا إله الا الله
القادرة على الإختراع...)38.
وفي رسالة للشيخ عبد الرحمن بن حسن الى الإخوان والأعيان
من أهل الأحساء: (ولا نعلم أحداً من
علماء الأحساء صدع بهذا الدين، وعرفه، وعرّفه)39.
وبطبيعة الحال، فإن المقصود بالدين هو معنى لا إله إلا
الله. الرؤية العقدية الوهابية التي تستبطن حكماً تتلخص
في التالي: ان المسلمين الحاليين، كما الكفّار، مقرّون
بالربوبية ولا يشهدون بالألوهية.
وقد سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة ما يدعو إليه،
فقدّم شرحاً مسهباً يشتمل على الرؤية العقدية الوهابية
للعالم الاسلامي في زمانه، ويمكن اختصارها في أن المسلمين
قد عادوا الى (الجاهلية) التي غزت كل الأقطار بما فيها
بلاد الحرمين مكة والمدينة. وجاء على ذكر مصر فقال عنها:
(وأما بلاد مصر وصعيدها وفيومها
وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية، والعبادات الوثنيّة،
والدعاوى الفرعونية، ما لا يتسع له كتاب، ولا يدنو له
خطاب، و لاسيما عند مشهد: أحمد البدوي، وأمثاله، من المعتقدين
المعبودين، فقد جاوزوا بهم: ما ادعته الجاهلية، لآلهتهم،
وجمهورهم: يرى من تدبير الربوبية، والتصريف في الكون،
بالمشيئة، والقدرة العامة، ما لم ينقل مثله عن أحد من
الفراعنة، والنماردة... وقد استباحوا عند تلك المشاهد،
من المنكرات، والفواحش، والمفاسد، ما لا يمكن حصره، ولا
يستطاع وصفه..)40.
وقال مثل ذلك وأكثر منه عن اليمن التاريخية، وبلاد
الشام، والعراق وبلدان الجزيرة العربية قاطبة.
في الحكم عن مواكلة الشيعي والسلام عليه، والانبساط
معه، وتقديمه في المجالس، أجاب الشيخ محمد بن عبد اللطيف
آل الشيخ ما نصّه: (لا يجوز لأنه موالاة
ومودة) واستدل بذلك (والله تعالى قد قطع الموالاة
بين المسلمين والمشركين، بقوله: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين
أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في
شيء) ويقول في مكان آخر: (وأما مجرّد
السلام على الرافضة، ومصاحبتهم ومعاشرتهم، مع اعتقاد كفرهم
وضلالهم، فخطر عظيم، وذنب وخيم، يخاف على مرتكبه، من موت
قلبه وانتكاسه..)41. وانسحب الحكم نفسه على طوائف
عديدة داخل المجال الإسلامي، دع عنك أتباع الديانات الأخرى.
وللمرء أن يتخيّل كيف يكون الحكم على باقي بلاد المسلمين،
حين تصبح البلاد النجدية (كما يصفها علماء الوهابية في
زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن بعده) بدار الهجرة بما
تشتمل عليه من أحكام دينية.
في الفتاوى ذات المضمون العقدي ما يكشف عن خارطة أيديولوجية
واسعة يتم فيها موضعة الفرق والطوائف والأفراد على أساس
حدّي الإيمان والكفر. ففي فتوى رقم (11621) لعضو هيئة
كبار العلماء الأسبق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
وموضوعها: حكم الشرع في الإخوان والصوفية والشيعة والأشعرية.
ولنتأمل طويلاً في عبارة (حكم الشرع)، لأن في ذلك نزعة
اقتلاعية وتنزيهية، تنطوي على احتكار تفسير النص الديني
ونزع أي مشروعية للآخر ـ الديني. يقول السؤال: ما هو حكم
الشرع في الإخوان، والصوفية، والشيعة، والأشعرية؟ لم يقم
بن جبرين بتصحيح عبارة السائل، بل مضى في الإجابة بصورة
مباشرة، وكأنه يقرّ بأن ما سيقوله هو حكم الشرع (والأمر
ليس كذلك، بطبيعة الحال)، ولندقق في الإجابة:
(أما الإخوان المسلمون فإنهم من
أهل الخير إذا كانوا على طريقة أهل السنة لا يدعون الأموات
ولا يتركون العبادات ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ولو حصل من بعضهم شيء من النقص في الأعمال، وأما الصوفية
المتأخرون فإنهم غلوا في الأولياء وأسقطوا عنهم التكاليف
وعبدوهم مع الله فهم بذلك مشركون مطيعون لغير الله في
معصية الله، وأما الشيعة فهم الرافضة يدَّعون أنهم شيعة
علي أي أحبابه ويدَّعون أنهم يوالون أهل البيت وقد كذبوا
فهم يعادون زوجات النبي وعمه العباس وسائر أقاربه من بني
هاشم الذين هم من أهل البيت، ويقصرون أهل البيت على علي
وفاطمة وابنيهما وذريتهما ويسبون بقية الخلفاء ويطعنون
في القرآن ويدعون غير الله، وقد كفروا بذلك، وأما الأشعرية
فيدعون أنهم على عقيدة أبي الحسن الأشعري مع أن الأشعري
رحمه الله قد تاب من هذه العقيدة والتزم معتقد أهل السنة
وتابع الإمام أحمد وأتباعه الآن على مذهب الكُلابية وهم
مُبتدعة ينكرون أكثر الصفات)42.
وقد جاء في جواب الشيخ إبن باز عن الصوفيين وحقيقتهم
وعن كتب محي الدين بن عربي ما نصّه:
(الصوفية أقسام: وهم في الأغلب مبتدعة
عندهم أوراد، وعبادات يأتون بها ليس عليها دليل شرعي،
ومنهم ابن عربي، فإنه صوفي مبتدع ملحد، وهو المعروف محي
الدين بن عربي، وهو صاحب أحداث الوجود، وله كتبٌ فيها
شرٌ كثير، فنحذركم من أصحابه وأتباعه؛ لأنهم منحرفون عن
الهدى، وليسوا بالمسلمين، وهكذا جميع الصوفية..)43.
لا يتطلب مضمون الفتاوى توضيحاً كثيراً، فلا تكاد طائفة
من الطوائف المذكورة في الفتاوى من نالت دمغة الإسلام
الكامل، وغير المشروط، بل تمّ توصيم الغالبية بأحكام الشرك
والكفر والإبتداع. هل في ذلك ما يشير الى أمر ما؟ بالعودة
الى أدبيات الوهابية القديمة والحديثة يظهر أن الطائقة
النقيّة في عقيدتها والحائزة على جدارة المعرفة التوحيدية
تقتصر على أتباع إبن عبد الوهاب وحده.
على سبيل المثال، في كتاب (مشاهير المجددين في الإسلام)،
لمصنّفه صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، عضو هيئة
كبار العلما، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية،
طبع الإدارة العامة للبحوث والدعوة، الرياض، وقدّم له
المفتي السابق للمملكة الشيخ عبد العزيز بن باز، والكتّاب
عبارة عن ترجمة للشيخ إبن تيمية والشيخ إبن عبد الوهاب.
لنتأمل في رد الفوزان على من قال بأن إبن تيمية أفتى بفتاوى
تخالف فتاوى أئمة أهل السنة والجماعة، فقال مانصّه:
(وهذا من الكذب على شيخ الإسلام
إبن تيمية فهو لم ينفرد بقول يخالف به الأئمة جميعا، سواء
الأئمة الأربعة أو أئمة السلف الذين هم قبل الأربعة كما
سبق بيانه فلم يقل قولاً إلا وله سلف فيه من الأئمة، وأهل
السنة والجماعة..)، ثم يستدرك الفوزان لجهة إعادة
تعريف وصف (أهل السنة والجماعة) ويقول ما نصّه:
(اللهم إلا أن يريد هذا القائل بأهل
السنة والجماعة جماعة الأشاعرة والماتريدية – فهذا اصطلاح
خاطئ؛ لأن المراد بأهل السنة والجماعة حقاً من كان على
طريقة الرسول وأصحابه وهم الفرقة الناجية، وهذا الوصف
لا ينطبق إلا على الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم
واتبع طريقهم، والأشاعرة والماتريدية خالفوا الصحابة والتابعين
والأئمة الأربعة في كثير من المسائل الاعتقادية وأصول
الدين فلم يستحقوا أن يلقبوا بأهل السنة والجماعة وهؤلاء
لم يخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وحده بل خالفهم عامة
الأئمة والعلماء الذين ساروا على نهج السلف)44.
ويصف الفوزان أهل زمان الشيخ ابن عبد الوهاب بقوله:
(لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية
تفعله بالأصنام إلا فعلوه)، ثم يعقّب:
(ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع،
لا نجد من يغضب لله، ويغار حميّة للدين الحنيف، لا عالماً
ولا متعلّماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً)45.
وفي رسالة منسوبة الى إثنين من أهل العلم ممن عاصرا
الشيخ إبن عبد الوهاب، وهما محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان
إلى عبد الله محمد بن غيهب: (الباعث
للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجيء هذا الشيخ لهذا القرن
يدعوهم إلى الله وينصح لهم ويأمرهم وينهاهم، حتى أطلع
الله به شموس الوحي وأظهر به الدين وفرق به أهل الباطل..).
وفي واحدة من النصوص المثيرة للجدل والتي تنطوي على الرؤية
العقدية الإجمالية للوهابية إزاء المسلم الآخر، ولكن هذه
المرة علىى لسان شخصين يفترض ابن عبد الوهاب أنهم من التائبين
أو الذين جددوا إسلامهم بناء على ما جاء به هو، جاء في
الرسالة ما نصه:
(فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه
إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين
ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن
وأولياء الشيطان ولابين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو
العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق
بين السنة والبدعة فنجتمع لليلة النصف من شعبان لصلاتها
الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع الفريضة، ونقدم
قبل الصلاة الوسطى - صلاة العصر - من الهذيان ما يفوتها
عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة..
هذا وأضعافه من البدع لم ينهنا عنه
علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا فلا يأمرون بمعروف
ولا ينهون عن منكر ولا ينصحون جاهلًا ولا يهدون ضاًلا
والكلام من جهتهم طويل عصمنا الله وإياك من الاقتداء بهم
واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل منهم. يكفيك
عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك
قول ابن الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجأنا منجنانا
معاذنا ملاذنا. وكذلك تعطيل الصفات في الطيبي فيشهد أن
الله لا جسم ولا عرض ولا قوة. فقبل هذا الشيخ لا تؤدى
أركان الإسلام كالصلاة والزكاة فلم يكن في بلدنا من يزكي
الخارج من الأرض حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا)46.
ورغم أن الرسالة لم تثبت في مصادر أخرى محايدة، خصوصاً
وأن فيها إقراراً مبالغاً فيه بضلال ما كان عليها كاتبا
الرسالة، وسرداً تفصيلياً لممارسات تنبذها الوهابية، وكأن
الرسالة كتبت بطلب يشتمل على براءة من اعتقاد سابق، بل
هي توحي بالطريقة التي تميل إليها المدرسة الوهابية من
أن كل ما عليه الآخر باطل محض، ولا سبيل إلى الخلاص منه
إلا نبذه والاعتناق الفوري لعقيدة إبن عبد الوهاب.
ثمة تناقض خفي في العقيدة الوهابية، فهي في الوقت الذي
تدعو الى نبذ التقليد وتعتبره صنواً للشرك بالله، تتمسّك
برؤيتها العقدية وتعتبرها معيارية بل وإنقاذية، إذ بدونها
تصبح عقيدة المرء باطلة، تؤول الى إحباط العمل. وكانت
ثمة رؤية قديمة أسهب في عرضها مطوّلاً محمد صديق حسن القنوجي،
المقرّب مدرسياً وعقدياً الى الحنبلية الوهابية، بقوله:
(والمقلّد غير مطيع لله وللرسول، بل
يطيع من يقلده من الأئمة والكبراء، بل هو مشاق بهذا لهما،
حيث ترك إطاعة الله واتّباع الرسول، وأطاع غيرهما من غير
حجة نيّرة وبرهان جلي)47. وقال تحت عنوان فرعي
(تقليد المذاهب من الشرك): (تأمل في
مقلدة المذاهب كيف أقروا على أنفسهم بتقليد الأموات من
العلماء والأولياء، واعترفوا بأن فهم الكتاب والسنة كان
خاصاً بهم...)، وتساءل: فما ندري ما عذرهم عن ذلك
غداً يوم الحساب والكتاب؟ وما ينجيهم من ذلك العذاب والعقاب؟
ثم أورد أمراً لا صلة له بالتقليد كقوله:
(وأهل زماننا اليوم، إذا جاءتهم شدّة
تركوا الله، ودعوا فلاناً وفلاناً، واستغاثوا بهم في البر
والبحر، فهم أخف شركاً وأيسر كفراً من أهل زماننا هذا)48.
التكفير.. سنّة وهابية ماضية!
لم تتوقف مفاعيل الرؤية الكونية الوهابية، ولم يتقرر
سحب الحكم الإجمالي والعمومي على معتقدات المسلمين من
التداول، وكأنما تبطن الصلاحية المفتوحة للرؤية الكونية
الوهابية، أن الأخيرة إما أخفقت بعد قرنين من الحركة الدعوية
السلمية والعنفية في تبديل معتقدات غالبية المسلمين المصنّفين
بكونهم كفّاراً، أو مشركين، أو مبتدعة، أو أن للوهابية
وظيفة أخرى ودوراً لا تعيش دون القيام به، وقد يكون (تكفير
الآخر مبرر وجود للذات). كتب الشيخ صالح الفوزان في الباب
الأول من (كتاب التوحيد) بعنوان: (الإنحراف
في حياة البشرية ولمحة تاريخية عن الفكر والإلحاد والشرك
والنفاق)، يقول: (فشا الجهل
في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى،
فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال، وبسبب
البناء على القبور..الخ)49.
وفي الفصل الخامس يتحدّث الفوزان عن الجاهلية، ويفرّق
بين الجاهلية العامة والجاهلية الخاصة، وأن الجاهلية العامة
انتهت بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك جاهلية خاصة
(ببعض الدول وبعض البلدان وبعض الأشخاص
وهذه لا تزال باقية). ثم يردّ بصورة غير مباشرة
على سيد قطب في كتابه (جاهلية القرن العشرين)، ويقول ما
نصّه: (وبهذا يتّضح خطأ من يعممون الجاهلية
في هذا الزمان فيقولون: جاهلية هذا القرن وما شابه ذلك،
والصواب أن يقال: جاهلية بعض أهل هذا القرن أو غالب أهل
هذا القرن..)، وكأنه يلمح الى أن ثمة طائفة لم
تقع في الجاهلية وهي الوهابية.
وأسهب الفوزان في الحديث عن ظاهرة البدع في حياة المسلمين،
حتى لايكاد زمان ولا مصر ولا طائفة إلا كانت البدعة علامة
بارزة في كل منها، ونقل عن ابن تيمية قوله:
(أن عامة البدع المتعلّقة بالعلوم والعبادات
إنما وقع في الأمة في أواخر الخلفاء الراشدين)؛
ثم صار الفوزان يعدّد البدع بحسب رؤيته العقدية بدءً من
القدر والإرجاء والتشيع والاعتزال والجهمية والحرورية
وتقاسمت بلاد الشام والعراق وخراسان هذه البدع، باستثناء
المدينة المنورة التي لم تسلم هي الأخرى فقد
(كان بها من هو مضمر لذلك).
أما اليوم (فإن غالب الناس من المسلمين
قلّدوا الكفار في عمل البدع والشركيات..)50.
وفي نسخة أخرى من الكتاب نفسه، أي (التوحيد) المخصّص
للصف الأول من المرحلة الثانوية، والصادر عن وزارة التربية
والتعليم المملكة العربية السعودية لسنة 1424هـ وصف الأشاعرة
والماتريدية بالشرك، وقال عن المشركين الأوائل:
(فهؤلاء المشركون هم سلف الجهمية والمعتزلة
والأشاعرة)51.
يفّرق الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه:
(القول المفيد على كتاب التوحيد)
بين توحيد الربوبية وتوحيد العبودية، فالمسلمون، على حد
قوله، مجمعون على القسم الأول، أما القسم الآخر أي توحيد
العبودية فقد (كفر به وجحده أكثر الخلق،
ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب).
المسلمون اليوم واقعون حسب الشيخ بن عثيمين ما وقع فيه
الأقوام السالفة، حيث أنهم لم ينكروا وجود الرب
(لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في
شرك العبادة!!) ولذلك يوصي بأن يتم التركيز
(على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج
إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون،
ولا يعلمون)، وفق هذه الرؤية العقدية المحدّدة،
يخرج الشيخ العثيمين الغالبية الساحقة من المسلمين من
مسمى أهل السنة والجماعة، ويقول بأن المسلمين، من غير
أتباع المذهب السلفي والوهابي:
(لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنّة
والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنّة منتسبون
للسنّة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنّة
فيما ذهبوا إليه من التحريف. وأيضاً الجماعة في الأصل:
الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم؛ ففي كتبهم التداخل،
والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلّل بعضاً، ويتناقض
هو بنفسه)52.
وفي أحد اللقاءات المفتوحة مع الشيخ محمد بن صالح العثيمين
بمنزله كل يوم خميس، والتي ابتدأت أواخر شهر شوال من العام
1412هـ وانتهت يوم الخميس الرابع عشر من شهر صفر من العام
1421هـ، سئل ما يلي: هناك من ينكر إستعمال مصطلح أهل السنة
والجماعة، ويقول: نقول: السلفيين أو السلف؛ لأن في ذلك
إدخالاً للأشاعرة و الماتريدية في هذا المصطلح؟، فأجاب
ما نصّه:
(من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما
كانت بدعتهم في الاسم المطلق لأهل السنة والجماعة ، فإن
أهل السنة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيما هم
عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلاً: إذا كان هذا الرجل ينكر
من صفات الله وأسمائه ما ينكره فهو ليس من أهل السنة والجماعة
فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السنة
والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسنة، كفر
أصغر وإيمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله
نقول: هو ليس من أهل السنة والجماعة في صفات الله، وإن
كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلاً، فنحن
نمنع أصلاً أن يكون صاحب بدعة من أهل السنة في بدعته،
وحينئذٍ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء
العلماء. فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل
السنة والجماعة ؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السنة
والجماعة وكيف يكون من أهل السنة والجماعة وهو مخالف لهم؟!!
السائل: وهل مصطلح أهل السنة والجماعة يستعمل للسلفيين
أم لا؟ الجواب: أبداً، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السنة والجماعة
حقيقةً هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه
وسلم وأصحابه.. السائل: - كمثال - نجعل النووي وإبن حجر
من غير أهل السنة والجماعة؟ الشيخ: فيما يذهبان إليه في
الأسماء والصفات ليسا من أهل السنة والجماعة..)53.
وكما هو واضح، فإن المعايير التي يضعها إبن عثيمين،
شأن العلماء السابقين رجوعاً الى الشيخ إبن عبد الوهاب،
تفضي إلى إخراج الأغلبية الساحقة من المسلمين السنّة من
مسمى (أهل السنة والجماعة)، كونهم لا يؤمنون بالتقسيم
الذي وضعه الوهابية لعقيدة التوحيد. ومن الغريب أن الإمام
النووي والشيخ ابن حجر ليسا، بحسب إبن عثيمين، من أهل
السنة والجماعة أيضاً.
وكما أصدر الشيخ إبن عبد الوهاب حكماً بكفر أشخاص بعينهم
مثل سليمان بن سحيم وأبيه، والمويس وغيرهم، فقد جاء من
يعيد إحياء سنّة التكفير في أيامنا. وقد شهدت البلاد في
مطلع التسعينيات من القرن الماضي ظاهر تكفير غير مسبوقة،
بدأت بالأفراد ذكوراً ونساءً على خلفية المطالب بإصلاحات
وحقوق سياسية وإجتماعية، أو دول بما فيها الدولة السعودية
التي وصمت بأنها دولة كافرة بعد أن حكّمت قوانين وضعية
الى جانب أحكام الشريعة. وتطوّر الأمر الى توجيه أحكام
بالكفر المشفوعة بقرار القتل مثل تكفير الكاتب الليبرالي
تركي الحمد. وفي مارس من العام 2008، أفتى الشيخ عبد الرحمن
البرّاك، وهو أحد روّاد الفتوى الشرعية في الوسط الوهابي،
بكفر كاتبين سعوديين لكتابتهما مقالات وصفها بأنها (متصادمة
مع الشرع)، هما عبد الله بن بجاد العتيبي، ويوسف أبا الخيل،
مطالبًا بمحاكمتهما بتهمة الردة، فإذا لم يرجع كل منهما
عن قوله: (وجب قتله مرتدًّا فلا يغسّل
ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون).
وجاءت الفتوى على خلفية مقال كتبه العتيبي في يناير
2008 بصحيفة (الرياض) بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع)،
ومقال آخر في الصحيفة نفسها للكاتب أبا الخيل نشر في ديسمبر
2007 بعنوان (الآخر في ميزان الإسلام)54.
الهوامش
1ـ أنظر: الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية، جمع عبد
الرحمن بن محمد النجدي، الطبعة السابعة، 2004، الجزء الأول
ـ العقائد، ص 16
2 ـ حمادي الرّديسي وأسماء نويرة، الرّدّ على الوهّابيّة..في
القرن التاسع عشر، نصوص الغرب الإسلامي نموذجاً، صدر عن
دار الطليعة، بيروت، سنة 2008 ص 114 ـ115
3 ـ الرسائل الشخصية، قام بالتصحيح والمقابلة على نصخ
خطيّة ومطبوعة، صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، ومحمد
بن صالح العليقي، المجلد السابع من مؤلفات الإمام محمد
بن عبد الوهاب ص 11
4 ـ المصدر السابق، ص ص 19 ـ20
5 ـ المصدر السابق، ص ص 24 ـ 25
6 ـ المصدر السابق، ص 25
7 ـ المصدر السابق، ص ص 25 ـ26
8ـ المصدر السابق ص 25
9ـ المصدر السابق، ص 27
10 ـ المصدر السابق ص 37
11 ـ إبراهيم الجبهان، تبديد الظلام وتنبيه النيام،
دار المجمع العلمي بجدة، الطبعة الثالثة 1979، ص 389
12 ـ الرسائل الشخصية، مصدر سابق، ص 38
13 ـ المصدر السابق، ص 39
14 ـ المصدر السابق، ص 41 ـ42
15 ـ المصدر السابق، ص ص 46 ـ 47
16 ـ المصدر السابق، ص ص 65، 66
17 ـ المصدر السابق، ص ص 69
18 ـ عبد الرحمن بن حسن، قرّة عيون الموحدين، دراسة
وتحقيق: بشير محمد عيون، الناشر: مكتبة المؤيد، الطائف،
المملكة العربية السعودية/ مكتبة دار البيان، دمشق، الجمهورية
العربية السورية، الأولى، 1411هـ/1990م، ص 16
19 ـ المصدر السابق، ص 25، 26
20 ـ المصدر السابق، ص ص 42، 70
21 ـ الرسائل الشخصية، مصدر سابق، ص 88
22ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الأول،
مصدر سابق ص 234
23 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الثامن،
مصدر سابق ص 206
24ـ الرسائل الشخصية، الرسالة التاسعة عشرة ص ص 124
ـ 125
25 ـ المصدر السابق، ص ص 170، 171
26ـ المصدر السابق، ص 172 ـ 173
27 ـ المصدر السابق، ص 182
28ـ المصدر السابق، ص 187
29ـ المصدر السابق، ص 189
30ـ المصدر السابق، ص 204
31ـ المصدر السابق، ص 209
32ـ المصدر السابق، ص 213
33ـ المصدر السابق، ص 220
34ـ المصدر السابق، ص 226
35ـ المصدر السابق، ص 227
36ـ المصدر السابق، ص 233
37ـ المصدر السابق ص 292
38ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، مصدر سابق،
الجزء الأول، ص ص 319، 320ـ 321
39ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الأول،
ص 324
40ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الأول،
ص 382
41 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الثامن،
ص 439، 451
42ـ الموقع الرسمي للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن
جبرين على الإنترنت، رقم الفتوى11621
43ـ أنظر الموقع الرسمي للشيخ إبن باز على الشبكة الالكترونية:
http://www.binbaz.org.sa/mat/10231
44 ـ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، من
مشاهير المجددين في الإسلام، تقديم الشيخ عبد العزيز بن
باز، طبع خاص، ص 18
45ـ المصدر السابق، ص 37
46ـ المصدر السابق، ص 37 ـ 38 عن كتاب (علماء نجد خلال
ستة قرون)، للشيخ عبد الله البسام، الجزء الثاني ص 605
ـ606
47 ـ محمد صديق حسن القنوجي البخاري (ت 1235هـ) الدين
الخالص، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الاولى 1995،
الجزء الثالث، ص 11
48 ـ القنوجي البخاري، المصدر السابق، الجزء الأول
ص 140
49 ـ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، كتاب
التوحيد، (طبع خاص رقم 119)، ص 7
50 ـ المصدر السابق، ص ص 112، 116
51 ـ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، كتاب
التوحيد، وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية،
سنة الطبع 1424هـ ص ص 66 و67
52 ـ الشيخ محمد بن صالح العثيمين، القول المفيد على
كتاب التوحيد، الجزء الأول ص ص 5، 6 أنظر الرابط:
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=81
53 ـ سلسلة لقاءات الباب المفتوح مع الشيخ محمد بن
صالح العثيمين، في الفترة ما بين 1412 ـ 1421، نشرت على
موقع صيد الفوائد على شبكة الإنترنت، الجزء الثامن ص 29
54 ـ أنظر: موقع العربية. نت بتاريخ 24 فبراير 2010،
http://www.alarabiya.net/mob/ar/101336.html
|